|
لماذا التهدئة الآن؟
ابراهيم ابراش
الحوار المتمدن-العدد: 2329 - 2008 / 7 / 1 - 10:45
المحور:
القضية الفلسطينية
بالرغم مما جرى خلال الأيام الماضية من أحداث اعتبرها البعض تهديدا أو فشلا للتهدئة الوليدة، إلا أننا قلنا في حديث مع قناة النيل للأخبار في اليوم الثاني للتهدئة مباشرة بعد خرقها، بان التهدئة وجدت لتبقى وان الأسباب أو الدوافع للتوصل للتهدئة وكذا الأسباب التي يمكن أن تفشلها، لا علاقة لها بإطلاق بعض الصواريخ من قطاع غزة على إسرائيل أو استمرار إسرائيل بأعمالها العدوانية والاستيطانية في الضفة الغربية.إن فهم التهدئة يجب أن يتجاوز القراءة السطحية للحدث وتجاوز الشعارات التي يعلن عنها كل طرف لتفسير وتبرير موافقته على التهدئة, ذلك أن التوصل لتهدئة ما بين حركة حماس وإسرائيل ليس مجرد حدث ظرفي أو سياسي عابر أو مجرد تهدئة عسكرية، بل هي منعطف ضمن مسار أو سيرورة ضمن توجه له أبعاد استراتيجية ستؤدي لصيرورة النظام السياسي الفلسطيني والصراع الفلسطيني الإسرائيلي بشكل مغاير عما كان عليه طوال أربعة عقود من تاريخ النظام السياسي الفلسطيني المعاصر.
التوصل لتهدئة ما بين حماس وإسرائيل ليس سببه الصواريخ المنطلقة من قطاع غزة، ومن يحترم عقله سيرفض تمرير مقولة أن إسرائيل انهزمت أمام صواريخ القسام وبقية الفصائل، أو أنها قبل ذلك هربت من قطاع غزة بسبب المقاومة، كما أنه سيرفض تصديق أن سبب التهدئة رغبة إسرائيل باستعادة جلعاد شاليط، وبطبيعة الحال ليست الضغوط العربية و الدولية أو دوافع إنسانية وراء التهدئة، كل هذه أسباب موجودة ولكنها طارئة وليست أساسية و تأتي ضمن سياق ومخطط أعمق وأكثر شمولية.. لا نقول هذا تقليلا من شان المقاومة الحقيقية كحق لكل شعب يخضع للاحتلال، كما أننا لسنا من مشجعي إطلاق الصواريخ وكل الحالات العسكرية العبثية التي سادت طوال سنوات الانتفاضة وأدت لأن ترتد الانتفاضة سلبا على الشعب وعلى مجمل الفضية الوطنية، ولا نريد أيضا أن نقلل من أهمية رفع الحصار عن قطاع غزة بالرغم من أنه سيكون رفعا جزئيا - نقول جزئي لأنه حتى لو فُتحت المعابر فستبقى غزة محاصرة بجرا وجوا –وبطبيعة الحال نرفض استمرار البعض بإطلاق الصواريخ من القطاع لا لشيء إلا نكاية بحركة حماس من باب المعاملة بالمثل وتصفية حسابات سابقة. نقول هذا حتى يدرك المواطن وكل القوى السياسية حقيقة ما يجري وان يتخذ الجميع الاحتياطيات اللازمة لمواجهة التداعيات المترتبة على التهدئة، بحيث لا نفاجأ بما سنجلبه الأيام القادمة من تطورات. حتى نفهم التهدئة يجب أن نتساءل لماذا التهدئة الآن ؟.وقد سبق أن طالب بها الراحل ياسر عرفات ومن بعده أبو مازن، و كُنت وكثيرون غيري طالبنا منذ سنوات حركة حماس وبقية الفصائل بوقف الصواريخ من غزة من اجل المصلحة الوطنية، حتى اتهمنا البعض بكل الصفات السيئة.ولماذا كانت إسرائيل وحركة حماس يرفضون التهدئة قبل ذلك وينتهكون كل تفاهم حولها؟ما الذي تغير غير أن القبول بالتهدئة قبل سنوات ربما كان سيقوى من موقف السلطة وسيحسن علاقاتها الخارجية وسيمنع كل ما جرى من تدمير لمؤسسات السلطة وبيوت ومنشئات مدنية وآلاف الشهداء والجرحى والأسرى، وربما كان ثمن التهدئة آنذاك تقوية فريق المفاوضات وانتزاع مزيد من الأرض من الإسرائيليين. ما الذي تغير غير أن حركة حماس كانت خارج السلطة فأصبحت اليوم هي السلطة في قطاع غزة !وبالنسبة لإسرائيل كانت التهدئة سابقا في حالة نجاحها ستجبر إسرائيل على التنازل عن أجزاء من الأرض في الضفة أما التهدئة اليوم فستطلق يد إسرائيل بالضفة دون أن يكلفها الأمر إلا السماح بإدخال مواد غذائية ووقود للقطاع مشتراة بأموال فلسطينية !.
