أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - إدريس لكريني - حوار مع د.إدريس لكريني حول أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب















المزيد.....


حوار مع د.إدريس لكريني حول أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب


إدريس لكريني
كاتب وباحث جامعي

(Driss Lagrini)


الحوار المتمدن-العدد: 2327 - 2008 / 6 / 29 - 10:33
المحور: مقابلات و حوارات
    


أجرى الحوار ذ.عبد الرحيم الوالي

1 ـ ما الذي يعنيه، بالنسبة لكم، من الناحية الإنسانية، العثور على رفات مواطنين ـ من بينهم أطفال ـ في مقابر جماعية مؤخرا بجنان السبيل بفاس وثكنة الوقاية المدني بالناضور؟
أعتقد أن العثور على هذه الرفات وفي هذه المرحلة يحمل مجموعة من الدلالات والأبعاد وبخاصة إذا ما أكدت التحقيقات القضائية صلتها بملف الاعتداءات على حقوق الإنسان خلال سنوات ماضية؛ فهو من ناحية يعبر عن حجم الانتهاكات الجسيمة والصارخة التي طالت حقوق الإنسان خلال مرحلة من مراحل تاريخ المغرب الحديث نتيجة الاستعمال المفرط للقوة، وهو يبرز كذلك بأن طي الملف المرتبط بهذه المظاهر القاتمة من تاريخ المغرب الحديث لازال مفتوحا ويتطلب إعادة الاعتبار إلى الضحايا من خلال الكشف عن أسمائهم وهوياتهم وتحميل المسؤوليات ومعاقبة الجناة..؛ كما أن الإعلان عن هذه المقابر أمام الرأي العام هو أيضا مؤشر إيجابي على تعامل السلطات مع هذا الملف الذي ظل طي الكتمان والنسيان لسنوات طويلة بمقاربة مختلفة عن الماضي خلال فترات ما سمي ب"سنوات الرصاص".

2 ـ هل يعني العثور على مقابر جماعية جديدة استمرار مسلسل المصالحة إلى ما لا نهاية؟
فيما يتعلق بالعثور على هذه المقابر مؤخرا؛ فهي تتعلق بضحايا ممارسات حدثت في الماضي على كل حال؛ وما يهم الآن هو كيف ستتعامل معها الدولة حاليا، وذلك هو المؤشر الذي سيظهر مدى جدية الدولة في التعامل مع هذه الممارسات من أجل تحصين المجتمع منها في المستقبل.
وبشكل عام؛ قامت الدولة المغربية بمجهودات كبيرة على طريق طي ملف الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان عبر اتخاذ مجموعة من التدابير والإجراءات في هذا الشأن(تأسيس المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان؛ إحداث هيئة المصالحة والإنصاف..)؛ غير أن هناك مجموعة من المشاكل التي ظلت تشوش على هذه المجهودات؛ فعمل هيئة المصالحة والإنصاف وإن كان يشكل تجربة هامة في هذا الصدد؛ اعتورته بعض الصعوبات؛ بحيث لم تتح لها إمكانية تحديد المسؤوليات الجنائية الفردية عن مختلف الجرائم؛ كما لاحظ عدد من المهتمين أن المدة الزمنية التي حصرت فيه مقاربة هذه الانتهاكات (1956- 1999)، لم تكن بالموضوعية المفترضة؛ ذلك أن هناك مجموعة من الانتهاكات المسجلة بعد هذا التاريخ ومن ذلك بعض التجاوزات التي سجلت في أعقاب أحداث 16 مايو 2003(اختطافات وممارسة التعذيب في حق المتهمين)؛ التدخلات الزجرية في حق المعطلين ذوي الشهادات الجامعية العليا..؛ فيما لوحظ أيضا أن المدة التي اشتغلت فيها والمحددة في سنة تظل غير كافية، الأمر الذي عكسه بقاء مجموعة من الملفات خارج التسوية.
ومن جهة أخرى، كلفت الهيئة بالاشتغال على ملفات كانت تتلقاها بناء على طلبات مقدمة من المعنيين بصدد التعويض عن الأضرار أو البحث عن مختفين.. ولم تتح لها إمكانية إجراء مبادرات بنفسها بشكل تلقائي من أجل البحث والتنقيب في ملفات خارج هذه الطلبات.
ولا ننسى أن التقرير الختامي للهيئة أكد ضمن توصياته على ضرورة متابعة
الكشف عن الحقيقة بالنسبة للحالات التي لم يتم استجلاؤها؛ واتخاذ مجموعة من التدابير التشريعية والإجرائية الكفيلة ببناء الثقة في أحكام القانون واحترام الحقوق وببلورة استراتيجية تسمح بمنع تكرار نفس الممارسات مستقبلا.
غير أن عددا من التوصيات التي أصدرتها الهيئة لم تجد طريقها نحو التطبيق على مستوى الواقع؛ وهذا ما يؤكد بأنه وعلى الرغم من هذه الجهود والخطوات؛ فإن هذا الملف لا زال مفتوحا ويتطلب مقاربة أكثر شمولية وجدية وديموقراطية..

