أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - جاسم المطير - معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة المركزي .. 10















المزيد.....

معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة المركزي .. 10


جاسم المطير

الحوار المتمدن-العدد: 2317 - 2008 / 6 / 19 - 06:53
المحور: أوراق كتبت في وعن السجن
    


بعد قيام فحص موقع أرضية الصيدلية لمرات عديدة من قبل فاضل عباس وعقيل حبش ظهرت أمامهما مهمة عملية هندسية لكي ينازلوا في الفترة القادمة هذا النفق وأرضيته ولكي يصبح العمل الدائب مهيئا فرصة الهروب السهل سهولة وضع الخاتم بإصبع اليد ، كما بالغ حافظ رسن بهذا القول ذات مرة .
العملية الهندسية في غرفة الصيدلية كانت هي الوسيلة الأولى لتدبير أول دقة لحفر النفق المفضي إلى درب الحرية الواسع . لكن هذه العملية من دون مهندس . ليس بين فريق التنفيذ أي مهندس وربما يؤدي حفر النفق بدون هندسة إلى الفوضى والفشل فهذا النوع من العمل الثوري يحتاج إلى تقدير هندسي دقيق لطول النفق وعرضه وارتفاعه يتبعه بعد البدء بالحفر ضرورة استنباط لمعرفة كيفية التخلص من كمية التراب الهائلة التي ستأتي من عملية الحفر .
لا بد إذا من وضع تصاميم نظرية على الورق كي تشكل جزءا من المنظور العام عند التنفيذ ، وقد أبدى فاضل عباس وعقيل حبش من الفطنة الهندسية والذكاء الهندسي بما أغنى العملية بجهد حقيقي لم يعد بحاجة إلى أي مهندس .
لمعالجة هذه الأمور تكلف بها ثلاثة نشطاء . واحد من فريق التخطيط ( حافظ رسن ) واثنان من فريق التنفيذ ( فاضل عباس وعقيل حبش ) . كان لا بد من تركيب وصياغة خطة عمل يومية لتأمين عملية الحفر إلى جانب الضرورة في عملية تمويه كل مظهر من مظاهر الحفر ليس فقط على إدارة السجن ورقابته بل على السجناء أيضا ، خوفا من نتائج ثرثرة ثرثارين وكانوا غير قليلين داخل السجن وداخل المنظمة السجنية رغم قيام المنظمة بتطهير السجن من بعض العناصر في فترة سابقة أشرت إليها من قبل . ربما تؤدي الثرثرة البريئة إلى انتكاسة عملية حفر النفق التي هي كأي عملية أخرى تخضع لقواعد الخطأ والصواب خاصة في ظروف مأسوية قاهرة كظروف السجون السياسية المحاطة دائما بكل وسائل القمع البوليسي وشباكه .
اقتضى في البداية مواصلة سلوك خاص بعد وضع " خارطة التمويه " قبل وضع " خارطة الطريق " لحفر النفق فتقرر ما يلي :
1- الترويج بين السجناء بفكرة أن غرفة الصيدلية تم تخصيصها للمنظمة الحزبية للاجتماعات ولاستنساخ الجريدة اليومية وبهذا صار يمكن التردد على الصيدلية على مدار الساعة بدون إثارة أية شكوك خاصة وان غالبية السجناء يعرفون أن استنساخ الجريدة يبدأ من ساعة 11 ليلا حتى الساعة 6 صباحا .
2- التردد على " المطبخ والمخزن " صار أكثر من السابق لتضليل الإدارة . وفعلا صارت تقارير عديدة تصل إلى إدارة السجن من رقبائها حول كثرة السجناء المترددين هناك ، بعد بناء الجدار الخشبي بين المطبخ والمخزن ، مما رفع درجة الشك لدى مدير السجن فعزز رقابته عليهما بوسائله الخاصة المتزايدة كل يوم مما كان يثير سخريتنا باستمرار وفقا للأمثولة الشعبية القائلة : اليدري يدري والمايدري كضبة عدس ..!
3- زيادة نشاط ممثل السجناء النقيب جبار خضير مع السجناء العسكريين داخل السجن حول قضية التطوع في حالة قيام الحرب مع إسرائيل من جهة . من جهة أخرى كانت لقاءات جبار خضير مع مدير السجن وبعض الإداريين الآخرين قد لعبت دورا مهما في تضليل الإدارة إلى درجة جعلتنا مطمئنين كثيرا من رقابة السجانة وبعض عملائهم داخل السجن .
بدأ فريق التنفيذ عمله الجريء والسريع ، أولا ، بإنجاز ما يلي :
1 – تأثيث غرفة الصيدلية القديمة المشخصة للحفر بما تحتاجه أرضيتها من بطانيات قد تستعمل كأكياس لنقل تراب النفق ، وغير ذلك من وسائل الاجتماعات والكتابة والاستنساخ والحفر أيضا .
2 – أكمل فاضل عباس وعقيل حبش وحافظ رسن قياسات الطول والعرض والارتفاع للنفق المفترض حفره كي تكون القياسات المذكورة ركيزة فعلية لمراحل الحفر ودليلا في مسارات الحفر .
3 - - تبرير فصل الصيدلية القديمة عن الصيدلية الجديدة أمام الأشخاص المداومين في العمل الطبي حيث يداوم فيها موظف صحي وممرض وتم الاجتماع بهما من قبل حافظ رسن في اجتماع مكرس لهذه المهمة مقدما المسوغات لهذا الأمر الذي يخدم أغراض المنظمة .
