|
هل يبدع المصريون أساليب جديدة للكفاح ؟! أم ستظل ريما على عادتها القديمة؟!
بشير صقر
الحوار المتمدن-العدد: 2325 - 2008 / 6 / 27 - 10:56
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
لم يستطع كاتب أو مفكر أو ناشط سياسى حتى اليوم أن يفسر لنا ماآل إليه حال الحركة السياسية المصرية ولو بشكل مجازى. ورغم تعدد الصحف الجديدة وتزايد كتابها، ومع استحداث المدونات على شبكة المعلومات الدولية وتضاعف أعدادها.. لم يخرج علينا كاتب أو مدون بتشخيص مفيد للأزمة التى يعيشها الشعب المصرى.
لكن الشىء الوحيد الذى حاز على مايشبه الإجماع هو أن مختلف فئات الشعب وشرائحه قد قررت الاحتجاج..والتذمر.. بعيدا عما يسمى بالنخب السياسية.. أو عما تم التعارف عليه بالرموز المعروفة بمعارضتها للنظام الحاكم وأسفها لما آلت إليه أحوال الشعب من فقر وبؤس وقهر ولما وصلت إليه مكانة مصر من تدهور على المستوى الإقليمى والدولى.
إلا أن تلك التفجرات المتناثرة لم تفرز قادة متقاربى التوجهات قادرين على لحم هذه الحركات الاحتجاجية فى مجرى واحد ولو فى حده الأدنى ويستحث تفجرات أخرى لنفس المسار ويدفع بها إلى الأمام لتحاصر ولو بالتدريج جملة السياسات الرسمية وتجلياتها العملية.. وتعطى الأمل فى بديل حقيقى يقود الشعب للتغييرأو حتى لخلق إرهاصات مناخ مخالف لما هو جاثم فوق رؤوسنا من سحب داكنة خانقة . ويتصور البعض أن تحقيق تلك الأمانى لا ينقصها سوى الوقت لتنضج .. ويتصور بعض آخرأم ما يمور به المجتمع ويعتمل فيه يفصح عن أن التغيير القادم على الأبواب.
وينسى هؤلاء وأولئك.. أن الطاقة الثورية أو بتسمياتنا الطاقة الاحتجاجية لأى شعب ليست منتوحة الحدود وبلا نهاية. بمعنى أن الطاقة الثورية فى كل فئات المجتمع ليست واحدة.. ولا تتفجر فى نفس اللحظة ولا بنفس القوة أوتتخذ نفس المسار والوجهة.. تماما مثل روافد أى نهر .. متفاوتة الاتساع والعمق والتضاريس والاندفاع لكنها جميعا تصب ماءها فى نقطة محددة أو فى نقاط متقاربة بالدرجة والشكل الذى يجعلها تخلق تيارا فى اتجاه محدد .. وتحفر مجرى بعمق مناسب .. لتندفع مياه تلك الروافد أو أغلبها مكونة مجرى النهر. وبافتراض أن الإنسان فيما مضى كان يمكنه التدخل لتعديل بعض مسارات تلك الروافد أو تعميقها.. حتى لا تتبدد فى اتجاهات شتى فإنه تبقى لفكرة تَشكُّل أو تشكيل مجرى النهر صوابها فى صلتها بالممارسة السياسية. فهل نسعى نحن لمثل هذا التدخل- مع الفارق طبعا فى القياس- لنتيح لروافد الاحتجاجات الشعبية أن تلتقى فى نقطة واحدة أو نقاط متقاربة بحيث تساهم فى خلق مجرى لنهر التغيير المنشود؟! هذا هو السؤال.