3 ـ أوصت هيئة الإنصاف والمصالحة في تقريرها بإلغاء عقوبة الإعدام باعتبار ذلك مدخلا من المداخل الأساسية إلى ثقافة حقوق الإنسان، ومن بين ضمانات عدم تكرار ما جرى خلال سنوات الرصاص.
لكن الدولة المغربية اكتفت حتى الآن بإعطاء بعض الإشارات عن احتمال إلغاء هذه العقوبة دون أن تمر إلى إلغائها عملياً. ما الذي يعرقل حتى الآن ـ في نظركم ـ إلغاء عقوبة الإعدام في المغرب؟
من المعلوم أن القانون الجنائي المغربي ينص على عقوبة الإعدام في مواجهة أكثر من خمسمائة حالة من الجرائم، كما أن القضاء المغربي ما فتئ يصدر من حين لآخر عقوبات في هذا السياق.
غير أن التطورات التي شهدها العالم على مستوى توسيع هامش الحقوق والحريات، أسهم في تزايد المطالب بإلغاء هذه العقوبة باعتبارها تجسد القسوة والانتقام وتمس بالحق في الحياة؛ وتغييرها بعقوبات صارمة أخرى.
وفي هذه الأجواء عززت مجموعة من فعاليات المجتمع المدني السياسي والحقوقي والأكاديمي في المغرب مطالبها القاضية بتعديل القانون الجنائي الذي لم يعد - من وجهة نظرها - مواكبا "للتطور الذي يشهده المجتمع المغربي" في مجال حقوق الإنسان باتجاه إلغاء هذه العقوبة؛ وبضرورة تصديق المغرب على البروتوكول الاختياري الثاني الملحق بالعهد الدولي حول الحقوق المدنية والسياسية الخاص بهذه العقوبة، ومن جهة أخرى ورد هذا المطلب ضمن التوصيات التي تمخضت عن عمل هيئة الإنصاف والمصالحة؛ كما أن التحالف العالمي لمناهضة هذه العقوبة الذي عقد إحدى لقاءاته في المغرب، عبر عن رغبته في أن يشكل المغرب أول بلد عربي إسلامي يلغي هذه العقوبة.
وأمام هذه تزايد هذه المطالب؛ وأخذا بعين الاعتبار التطورات السياسية الذي شهدها المغرب في السنوات الأخيرة والتزامه الدستوري باحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا؛ وانسجاما مع شمولية حقوق الإنسان وعدم قابليتها للتجزيء؛ ووجود نوع من تجميد تنفيذ هذه العقوبة منذ حوالي 15 سنة رغم صدور أحكام في هذا الصدد، يبدو أن المغرب على وشك اتخاذ قرار في هذا الشأن، فالأمر لا يتطلب إلا تأطيرا قانونيا.
غير أن هناك مجموعة من الإكراهات والصعوبات التي تحول دون اتخاذ قرار حاسم في هذا الشأن؛ ذلك أنه في مقابل هذا الاتجاه الرافض لهذه العقوبة؛ والتي يعتبرها قاسية ووحشية وتتنافى مع أسمى قيمة للإنسان؛ وتسلبه حقا - الحياة- لم يمنحه له أي شخص؛ نجد رأيا آخر يتزعمه عدد من الإسلاميين الذين يرفضون"التدخل في شؤون الشريعة الإسلامية بالإلغاء أو التعديل" بدعوى أن العقوبة وردت في القرآن؛ ويرفضون هذا الإلغاء نظرا لأهمية وضرورة هذه العقوبة في مكافحة الجرائم الخطيرة وردع المجرمين؛ فهي لا تطبق إلا على من "قتل غيره ظلما وعدوانا وليس في ذلك قسوة أو ظلم"؛ وهي امتداد لتكريم الإنسان وحماية روحه وحقوقه؛ كما أنها تشكل مدخلا لتلافي حدوث جرائم أكثر قسوة وشراسة في المجتمع.
وبغض النظر عن هذه المواقف؛ تؤكد الممارسة والدراسات والأبحاث الميدانية؛ أن اعتماد عقوبة الإعدام لا يشكل بالضرورة مدخلا حاسما للحد من تنامي الجرائم الخطيرة؛ طالما لم يتم الوقوف على مختلف العوامل والأسباب التي تغذي السلوك الإجرامي(تربوية، نفسية، اجتماعية، سياسية..).
فقد نجحت مجموعة من الدول التي ألغت هذه العقوبة في الحد من تزايد حدة هذه الجرائم الخطيرة التي كانت تواجه بهذه العقوبة، من خلال اعتمادها لمجموعة من التدابير والإجراءات الفعالة.
ومن هذا المنطلق؛ يمكن القول أن التعامل مع هذا الموضوع يتطلب فتح نقاشات ومشاورات جادة بين الدولة من جهة ومختلف الفاعلين الحقوقيين والسياسيين والأكاديميين.

