أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دريسي مولاي عبد الرحمان - عبثية الاقدار















المزيد.....

عبثية الاقدار


دريسي مولاي عبد الرحمان

الحوار المتمدن-العدد: 2334 - 2008 / 7 / 6 - 06:21
المحور: الادب والفن
    



الصدفة...

لم تكن فكرة الصدفة واردة في قاموسي اليومي,ولم اعرف لها داعيا,الى ان تجسدت كحقيقة انعكست في مراة حياتي.على مر سنوات مضت وعبر مسافات طوال قطعتها حافي القدمين فوق رمال ساخنة ملتهبة باحداث محرقة.فادميت من فرط ضياعي بين دروب القسوة والالم,وانتفخ جلدي دملا من وطاة الجروح المتتابعة,راسمة رموزا لداكرة تغضنت ملامحها على الجسد المنهك,فاصبح واهنا,خافتا,متداعيا للسقوط في اية لحظة.انها لحظة الاحتضار حيث سالقي باخر نظرة في افق هاته الصحراء التي هي وطني...

صحيح انني ابن الصحراء والارض المقفرة الجرداء.سطوة الطبيعة باصفرارها جعلت مني شخصا غريب الاطوارومتقلب المزاج,وحاد العصبية التي تستبد بي كما استبدت لتاريخ عظيم بنظام القبيلة واعرافها.كنت مهووسا بمطاردة الكلاب والقطط الضالةوواجد متعة لا توصف في اخراج الافاعي منن اوجارها والضباب من اوكارها.اشعل النيران وحيدا في غمرة الوحدة الموحشة,في الامكنة المتوغلة نايا عن الانظار.واصرخ ملء طاقتي حتى اجثو على ركبتي ويداي تتمرغان في اتربة لم تلامسها خطوات الناس ولا حتى قوائم الدواب التائهة,الى ان جاءت امطار الغيث على متن غمام امراة احيت شقوق القحط وتصدعات الارض وبعثت مع دلك في النفوس راحة سرى دبيبها في اوصال الجسد المتعب وكانها بواعث وحي سقط من الفراغ على ارصفة اسفلتية متحجرة...

كنت وحيدا غير مخالط لجموع الناس.التوحد حكمتي مند الطفولة.ترعرعت بين احضان النقاء الروحي.لكن قسوة العراء ووحشة الطبيعة,خلقت مني كائنا يعج بالتحدي الممزوج بالرغبة في توهم تفوق استثنائي.كانت بوادر عبقرية غريبة تنتابني وانا افكر في اشياء لم تخطر لي على بال.ولا عندي معها اي اتصال يدكر.كنت اسافر بعيدا في حدود اللحظات التي امتطي فيها قطار الزمن الدي يرتحل عبر سكته الطيفية في مسار دائري,الى تخوم الامكنة التي تعج بالصخب والضوضاء وغوغائية البشر.عدتي وزادي لا يعدوان ان يكونا سوى ماء وخبز وعرق وكتاب مجهول العنوان اتابطه دوما.سفر من اسفار العهد القديم تفوح منه رائحة رسالة رسمت ملامحها مند الازل.قراته مرارا.خلته احيانا تفسيرا للاحلام,واحيانا اخرى توثيقا لشواهد الايام,واخيرا مرشدا لدين جديد رسالته حب الايمان كدين بديل عوض الاوثان...

في يوم صيف حار.كنت اغفو تحت فيء شجرة متوحدة في خلاء الصحراء.صهد قوي خنق ادنى حركة تنفس.استلقيت على جدعها الناتئ بخدوش عابري السبيل.كتابي ملفوف بخرقة صوفية وموضوع بعناية في جرابي.كسرة خبز يابسة قضمت منها فسمعت صليل اسناني يتعاظم وكانه يروم الافتراس.تثاقلت الرغبة في النوم الحلو متى وجدت نفسي في احضان حلم غريب:امراة في هياة ملاك,عارية باكملها الا من اوراق التين التي غطت سوءتها.يرافقها طفلين.تمسك باحدهما في يد والاخر في اليد الثانية.ضبابية الرؤية تمنعني من استيضاح الصورة المغشية.لكن ما علق في مخيلتي هي انها بعد رحلة سريعة بين مروج خضراءوتربعت على منصتها,يحف بها اشجار الغار وازهار الياسمين,الطفلان يلاعبان بعضيهما البعض في براءة طفولية مطلقة.البنت تحمل قصة بين يديها تقراها وهي تتمتم كلمات بلغة غريبة طائفة حول امها,والولد الصغير يركب دراجته في مرح فائق.اما السيدة المكللة بوقار اختلط مع تعب دفين وشهوانية جسد ينضح القا.كانت مستلقية على ركبتيها,ماكثة على عقبيها,مسدلة لشعرها تجدل ظفائرها وكانها في طقوس تعبدية لصلوات مجهولة.انتهت من تصفيف شعرها وامالت ظفيرتها حتى تدلت لتلامس نهدها الايسر.انطفا سياق الحلم او الرؤيا.لا يهم.لكن قشعريرة سرت في جسدي وكانني في لجة اعماق الصقيع.شعرت بلبرد حاد.لدة طافحة نزلت علي من الفراغ لتروي ظما عاشق الصحراء.فزعت لسماع غربان نعقت فوق الشجرة وحلقت على اثر دلك مفزوعة من ارتعاشتي.ندرت شؤما سيفتك بي بسوداويته,امتزج مع ربيعية الصورة التي كانت تلك المراة اطارها والوانها وريشتها.عقدت العزم حثيث الخطى نحو ابواب العرافة القابعة في كهوف التلال الرملية.طرقتها كلها فانفتح واحد على مصراعيه من الجهة اليسرى لواحة العشق الجنوني...

