أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - راباسّا: أعظم الخونة!














المزيد.....

راباسّا: أعظم الخونة!


صبحي حديدي

الحوار المتمدن-العدد: 719 - 2004 / 1 / 20 - 07:37
المحور: الادب والفن
    


صدرت، كما بات معروفاً، ثلاث ترجمات إلى العربية لمذكّرات الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز: الأولى بعنوان "عشتُ لأروي" من صالح علماني، والثانية "نعيشها لنرويها" من رفعت عطفة، والثالثة "أن تعيش لتحكي" من طلعت شاهين. قرأت المجلّد الأوّل من ترجمة علماني، وتصفحت الفصول ذاتها في ترجمة شاهين (وللأسف لم تقع بين يديّ ترجمة عطفة، ولكنني أعرف ترجماته عن الإسبانية وأثق أنها رفيعة)، وأقول ببساطة: كم هو محظوظ هذا الـ "ماركيز"!
روايته الفذّة والأهمّ ربما، "مائة عام من العزلة"، قُيّض لها اثنان من خيرة آل الجندي معرفةً بالأدب والفصحي (سامي الجندي وإنعام الجندي)، وذلك رغم أنهما ترجما عن الفرنسية وليس عن الأصل الإسباني. وإذا كانت متابعتي سليمة، فإنّ سليمان العطار أنجز ترجمة ثانية للرواية ذاتها، صدرت في الكويت؛ وثالثة في لبنان، على يد محمود مسعود؛ ورابعة في لبنان أيضاً، من محمد الحاج خليل...
غير أنّ حظّ ماركيز في العربية لا يُقارن البتة بحظّه في لغة أخرى، جبّارة وكونية وكوزموبوليتية، هي اللغة الإنكليزية... إنْ لم يكن بسبب الذيوع الرهيب للصيت، فعلى الأقلّ لأنّ الترجمة الإنكليزية للرواية ذاتها جلبت له جائزة نوبل للآداب سنة 1982. وحين صدرت الرواية بالإسبانية للمرّة الأولي سنة 1967، تلقى ماركيز النصيحة الثمينة التالية من صديقه الروائي الأرجنتيني الكبير خوليو كورتازار: إعملْ على أن يترجمها غريغوري راباسّا، ولا تدعْ أحداً سواه يقترب منها، واصبرْ عليه حتي يقتنع بها، وانتظره حتى يشاء الله!
ذلك لأنّ كورتازار كان يعرف ما يقول، حقّ المعرفة: لقد ترجم له راباسّا أصعب رواياته على الإطلاق، ولعلها بين الروايات القليلة الأشدّ استعصاءً على الترجمة في تاريخ النوع الأدبي بأسره. وهذه الرواية، وعنوانها Rayuela بالإسبانية و Hopscotch بالإنكليزية، و"لعبة الحَجْلة" حسب قاموس منير البعلبكي، أو "الخَطّة" كما نقول في بلاد الشام، هي العمل الروائي الوحيد (في ما أعلم) الذي يمنحك رسمياً وعلانية قراءتين مختلفتين!
القراءة الأولى "تقليدية" تبدأ من الفصل الأول وتنتهي في ختام الفصل 56، حيث يعلمك كورتازار أنك تستطيع التوقف عن القراءة بضمير غير قلق أبداً، إذْ أنّ الفصول الـ 99 الباقية يمكن الاستغناء عنها! القراءة الثانية "تركيبية"، يقترح كورتازار ترتيب فصولها هكذا: 73 ـ 1 ـ 2 ـ 116 ـ 3 ـ 84 ـ 4 ـ 71 الخ... وكاتب هذه السطور يشعر بالاعتزاز لأنه نقل روايتين عظيمتين إلى العربية ("طيران فوق عش الوقواق" للأمريكي كين كيسي، 1981؛ و"ضجيج الجبل" للياباني ياسوناري كاواباتا، 1983)، ولكني ــ ضمن إيماني الراسخ بأنّ الترجمة واجب أخلاقي ـ معرفي قبل أيّ توصيف آخر ــ كنت وما أزال أحلم بترجمة "الخطة"، وكنت سأفعل لولا يقيني القاطع بأنّ ترجمتها عن الإسبانية هي الخيار الأمثل، ولعلّه الوحيد حصراً.
أعود إلى غريغوري راباسّا، إذاً، والشراكة السعيدة التي قادته إلى ترجمة معظم أعمال ماركيز بعد "مائة عام من العزلة": "خريف البطريرك"، "وقائع موت معلن"، "عاصفة الورق"، "لا أحد يكاتب العقيد"، "في ساعة شرّ"، وسواها... ولم تكن جائزة نوبل هي التتويج الأعلى لتلك الشراكة، لأنّ ذيوع صيت ماركيز بدأ في الواقع من ذيوع صيت تلك الترجمة الفريدة، لرواية فريدة في الأساس بالطبع. وقراءة ماركيز بترجمة راباسا لا تعادل قراءته في أية ترجمة إنكليزية أخرى، بل إنّ المقارنة غير واردة أصلاً، وغير عادلة. وهكذا يمكن القول، دون مبالغة، إنّ ماركيز يدين لمترجمه العظيم بقدر من الفضل لا يقلّ كثيراً عن فضل الأعمال ذاتها.
كذلك يمكن القول إنّ "الغزو" الحقيقي، الذي يمكن أن يُوصف به انتشار أدب أمريكا اللاتينية، وخصوصاً ما يُسمّي بـ "الواقعية السحرية"، في الغرب والعالم إجمالاً، لا يدين للكتّاب بفضل أقلّ من فضل راباسا نفسه. لقد كان وراء ترجمة أكثر من 30 عملاً من اللغتين الإسبانية والبرتغالية، لكبار كتّاب أمريكا اللاتينية، من أمثال ميغيل أنخيل أستورياس، ماريا فارغاس يوسّا، خورخي أمادو، أوكتافيو باث، يواكيم ماشادو دو أسيس، بالإضافة طبعاً إلي كورتازار وماركيز. وهذا الأخير كان يحلو له وصف راباسّا كما يلي: "إنه أعظم كاتب أمريكي ـ لاتيني في اللغة الإنكليزية". باث اعتبره "أعظم مترجمي القرن العشرين"، وكورتازار قال "إنه أكثر من مترجم: هو معلّم". أستورياس، من جانبه، لم يكن يتخيّل كيف كان يمكن لروايته "قبطان الرمال" أن تصل إلى القاريء الغربي، لولا ترجمة راباسّا...
كانت المصادفة قد قادته إلى الترجمة من الإسبانية، وهو من أب كوبي وأمّ أمريكية، حين عمل مترجماً في الجيش الأمريكي خلال الحرب العالمية الثانية. إنه اليوم في مطالع ثمانيناته، ولكنه يواصل تدريس الأدب الإسباني في جامعة نيويورك، وكان قد أصدر كتاباً بديعاً في لغته ومنطلقاته ونطاق موضوعاته، أسماه "إذا كانت هذه خيانة: الترجمة ومظانّها". وبالطبع، يلمّح هذا العجوز الكبــير إلى المثل الإيطالي العتيق الشائع الذي يقول: "المترجم خائن" Traduore, traditore، وكأنه من جانب آخر يحثّنا على النظر إليه كواحد من أعظم الخونة أولئك.
وهو كذلك حقاً!



