|
الإنسان والخصوصيات المميزة له
الحسين أسكاي
الحوار المتمدن-العدد: 2320 - 2008 / 6 / 22 - 08:26
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
إذا كان الإنسان ، باعتباره كائن حي ، ذات حرة قادرة على تحقيق كل رغباتها طبقا لشعورها ، فإن ذلك يتوجب على كل مهما ، من اختلاف تصوراته أو ميولاته كيفما كانت ، أن يعي و يدرك خصوصيات ذاته المستقلة ، لأنه كذلك . غير أن العديد في واقعنا الملموس ، يخطئ بوعيه و يسقطه في خصوصيات مغايرة لخصوصياته المستقلة ، إذن ، فكيف يتحدد جوهر الإنسان ؟ وكيف سيعي خصوصيات داته؟ إن الإنسان ، وإن كان لايبدومن جهة ، أنه ساقط تحت أحضان خصوصيات مخالفة لتلك التي يتصف بها ، فإنه يبدو من جهة أخرى خاضع لها . والأهم في كينونة الإنسان ، هو أن يكون مدركا لتلك الكينونة ، لأنه كائن ، ومادام أنه كذلك ، فلا غرابة إذن في إدراكها . وهذه الكينونة، أقصد بها تميز حضوره في العالم ، وهذا التميز ، لايصير فردانيا فحسب،بل ، إنه تميز للجماعة التي ينتمي إليه كفرد ، إلا أن هذا التميز الذي يميز الإنسان ويبقى لصيقا به ، هو محيط الإنسان الذي نشأ فيه ، وهذا المحيط له خصوصياته الخاصة ، ذلك إذن ، أن الإنسان سينشأ وفق خصوصيات محيطه ، وهذه الخصوصيات هي الثقافة السائدة فيه وكذلك لغة تلك الجماعة التي تنتمي إليه . إن إدراك هذه الخصوصيات ، تؤكد حتما وعي الذات بذاتها وعيا شموليا لها، وإن كانت تغيرات وتدبدبات تطرأعلى هذه الخصوصيات ، فإن ذلك ، يؤكد من جهة أخرى ، تطورها ، لكن ذلك سيقف عند تجاهل الذات خصوصياتها ، وإن كان الأمر كذلك ، فكيف إذن يمكن تجاوز كل المعيقات التي تروم إلى جهل الدات عمق أصلها ؟ أو بتعبير آخر ، هل كل الخصوصيات المغايرة لخصوصيات ذاتي والتي تهدد خصوصيات ذاتي يمكن تجاوزها ؟ فتحديد كيفية تجاوز و اجتياح كل ما يبدو عائقا أمامي ومهددا لكل تمثلات وجودي ، والتي تؤكد وجودي في الوجود ، يستلزم أولا استحضار الذات كل مواصفاتها من وعي وحرية خاصة ، في كل مكان و زمان ، بغض النظر عن اختلاف الحالات المكانية و الزمانية. فالحرية la liberte هي التي ستفقد حضور تلك الأنساق المغايرة لها، لأن تقبل وجودها كواقع غريب عن الذات المستقلة ، يكون نزعا لحريتها ، ويكون عنفا مهددا لكل تمثلاث وجودها . وان الوعي la conscience لا يكون إلا باستلهامه من ثقافة المحيط التي تنتمي إليه تلك الذات ، وبالتالي سيبقى لصيقا بخصوصيات الذات التي تتصف به (الوعي). إن وجود الإنسان لا يكون فقط وجود صوريا ، فحسب، إنه وجود كقيمة مضافة تغني كل تمظهرات وجوده . إن هوية الإنسان هي التي تحدد وجوده ، لأن كل تجلياته في الوجود ، هي نتاج لهويته (اللغوية و الثقافية و الحضارية) ذلك أن تجاهل هذه الخصوصيات يبقى هو وجودي شكلا ، فقط يوجد كموجود في الوجود . إن حيوية الإنسان و نشاطيته لا تكون إلا عند تملكه لحرية قانونية تستمد قانونيتها من ثقافته . ذلك أن الأفعال والممارسات التي أمارسها بكل حرية هي أفعال وممارسات لا