4 ـ ثقافة القتل ـ و عقوبة الإعدام جزء منها ـ تمثل أكبر انتهاك لحقوق الإنسان بإجهازها على أول هذه الحقوق، الذي هو حق الحياة. هل يمكن الحديث ـ في المغرب ـ عن مصالحة فعلية و نهائية في ظل استمرار خطر انتهاك حق المواطنين، والمعارضين السياسيين، في الحياة سواء ب"تطبيق القانون" من خلال عقوبة الإعدام، أو خارج القانون كما حصل مع ضحايا الأحداث السياسية والاجتماعية سابقاً؟
أولا؛ ينبغي الإشارة إلى أنه لا مجال للمقارنة بين جرائم الإجهاز على الحق في الحياة من خلال ممارسات تعسفية خارج القانون تجسد انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان من جهة؛ وعقوبة الإعدام التي تتم في إطار القانون على كل حال وتتبناه مختلف الأنظمة.
ومن جهة أخرى؛ ينبغي الاعتراف بأن هناك مجموعة من المكتسبات تحققت في المغرب في مجال حقوق الإنسان؛ وهي مكتسبات تجعل من تكرار مظاهر الإجهاز على حقوق المواطنين والاعتداء على أرواحهم بنفس صور الماضي(قتل؛ دفن جماعي؛ اختطافات؛ اعتقالات في مراكز سرية..) أمرا مستبعدا؛ وحتى بعض المظاهر المرتبطة بانتهاكات حقوق المواطنين التي تحدث من حين لآخر وإن كانت تسيء إلى جهود الدولة في هذا الشأن فلا يمكن أن تقارن بقساوة بشاعة أوضاع وممارسات الماضي.
ومع ذلك؛ ومن منطلق شمولية حقوق الإنسان وعدم قبولها للتجزئة؛ وأخذا بعين الاعتبار تعهد المغرب لاحترام حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها دوليا؛ ووجود حالة من تجميد هذه عقوبة الإعدام ما يربو على عقد ونصف؛ فإن إلغاءها أصبح أمرا مطلوبا.
أما فيما يتعلق بمسار المصالحة في المغرب وعلى أهميته؛ فهو لا يزال بحاجة إلى مزيد من الجهود - كما قلت وبخاصة - على مستوى استكمال الحقائق المرتبطة بالإعلان عن مصير عدد من المختطفين، وتحديد هوية الرفات وجبر الضرر الفردي والجماعي تبعا لتوصيات هيئة الإنصاف والمصالحة..

