أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - جاسم المطير - معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 14















المزيد.....

معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 14


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 2331 - 2008 / 7 / 3 - 10:41
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


من ناحية ثانية واجه الحفارون وجودا ينقصه الحساب الدقيق داخل النفق يتعلق بظهور خطأ قياس المسافة من وسط غرفة الصيدلية حتى نقطة ما خارج جدار السجن ، فقد انتهى حفر المسافة المحددة وفق قياسات المهندس علي حسين السالم وكان على الحفارين أن يستهدفوا الحفر إلى الأعلى بنهاية هذه المسافة كي يشاهدوا ضوءا عند هذه النهاية . أكملوا الحفر إلى أعلى ثم طلع الفجر عليهم وهم في غاية الإرهاق فاتفقوا على تأجيل الخطوة الأخيرة بإيجاد الفتحة المأمولة خلال عودتهم إلى العمل في الليل . ثم تناولوا مطلبهم العادل بالاستراحة خلال النهار تمهيدا لعمل جديد النوع في الليلة القادمة .
في الموعد المحدد لاستكمال الحفر ، أي في العاشرة ليلا ، تميز بما هو غير متوقع . كان أول الداخلين إلى النفق هو حسين ياسين وكان قد ظن نفسه أنه قد دخل إلى مكان مختلف عن النفق كما هو الحال في الليالي السابقة فقد شعر بوجود تيار هواء بارد يأتي من نهايته فأصابه ذعر شديد في الحال من شدة المفاجئة فالفكرة المتبلورة خلال تجربته بالنفق أن الحرارة وليست البرودة هي الحصة الواقعة على الحفارين حين يعملون داخل النفق مثلما هي نصيبهم أيضا عندما يقومون بعمل استنساخ النشرة قبل العاشرة داخل غرفة الصيدلية .
ماذا تغير هذه الليلة ..؟ كان السؤال يواجهه وهو يزحف وحيدا ببطء شديد إلى أمام ، داخل النفق . مشاعر كثيرة واحاسيس كثيرة ومخاوف كثيرة واستنتاجات كثيرة كانت تعصف به في تلك اللحظات . كانت هناك قوة ترغمه على مزيد من الزحف إلى أمام لكن توجد قوة أخرى تجبره على التأني في الحركة وعدم إظهار أي صوت كان . في كل عدة سنتمترات يقطعها متقدما في النفق يشعر بمزيد من الهواء البارد المتقدم نحوه كتيار هادئ . استبد وجيب قلبه بشيء من الضربات كأنه يسمعها بأذنيه فوجود هذا التيار يعني أن نهاية النفق مفتوحة وربما مكشوفة أمام شرطة حراسة الجدران السجنية التي تتجول في الليل حول السجن . ظل التلازم قائما عنده بين التقدم والتوقف ، بين الخوف والاستنتاج ، ثم تقدم بضع خطوات أخرى فأصيب بذعر أشد حيث شاهد " قطة صغيرة " تتحرك بشيء من الارتجاف ، هادئة خائفة ، وهي راقدة داخل النفق تنظر إليه بعينين وجلتين . راح يتأكد من دلالات وجود التيار ووجود القطة فإذا به يصطدم بواقع خطير قد يعرض العملية كلها إلى الخطر المؤكد وإلى الانكشاف الأكيد . بل سيطر عليه إحساس شديد أن هناك من ينتظره خارج الفتحة التي رأى منها ضوءا بسيطا ثم تأكد له ان هذا الضوء موصول بنور المصابيح الكهربائية التي تضاء ليلا بين السياجين داخل السجن . عند ذاك أدرك أن لديه يدين عليه ان يمسك القطة بهما ليعيدها بأمان إلى خارج النفق وان لديه اذنين سمع بهما بعد ثوان حركة الحارسين المتجولين بين السياجين وان لديه رجلين ليعود بهما إلى بداية النفق مخبرا زميله عقيل حبش بما رأى وبما سمع وبما فعل
كانت ليلتهما لا توصف فيها الكثير من التوجس والخوف بعد أن عرفا أن سطح النفق قد حدث به بعض الانهيار في بقعة ما داخل ممر السجن بين السياجين العاليين ، لكنهما ، كعادتهما ، استخرجا الشجاعة من قلبيهما وراحا يخططان ويعملان لسد هذه الثغرة الخطيرة لتجاوز كل ما تخيلاه في تلك اللحظات الصعبة الدقيقة كأنما كانت خريطة طريق النفق بنظرهما في تلك الليلة كبيرة بحجم تاريخ السجون السياسية وعذاباتها .
أضاف عقيل حبش وحسين ياسين وفاضل عباس فصلا جديدا إلى خبرتهم في تلك الليلة حيث ظلوا يعملون على ترميم الحفرة التي نزلت منها القطة والتي يمكن ان ينزل منها الخطر الكبير بما فيه خطر موت النفق عبر انكشافه للشرطة الجائلة بين السياجين حول السجن . استطاع الشجعان الثلاثة فعلا خلال ساعتين من العمل الدقيق المتقن والمتواصل إلى إعادة الأمل بالنفق وإعادة ضبطه وتغطية الخلل الحاصل بالفتحة . وصار بإمكانهم أن يتفوهوا مجددا باليوم التالي بكلمات الثقة والعزيمة والحرية المرتقبة .
- اتركوا العمل ليوم أو يومين .
هذا أمر أصدره نصيف الحجاج حين علم بالقصة وهو لم يكف عن الضحك مرددا:
- قطة داخل النفق ..! يا للأمر المضحك ..!
