يوسف رشيدي
الحوار المتمدن-العدد: 2327 - 2008 / 6 / 29 - 01:50
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
ومنذ أن تبرك الوطنيون بنعمة الإحتقلال 1956 , دأب الوطنيون على إقناع مولاي محند للعودة للمغرب , ولإقتسام هو كذلك نصيبه من الكعكة السمينة , والإقامات الفاخرة , والأملاك .. هذا ما قام به أولا الخائن عبد الخالق الطريس الذي كفئ بأول سفير للمملكة المزورة الطاغية بجمهورية مصر بعد , عام ونصف من إستقلال المملكة , حيث كان السي الطريس أو بو البابوش(6 ) الوحيد الذي كان يعرف كثيرا شخصية مولاي محند , وقد آلت توسلاته برفض الأمير الإلتحاق بمملكة الوطنيين, وهذا الموقف كان جارحا وقاسيا وكان له أثار كبيرة في تلك الفترة بالمغرب . ومن بين التصريحات التي أدلى بها مولاي محند حول رفضه للعودة , ما نشرته مجلة آخر ساعة بالقاهرة بتاريخ 24 أبريل 1957 حيث قال : إن المغرب لم يكتمل إستقلاله بعد بالرغم كل المظاهر ,وإستقلال المغرب لا يمكن أن يكون حقيقيا إلا بعد أن يصبح للمغرب كيانه الإقتصادي المستقل ,وبعد أن يتم جلاء الجيوش الأجنبية عن أراضيه وتنتقل الإدارة إلى أيدي الأمة , وأن رأيي أن الدخول مع الفرنسيين في مفاوضات يعتبر خيانة وطنية كبرى .. وأنا أعارض كل محاولة لجر المغرب لربطه إلى الأحلاف الغربية التى يسعى الإستعمار لربطه بها في الوقت الحاضر , وفي إعتقادي أن هذه الأحلاف ما هي إلا محاولة للإبقاء على نفوذ الأجنبي الغاصب في بلادنا .
فقد تميزت الفترة من بداية 1958 إلى 1959 , بتصاعد في تصلب موقف الزعيم الريفي ضد سياسة المغرب الداخلية والخارجية وظهر ذلك فيما نشرته اللجنة العربية للحرية المغربية , التي كانت تدعم موقف الخطابي . فقد بلغ التوثر بين الخطابي و السلطات المغربية أوجها خلال إضطرابات الريف , وما تخلل ذلك من تدخلات عسكرية عنيفة في نهاية 1958 وبداية 1959 , وقد نشرت الصحافة المصرية عدت بيانات للزعيم الخطابي ,حث أكد أن ما يجري هناك هو ثورة شعبية عارمة , وأشار أن أسباب أزمة المغرب بعضها داخلي وبعضها خارجي ولخص بعض الأسباب فيما يلي :
* سياسة الظلم والإستبداد ضد الشعب
* المحسوبية والرشوة وإستغلال الحكم للمصالح الشخصية
* الحالة الإقتصادية المرتبكة
* التعصب الحزبي الأعمى الذي يسيطر على بعض المسؤولين في حزب الإستقلال وهو الحزب الحاكم ومستغل الملكية في تلك الوقت
* المعتقلون الذين يملؤون معتقلات مراكش والريف بدون سبب إلا معارضتهم للحكم القائم
* سيطرة الشركات ورؤوس الأموال الأجنبية على إقتصاد البلاد وسياستها
بالإضافة لأسباب خارجية أجملها الأمير الخطابي في نقط مهمة :
* الإحتلال الفرنسي وعدم الجلاء الكامل
* القواعد الأمريكية التي جعلت الإستقلال حبرا على ورق
* عدم إنتهاج الحكومة سياسة عربية تحررية ترتكز على مبدأ الحياد الإيجابي
* تهاون الحكومة في قضية الجزائر ومملاأتها للحبيب بورقيبة في هذا الموضوع سرا
هذه التطورات لم يتحملها النظام المغربي وكلاب الحركة المخزية , فقد نفذ صبر عبد الخالق الطريس وإحتج لدى السلطات المصرية . بعد ذلك قام عبد الله إبراهيم بزيارة الأمير الخطابي وأطلعه ببعض الحقائق , حيث كان الإتحاد الوطني للقوات الشعبية ينادي بأفكار الأمير , ومنها جلاء الفرنسيون عن البلاد , وقد صرح لجريدة المساء المصرية تأييده الكامل لعبد الله إبراهيم في عمله بالمغرب (7,) كان هذا التأييد الأول من نوعه بعد تصريحاته الشجاعة ضد سياسة اللامبالات من