5 ـ تكشف الدولة تدريجياً عن مواقع لمقابر جماعية. هل يمكن اعتبار هذه الطريقة نوعاً من المعالجة ب"التقسيط" وبجرعات محدودة لحقيقة ماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؟
على كل حال كشف هذه المواقع – كما ذكرت- هو أمر إيجابي في حد ذاته؛ وهو مؤشر على الاعتراف بالتجاوزات التي سادت في المغرب فيما مضى؛ ولكن ما سوف يعطي لهذا الاعتراف مغزى إيجابيا هو انخراط الدولة في منع وقوع مثل هذه الأحداث مستقبلا من خلال تدابير وإجراءات ميدانية.. وإبداء حسن النية إزاء هذا الملف؛ سواء على مستوى كشف الحقائق وتحديد المسؤوليات، وكذلك على مستوى تعزيز دعائم دولة الحق والقانون.
وباستحضار بعض التجارب المرتبطة بتدابير العدالة الانتقالية دوليا؛ يمكن القول إن التعامل مع هذا الملف يتطلب اتخاذ تدابير استعجالية آنية(تعويض الضحايا، طرح مسؤولية الجناة..) وأخرى تستلزم بعض الوقت من قبيل تعزيز الترسانة القانونية والمؤسساتية التي تمنع تكرار مثل هذه التجارب القاسية.. كما تظل مصادقة المغرب على الاتفاقية الدولية لمناهضة الاختفاء القسري أمرا مهما وضروريا في هذا الشأن..

6 ـ اكتشاف المقابر الجماعية الجديدة في الناضور وفاس كان له فضل إثارة موضوع الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان من جديد.
هل يمكن في نظركم استغلال هذا الجو من طرف القوى الحقوقية للضغط أكثر وتحقيق مكاسب أكبر على الصعيد الحقوقي و الحصول من الدولة المغربية على ضمانات أكبر بعدم تكرار ما جرى خلال سنوات الرصاص، ولا سيما احترام حق الحياة وتجسيد ذلك عبر إلغاء عقوبة الإعدام؟
إن اكتشاف هذه المقابر هو محطة هامة تفرض استخلاص الدروس والعبر؛ وينبغي أن تشكل حافزا قويا لبلورة إرادة حقيقية لدى الدولة والمجتمع لتحصين الأجيال المقبلة من تكرار مثل هذه المظاهر المشينة في المستقبل؛ وتقوي الإيمان بقدسية حق الحياة لدى الأفراد والجماعات؛ وعدم الاعتداء عليه بأي شكل كان؛ سواء بالقانون أو خارجه..
وومع ذلك؛ أشير مرة أخرى أن لا سبيل للمقارنة بين القتل خارج القوانين وبشكل سري وعشوائي ضد المعارضين والمخالفين لرأي السلطة من جهة أولى؛ وبين الإعدام الذي يستند إلى تشريعات وتأخذ به العديد من الدول في مواجهة بعض الجرائم الخطيرة من جهة ثانية.