عبق البخور واعشاب ممزوجة بدخان غطت العرافة عن اخرها.بحيث انها لا تظهر للعيان.تقدمت يداي وكانها في جزيرة العميان,تستنجد بالعرافة الغارقة في الهيجان الى ان لامست قدماي تخوم سجادتها ولمحت عيناي وهج مجمرتها.جلست قبالتها مهمهما بكلمات الحلم.مترددا كنت ارتعد وتلغثم لجم لساني.قالت بصوت محشرج زاد المكان استوحاشا:

- مالي اراك مرعوبا.اكيد انك ابن مبارك من سلالة عريقة في هاته الصحراء.

اجبتها ببرودة قصوى متعمدا:

- بل ملعون سكنه الشيطان واوت جسده هلوسات الضياع.
- هون عليك يا بني.ما الدي جرى؟قص عليك امرك

توسلتها باستعطاف زائد قلت:

- لقد اتيتك ايتها العرافة لتلملمي اوراق حلم سانثرها الان في حضرتك عساك تساعدينني في فك رموز طلاسمه
- تفضل.لكن يبدو انك متلهف وتروم السرعة تمهل.

تنفست الصعداء, وحاولت وضع بعض الترتيب في افكاري.استحضرت بقايا الحلم في الداكرة واسترسلت:

- رايت في منامي امراة في صيغة ملاك رفقة طفليها’متربعة على عرش مطوق بالاشجار والياسمين.المراة تجدل ظفيرتها طيل الوقت.ابنها يسوق دراجته والطفلة تقرا قصتها وهي تطوف حول امها.الغريب في الامر ان نهاية الحلم كان بانتهاء المراة من ترتيب شعرها ورميها لظفيرتها نحو صدرها لتلامس النهد الايسر.افقت على ايقاع هدا الحلم والرعشة زلزلت اوصالي.احسست ببرودة لا تقاوم.ترى ايتها العرافة ما السر في ارتعاشتي؟

ابتسمت العرافة وعيناها تحملقان في كبومة مخيفة قالت:

- حلمك غريب عن درايتي الطويلة في هدا الميدان.اظنه رسالة من سالف الازمان لعاشق يحب الايمان.طرده الواقع بتعقده من كل الاوطان.فاصبح فريسة لابشع حيوان.حيث جاء ندير اللؤم من فوق الشجرة عبر صوت الغربان.انها يابني امراتك تناديك من كل مكان.على ان تلاحقها في كل زمان.لها طفلان.هم ابناؤك باحسان.انطلق لتبحث عنها في حدائق الياسمين والريحان,واصطحب كتابك وحزمة العيدان لتشغل بها عشقك والنيران ولتطهو بها خبزك المقدس الدي لا يقدر باثمان.تعطيه وجبة لكل جوعان.ولا تنس انك مهما كنت ستبقى مجرد حالم وسنان.

هممت باستجماع قواي المنفرطة من شدة الايحاء وقسوة الاعياء.الرؤية مغبشة وانى اعشى.بصيرتي وهنت في حضرة العرافة.لم انبس باية كلمة.ادرت ظهري لها والدخان يكبل المكان بهيبة مخيفة.خرجت من الباب الايسر لاجد نفسي فوق تلة على سطحها كعبة خلتها تطوف حولي.قلت في قرارة نفسي:

- هل انا حفيد ابا يزيد البسطامي وهو تائه في هده البراري؟

مند امد بعيد وانا احترق شوقا من اجل امراة سكنت بقايا صوري.وهاهي اليوم في حلمي تقف وسط طريقي لمرات عدة.لم استشعر حضورها لانها كانت تتوارى حالما اسرع الخطى لارسل ومضات من عيني نحو شفتيها.تندس من وراء سجف الظل لتبلغ افقا لم اتصور ابعاده قط.كنت اعتقد في قرارة نفسي انها امراة تختلف عن باقي النساء وانها حقيقة سكنت عقول الفضلاء وطلبة الحكمة وهواة التامل وقاتلي الشفقة...

كنت متاكدا من انها لا تشبه الاخريات.امراة من زمن الحقيقة الازلية,ترفع جدارا سميكا على فكرة تجسدت عندهن لحدود الابتدال.متيقنة في قرارة فكرها ان الجسد ليس الوساطة الوحيدة لوشج علاقة مع الرجل,لتكون بدلك امراة الفضيلة في وسط زحمة الردائل.

- تساءلت بتردد وانا اتسنم جدار سمائها الزرقاء: هل سالتقيها اليوم ام غدا ام بعد غد...؟؟

لكن سالتقيها.بالتاكيد سالتقيها.وهل ستكون لي هي بالدات؟العرافة حاولت ان تنفس عني,وجعلت تفسير حامي محاولة لايجاد امراة الايمان في استحالة تحقيقها في زمن اللا ايقان.



#دريسي_مولاي_عبد_الرحمان (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- تأمل اخرق
- باطنية احساس
- تأبين حلم
- مرآة
- رقص الكلمات
- هكدا رقصت كلماتي
- هل تحبينني؟
- دين ايماني
- رقصة المطر
- صرخة الليل
- همس الريح
- لحظة عابرة
- تيه في احضان الحقيقة
- روح كينونة
- هوس الخربشة
- النقد عند هيجل1
- نجيب محفوظ.الاحتفاء والتجاوز التاريخي
- اسطورة الحب
- السياسة.المرأة.الحب.اية علاقة
- رحلة صوفية


المزيد.....




- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...
- 24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات ...
- معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - دريسي مولاي عبد الرحمان - عبثية الاقدار