و محاولة التمهيد للإجابة عنه تفرض علينا التعرض فى إيجاز لقوى ثلاث فى المجتمع: 1- النظام الحاكم: الذى آثر أن يلتحق بالقوى الأشد محافظة على المستوى الدولى ويهادن رأس حربتها فى الشرق الأوسط (إسرائيل) ردحا من الزمن ، ويتحالف معها ردحا آخر .. وفى الحالين يستخدم الاستبداد أسلوبا للحكم، والفساد وسيلة للإثراء والبقاء.. غير معنى بأبسط البديهيات التى تلزم صاحب الدجاجة التى تبيض ذهبا بإطعامها لتستمر فى البيض.. ومتصورأن العصا الغليظة ستُبقى الشعب دائما قطيعا سلس القياد والتوجيه وهو فى ذلك المسار متجه نحو نهايته. وعليه فمحاولات ترشيده.. أو على الأدق إطالة عمره ستبقى محكومة بميزان القوى العالمى من ناحية .. وبقدرة المحكومين على مواجهته من ناحية أخرى. باختصار ما يتخذه النظام من توجهات وما يستخدمه من وسائل للحكم تتسق تماما مع كونه نظاما فى بلد متخلف ومع ثقافة حكامه وكتله المالكة لا أكثر .. وتحتاج من الشعب إلى مستوى متناسب – من حيث الوعى والقدرة على الحركة- مع تلك التوجهات والوسائل المستخدمة.. لفلّها وتثبيط مفعولها وأخذ زمام المبادرة منها لتدور عجلة الصراع الحقيقى فى أحشاء المجتمع وتصل إلى نهايتها المنطقية. 2- التيار السياسى السلفى:الذى نشأ ونما متنقلا بين ولاءات شتى ( الاستعمار، القوى المحافظة، القصر) ومستخدما أساليب وطرقا براجماتية جوهرها الغاية تبرر الوسيلة، لذلك كان تغيير الجلد والخطاب فى أى لحظة منطقا حاكما لمساره السياسى.
وهو إذ يعتمد على الأرضية الثقافية السلفية التى تزدهر فى صفوف العامة، وعلى المجلوب من الخارج من أموال .. وعلى دعوم سياسية من قوى عالمية متنوعة.. فقد حقق توجدا تنظيميا وإلى حد ما جماهيريا تجعلة قوة سياسية ذات وزن مقارنة ببقية القوى السياسية فى المجتمع. ولعبت الظروف السياسية دورا ملموسا فى خلق ذلك الوضع مثل فشل المشروع القومى الناصرى وضغوط القوى المحافظة العالمية وانهيارات التنظيمات " الشعبية" الأخرى من ناحية ثالثة. وفى الحقيقه فهو لا يفعل شيئا خارج المتوقع من تيار محافظ لا يختلف عن نظام حاكم محافظ هو الآخر لكنه- أى الأول- يتلبس جلبابا وعمامة ويزدان بلحية.
3- أما عن القوى والتيارات "الشعبية" : فلا وجود لها تقريبا على المستوى السياسى والجماهيرى خصوصا وأن النظام الحاكم من خلال منطق العصا والجزرة قد صاغ أغلبيتها الساحقة فى ديكورات شرعية.. ومن ظل خارجها تشرذم وتشتت وافتقد الأمل والحيلة، وما يهمنا فى حديثنا هذا عن تلك التنظيمات على وجه التحديد هو حزب الوفد والأحزاب اليسارية. • فقد ذاب قوام الأول وارتحلت أجزاء منه لتلتحق بالكتل المالكة وتتنافس على الولاء للنظام والمشاركة فى الحكم ، وتبنت أجزاء أخرى سياسات معاكسة تماما لما كان يمثل جوهر سياساته التاريخية وارتبط فى بعض اللحظات بالتيار السلفى.. وافتقد بوصلته الشعبية التى ميزته عن كثير من الأحزاب ودفعت به لمقدمتها قبل يوليو 1952 .
• أما عن الأحزاب والقوى اليسارية فقد نالها ما نال القوى السياسية الأخرى من قمع وبعدما انحلت وتشرذمت ذاب بعضها فى ثنايا النظام الحاكم .. وارتد بعضها وغير مساره بعضها الآخر ، ولم تستطع أجياله الجديدة التواصل والمواجهة وجرفها التيار الذى أغرق المجتمع منذ عهد السادات، ولعل أبرز ما نود الإشارة إليه- ليس من زاوية الحجم والتأثير والفعالية لكن من زاوية المسار- هو أحد التيارات القديمة التى بنت جسورا وحفرت أنفاقا مع النظام الحاكم وتحوات إلى أحد ديكوراته الدالة على " تعدديته" السياسية على الأقل أمام القوى السياسية العالمية.