7 ـ كيف تقيمون تعامل لدولة المغربية حتى الآن مع موضوع "القتل خارج القانون" ضمن معالجتها لماضي الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؟
كما قلت في السابق هناك جهود إيجابية وهامة قامت بها الدولة في هذا الشأن؛ سواء فيما يتعلق بالجهود المرتبطة بكشف مصير عدد من المختطفين أو أولئك الذين تعرضوا لعمليات قتل خارج القانون..؛ كما قامت بتقديم تعويضات لعدد من ضحايا التعسفات وذويهم وصلت إلى حوالي 100 مليون دولار.. غير أن هناك عددا من المشاكل والإكراهات التي لا زالت تعتور هذه المقاربة؛ ذلك أنه وعلاوة على عدم طرح المسؤولية الجنائية الفردية بالنسبة للمسؤولين عن هذه الممارسات؛ ظلت هناك مجموعة من الملفات لم تفتح بعد ولم تكشف الحقائق بصددها.
والحقيقة أن الممارسة الدولية بشكل عام تؤكد أن جبر الضرر في مثل هذه الحالات تكتسي صعوبة بالغة؛ ذلك أن لا التعويض المادي مهما بلغت قيمته أو حتى معاقبة الجناة يمكن أن يشكلا عزاء وتعويضا للضحايا وأقاربهم لتجاوز محنهم وآلامهم المادية والنفسية..؛ ولذلك فإن أفضل سبيل لجبر الضرر يتجلى في تعزيز حقوق الإنسان ونهج الممارسة الديموقراطية وبناء دولة القانون وتأكيد مبدأ عدم الإفلات من العقاب من خلال المصادقة على المحكمة الجنائية الدولية؛ والتي من المؤكد أن تنعكس بالإيجاب على تأهيل القضاء المغربي في هذا السياق بعد إدماج مختلف الجرائم الدولية الخطيرة في التشريعات المغربية.

8 ـ كيف ترون إسهام القوى السياسية والحقوقية في هذا المسلسل؟
لقد استأثرت قضايا حقوق الإنسان باهتمام دولي كبير في العقدين الأخيرين؛ نتيجة للتحولات الكبرى التي شهدها العالم(انهيار الاتحاد السوفييتي ونهاية الحرب الباردة..)؛ حيث أصبحت تحتل مكانة بارزة ضمن خطاب مختلف الفاعلين الدوليين من منظمات حكومية وغير حكومية ودول.. ورأي عام دولي إلى جانب قضايا حيوية أخرى ظلت منسية ومهملة بفعل ظروف الصراع القطبي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي من قبيل قضايا الديموقراطية ومكافحة "الإرهاب" وتلوث البيئة..
وقد كان لهذه التحولات أثر ملحوظ في تزايد المطالب والنضالات التي قادتها فعاليات حزبية ونقابية وحقوقية وأكاديمية وإعلامية والتي كانت لها انعكاسات إيجابية باتجاه الضغط على الدولة في هذا الإطار.. وهو ما أسهم بشكل ملموس في دفع الدولة ومؤسساتها إلى التجاوب مع هذه المطالب من خلال سن مجموعة من التشريعات واتخاذ عدد من التدابير والإجراءات في سياق تعزيز حقوق الإنسان.
وأعتقد أن إسهامات هذه الفعاليات اكتست أهمية أكبر مع شروع الدولة في التعامل مع هذه الملفات وبروز مجموعة من المشاكل التي تحد من فعالية ونجاعة مقاربتها في معالجة قضايا الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان؛ حيث ما انفكت تناشد الدولة تارة وتطالبها تارة أخرى بالكشف عن الحقائق كاملة في هذا السياق ومتابعة المسؤولين وكشف مصير مجهولي المصير وتنفيذ توصيات هيئة المصالحة والإنصاف..