تخرج عن إطار ثقافتي و أصالتي الحرة. أما عند ممارسة أفعال تخرج عن إطار ثقافتي ، فإني أمارس أفعال تحت حرية ممارسة فوقي ، تسلب حريتي أناي ، لكن دون أشعر بذلك . مثلا ، أني أمازيغي ذو ثقافة أمازيغية ، عندما أحرث أرضا ، فإن كل العمليات التي أقوم بها هي نابعة من الثقافة الخاصة التي تحرت بها الارض عبر التاريخ ، رغم ما لحقها من تطور( وإن كان هذا التطور فإنه تطور ثقافي ليس إلا)، لكن عندما أحرث هذه الارض ، وأستعمل نوعا آخر من عمليات و تقنيات .. مستمد من ثقافة أخرى ، فإني خاضع لهذه الثقافة بكل توافق مني . لكن ، وإن كان الأمر كذلك ، ألم يكن هذا التوافق خاضع لإشراطات ممارسة فوق ثقافتي بالاكراه؟ لم تكن أية ثقافة تقصي نفسها بنفسها ، أبدا ، دائما تكون ثقافة أخرى تفرض هيمنتها عليها ، بكل الوسائل الغير المشروعة ، مثلا في واقعنا المعاش ، اليوم ، ثقافة عربية فرضت هيمنتها على الثقافة الأمازيغية الأصلية بكل الوسائل الغير المشروعة (الإكراه) حتى نجد أنفسنا لم نتقن حتى لغتنا ، على الرغم من ذلك نتقن اللغة العربية، مع أننا لسنا عربا . إن ذلك لسنا نشعر به ، لكن باستحضارنا للوعي و الحرية نبلغ ذلك . إن الإكراه الممارس على ثقافة معينة ، يمكن تجاوزه ليس بوسائل غير مشروعة كذلك ، لكن بالممارسة التي تحترم تلك الثقافة ، لان الوسائل الغير المشروعة ، ماهي إلا تعبير عن هذه الثقافة . فرد الإعتبار إليها يكمن في إدراك كل لخصوصياته الهوياتية ، لأن ذلك هو السبيل الكفيل لبلوغ الإعتبار إليها. إن الإنسان ، وبغض النظر ، عن اختلافاته و توجهاته ، فإنه يبقى نمودجا لهويته ، ذلك أن الهوية هي التي تميز الإنسان عن آخر و تجعله إنسانا يتصف بالكمال و الحرية والوعي ، وكائنا كينونة تكسب كل سماتها من ثقافته.
#الحسين_أسكاي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الحركة الأمازيغية : البدايات و أشكال الاستمرار و المواجهة ال
...
المزيد.....
-
من تاتشر إلى الجولاني: كيف يغيّر السياسيون صورتهم؟ ولماذا؟
-
الذباب والديدان والدبابير.. حشرات تساعد في علاج الأمراض
-
-شبيغل-: ألمانيا تجاهلت تحذيرات السعودية من منفذ هجوم ماغديب
...
-
ألمانيا.. توجيه 5 اتهامات بالقتل لمنفذ اعتداء الدهس في ماغدي
...
-
الدفاعات الروسية تسقط 42 مسيرة أوكرانية
-
ألبانيا تحظر استخدام تيك توك لمدة عام بعد مقتل قاصر
-
تحطم مقاتلة أميركية في البحر الأحمر بسبب -نيران صديقة-
-
كيف ستساعد بقايا سيارة الـBMW بهجوم المشتبه به السعودي على س
...
-
إسرائيل تواصل هدم وجرف المنازل والبساتين في الجنوب اللبناني
...
-
حادثة بـ-نيران صديقة- تسقط طائرتين أمريكيتين فوق البحر الأحم
...
المزيد.....
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
-
فلسفات تسائل حياتنا
/ محمد الهلالي
-
المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر
/ ياسين الحاج صالح
-
الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع
/ كريمة سلام
المزيد.....
|