محمد بن سعيد الفطيسي
الحوار المتمدن-العدد: 2322 - 2008 / 6 / 24 - 09:12
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
يعتبر علم الفيزياء من العلوم التجريبية , التي تختص بدراسة تغير الظواهر الطبيعية وتحليلها تحليلا علمياً , وذلك من خلال دراسة سلوك وتفاعلات المادة في إطارها المكاني وألزماني , وقد ساهم هذا العلم كثيرا في تطور الحياة الإنسانية على مختلف مراحلها الحضارية , وتنقسم أبحاث ذلك العلم الى : فيزياء المواد المكثفة ، والفيزياء الذرية والجزيئية والبصرية ، وفيزياء الطاقة العالية , والفيزياء الفلكية وعلم الفلك , أما علم العلوم السياسية فهو احد العلوم الاجتماعية الإنسانية ذات الاتجاه الاستقرائي التحليلي , والذي يقوم على البحث النظري في حيزه الأكبر , وذلك من خلال بحث ودراسة النظريات السياسية وفلسفاتها , وتحليل النظم السياسية والأممية وسلوكياتها , وما يدور في فلك ذلك العلم من فروع وأقسام أخرى , كالقوانين والسياسات الدولية على سبيل المثال لا الحصر 0
وإشارة الاستفهام المطروحة هنا , والتي من خلالها سنحاول إماطة اللثام عن فكرة هذا المقال , تدور حول الرابط الفلسفي لتلك العلاقة ما بين بعض القوانين الفيزيائية , وبعض النظريات والظواهر السياسية القديمة والمعاصرة , ومن أبرزها على سبيل المثال لا الحصر , نظرية نيوتن "القانون الثالث" في علم الميكانيكا , وقانون نيوتن الأول , وقانون كولوم , والقانون الأول في الكهروستاتيكية , وفرضية ديبرولي , ومبدأ باسكال للسوائل , وبالطبع – فإننا هنا – وقبل الدخول الى قوننة تلك الظواهر , نؤكد على نقطة أساسية , وهي : أننا لا نستطيع ربط جل تلك القوانين بشكل دقيق مع ما يقابلها في الصورة الظاهرة للفعل المشابه من الظواهر السياسية الراهنة , - أي – انه ليس بالضرورة أن يكون لكل ظاهرة سياسية قانون فيزيائي , ولكننا نستطيع تقريب اغلبها لتشكل صورة ذهنية تقريبية مشابهة لنفس نطاق الفعل الفيزيائي للظاهرة الطبيعية فيما يقابلها من النظريات والظواهر السياسية الحديثة 0
وبداية الأمر وقبل الدخول الى تفاصيل فلسفة الظواهر وعلاقتها ببعض القوانين الفيزيائية , كان من الضروري السعي لتقريب الفهم حول جدلية ذلك الرابط الفلسفي ما بين العلمين – ونقصد - الفيزياء والسياسة , مع التنبيه الى أن المصطلحات السياسية بشكل عام هي مصطلحات ومفاهيم نسبية – أي- أنها تحتمل أكثر من معنى , وتختلف مقاصدها من مكان الى آخر , بحيث تشكلها البيئات والثقافات والطبائع الإنسانية ,( فالظاهرة الاجتماعية أو السلوك الاجتماعي أو النظام الاجتماعي، وكل ما يتسم بصفة اجتماعية محددة ، وقائع لا يمكن تفسيرها بالرجوع إلى عامل محدد رئيسي أو وحيد لأنها تنجم بصورة عامة عن تفاعل مجموعة تغيرات وعلاقات تؤدي إلى تكوين هذه الوقائع الاجتماعية , لذلك لا يمكن ضمن مستوى تطور العلم الحالي، تأكيد صحة علاقة سببية بين متغيرين في العلوم الاجتماعية ) , وهي بالتالي على عكس المصطلحات والمفاهيم الفيزيائية التي في اغلب الأحيان , تكون خاضعة للإحصائيات والأرقام والمشاهدات المختبرية التجريبية , ما عدا تلك التي تدخل ضمن نطاق الفيزياء النظرية في بعض الأحيان فقط , وبالتالي فإنها لا تحتمل أكثر من معنى , وهنا تكمن إشكالية السياسة وصعوباتها وتداخلاتها وتشعباتها مقارنتا بالفيزياء , وكما قال اينشتاين لما سئل لماذا لا تكون السياسة مثل الفيزياء في استنباط القوانين , رد قائلا: لان السياسة أصعب من الفيزياء 0