#صبحي_حديدي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- معارك إيران السياسية: لا مناص من انتصار الإصلاحيين
- حكاية مكتبة
- جمهورية ثانية- في جورجيا: ذهب المافيوزو وجاء البيدق!
- صانع الشرائع
- سورية في العام الجديد: لا بشائر خير والقادم أدهى
- مديح الجندي رايان!
- الفيلسوف والحرب
- يا طيرة طيري...
- صدّام حسين سجيناً: الثوابت التي لن تتغيّر
- حداثة فدوى طوقان
- حقوق الإنسان في يوم الإعلان العالمي : مَن كان منهم بلا خطيئة ...
- فلسطين سويسرية!
- الإعلام الرسمي حذف 2000 كلمة من حديثه إلى «نيويورك تايمز» من ...
- الحجاب والمحجوب
- هل بات انهيار بيت سعود هو السيناريو الأكثر مصداقية؟
- في بيت ثيودوراكيس
- فرنسا وتهمة العداء للسامية: هل انطوى عهد -المكانة الخاصة-؟
- سارتر وصنع الله
- يمارس السياسة كمَنْ يعقد صفقة خشب أو خشخاش: برلسكوني والطبعة ...
- عاصفة أخرى في فنجان


المزيد.....




- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...
- جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس ...
- أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
- طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
- ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - صبحي حديدي - راباسّا: أعظم الخونة!