• بينما سعى تيار آخر من اليسار الحديث إلى صلات أكثر صراحة أو سذاجة مع تيار الإسلام السياسى ، ورغم سعيه لمناصرة الحركات الاحتجاجية فى صفوف الشعب إلا أن خبرته وقوامه وبنيته وأدواته وبعض تقاليده التنظيمية مضافا إليها صلته بالتيار السلفى شلت محاولاته الرامية للمناصرة والنشاط والمبادرة وحدت من تعاطف أعداد كبيرة من اليسار المبعثر معه.
• وفى الوقت الذى ستر التيار السلفى جانبا من أدواته وعضويته وبنيته عن النظام الحاكم وعن كل القوى السياسية الأخرى فإن التيار اليسارى الحديث يتصرف كما لو أنه فى مجتمع أوروبى غطت الديمقراطية كثيرا من أرجائه وباتت تقليدا أوجزءا من هويته وبنيانه وليس فى مجتمع من مجتمعات العالم الثالث تحكمه قوانين الطوارئ منذ الحرب العالمية وعلى رأسه نظام تتصاعد فيه سمات الفاشية يوما بعد يوم، ومن ثم فأدواته - أى التنظيم اليسارى- وأساليبه ومنطقه فى الكفاح لم تخرج عن كونه جمعية من جمعيات المجتع المدنى لا أكثر. • باختصار لا يمكن التعويل على طرائق كفاحية من هذا النوع فهى نفس الطرائق التى سادت الوسط اليسارى- بل وغيره- فى الثلاثين عاما الأخيرة والتى أسفرت ضمن أسباب أخرى عن تشرذم الأغلبية الساحقة من التنظيمات والقوى اليسارية وأبقت على معظم أعضائها فى المنازل أمام شاشات شبكة المعلومات الدولية أو فى النقابات المهنية فى قاعات الاحتفالات اليومية.
• لقد اعتاد اليسار القديم إزاء أى حدث سياسى- أو حتى بدون- أن يقيم احتفالا يتبارى فيه الخطباء سواء كان هذا الحدث صغيرا أم كبيرا.. فى أوساط العمال أو المهنيين أو الفلاحين ، ولما كانت الاحتفالات السياسية هى مجرد أداة من أدوات الإعلام السياسى وتثقيف الجمهور.. فقد تحولت من مجرد أداة إلى الأداة الوحيدة بصرف النظر عن أسباب ذلك التحول، ومن ثم فقد تحول العمل السياسى إلى احتفالات شبه يومية فى ظل حالة الحصار التى يفرضها النظام الحاكم على القوى والتنظيمات السياسية.
• وصار هذا الوضع الجديد القديم اعتيادا.. فتقليدا.. وسارت على منواله التنظيمات الحديثة، ومن شذ عنها بالتوجه المباشر إلى مناطق التفجر والاحتجاج الشعبى كانت معاملة النظام له تختلف.، بمعنى أن النظام ظل راضيا تماما عن هذا النوع من المعارضة السياسية و" النضال" السياسى ولا زال ، لكنه لن يكون راضيا عن نوع آخر من المعارضة والنضال يتخذ طريقه إلى قلب التفجرات الشعبية والاحتجاجات الحقيقية دون أن يعود سريعا أدراجه ليتممها باحتفال سياسى أو دون أن يشعر بأن ما قام ينقصه مثل تلك الاحتفالات.
• ولأن الطبيعة تغلب التطبع .. فقد سعى عدد من اليساريين الجدد لممارسة العادة الأصلية ( الاحتفال السياسى) متخذين من أحداث عزبة محرم والبارودى بالرحمانية بحيرة وبراءة فلاحى سراندو من تهم محكمة أمن الدولة مؤخرا مادة للخطابة.