حتى نفهم التهدئة يجب ربطها بعدة أحداث جرت خلال السنوات الماضية وجاءت التهدئة تتويجا لها أو نتيجة لها: 1:عدم تفعيل الممر الآمن بين الضفة وغزة والذي كان منصوص عليه في اتفاق أوسلو مما أدى لحالة قطيعة ما بين أهلنا في الضفة وأهلنا في غزة. 2:رفض إسرائيل توحيد الهوية الوطنية بحيث كان ممنوع على صاحب الهوية (الغزاوية ) الإقامة والعمل في الضفة إلا في أضيق الحدود. 3: حالة الفوضى والانفلات الأمني وخصوصا في قطاع غزة و التي سادت نهاية عهد الراحل ياسر عرفات واستمرت حتى سيطرة حماس على السلطة في القطاع، وهو انفلات مخطط ومدروس. 4:التنصيص في خطة خارطة الطريق على فكرة الدولة ذات الحدود المؤقتة، ونعتقد انه في خلفية تفكير واضعي الخطة أن الدولة المؤقتة هي دولة قطاع غزة.. 5:انسحاب إسرائيل أحادي الجانب من قطاع غزة دون أي اتفاق معلن مع السلطة. 6: التأكيد الأمريكي والتسهيل الإسرائيلي على إجراء الانتخابات التشريعية في يناير 2006 بالرغم من المؤشرات التي تقول بتزايد شعبية حركة حماس. 7ـ توقف حركة حماس منذ سنوات عن القيام بعمليات استشهادية داخل الخط الأخضر وعدم اللجوء لسياسة إطلاق الصواريخ من الضفة على المستوطنات وعلى إسرائيل بالرغم من أن الصواريخ محلية الصنع وأي صاروخ سيوقع العديد من الإصابات عند الإسرائيليين نظرا للتداخل السكاني. 8:سيطرة حركة حماس على قطاع غزة دون أية مقاومة فاعلة من أجهزة السلطة أو من حركة فتح. 9:وجود غالبية قيادات السلطة وحركة فتح خارج القطاع عند وقوع الانقلاب ومن كان متواجدا تم تسهيل عملية مغادرته للقطاع. 10:بالرغم من مرور سنة على سيطرة حركة حماس على السلطة في القطاع فإن أموالا ومواد أساسية تدخل للقطاع بما فيها رواتب موظفين، وهي التي مكنت الحركة من الاستمرار بحكم القطاع.ا 11:تجنب إسرائيل التدخل لإنهاء سيطرة حركة حماس على القطاع سواء أثناء أحداث يونيو أو بعدها. 12-سرعة تشكيل حكومتين بصلاحيات كاملة في كل من القطاع والضفة. 13-فشل أو إفشال كل محاولات المصالحة بين حركة حماس وقيادة المنظمة بالرغم من مرور أكثر من سنة على القطيعة، كما أفشلت كل محاولات المصالحة والحوار الوطني قبل ذلك. 14_تسهيل إسرائيل لحرية الحركة لقيادات حركة حماس من وإلى قطاع غزة. 5- الاتفاق على أن تقتصر التهدئة على قطاع غزة دون الضفة الغربية وبالتأكيد ستستمر حركة حماس بالتوقف عن القيام بأية عمليات مسلحة داخل إسرائيل.