مرة ثانية وقف الحظ إلى جانبنا فلو كان السجانة الدائرين حول سياج السجن على قدر الحد الأدنى من الذكاء لوجدوا أنفسهم كاشفين أطول نفق محفور ومهيأ لهروب سجناء شيوعيين ولنالوا ترقية لا يحلمون بها إذا ما أحبطوا خطوة ثورية مثل هذه .
الحظ وحده تموّج إلى جانبنا وعلينا إذن استغلال هذا التموّج بأكبر قدر من الذكاء لوضع خارطة جديدة نحو طريق الحرية .
منذ تلك اللحظة تبارت الآراء وتنافست بين أعضاء فريقي التنفيذ والتخطيط لمعرفة المسافة المتبقية لوصول الحفر إلى زاوية كراج السيارات بشرط أن تكون الحسابات دقيقة هذه المرة كي لا تضحك علينا قطة صغيرة أو تعرض نفقنا ومسيرة عملنا للخطر . سخـّر جمعنا كل ما يملك من معارف القياسات الهندسية في حساب المسافات والأبعاد وصار الهاجس الأول هو الدقة في الحساب الهندسي .
صار العمل الهندسي هو الأول في النشاط خلال الأيام القادمة :
ــ قدرت المسافة المتبقية من جديد وساهم فيها نصيف الحجاج وعلي حسين السالم وحافظ رسن ومظفر النواب .
ــ درس فريق التنفيذ نوعية التربة خارج أرضية الصيدلية وعلى وجه الخصوص نوعيتها بين السياجين لمعرفة نوعية العمل الذي يجب ان يضمن حماية سقف النفق من الانهيار .
ــ درس المنفذون كيفية ونوعية وحجم وارتفاع سطح النفق واتخاذ خطوات التقوية داخل النفق كي لا يتهدم مستقبلا خاصة في المسافة الممتدة بين السياجين .
انتهت هذه الدراسات خلال خمسة أيام كان فيها الحفر متوقفا تماما . ثم بدأ العد التنازلي بعمر النفق الذي تم انجازه بعمل دؤوب متواصل ودقيق .
صار النفق حقيقة ماثلة في نهاية تشرين الأول حين سمع الحفارون صوت السيارات خارج النفق كما سمعوا صوت كلب الحراسة المربوط في زاوية الكراج وبالضبط عند نقطة الخروج من النفق .
استحضر الجميع مشاعر من نوع جديد فقد أدركوا أن بدواخلهم تحولا هاما قد جرى ، فها هو زمن الأوقات العصيبة يوشك على الانتهاء . لم يعد أمامهم غير الإصرار على تنفيذ الخطوات الأخيرة بعد أن هدأ الرعب القديم الذي زرعته الفاشية العراقية في نفوسهم وفي نفوس السجناء السياسيين كافة .
تحية وقبلات من مظفر للمنفذين الشجعان حملت أعظم وأجمل معاني الشعر الملحمي .
وتحية وقبلات من نصيف الحجاج حاملا فيها للمنفذين أحسن التسميات الرفاقية.
يا للسعادة الشاملة : لقد احتفينا بقلوبنا ، سرا ، بانجاز تجربة عظيمة هي بناء مدينة صغيرة للحرية أطلقنا عليها اسم (مدينة ن ) في باطن ارض سجن الحلة المركزي الذي يشكل بنظر الجميع جزءا من تاريخ الفاشية في بلاد الرافدين المغدورين دائما .
انتشر الخبر بيننا كأنما أنجزنا بناء مدينة كاملة ستكون بعد أيام من إكمالها وكمالها رمزا لحرية السجناء الشيوعيين الخارجين من ظلام الزنزانات إلى نور الحزب الشيوعي طائرين بأجنحة الحب والانتصار والمعاني الثورية .
يا للسعادة الغامرة حين اقترح المنفذون عقيل وفاضل وحسين وكمال أن يجعلوا لهذه المدينة وصفا خاصا بها فاقترحوا أن تفرش أرضيتها بالبطانيات النظيفة وان تكون جوانبها مغطاة وسقفها مغطى بالبطانيات كي لا يؤثر التراب على ملابس السجناء الهاربين وان لا يوسخها . كما اقترحوا نشر مصابيح الكهرباء داخل النفق ليسهل حركة الهاربين عندما تحل اللحظة المناسبة .
خلال ساعات المواجهة الشهرية في الأول من تشرين الثاني 1967 كانت حياتنا متغيرة ذلك اليوم كأنما السجن ارتدى ثوبا جديدا رغم أنني شعرت فيه أن حبال الكلام كانت متقطعة مع والدتي القادمة من البصرة قبل سويعات والعائدة اليها بعد سويعات فقد كنت منشغلا بالاتفاق مع سميرة محمود لإبلاغ ( بغداد ) أن ساعة الصفر ستكون في اليوم الخامس من تشرين الثاني وفي تمام الساعة السادسة مساء وسيكون وصولنا إلى بغداد في الثامنة بأقصى الحالات . نحتاج إلى سيارة لاندكروز وسائق أمين لتقلنا وليس غير ذلك .
يروى أن بعض المصادفة خير من ألف ِ ميعاد ٍ و ترتيب ٍ ، فقد تبين أن سميرة كانت من أهل التفكير المسبق بهذا الموضوع إذ اتفقت قبل حوالي الشهر مع سائق شيوعي ( نجم ) مع سيارته ( اللاندكروز ) السوداء التي سيضع عليها تابوتا لكي ينقلنا من باب السجن رأسا إلى الباب الشرقي أو باب المعظم ، واتفقنا أن يكون بانتظارنا يوم 5 أو 6 أو 7 من الشهر واقفا على الشارع الرئيسي منتظرا منا كلمة السر .
ثم انتشى البريد الحزبي بيد سميرة كما انتشت يداها . وانتهى اللقاء .
كانت تلك الليلة يقظة تفصح عن نفسها بشعر مظفر النواب الذي كانت كلماته تنام بفرح غامر على جسد سجن الحلة المركزي .
لم يكن في كلام مظفر غير اتساع جديد لحنجرة الحرية منطلقة على بساط أحمر بجانب خاصرة جلجامش.
***********************
يتبع






