وليد الشيخ
الحوار المتمدن-العدد: 2332 - 2008 / 7 / 4 - 11:56
المحور:
الادب والفن
لدت هناك فجأةً عام 1968، في مخيم الدهيشة على كتف بيت لحم، حيث استأجرت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» كيلومتراً مربعاً عام 1952، وبنت غرفاً صغيرة مساحة الواحدة منها حوالى 12 متراً مربّعاً لعائلة كاملة، وعلى مدخل المخيم يرفرف علم الأمم المتحدة. المكان إذاً للأمم المتحدة كلها.
■ ■ ■
ما علاقة «زكريا» بكل هذا؟
في البيت يتحدث الجميع عن زكريا، عن التل، والحارة، ودير الجمال ومعارك مضحكة مع أهل «عجور» و«البير التحتاني». كأن الأمر حدث بالأمس فقط.
الأمر أنه بين يومي 19 إلى 22 تشرين أول (أكتوبر) عام 1948 سقطت زكريا تحت هجمات المجموعات الصهيونية وشرد أهلها، تاركين وراءهم الحياة كلها.
كان الأكشن الأخير الذي حملته جدتي في مخيلتها، إغلاقها مع والدتها صفيه (وبالمناسبة اسم جدتي جميلة) باب قن الدجاج على أربع عشرة دجاجة قبل ترك زكريا بلحظات.
«أكيد ماتت الجاجات من العطش» قالت بعد ستين عاماً من الحادثة.
علامة فاصلة بين زمنيين، ارتبطت إلى الأبد في ذاكرة جدتي.
■ ■ ■
ستّون عاماً بالتمام والكمال وجدتي تجلس كل صباح على عتبة البيت في مخيم الدهيشة، لتستعيد تلك الأيام السمجة التي صارت تسمى النكبة (نكبتها هي في الدجاجات)، وتؤكد باستمرار أن الأمر حسبما فهمتْ من رجال العائلة هي الابتعاد عن زكريا أيام معدودة حتى تهدأ المعارك، وأن العرب عقدوا عزمهم على أن لا يستمر الأمر طويلاً، وأن ذبحهم أهون عليهم من قرار التقسيم، وصارت تعرف الآن أن لأحفادها الذين ولدوا في المخيم علاقات وطيدة مع الكرملين وأنهم يحبّون اللون الأحمر والرجال الثلاثة المعلقة صورتهم على جدار غرفة وكالة الغوث المهترئة حيث يقيمون دولة الماركسية اللينينية باعتبارها راية العصر.
لكن ليس هناك أيّ مؤشرات عند جدتي كي تطمئن إلى أن الدجاجات لم تمت من العطش، وهي تحكي عن الأمر باعتبارها شاركت في جريمة إبادة ضد كائنات حية تعتمد بالأساس على رعايتها.
لم يرد في نشرات الأخبار ــــ ولا في «غوغل» ــــ أيّ كلمة عن الأربع عشرة دجاجة
#وليد_الشيخ (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