9 ـ في ظل تردي الأوضاع الاجتماعية و غلاء المعيشة، ألا ترون أن المغرب مرشح مرة ليشهد توترات اجتماعية مثلما حدث من قبل؟ وهل هناك ضمانات كافية لعدم مواجهة المتظاهرين والمعارضين السياسيين بالقتل خارج القانون، والإعدام، والدفن في مقابر جماعية كما حدث في الماضي؟
يبدو أن التطورات الملحوظة التي شهدها المغرب على مستوى توسيع هامش الحريات والحقوق السياسية والثقافية لم يوازيها نفس التطور على مستوى الحقوق الاجتماعية المرتبطة بالسكن والصحة والشغل والتعليم وتعزيز القدرة الشرائية..
فقد تفاقمت الأوضاع المعيشية في أوساط المجتمع نتيجة لارتفاع الأسعار وتفشي البطالة في أوساط حاملي الشهادات الجامعية وتدهور الخدمات التعليمية والصحية للدولة..؛ ومما أسهم في تدهور أكبر للأوضاع ضعف القنوات الوسيطة وارتباكها في مجال تمثيل المواطنين وامتصاص غضبهم، فالأحزاب السياسية أصبحت في غالبيتها تعيش أزمة بفعل حضورها الباهت في حياة المجتمع، بعدما تحولت من مؤسسات للتأطير السياسي والتنشئة الاجتماعية وبلورة المطالب؛ إلى قنوات انتخابية مغلقة تنتج نخبا لا تستحضر سوى مصالحها وتبرر الخطابات الرائجة؛ وهو ما أسهم في تكريس عدم الثقة في هذه المؤسسات وأدى إلى تنامي العزوف السياسي.. الذي يمكن أن تستثمره بعض القوى المتطرفة لصالحها؛ كما أن العمل النقابي أصابه الركود والجمود؛ فرغم بروز محطات اجتماعية صعبة؛ بدا المشهد النقابي مشتتا تتحكم فيه الاعتبارات السياسية الضيقة أكثر منها المصالح الاجتماعية للمواطن؛ وحتى عندما حاول مؤخرا تدارك الأمر والعودة إلى عمق المجتمع- بحسن نية أو لاعتبارات مرحلية-؛ لم ينل التجاوب المفروض من لدن المواطن الذي يبدو أنه فقد الثقة أيضا في هذه الوسائط؛ ويمكن القول أن هذا ما أتاح الفرصة لبعض الجمعيات تبني مواقف اجتماعية تدخل ضمن خانة اهتمامات العمل النقابي(تنسيقية مناهضة ارتفاع الأسعار مثلا)؛ مع العلم أن هذه الجمعيات التي تحاول الاشتغال في هذا المجال تصطدم بواقع صعب تفرضه قلة الإمكانيات المادية وبعض الإكراهات السياسية والقانونية الأخرى..
وأعتقد أن هذه الوضعية لا هي في صالح المجتمع ولا في صالح الدولة ولا في صالح هذه القنوات الوسيطة نفسها؛ وبخاصة وأن من شأنها أن تؤدي إلى بلورة المطالب والانشغالات بأشكال قد تكون شاذة وعنيفة في بعض الأحيان(تقييد الأطراف بالسلاسل؛ الانتحار من خلال تناول مواد سامة أو بإضرام النار في الذات أو التعرض للشنق، أو الارتماء أمام القطارات، الإضرابات المفتوحة عن الطعام؛ خلع اللباس..).
ولذلك فعلى هذه الوسائط أن تتحمل مسؤولياتها المفترضة في تأطير المواطنين وتمثيلهم وبلورة تطلعاتهم ومطالبه لصناع القرارات؛ فيما على الدولة أن تستجيب لمختلف المطالب الاجتماعية من منطلق أن حقوق الإنسان ينبغي التعامل معها بشمولية.
وفيما يتعلق بالجزء الثاني من سؤالك فلا أعتقد أن المكتسبات التي راكمها المغرب على مستوى حقوق الإنسان؛ ولا الظرفية الدولية التي تولي لهذه الحقوق أهمية كبرى؛ يمكن يسمحا بارتكاب انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان تشمل القتل خارج القانون والدفن في مقابر جماعية..

10 ـ هل يمكن أن يشجع إلغاء عقوبة الإعدام في المغرب المسؤولين في الدولة إبان سنوات الرصاص على كشف الحقيقة الكاملة، ويساهم عبر ذلك في تعزيز مسلسل المصالحة؟
أعتقد أن اتخاذ أي خطوة تنحو إلى تعزيز حقوق الإنسان كيف ما كان حجمها وشكلها؛ ستنعكس بشكل إيجابي على بناء دولة القانون والمؤسسات؛ وبطبيعة الحال سيكون لها الأثر في تعزيز مسلسل المصالحة؛ وبخاصة وأن ملف حقوق الإنسان هو ملف متشابك ولا يقبل التجزئة.

