|
اتهموها بالجنون كي لاتروي وحشية المعتقلات وبشاعة الاعتقال
شذى الشبيبي
الحوار المتمدن-العدد: 2328 - 2008 / 6 / 30 - 10:25
المحور:
أوراق كتبت في وعن السجن
بضع قطرات من الندى أطلت على شرفات الروح سألتها إن كان يرويها الجفاف ،تبخرت من أول آه مابين الحسرة والحسرة كانت إلتماعة حزينة تنبثق من عيون السيدة (ك. ج) وهي تسترجع ذكريات طبعت بصماتها على كل حياتها فكانت هي الماضي والحاضر والمستقبل اعتقل خطيبها عام 1979 بسبب افكاره الماركسية وخوفا عليها من المصير نفسه اجتمع رأي اهلها واهل خطيبها على ان تسافر خارج العراق، ومع انها لم تكن تبلغ الثامنة عشر حينذاك ولكن لها نشاطات في مجالات الطلبة والشبيبة التي تعشقها ولازالت تحفظ الشعارات والاناشيد التي كانوا يرددونها حينذاك،
تقول (ك. ج): في ذلك الوقت لم اكن افهم من الحياة سوى انني احب أحمد واعشق افكاره النبيلة وأؤمن بها وادافع عنها بثبات وبدون خوف، ولذا كان اعتقاله صدمة كبرى لي، شلت كل تفكيري، وكادت تقضي على عقلي لانني كنت اعتبره الزوج والصديق والأخ.. بإختصار كان هو كل عالمي ودنياي.. سافرت وتركت (أحمد) تحت سيف الجلاد.. ثلاثة اشهر في الخارج لم يغب عن تفكيري لحظة رغم كل محاولات الاصدقاء هناك، ورغم ترف الحياة كان جرح أحمد يكبر في روحي ولذا فشلت في تكييف وضعي وفق الحياة الجديدة ولم أتأقلم كما هو مفروض، كانت ايام صعبة وقاسية للغاية، وماكان مني إلا العودة للوطن حاملة معي ماتبقى من صواب !! فقد فتك بي الحنين والقلق على خطيبي، ورغم إدراكي بأنها مخاطرة مجنونة في زمن كان العراق محظورا على أهله.. جاء هذا القرار بعد ان وجدت ان بقائي في الغربة سيوصلني الى نتائج ليست في صالحي في كل الاحوال اهونها الجنون، وعلى هذا الاساس طرحت حساباتي على أسوء الإحتمالات كالاستجواب والاعتقال والتعذيب، ولم يخطيء ظني فكان ماكان.. عز علي ان اقتحم ذكريات قاسية احتفظت بها هذه المرأة الفاضلة لعشرات السنين، وكان من الصعوبة ان أحيل قلمي الى سكين يفتح جراحا عجز الزمن عن شفائها.. سقط القلم سهوا من يدي، وكأنها القفت مادار برأسي فناولتني إياه وهي تقول: لاعليك، انني الآن حطام إنسانة، دفنت احاسيسي التي تفكرين بها منذ زمن وحكايتي هذه اقصها على نفسي كل يوم لأنها اصبحت زادي اليومي.. كانت إرتعاشات سريعة تعتري جفن عينها اليسرى اعتقد انها حالة مرضية نتيجة ماجرى معها فتضطر ان تمسك عينها بيدها لتوقفها مما زاد من احساسي بعذابها، فرغبت بإلتقاط صورة لها ولكنها رفضت.. تقول السيدة الفاضلة: لحد تلك اللحظة التي وصلت فيها المطار كنت اقنع نفسي بأسباب كثيرة قد انجو فيها من مخالبهم، فهم اولا وأخيرا بشر لهم ضمائر وعقول، كما انني لست بالعنصر الخطر او المتقدم ولا يعول علي... إستقبلني في المطار خمسة رجال من عناصر الامن والمخابرات.. اقتادوني الى سيارة (جيب) وقبل ان اصعد السيارة قال لي احدهم: (باوعي زين خاف حنيتي لبغداد، تره السيارة مضللة). بينما علق آخر: (لا،لا حنت لغير أشياء..) ثم صفعني بكفه الحقير على وجهي، ثم تعالت ضحكاتهم الساقطة وتعليقاتهم البذيئة، في تلك اللحظة عرفت انني انتهيت، وانني اوقعت نفسي بأيدي هؤلاء الشرذمة المنبوذين والساقطين.. في