|
لا تنامي يا محلة ، فمن يتحدى آل مبارك لا ينام
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2332 - 2008 / 7 / 4 - 10:07
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
أعرف عدوك ، حكمة قديمة ، أنصح أهل المحلة الكبرى بأن يضعوها في ذاكرتهم الحية ، و أن يعلقونها على جدران بيوتهم ، لتكون دائما نصب أعينهم . العدو من السهل الإشارة إليه ، فليس هناك غيره على الساحة المصرية عدو للشعب المصري ، إنهم آل مبارك ، أما معرفة العدو المقصودة في الحكمة فهي معرفة طريقة تفكيره ، و بالتالي سلوكه المتوقع ، أي إستقراء رد فعله على أي حدث ، و المعرفة تأتي بطول المتابعة ، و تجميع الملاحظات ، ثم إستخلاص النتيجة ، و بما إننا لنا كشعب عشرة طويلة مع مبارك الأب وصلت إلى ما يزيد اليوم على الربع قرن ، فإذا نحن لسنا أمام شخصية مبهمة ، فقط نحتاج العودة لذاكرتنا لتذكر الأحداث الهامة خلال تلك الحقبة المظلمة ، ثم البحث عن رد فعل السلطة عليها ، مع تذكر التصريحات المرتبطة بالأحداث ، و كذلك سقطات اللسان ، لنعرف شخصيته ، و بالتالي رد فعله المستقبلي على الأحداث الحالية و القادمة .
الصورة التي من الممكن أن أرسمها لشخصية مبارك الأب ، هي شخصية الرجل الكتوم الذي لا ينسى أبدا الإساءة إليه أو لأفراد أسرته ، و العنيف لدرجة توصله إلى الدموية إذا حسبها و وجد إنه آمن من عواقب تلك الدموية ، و لكن الهادئ الملامح من الخارج ، و الصبور الذي ينسج خطة ثأره في هدوء و روية ، خاصة عندما يتعامل مع شخصية معروفة ، أو دولة أخرى ، أو تكتل بشري مصري - محلي أو خارجي - له وزنه ، و التهور معه قد يكون له عواقبه الخطرة ، فلمبارك طريقته في التعامل مع كل حالة ، فهو ذكي و ليس كما يبدو . الأمثلة التي تؤكد هذا الإستقراء لشخصية مبارك الأب كثيرة - فعشرة الشعب المصري معه لربع قرن تكفل توافر تلك الأمثلة – و لكن لنكتفي سوية بإستعراض بعضا منها ، و ليكن الإختيار متنوع في الطبيعة . لو شئنا مثال لتعامل مبارك مع شخصية واحدة ، فلعل أنصع مثال هو تعامل مبارك الأب مع كل من د. أيمن نور ، و الدكتور نعمان جمعة ، فمن يرجع للوراء ، و تحديدا إلى مايو من عام 2005 ، سيتذكر حديث مبارك الأب مع صديقة الكويتي الصدوق ، رئيس تحرير صحيفة السياسة الكويتية ، و بالأخص سؤال الكويتي لمبارك عن المعارضة المصرية - بالطبع علينا أن نتذكر إن وقتها كان وقت الحملة الإنتخابية الرئاسية - كان رد مبارك موجزا ، و لكن شافيا ، حين أجاب في إختصار مفيد : لكل أجل كتاب . و نعرف جميعا كيف جاء الأجل المباركي للإثنين ، الأول لفقت له تهمة و يقبع في السجن لليوم ، و الأخر ، و مراعاة لسنه ، و تردده الطويل في الترشيح ، و طول مشاركته في تمثيلية العملية السياسية المصرية خلال حقبة الشدة المباركية ، كان أن تم الإكتفاء بطردة من منصبه الحزبي في أقبح صورة . أعتقد إن هذا المثال هو خير دليل ، ليس فقط على الطبيعة الثأرية لمبارك ، و لكن أيضا مثال رائع يكشف خبايا أهم صفات شخصية مبارك الأب ، و هي طول الأناة في التخطيط و الترتيب لما عزم عليه . أما إذا شئنا مثال على تعامله مع كتلة بشرية محلية ، فلعل تعامل مبارك الأب مع مدينة بورسعيد يكفي ، فبعد المحاولة الفاشلة لإغتياله عندما كان في زيارة لبورسعيد ، كان الرد عليها هو العقاب الجماعي لأهالي بورسعيد - هو نفس الإسلوب النازي للتعامل مع سكان الأحياء المدنية و التجمعات القروية التي كانت تحدث بقربها حوادث إعتداء على أرواح جيش النازي - و ذلك حين قام مبارك بخنق المدينة بأكملها ، بإلغاء الميزة الإقتصادية التي كانت تتمتع بها بورسعيد ، و بها بنت ثروتها و شهرتها في مصر .
