|
المحكمة المتوسطية العليا لحقوق الإنسان
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2329 - 2008 / 7 / 1 - 10:01
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
لا يوجد مجتمع إنساني بدون قانون يسيجه ، قانون يحمي الضعيف و يحفظ الحقوق ، و هذا القانون يلزمه جهاز لإعمال ذلك القانون يكون ملجأ لكل مظلوم ، و بما أنه قد أصبح الحديث عن إتحاد متوسطي مسألة شبه أسبوعية ، و بالإمكان القول يومية ، مع إقتراب تولي فرنسا قيادة الإتحاد الأوروبي ، و دفعها بشدة لفكرة إتحاد متوسطي ، فإنه لا يكون أمامنا إلا أن نستكمل طرح تصور أهلي لهذا الإتحاد ، بعيد عن التصور الرسمي على ضفتي المتوسط الشمالية و الجنوبية . إننا كشعوب جنوب المتوسط نؤمن بأننا نقف في قضية الحقوق الإنسانية ، على قدم المساواة مع شعوب المتوسط الشمالية ، و نفترض أن شعوب شمال المتوسط و قياداتها تشاركنا هذا الرأي ، و أقول نفترض ، لأسباب لا مجال لذكرها في هذا المقام . بناء على ما سبق ، فإن من الواجب أن يكون اتحاد المتوسط تجسيد للعدالة و الإنصاف ، لهذا لا يكفي أن نطالب بحرية السفر و الإقامة و العمل و التجارة ، و قوانين متماثلة فيما يخص البيئة و الصحة ، بل يلزمنا أيضا ميثاق لحقوق الإنسان المتوسطي ، و محكمة عليا لحقوق الإنسان المتوسطي ، تجعل الميثاق نافذ المفعول ، و يستغيث بها كل من يشعر بأنه غبن في حقوقه . ميثاق حقوق الإنسان المتوسطي لا أعتقد أن صياغته معضلة ، لأنه بالإمكان تبني ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ، و هو ميثاق كاف من ناحية المضمون ، و موقع عليه بالفعل من أغلب – إن لم يكن كل – الدول المتوقع إنضمامها للإتحاد ، و مصدق عليه من برلماناتها ، و بالتالي يتمتع بصفة رسمية في تلك الدول ، دون أن يعني ذلك رفض إضافة بنود أخرى ، مستقاة من مصادر أخرى ، مثل ميثاق حقوق الإنسان في الإتحاد الأوروبي . إذا يبقى الجهاز ، أو المحكمة ، التي تجعل من ذلك الميثاق قانون ملموس ، يشعر به المواطن العادي من أمثالنا ، فمن المعلوم إن ميثاق الأمم المتحدة لحقوق الإنسان لا يُعتد به في دولة مثل مصر ، أحد الدول الرئيسية في البحر المتوسط ، لهذا فإن وجود محكمة عليا لحقوق الإنسان المتوسطي ، يكون هذا الميثاق هو رائدها في الحكم بين الناس بالعدل ، ضرورة ، على أنه يجب أن تكون لها القدرة على نقض أي حكم محلي ، و كذلك أن تكون لها السلطة لإبطال أي مواد دستورية أو قانونية أو قرارات جمهورية أو محلية ، تراها المحكمة مخلة أو ماسة بما هو وارد في ميثاق حقوق الإنسان . أي إننا نريدها محكمة نقض عليا ، و كذلك محكمة دستورية عليا ، و أن تسري سلطتها – دون أي إعتراض - فوق كافة الدول المنضوية في الإتحاد المتوسطي ، و لها يستطيع أن يلجأ أي إنسان ، مثلما كان قديما بإمكان صانع الخيام بولس أن يرفع قضيته لقيصر ، و كان بإمكان مواطن مصري عادي أن يرفع شكايته بحق ابن الأكرمين للخليفة ذاته . المحكمة العليا المتوسطية لحقوق الإنسان ، تحتاج