لم يذهب فرد واحد ممن أعدوا للإحتفال أو شاركوا فيه- باستثناء مادة الاحتفال من الفلاحين وأحد الصحفيين- إلى الرحمانية إبان الأحداث لدعم الفلاحين.. رغم المناشدة والرجاء المتكرر بحشد كل ما يمكن حشده من نشطاء ومحامين ، ولم يلتفت واحد منهم إلى الانهيار الذريع فى أوضاع عزبة سراندو التى تحدثنا عنها فى مقال سابق.. لكن المهم هو الاحتفال ليكتمل الطقس بالخطابة .. أو الاحتفال بالتقليد الجديد المسمى بـ " الوقفة الاحتجاجية على سلم نقابة الصحفيين".
• أما عن بعض ممثلى التيار السلفى الذين هرعوا إلى الرحمانية لدعوة الفلاحين للإحتفال رغم أنهم ضد الإصلاح الزراعى وقانونه .. ولا صلة لهم بالموضوع من قريب أو بعيد فلم يكن دافعهم فى إقامة الاحتفال سوى التجمّل.
• فهل يعيد أصدقاؤنا اليساريون مراجعة النفس .. والكف عن هذه الصيغة من "النضال" السياسى؟! ويستجيبون لاستغاثات الفقراء أو يبادرون فى اتجاههم قبل أن يدهمهم قطار النظام الحاكم؟! أم ستظل ريما على عادتها القديمة؟؟!!
الأربعاء 25 يونيو 2008 بشير صقر
/ لجنة التضامن مع فلاحى الإصلاح الزراعى
#بشير_صقر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
على هامش الثلاثاء الحزين 17/6/2008 لعزبة محرم :دعم ا لفلاحين
...
-
فى ذكرى استشهاد صلاح حسين .. يوم الفلاح المصرى 30 إبريل - رج
...
-
التنظيمات الفلاحية فى مصر: بين هزال الوعى.. وافتقاد القدوة -
...
-
الفلاحون فى مصر.. بين أوهام الحلول القانونية.. وطريق المقاوم
...
-
مسار جماعة الإخوان المسلمين .. بين واقع الحال .. وإسقاطات ال
...
-
من لجنة التضامن مع فلاحى الإصلاح الزراعي – مصر .. أوقفوا عمل
...
-
الحالة المعرفية للفلاحين في قريتين مصريتين .. خطة بحث
-
بقرية سمادون .. وفى وضح النهار: محاولات السطو .. على أراضى ف
...
-
جماعة الهكسوس ربيبة النظام المصرى الحاكم .. وتوأمه في الفساد
...
-
الماى: قرية مصرية أدمنت إسقاط الحزب الوطنى ثارت ضد نائبها ال
...
-
ما أشبه الليلة بالبارحة.. من نجد إلى أرض الكنانة.. محمد رشيد
...
-
عن الإخوان وأمريكا.. والسعودية وإسرائيل: أسمع كلامك أصدقك..
...
-
قراءة فى أوراق التطبيع السعودى الإسرائيلى: ( 6 )
-
جماعة الإخوان المسلمين والحزب الوطنى فى مصر وجهان لعملة واحد
...
-
بعد 40 عاما من إنشاء شبكات الصرف: وزارة الري المصرية تحصل ال
...
-
تعدد الملاك .. والظلم واحدُ وتعددت الجنسيات .. والقهر واحد :
...
-
عن جماعة الإخوان المسلمين .. والإقطاع ... وصلاح حسين*
-
بعد تجريد الفلاحين المصريين من أراضيهم :وزارة الزراعة تجردهم
...
-
كلمة لجنة التضامن مع فلاحى الإصلاح الزراعى- مصر.. بمؤتمر الف
...
-
لماذا لا يقاومون طردهم من الأرض بالشدة الواجبة ؟! الفلاحون ف
...
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|