المهم في الأمر , بأننا نستطيع فلسفة وتقنين " بعض " الظواهر السياسية الحديثة , وردود الأفعال الإنسانية الناتجة عنها , من خلال إخضاعها لمبادئ وقوانين الفيزياء والرياضيات , - وبمعنى آخر – بأننا نقدر على استشراف آفاق المستقبل , وتشريح الظاهرة السياسية من خلال تحركها وتفاعلها الشبيه بالصورة الفيزيائية من الناحية الفلسفية , مع اختلاف الأسباب والأهداف بالطبع , لتنتج في نهاية المطاف صورة متشابهة للحدث او الظاهرة الفيزياسياسية , مؤكدين في نهاية المطاف , بان هذا التوجه هو مجرد استثناء لبعض الظواهر , على انه لا يمكن اعتماد تلك القوانين كأساس علمي ومنهجي لدراسة الظواهر السياسية او الاجتماعية , بل أن هذه الأخيرة تخضع لقوانين ومنهجية منفصلة ومستقلة لدراستها 0
ومن أشهر الأقوال التي يمكن أن نربط من خلالها فلسفة هاذين العلمين , ما أشار إليه عالم الفيزياء النووية الألماني كارل فون فايتسيكر , بقوله ( لا يستطيع المرء في عصرنا الحالي أن يشتغل في مجال الفيزياء التي ينتج منها الطاقة الذرية والقنابل نووية ثم يقول لا علاقة لي بذلك – أي - بالسياسة ) , حيث كان كارل فون فايتسيكر على قناعة تامة بأن للعلم مسؤولية سياسية ينبغي عدم تجاهلها او إنكارها , وهو احد الفلاسفة المتعمقين في شؤون الكون والحياة , كما كان أحد الموقعين على "إعلان جوتينجن" الشهير , وبصفته عالم ذرة كان فون فايتسيكر على صلة وثيقة ببرنامج ألمانيا النووي قبل وأثناء الحرب العالمية الثانية ، عُرض عليه مرتين تقلد أعلى منصب الشرفية السياسية في جمهورية ألمانيا، وهو منصب رئيس الدولة، لكنه اعتذر عن هذا المنصب الذي تولاه فيما بعد أخوه الأصغر منه، ريتشارد فون فايتسيكر 0
وانطلاقا من فلسفة وجدلية تلك العلاقة التي أشار إليها عالم الفيزياء الألماني كان فون فايتسيكر بين الفيزياء والسياسة , فإننا نقول : بان هناك عدد من القوانين الفيزيائية المشهورة كما سبق واشرنا , قد أثبتت قدرتها على تشكيل قاعدة فلسفية متوازنة وصحيحة بشكل كبير ودقيق لبعض الظواهر السياسية الحديثة , كقانون نيوتن الثالث في علم الميكانيكا , وهو قانون فيزيائي شهير يقول بان " لكل فعل رد فعل مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه " , حيث أننا نجد انعكاس هذا القانون على بعض الظواهر السياسة الدولية الحديثة , وعلى رأسها ردة الفعل الناتجة عن المقدار الكبير في الاهتمام العالمي بظاهرة الإرهاب الدولي , او " قانون مكافحة الإرهاب " على سبيل المثال لا الحصر , حيث نجد في مقابل محاولات الاحتواء والكبح والضربات الاستباقية المتزايدة لهذه الظاهرة المصطنعة في كثير من الأحيان , فعل مساو لمقدار ذلك في انتشار تلك الظاهرة المخيفة في مختلف أرجاء العالم 0