لا يمكن بعد كل ذلك نزع التهدئة عن هذا السياق أو القول بان التهدئة هي حدث ظرفي أو أنها مهددة بالانهيار، ونعتقد بان التهدئة ستنجح وتستمر حتى وإن حدثت بعض الانتهاكات هنا أو هناك، لان التهدئة ونجاحها غير مرتبط بالجانب العسكري بل ببعدها السياسي والإستراتيجي، فهناك تفاهم وإن لم يكن مكتويا بين كل الأطراف المحلية والإقليمية والدولية على استمرارها واستكمال بقية فصولها، والشيء الوحيد الذي يمكن أن يدفع إسرائيل للتراجع عن التهدئة هو توظيف الفلسطينيين للتهدئة لإعادة بناء النظام السياسي وإنجاح الحوار الوطني. إسرائيل ستضع الفلسطينيين وخصوصا حركة حماس أمام خيارين:إما استمرار التهدئة في قطاع غزة وبالتالي رفع الحصار وإما المصالحة الوطنية وتوحيد شطري الوطن. بالرغم من كل الحيثيات السابقة والتخوفات من توظيف إسرائيل للتهدئة لصالحها فيجب على كل القوى السياسية التمسك بالتهدئة واحترامها، فلا مجال بعد كل ما جرى للمعاندة والمكابرة أو محاولة تصفية حسابات قديمة. الفلسطينيون يستطيعوا أن يوظفوا التهدئة هذه المرة من اجل المصلحة الوطنية بعيدا عن التجاذبات الحزبية.والتهدئة يمكنها أن تكون منطلقا للتفكير بإعادة بناء النظام السياسي والمشروع الوطني على أسس جديدة وضمن واقع جديد وإن كان هذا الواقع وكحالة مؤقتة كيانين منفصلين، المهم أن تكون مرجعية سياسية عليا واحدة لكل الشعب الفلسطيني ويجب أن لا ننسى بان الشعب الفلسطيني ليس منقسم جغرافيا فقط بين غزة والضفة بل هناك تجمعات فلسطينية أخرى في الشتات هي أيضا يجب أن تكون تحت مظلة قيادة فلسطينية واحدة وتعمل ضمن استراتيجية وطنية واحدة. وأخيرا نتمنى على الذين يطالبون بامتداد التهدئة للضفة الغربية التفكير الجاد بهذا الطلب ومدى مطابقته للاستراتيجية التي يقولون بها، ذلك أن التهدئة التي تعني وقف العدوان الإسرائيلي على شعبنا ورفع الحصار، تعني في نفس الوقت وقف المقاومة المسلحة، وإن كان وقف المقاومة من قطاع غزة له ما يبرره حيث لا تتواجد بالقطاع مستوطنات وقوات إسرائيلية، فإن الوضع في الضفة مختلف، فلا يوجد حصار بل احتلال واستيطان متواصل، والتهدئة هناك تعني وقف المقاومة، فهل يجوز وقف المقاومة في الضفة فيما هي خاضعة للاحتلال الكامل؟.
30/06/2008
#ابراهيم_ابراش (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
التهدئة تضع النظام السياسي الفلسطيني على مفترق طرق
-
سلطتان وحكومتان ولكن من يحمل ويحمي المشروع الوطني؟
-
حركة فتح والشروع الوطني والحكومة
-
احذروا تسوية غير قابلة للفشل لغياب البدائل
-
انقلاب السلطة على المشروع الوطني
-
الثوابت الوطنية:أيديولوجيا أو مهام نضالية
-
ضرورة تخليص المشروع الوطني الفلسطيني من استحقاقات التسوية
-
الخطاب السياسي العربي بين الايديولوجيا والواقع
-
سر تفاؤل الرئيس أبو مازن بحل خلال هذا العام
-
المبادرة اليمنية والتباس مفهوم عودة الأوضاع لما كانت عليها
-
الخوف على الضفة والقدس وليس على غزة
-
القضية الغزاوية أم القضية الفلسطينية؟
-
القضية الغزاوية أم القضية الفلسطينية؟
-
قطاع غزة:كيان مستقل أو أراضي محتلة؟
-
الدولة الفلسطينية في المواثيق الوطنية
-
تصريحات بوش تغير مرجعيات التسوية وتربك النخبة السياسية الفلس
...
-
حتى لا نكون شهاد زور على مؤامرة تصفية المشروع الوطني
-
استنهاض الحالة الثقافية في فلسطين بين شح الامكانيات وغياب ال
...
-
مؤتمر أنابولس :مؤتمر لسلامهم أم لسلامنا؟
-
ضرورة تخليص السياسة من أوهامها
المزيد.....
-
أشرف عبدالباقي وابنته زينة من العرض الخاص لفيلمها -مين يصدق-
...
-
لبنان.. ما هو القرار 1701 ودوره بوقف إطلاق النار بين الجيش ا
...
-
ملابسات انتحار أسطول والملجأ الأخير إلى أكبر قاعدة بحرية عرب
...
-
شي: سنواصل العمل مع المجتمع الدولي لوقف القتال في غزة
-
لبنان.. بدء إزالة آثار القصف الإسرائيلي وعودة الأهالي إلى أم
...
-
السعودية تحذر مواطنيها من -أمطار وسيول- وتدعو للبقاء في -أما
...
-
الحكومة الألمانية توافق على مبيعات أسلحة لإسرائيل بـ131 مليو
...
-
بعد التهديدات الإسرائيلية.. مقتدى الصدر يصدر 4 أوامر لـ-سراي
...
-
ماسك يعلق على طلب بايدن تخصيص أموال إضافية لكييف
-
لافروف: التصعيد المستمر في الشرق الأوسط ناجم عن نهج إسرائيل
...
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|