11 ـ حتى الآن لا تزال هناك ملفات انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان عالقة وعلى رأسها ملف المهدي بن بركة، علماً أن الملف مرتبط بدول أخرى مثل فرنسا والولايات المتحدة وإسرائيل. هل يعني هذا أن مسلسل المصالحة ـ جزئياً على الأقل ـ ليس ملفا مغربيا مائة بالمائة؟
كما هو معلوم؛ أنهت هيئة المصالحة والإنصاف أشغالها بتقرير ضخم حمل عددا من التوصيات التي من بينها إلغاء عقوبة الإعدام وضرورة استكمال البحث والتقصي لكشف الحقيقة بصدد مآل عدد من مجهولي المصير.. وهذا دليل واضح على أن هناك ملفات كثيرة ولأسباب ذكرتها سابقا؛ ظلت خارج المقاربة وتتطلب المتابعة حتى لا تبقى عاملا مشوشا ينتقص من جهود ومبادرات الدولة في هذا الصدد؛ والمجلس الاستشاري لحقوق الإنسان الذي أخذ على عاتقه مهمة إتمام مهام هيئة الإنصاف والمصالحة هو مطالب ببذل مزيد من الجهود على هذا الطريق؛ وبخاصة أمام تنامي المطالب بتنفيذ مختلف توصيات الهيئة التي مر على صدورها حوالي سنتين ونصف.

ملحوظة: نشرت أجزاء من الحوار مترجمة إلى عدة لغات أجنبية في الموقع الإلكتروني لوكالة الأنباء العالمية أنتير بريس سيرفيس
www.ipsnews.net



#إدريس_لكريني (هاشتاغ)       Driss_Lagrini#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- التنوع المجتمعي والممارسة الديموقراطية
- إدريس لكريني في حوار مع صحيفة العرب الدولية
- المدونون العرب وقضايا المجتمع
- نظام الغرفتين في السياق المغربي
- تقرير حول ندوة وطنية: حقوق الطفل بين القانون والممارسة
- حوار مع د. إدريس لكريني حول تطورات قضية الصحراء في ضوء المفا ...
- النخبة السياسية في المغرب؛ أية رهانات؟
- النخبة السياسية وأزمة الإصلاح في المنطقة العربية
- تقرير حول ندوة دولية:الحركات الإسلامية والمجال السياسي في ال ...
- دروس ودلالات الانتخابات التشريعية المغربية الأخيرة (شتنبر/ أ ...
- العزوف السياسي في المغرب صرخة في وجه الفساد: حوار مع الأستاذ ...
- انتخابات شتنبر 2007 بالمغرب؛ أية رهانات؟
- حوار مع الأستاذ إدريس لكريني حول السرقة الفكرية التي تعرض له ...
- ندوة دولية:تقرير التنمية الإنسانية للعام 2005، نحو نهوض المر ...
- بين الأزمات الداخلية والتهافت الخارجي؛ أي موقع للعرب في عالم ...
- حوار مع الباحث إدريس لكريني حول تنامي ظاهرة الاحتجاجات في ال ...
- لقاء علمي في مكناس حول الحق في السلام
- حوار مع الباحث إدريس لكريني حول تطورات قضية الصحراء
- حوار مع إدريس لكريني حول قضايا محلية ودولية
- بيان حول سرقة علمية: جامعيون يمتهنون القرصنة


المزيد.....




- الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و ...
- عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها ...
- نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
- -ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني ...
- -200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب ...
- وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا ...
- ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط ...
- خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد ...
- ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها ...
- طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - إدريس لكريني - حوار مع د.إدريس لكريني حول أوضاع حقوق الإنسان بالمغرب