طرف الحركيون الأشرار . لتأتي زيارة محمد الخامس لبيت الأمير سنة 1960 وقد شكره لمجهوده في تحرير البلاد , ويقال في بعض المصادر أن محمد الخامس حاول إقناع الخطابي للعودة للمغرب لكن الرفض أتى من كون كلاب الحركات اللاوطنية تشغل جميع المناصب السياسية , ويقال كذلك أن الأمير الخطابي غضب بشدة وعاتب محمد الخامس على حملة الحسن الثاني العسكرية على منطقة الريف . ومن الأمور التي ميزة مرحلة ما بعد 1960 هو التقارب الذي جمع المهدي بن بركة بالزعيم الريفي بالرغم من إنتقاد هذا الأخير بالقوة للأول , وكان المهدي يزور الأمير الخطابي عدة مرات في بيته , وهذا تجسده الرسالة التي بعثها الأمير للمهدي قبل شهرين من وفاته بمناسبة تعرضه لمحاولة إغتيال في قنطرة واد شراط 16 نوفمبر 1962 (8,) وقد كان الأمير الخطابي على علم بمسؤولية بن بركة في تصفية وجوه المقاومة بالريف خاصة عباس مساعدي .
من الأمور المفضوحة والمزورة في التاريخ الرسمي , هو أن كل من الملك محمد الخامس وكلاب الحركة الشريرية إتفقوا بعد عودة الملك من المنفى أساسه محاصرة المقاومة وجيش التحرير وقطع الطريق على مولاي محند . زد على ذلك أن الأمر لم يقف لهذا الحد بل إمتد لتمجيد محمد الخامس لفرنسا وسياستها بالمغرب (9)
مولاي محند والإستقلال المزيف : منذ أن تم توقع إتفاقية الخزي والعار بفرنسا , كان مولاي محند يعلم نتائج تلك الإتفاقية , فقد إتضح من بعد لبعض السياسيين الذين شاركوا في إيكس ليبان أو في المفاوضات المغربية الفرنسية أن هذه المقتضيات رهنت إستقلال المغرب , وجعلته في نظر العديد من المحللين والمناضلين السياسيين إستقلالا شكليا وصوريا مبتورا , لأنه ضمن إستمرارية المصالح الإستعمارية على المدى البعيد , وقد فرض على المغرب عدة إتفاقيات مست بسيادته في مجال الدبلوماسية ,والدفاع الوطني ,والإقتصاد والمالية والثقافة واللغة وأراضي المعمرين ,إضافة أن المفاوضين لم يطرحوا مسألة الأراضي المغربية الخاضعة للإستعمار الإسباني والفرنسي في الصحراء الغربية والشرقية , ولم يتطرقوا إلى وضعية منطقة شنقيط (موريطانيا الحالية) المحتلة من طرف القوات الفرنسية , كما أن المفاوضين لم يحددو بصفة دقيقة وضعية الجيوش الفرنسية الإحتلالية ولا موعد جلائها عن الوطن المستقل , هذه القضايا التي تم التغاضي عنها خلال المفاوضات المغربية الفرنسية , وبعدها المغربية الإسبانية . ستخلف مزيدا من المتاعب والمشاكل في مغرب الإستقلال ومازالت تداعيتها حاضرة في مغرب اليوم .من بينها مشكلة الصحراء المغربية (الغربية ) التي مازالت تشكل عرقلة لنمو المغرب وتطوره الإقتصادي والوحدة المغربية . وبخصوص مائدة إيكس ليبان قال مولاي محند :
إن الشعب الفرنسي ليس في نيته أن يحارب مرة أخرى ليخلق هند صينية جديدة بشمال إفريقيا , وقد إقتدت جماعة الرباط بجماعة تونس المستسلمة فأبرمت إتفاق إيكس ليبان إلى حيز العمل والتنفيذ وأخذت تدلس وتغري عرب المغرب بالكلام المعسول وهي سائرة في نفس طريق إتفاق تونس وستطالب المناضلين بإلقاء السلاح بعدما طلبت منهم الهدوء بحجة أن المفاوضة لا تكون إلا في هدوء والهدوء لا يكون إلا بإلقاء السلاح وتسليمه لهذه الجماعة الرباطية الجالسة على عرشها حين يتفرغ الأعداء للقضاء على الجزائر فحذار من السقوط في الفخ المنصوب وإننا على يقين من أن الشعب سوف يستمر في الكفاح والنضال إلى أن يخرج من المغرب الكبير كله آخر جندي فرنسي يحمل السلاح من جماعة المستعمرين (10).