التعامل مع المحلة الكبرى بالتأكيد سيختلف ، و ذلك لإختلاف طبيعة سكان المنطقتين ، في الشخصية و النشاط ، فطبيعة شخصية سكان السواحل غير طبيعة سكان قلب الريف و الإثنان طبيعتهم غير طبيعة سكان الصعيد الحقيقي ، و لهذا لكل طريقة في التعامل معه . كذلك فإن طبيعة النشاط الإقتصادي لسكان المدينتين متباينة أشد التباين ، فبورسعيد كان أغلب أهلها تجار ، أما المحلة الكبرى فعمال ، و شتان بين النشاطين ، فالتجار لا يوجد بينهم التضامن الذي يوجد بين العمال ، الذين لا يوجد لديهم أي سبب للتنافس ، بل كل الأسباب تدفعهم للتضامن ، فالرواتب محددة سلفا ، و التباين بين الرواتب ليس بالشاسع ، و اسباب التباين متقبلة ، مثل الأقدمية و الخبرة و طبيعة العمل ، و بالتالي المستوى المعيشي شديد التقارب ، كما أن الإحتكاك اليومي في العمل يخلق روابط أخوية متينة بينهم ، و إحساس العمال بضرورة تكاتفهم للوقوف أمام الإدارة عند الضرورة ، بعكس مجتمع التجار ، الذي يقوم على الفردية ، و يحكم التنافس – و إن تخفى تحت سطح الود – علاقاتهم ، و التباينات كبيرة في الدخول ، و غير ذلك من طبائع المجتمع التجاري ، التي تجعل العلاقات في المجتمع التجاري ليست بمتانة العلاقات الشخصية في المجتمع العمالي .
مبارك سوف يثأر لنفسه ، و بخاصة للإهانة التي لحقت بصورته و التي سجلتها وسائل الإعلام ، و للضجة العالمية و الإقليمية التي حدثت ، و لكن لن يكن ذلك بجرة قلم كما حدث مع بورسعيد ، و لن يكون في صورة تحدي سافر لإظهار من هو الأقوى ، كما حدث مع العريش ، و لكن بهدوء ، و تدريج ، مثلما تمت معاقبة الصعيد بأكمله بهدوء ، لمدة ربع قرن ، و لليوم ، بسبب إغتيال السادات ، و بسبب بعض محاولات الإغتيال التي تعرض لها عدة مرات ، و بسبب التمرد المسلح الذي شب هناك في بدايات التسعينات من القرن الماضي ، و إستغرق معظم عقد التسعينات ، و وصلت أنباءه للعالم ، فأسيوط و المنيا ليستا بورسعيد و العريش ، و كذلك المحلة شيء و بورسعيد أو العريش شيء أخر .
إن لديه طريقته في التعامل مع كل متحدي ، و لديه لكل مسيء أجل و كتاب ، و المحلة لو هجعت ، و آوت إلى فراش الإطمئنان ، فلن تصحو إلا و هي تنازع الإختناق ، فلا تنامي يا محلة ، و لا تطمئني ، و إستمري في الكفاح إلى أن يسقط آل مبارك ، فمن تحدى آل مبارك ، عليه ألا ينام ، عليه ألا يصدق معسول الكلام ، عليه ألا يتوقف عن النضال .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل ينقص مصر الطلاب ؟
-
المحكمة المتوسطية العليا لحقوق الإنسان
-
تصوراتنا لإتحاد المتوسط ، السفر و العمل و التجارة و البيئة و
...
-
إستفتاء شعبي لكل قانون ، هو الطريق للحرية و العدالة
-
إتحاد شمال شرق أفريقيا هو الأقرب للواقع
-
أئمة المساجد بالإنتخاب
-
عودة الروح الفرنسية لساركوزي ، و لكنها ليست كما نرغب
-
شارع الخليفة المأمون سابقاً ، الوجه الحقيقي لطاغية
-
المعارضة المصرية بين الدرس النيبالي و خيانة الرابع من مايو
-
دوحة ترحيل المشاكل للغد
-
الساركوزية هي أقرب للبونابرتية و ليست بأي حال ديجولية
-
حتى تعود مصر لمكانتها ، الحلقة الأولى
-
فوتوغرافية هذه الحقبة
-
فأغرقناه و من معه جميعاً ، لا للعفو عن الرتب الصغرى
-
فأغرقناه و من معه جميعاُ ، لا للعفو عن الرتب الصغرى
-
أمريكا على طريق روما ، طريق إلى حرب باردة ثانية
-
لماذا لا تنضم غزة إلى مصر ؟
-
إنهم الخوالف و الأعراب في ساعة العسرة
-
إنها ثورة الشعب المصري ، لا حزب العمل
-
ليبيا مصرية
المزيد.....
-
الثلوج الأولى تبهج حيوانات حديقة بروكفيلد في شيكاغو
-
بعد ثمانية قرون من السكون.. بركان ريكيانيس يعيد إشعال أيسلند
...
-
لبنان.. تحذير إسرائيلي عاجل لسكان الحدث وشويفات العمروسية
-
قتلى وجرحى في استهداف مسيّرة إسرائيلية مجموعة صيادين في جنوب
...
-
3 أسماء جديدة تنضم لفريق دونالد ترامب
-
إيطاليا.. اتهام صحفي بالتجسس لصالح روسيا بعد كشفه حقيقة وأسب
...
-
مراسلتنا: غارات جديدة على الضاحية الجنوبية
-
كوب 29: تمديد المفاوضات بعد خلافات بشأن المساعدات المالية لل
...
-
تركيا: نتابع عمليات نقل جماعي للأكراد إلى كركوك
-
السوريون في تركيا قلقون من نية أردوغان التقارب مع الأسد
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|