بالطبع لمقر ثابت ، و أعتقد أن أفضل مقر هو باليرمو ، عاصمة جزيرة صقلية ، ليس لأن العدالة نزلت من قبل ، كما إعتقد البعض ، في إستادها ، و لكن لجغرافيتها المتميزة و تاريخها الفريد ، فصقلية أكبر جزر البحر المتوسط ، و موقعها متوسط ، و تاريخها إنما هو سرد لتفاعل حضارات البحر المتوسط الرئيسية ، فعلى الأرض الصقلية ، إحتكت حضارة الإغريق بالفينيقيين ، ثم كانت الصبغة الرومانية اللاتينية ، و فيها وجدت الحضارة البيزنطية و الحضارة العربية ، و الثقافة الفرنسية ممثلة في النورمان ، موطأ قدم ، بل لقد ظلت تأثير الحضارتين العربية و البيزنطية حيا لفترة طويلة في ظل حكم النورمان ، و كل هذه الحضارات تعايشت مع الثقافة الصقلية المحلية في كل العصور ، و هي الجزيرة التي كانت المقصد الذي أراد ، بطل الحرية ، محرر العبيد الأول ، اللجوء إليها ، ليوجد دولة المساواة . على إنه من الضروري ، و لأسباب عملية ، وجود فروع لهذه المحكمة في كل دولة من دول الإتحاد ، على أن يراجع المقر الرئيسي أحكام تلك الفروع المحلية ، ففي ظل مناخ إفساد القضاء الذي نعايشه في مصر ، لم تعد لنا ثقة كبيرة في هذا الجهاز ، خاصة أن ميدان حقوق الإنسان ، هو الأسوء من حيث سجل التلاعب و الإنتهاك . السؤال الأن لساركوزي ، الذي يعد الدينامو ، أو الدافع الرئيسي لفكرة الإتحاد المتوسطي ، و باعثها من مرقدها : هل بإمكانك أن تتبنى إقتراح كهذا ؟ هل بإمكانك أن تضع مشروع محكمة عدل ، أو حقوق إنسان ، عليا متوسطية ، في بنود تأسيس الإتحاد المتوسطي ؟ محكمة يكون بإمكانها إبطال قانون الطوارئ المصري ، و منع صدور قانون الإرهاب ، و إبطال المواد الدستورية التي تجيز إحالة المدنيين لمحاكم عسكرية ، و المواد الدستورية التي تنتهك حقوق المواطن ، و أولها خصوصيات حياته الشخصية . محكمة يمكن أن يلجأ إليها آلاف المعتقلين المصريين ، الذين قبعوا في سجون آل مبارك بلا أحكام قضائية من أي نوع على الإطلاق ، و ظل بعضهم للأن لأكثر من عقدين و يزيد ، و تقول أكثر التقارير إعتدالا أن أعدادهم تصل إلى مائة ألف معتقل . محكمة تبطل قوانين النشر و الإعلام ، و إتفاقية التضامن الإعلامي الحكامي العربي . محكمة تحاكم كل من إرتكب جريمة تعذيب ، أو أمر بها ، أو تستر عليها. محكمة يمكن أن يلجأ إليها أمثال المواطن المصري الذي أختطف من ميلانو بتعاون مخابرتي أمريكي – إيطالي ، و تم ترحيله لمصر ، ليتم تعذيبه بمعرفة سلطات آل مبارك . محكمة تأمر بإبطال القرارت المقيدة لسفر البعض ، و تأمر السلطات المصرية بتجديد جوازات سفر المعارضين المصريين المقيمين بالخارج . محكمة يمكن أن يلجأ لها أي فلسطيني من قطاع غزة ، أو مواطن لبناني ، دمرت له إسرائيل منزله ، و يكون بمقدور أي فلسطيني من الضفة الغربية أن يلجأ إليها إن صادرت السلطات الإسرائيلية أرضه لتوسيع مستوطنة مجاورة ، بحجة النمو الطبيعي للمستوطنة . هل بإمكانك يا ساركوزي أن تغضب أصدقائك من آل مبارك ؟؟؟؟؟ هل بإمكانك يا ساركوزي أن تسهم في إنشاء محكمة تنصف اللبنانيين من جنوب لبنان ، و الفلسطينيين في غزة و الضفة و مخيمات الشتات الإجباري ؟؟؟؟؟ ساركوزي ، إننا كمتوسطيين جنوبيين و شرقيين ، نؤمن - كما قلت سابقا – بإننا على قدم المساواة مع مواطنيك ، و حقوقنا بالتالي متساوية مع حقوق أي فرنسي أو إيطالي أو أسباني ، حتى لو لم تؤمن أنت بذلك ، و لم يؤمن بذلك البعض في شمال المتوسط ، لهذا فإننا نؤمن بأن إتحاد متوسطي لا يقوم على نفس أسس الإتحاد الأوروبي ، خاصة في ميدان حقوق الإنسان ، هو إتحاد زائف . إننا نرحب – أشد الترحيب - بإتحاد متوسطي حقيقي ، يرتكز في أسسه ، أول ما يرتكز ، على إحترام الكرامة الإنسانية ، و حقوق الإنسان البديهية ، و يسعى في المستقبل القريب لتحقيق حرية السفر و الإقامة و العمل ، و يحرر التجارة ، و يحترم البيئة ، و يوحد الشروط الصحية ، في كافة دول الإتحاد ، أما إنشاء إتحاد لا يقوم على تلك الأسس ، و يكون فقط من أجل التطبيل و التزمير ، فلا يدخل ذمتنا .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تصوراتنا لإتحاد المتوسط ، السفر و العمل و التجارة و البيئة و
...
-
إستفتاء شعبي لكل قانون ، هو الطريق للحرية و العدالة
-
إتحاد شمال شرق أفريقيا هو الأقرب للواقع
-
أئمة المساجد بالإنتخاب
-
عودة الروح الفرنسية لساركوزي ، و لكنها ليست كما نرغب
-
شارع الخليفة المأمون سابقاً ، الوجه الحقيقي لطاغية
-
المعارضة المصرية بين الدرس النيبالي و خيانة الرابع من مايو
-
دوحة ترحيل المشاكل للغد
-
الساركوزية هي أقرب للبونابرتية و ليست بأي حال ديجولية
-
حتى تعود مصر لمكانتها ، الحلقة الأولى
-
فوتوغرافية هذه الحقبة
-
فأغرقناه و من معه جميعاً ، لا للعفو عن الرتب الصغرى
-
فأغرقناه و من معه جميعاُ ، لا للعفو عن الرتب الصغرى
-
أمريكا على طريق روما ، طريق إلى حرب باردة ثانية
-
لماذا لا تنضم غزة إلى مصر ؟
-
إنهم الخوالف و الأعراب في ساعة العسرة
-
إنها ثورة الشعب المصري ، لا حزب العمل
-
ليبيا مصرية
-
إخلع محراثك اليوم ، فقد آن أوان الثورة ، آن أوان الحرية
-
إنها كنعان و ليست فلسطين ، و هم الكنعانيون ، و ليسوا فلسطيني
...
المزيد.....
-
فوضى في كوريا الجنوبية بعد فرض الأحكام العرفية.. ومراسل CNN
...
-
فرض الأحكام العرفية في كوريا الجنوبية.. من هو يون سوك يول صا
...
-
لقطات مثيرة لاطلاق صاروخ -أونيكس- من ساحل البحر الأبيض المتو
...
-
المينا الهندي: الطائر الرومنسي الشرير، يهدد الجزائر ولبنان و
...
-
الشرطة تشتبك مع المحتجين عقب الإعلان عن فرض الأحكام العرفية
...
-
أمريكا تدعم بحثا يكشف عن ترحيل روسيا للأطفال الأوكرانيين قسر
...
-
-هي الدنيا سايبة-؟.. مسلسل تلفزيوني يتناول قصة نيرة أشرف الت
...
-
رئيس كوريا الجنوبية يفرض الأحكام العرفية: -سأقضي على القوى ا
...
-
يوتيوبر عربي ينهي حياته -شنقا- في الأردن
-
نائب أمين عام الجامعة العربية يلتقي بمسؤولين رفيعي المستوى ف
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|