ونستدل على ذلك من خلال التزايد الكمي للعمليات التي يطلق عليها بالعمليات الإرهابية او الانتحارية في مختلف أنحاء العالم – بحسب بعض وجهات النظر - , كذلك من الناحية النوعية , حيث أن الملفت للنظر إن هذه الظاهرة قد أخذت منحنى ابعد مما كان متوقع له , حيث اتسعت الرقعة الجغرافية التي تمارس فيها هذه العمليات , وزادت حدتها وضراوتها وأدواتها ووسائلها واستراتيجياتها المضادة , كذلك نستطيع تطبيق ذلك القانون الفيزيائي من الناحية الفلسفية النظرية على شراسة الأفعال الإجرامية والإرهابية للمحتل الصهيواميركي في فلسطين والعراق , أو غيرها من الدول المحتلة والمستعمرة في جميع أنحاء العالم , وما يقابل ذلك الاحتلال والاستعمار من " مقاومة "– أي - ردة فعل مساوية لمقدار تلك الأفعال 0
كما أن فعل المقاومة للخطر كما هو معروف ( يقابله فعل الإذعان للخطر في مخططات الأمم الواقعة تحت ضغط الأخطار الخارجية المدمرة , وفعل المقاومة هو فعل بناء وفعل الإذعان هو فعل هدم , حيث يستجيب الإنسان لكل متطلبات الخطر في هدم بناء أمته , وذلك من أجل أن يتناسل ويكون أسرة مع كل متطلباتها من عمل دؤوب ليفي بكل احتياجات الأسرة , من طعام ومأوى وتعليم وصحة , كما إن فعل البناء في الجيل الباني يقابله فعل الهدم في الجيل المستهلك , وهو مساو له في المقدار ومضاد له في الاتجاه ) , بينما نجد أن حجم ردة الفعل الإنسانية في كثير من الأحيان , وخصوصا تلك الناتجة عن الظلم والاضطهاد والقمع قد يتناسب مع الضغط الواقع عليها بحسب قانون بويل الفيزيائي , كما أن نفس تلك المؤثرات لتعتبر بمثابة القوة التي تتولد لدى البعض , كردة فعل على تلك العوامل , وهو ما يمكن أن يكسب الجسم تفاعلا طرديا يتناسب مع القوة المؤثرة , بحسب قانون نيوتن الثاني , مما قد يؤدي في نهاية المطاف الى انفجار اجتماعي وثورة سياسية عارمة قد تؤدي الى تغيير الكثير من الأوضاع في المجتمع 0
وختاما فان قدرة العالم والمفكر والباحث على توسيع مداركه وأفاق تطلعاته العلمية والخيالية , كل في مجال تخصصه , ومحاولة البحث عن تقارب فلسفي دائم ما بين العلوم بعضها البعض , بهدف إيجاد قواعد منهجية تقريبية لبعض الظواهر الإنسانية والعلمية , ومحاولة تحليلها بطريقة علمية منهجية صحيحة , لاستنباط الحلول لتلك المشاكل والعقد المتراكمة التي يمر بها إنسان القرن الحادي والعشرون , سينتج فروع علوم جديدة قد تساعد كثيرا على تغيير شكل حياته وبيئته الى الأفضل , وهذا على وجه التحديد ما حاولنا الوصول إليه من خلال فلسفة بعض الظواهر السياسية الراهنة , كظاهرة الإرهاب العالمي وفعل مقاومة المحتل على سبيل المثال لا الحصر , ومحاولة إخضاع امتداداتها لبعض القوانين الفيزيائية , وذلك بهدف الوصول الى نتيجة نهائية ثابتة وشبيهة للظاهرة الفيزيائية , والتي سبق واشرنا في بداية الأمر, الى أنها لا تحتمل أكثر من معنى _ من وجهة نظرنا الشخصية -0
#محمد_بن_سعيد_الفطيسي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