تلك اللحظة توقف تفكيري تماما واحسست كم انا ملعونة، لانني طعنت الرجل الذي كان مثالا للبطولة والوفاء.. لم اكن اصغي لتعليقاتهم السوقية وإشارات ايديهم التي تنم عن سوء اخلاقهم والعوائل التي انحدروا منها، لانني كنت مشغولة بطيف (أحمد) الذي وقف امامي وهو يخاطبني بنفس لهجته التي عودني عليها: (طفلتي الحبيبة نحن اقوى منهم لأننا نملك فكرا نيرا وهم يملكون رؤوسا كالكرات المحشوة بالقذارة). لم اشعر بالساعات التي مرت وانا في السيارة ليوهموني بأنني خارج بغداد، صمتت (ك. ج) وكأنها تقضم أوجاع تلك السنين... تذكرت كيف إنتزعوا منها اسمى ماتعتز به، كيف انتهكوا إنسانيتها... تقول (ك. ج) في البداية طلبوا مني ان اتعاون معهم وعلى طريقتهم فرفضت بدون نقاش، اخبروني بأن (احمد) محكوم بالاعدام وإنقاذه بيدي، وهددوني بالتعذيب والإغتصاب امامه.. إحتجزوني في غرفة لوحدي لثلاثة ايام، بعدها لم اعد اتذكر شيئا ولااعرف حتى الفترة التي بقيت فيها او المكان.. لأني فقدت الوعي تماما مما اضطرهم لنقلي الى المستشفى. هناك افقت على صوت احدهم يتكلم مع الطبيبة التي كانت تشرح له حالتي وتسأله عن الاسباب، فأخبرها بأنني خطرة ومطلوبة أمنيا لأنني مسؤولة (تنظيم تخريبي)، وقد القي القبض علي مع مجموعة من الساقطين... استغرقت (ك. ج) في صمتها، ولكن اسئلة كثيرة في عينيها كانت متوجهة نحوي وكأني بها تسائلني، ان كنت عرفت طعم الاحساس بالظلم او ذقت مرارة تبادل الادوار حين يصبح المجني عليه جانيا !! بعد المستشفى رحلت الى (الامن العامة) للتحقيق معها وبكل الاساليب، كان عليها ان تعترف: متى ساعة الصفر ؟ ومن هم شركاؤها في الخارج والداخل ؟؟ تقول (ك. ج): ابدع البرابرة في التعذيب الجسدي للنساء ولاداعي ان اذكر التفاصيل ويكفي ان اقول حتى الصهاينه لايملكون تلك القدرة من الوحشية والهمجية... ولكن ابشع انواع التعذيب الذي مارسوه معنا هو التصوير (بالفيديو) واعادة عرضه على المعتقلات واجبارنا على المشاهدة.. اما الكهرباء فكان له طقوسه الخاصة بهم حيث كانوا يستخدموه معنا (ليلا) وبحضور المدير او مسؤول كبير بعد (تعرية) السجينة من ملابسها ويصحبه التصوير بالفيديو ايضا.... اضطررت لإنهاء هذا الحديث بعد ان امسكت (ك. ج) رأسها بكلتا قبضتيها ربما لتخمد جحيم الذاكرة المتأججة في تلك الفترة لم يكفوا نذالتهم عن اهلها فكانوا يستقدمون والدتها ووالدها للتحقيق معهم ويسألوهم عنها ويهددوهم بالاعتقال في حال عدم عودة ابنتهم من الخارج مع الاهانات طبعا والكلام البذيء وعلى مسمع منها حيث يضعوها في الغرفة المجاورة كنوع من التعذيب النفسي... بعد تسعة اشهر افرج عنها بعد ان وقعت تعهدا بأن لاتتفوه بشيء عن التفاصيل الدامية التي قد يصعب حتى على البرابرة سماعها... كان معها اربع نساء افرج عنهن ذلك اليوم اكبرهم كانت سيدة في الثلاثين من عمرها بتهمة المعارضة. عاشت في بيت اهلها وحفظت الدرس جيدا فكانت صماء بكماء لاتتكلم سوى مع والدتها وبكلمتين فقط، نعم او لا واحيانا تكتفي بإشارة من رأسها.. كانت تتابع عن بعد اخبار (احمد) رغم انها قطعت الامل منه حيث تقول: اذا كنت انا التي لاتفهم شيئا في السياسة جرى ماجرى لي فكيف هو الامر مع انسان مبدئي