لقد إعتبر الخطابي أن مباحثات إيكس ليبان أجهضت الثورة التحريرية المغربية وهي في طور المخاض .(11 ) هذه التصريحات والبيانات هي التي أربكت الزعيم الريفي والوطنيون الأشرار والزعماء والحكام في المغرب والجزائر و تونس وبها توثرت العلاقات ووصلت لدرجة القطيعة , وظل الأمير مولاي محند مرتبطا بالمناوئين لسياسة بوركيبة ورجالات قبائل الريف الذين ظلوا أوفياء للخطابي وجهاده .
ولعل أهم تصريح للأمير الخطابي هو الرسالة التي بعثها لمكي البكاي 30 مارس 1956 أول رئيس حكومة ما بعد الإحتقلال حيث ورد فيها : كان عليكم أن تثوروا على الخونة وتنظموا للمجاهدين المغاربة والجزائريين والتونسيين كما يقضي بذلك الشرف العسكري والكرامة الوطنية وحرمة الرجولة السليمة من الشذوذ , إن المغرب أغرقه الخونة في الإحتلال وكأن الزمن لم يبتعد عن مؤامرة الجزيرة الخضراء 1909 (12).
كل هذه البيانات والتصريحات التي صدرها الأمير مولاي محند , لم تجد آذان صاغية لدى الذين يسمون بالزعماء والسياسيون وهم عائلات فاس وسلا والرباط , هؤلاء الذين ينعمون اليوم بالوزارات والمناصب . هم المسؤولون عن مغرب اليوم , مغرب الإرهاب والبطالة والفقر ومغرب الفوارق الطبقية ومغرب الرباط وفاس , ومغرب الهشاشة الإقتصادية , ومغرب الأنظمة الأمريكية والفرنسية , مغرب الذل ومغرب الإنحطاط مغرب إستبشر الأمير الخطابي مستقبله الأسود . وبذلك نجد اليوم أن صحة رؤية الأمير كانت حقيقية , فأين أنتم يا أصحاب إيكس ليبان أين أنت ياعلال وعباس و و و و
أين أنتم لتنظروا أين أوصلتم المغرب على حساب مصلحتكم . فذنبكم لن يغتفر لتعيشوا أذلال , على حسابكم وحسابهم .
المراجع
6 : ورد في بعض المصادر أن عبد الخالق الطريس كان يحب كثيرا الحلزون (البابوش) لهذا كان ينادونه بولبابوش أي الآكل كثيرا للحلزون
7 : نص الرسالة في مذكرة محمد سلام أمزيان ص 253
8 : كتاب قصة الخطابي مع لجنة تحرير المغرب العربي ص 39 غير منشور , إطلع عليه د زكي مبارك
9 : تصريح للفقيه البصري أورده الدكتور مبارك زكي في كتابه محمد الخامس وإبن عبد الكريم الخطابي
10 : نص البيان أورده الطاهر عبد الله في كتابه الحركة الوطنية التونسية مطبعة الجماهير بيروت 1967 ص 137 138
11 : محمد الأممي ـ عند البطل محمد بن عبد الكريم الخطابي
12 : محمد سلام أمزيان ثورة الجلاء في شمال المغرب
#يوسف_رشيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