#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- يا نوري المالكي .. خذ الحكمة من باريس ..!!
- معضلة الذاكرة .. وقضية الهروب من سجن الحلة .. 13
- يا نوري المالكي سيلاحقك العار إلى الأبد إن لم تفصل وزير التر ...
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 12
- معضلة الذاكرة ... وقصة الهروب من سجن الحلة 11
- هزات متبادلة بين مايوهات مجاهدي خلق وفيلق القدس .. العراق هو ...
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة المركزي .. 10
- كيف تصبح سفيرا عراقيا بخمسة أيام بدون معلم ..!!
- يا ليتنا كنا في الفضاء الخارجي لنفوز والله فوزا عظيما .. !! ...
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة 9
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة 8
- حول الانتخابات المحلية القادمة أقول : إن الكوز الفخّار سريع ...
- التاريخ العراقي يعيد نفسه مع بائع فلافل ..!!
- إلى المليارديرية والمليونيرية وكل المردشورية في النجف الأشرف ...
- ترياق ايراني من نوع اكسترا ..!!
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة 7
- الحرب والموت هما المد والجزر في بحر الرأسمالية الأميركية ..! ...
- نصر الله .. حزب الله .. أبن الله ..!
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 6
- النكتة السياسية البغدادية أصدق أنباء ًمن الصحف ِ ..!!


المزيد.....




- ميلانو.. متظاهرون مؤيدون لفلسطين يطالبون بتنفيذ مذكرة المحكم ...
- كاميرا العالم توثّق تفاقم معاناة النازحين جرّاء أمطار وبرد ا ...
- أمستردام تحتفل بمرور 750 عاماً: فعاليات ثقافية تبرز دور المه ...
- أوبزرفر: اعتقال نتنياهو وغالانت اختبار خطير للمجتمع الدولي
- -وقف الاعتقال الإداري ضد المستوطنين: فصل عنصري رسمي- - هآرتس ...
- الأردن.. مقتل شخص واعتقال 6 في إحباط محاولتي تسلل
- بورل: أندد بالقرار الذي اعتمده الكنيست الاسرائيلي حول وكالة ...
- بوريل: اعتقال نتنياهو وغالانت ليس اختياريا
- قصف الاحتلال يقتل 4 آلاف جنين وألف عينة إخصاب
- المجلس النرويجي للاجئين يحذر أوروبا من تجاهل الوضع في السودا ...


المزيد.....

- ١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران / جعفر الشمري
- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - جاسم المطير - معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 14