مدرك لكل مايفعله ويعتقده... كان عزاؤها الوحيد هو زيارة والدة احمد بين الحين والآخر.. واحيانا تقبع في غرفتها بالظلام وترفض اي ضوء حيث يسبب لها هيستيريا اشبه بالصرع... حاولت اكمال دراستها الاعدادية فلم يسمحوا لها حتى في الامتحان الخارجي ! حوربت في جميع المجالات وفشلت وساطات الاقارب والاصدقاء لمساعدتها في ايجاد عمل لإخراجها من السجن الذي فرضته على نفسها... واخيرا اتهموها بالجنون بتلفيق تقرير طبي عن طريق المختار مما اثار الاشاعات المختلفة حولها واثر على تكوينها الشخصي، اذ وجدت نفسها عاجزة عن خوض حرب لم يكن لها خيار بالانسحاب منها. اخيرا تقول (ك. ج): نتيجة الوضع الذي اصبحت فيه خلال سنوان القهر وخلاصة المعاناة القاسية والعزلة التي فرضت علي، وجدت ان لا مبرر لحياتي لأنني فقدت الاساس الذي تعتمد عليه حياة الانسان وهو الامل فحاولت الانتحار اكثر من مرة ولكن لم أمت. ويبدو ان الارادة الإلهية شاءت ان اشهد نهاية العتاة الظالمين، ولو ان غصة تبقى في القلب لأن مايجري في العراق وفي بغداد خاصة يؤكد ان الزمرة التي كانت تمارس التعذيب في السجون سابقا لازالوا احرارا ويمارسون وحشيتهم في الشوارع وفي وضح النهار..
#شذى_الشبيبي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ذاكرة امرأة عراقية.....من رماد الموت صنعت حياة جديدة
-
ذاكرة امرأة عراقية..... سنوات الرعب بين ديالى وكربلاء
-
ذاكرة امرأة عراقية-أعدموا خطيبها واغتصبوها ثم اتهموها بالجنو
...
-
ذاكرة امرأة عراقية / أم جليل ومحنة السؤال
-
ذاكرة امرأة عراقية
المزيد.....
-
ماذا يعني أمر اعتقال نتنياهو وجالانت ومن المخاطبون بالتنفيذ
...
-
أول تعليق من أمريكا على إصدار مذكرتي اعتقال بحق نتنياهو وغال
...
-
الحكومة العراقية: إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتق
...
-
العفو الدولية: نتنياهو بات ملاحقا رسميا بعد مذكرة المحكمة ال
...
-
البيت الابيض يعلن رسميا رفضه قرار الجنائية الدولية باعتقال ن
...
-
اعلام غربي: قرار اعتقال نتنياهو وغالانت زلزال عالمي!
-
البيت الأبيض للحرة: نرفض بشكل قاطع أوامر اعتقال نتانياهو وغا
...
-
جوزيب بوريل يعلق على قرار المحكمة الجنائية الدولية بحق نتنيا
...
-
عاجل| الجيش الإسرائيلي يتحدث عن مخاوف جدية من أوامر اعتقال س
...
-
حماس عن مذكرتي اعتقال نتنياهو وغالانت: سابقة تاريخية مهمة
المزيد.....
-
١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران
/ جعفر الشمري
-
في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية *
/ رشيد غويلب
-
الحياة الثقافية في السجن
/ ضرغام الدباغ
-
سجين الشعبة الخامسة
/ محمد السعدي
-
مذكراتي في السجن - ج 2
/ صلاح الدين محسن
-
سنابل العمر، بين القرية والمعتقل
/ محمد علي مقلد
-
مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار
/ اعداد و تقديم رمسيس لبيب
-
الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت
...
/ طاهر عبدالحكيم
-
قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال
...
/ كفاح طافش
-
ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة
/ حـسـقـيل قُوجـمَـان
المزيد.....
|