4 – وضعت هذه المجموعة تصورها الخاص عن كيفية التخلص من التراب .
5 – وضع فريق التنفيذ خطة خاصة لاستنساخ النشرة السجنية اليومية في كل ليلة كما تم جدولة العمل والتنسيق بين مهمتي " الحفر " و" الاستنساخ " .
6 – كانت هناك ضرورة ماسة لبعض التقطيعات الخشبية داخل الغرفة فأنجزها عقيل حبش بمفرده .
كل شيء جرى ، و صار يجري ، بسرعة ونجاح .
هكذا قال حافظ رسن ، ذات صباح ، أثناء تناولنا وجبة فطور متنوعة على مائدة نصيف الحجاج الكريمة دائما والجاهزة دائما . كان فيها جبن عراقي ابيض وجبن كرافت ومربيات وعسل إضافة إلى البيض المقلي وبعض الخضار والطماطم .
كان سرورنا كبيرا بهذا الخبر : نجح الفريق في وضع حجر الأساس للهروب . ثم شرح حافظ رسن بعض التفاصيل عن النجاح في فتح " رأس النفق " وتطويعه التام تحت ضربات الحفارين ، حيث منه الدخول إلى دروب الحرية .
أيقظ هذا الخبر الأولي السعيد كل حواسنا وأفصح عن قدرته في تغيير المرسوم على وجوهنا من علامات التقطيب والكآبة والانفعال والتوتر إلى فرح وابتسام وارتياح غمرت كل مسامة في جلود وجوهنا وبدلتها تبديلا .
كنت أظن أن من المهم جدا ً أن يشترك معنا الشعر والشاعر ، مظفر النواب ، في هذه الجلسة الافطارية كي تتسلل الفرحة إلى قلبه ، فقال حافظ أن قلب مظفر في غاية السرور الآن وهو نائم بعد أن عرف قبلنا بخبر نجاح الدقات الأولى في حفر النفق من عقيل حبش الذي سار إليه بخبر نجاح الخطوة الأولى فكان سروره لا يوصف وكان فجره اليوم مغمورا بالسعادة التي دفعته إلى النوم السريع بعد سهرة طويلة الليلة البارحة وهو يتابع مراحل العمل عن بعد وعن قرب .
نجاح الخطوة الأولى زادت ليس فقط آمال العاملين بالتخطيط والتنفيذ حسب ، بل زادتهم قوة واندفاعا ، ساعة بعد ساعة ويوما بعد يوم ، لغرض الإسراع بتحقيق الهروب وإحباط أي إجراء قد تقدم عليه سلطات بغداد الحكومية بإعادة السجناء إلى نقرة السلمان ثانية .
كان مصدر الإنتاج الأول لدى الحفارين هو المجهود المضاعف الذي يبذلونه اليوم أكثر من الأمس وإنتاج الغد أكثر من اليوم . كان عملهم يستغرق وقتا طويلا في الحفر والاستنساخ وكانوا يستهلكون طاقة كبيرة في العمل . الخبرة تتراكم لديهم بعد أن ذللوا كل صعوبات الخطوة الأولى وصارت فتحة النفق واضحة للعيان وزالت مشكلة التخلص من التراب .
وضعت اللجنة الثقافية في السجن برنامجا خاصا لمناسبتين وطنيتين قادمتين . الأولى هي ذكرى ثورة العشرين والثانية هي ذكرى حركة حسن سريع الثورية . كان نشطاء البرنامج الفريد سمعان وفاضل ثامر ويوسف الصائغ وآخرين . وقد كان برنامج الاحتفال بعيد العمال الذي جرى قبل أيام مضت قد خلا من مشاركة مظفر النواب لسبب حقيقي غير معلن وهو انشغاله بالمشاركة في التخطيط بينما اعتذر بسبب " مرضه " لكنه أعلن الآن استعداده للمشاركة في الفعاليات الثقافية والسياسية القادمة . كلفني يوسف الصائغ ونصيف الحجاج والفريد سمعان بضرورة تقديم محاضرة نفطية – سياسية عن إمكانية " استخدام النفط كسلاح في المعركة ضد الاستعمار والصهيونية " فوافقت فعلا على ذلك .
مرة أخرى التقى بي حسين سلطان طالبا مني العمل في تحرير الجريدة السجنية فاعتذرت مجددا بسب مرضي أيضا . قبل اعتذاري وطلب مني كتابة بعض الافتتاحيات السياسية للجريدة بين فترة وأخرى، فرحبت بالاقتراح وقد وعدته بتنفيذ طلبه .
خلال اللقاء استنتجت من أحاديثه معي كأنما هو على علم بمرحلة الحفر الأولى فأيد حافظ رسن صحة استنتاجي قائلا انه شخصيا اخبره بالخطوة الأولى ونجاحها وأكد حسين سلطان ، من جديد ، على ضرورة مواصلة العمل وتهيئة مستلزمات الهروب حين تكون موافقة الحزب على العملية جاهزة .
مع مرور الأيام أصبح كل شيء هينا ، فقد كان حافظ رسن ينقل لي أخبار الحفر ونجاح فريق التنفيذ الذي أصبح قادرا على تجاوز كل صعوبة في عملية الحفر بعد لحظة ولادتها كما نجح الفريق في تصريف التراب خلسة عن أعين الجميع سجناء وسجانة وصارت أدوات الحفر نشيدا حقيقيا يتلوه الحفارون ، كل ليلة ، لفتح الطريق المؤدي إلى صفوف الحزب فقد كان الحزب الشيوعي مكتوبا ليس فقط في ذاكرة الحفارين بل كان ملحا يرش به الحفارون في أحشاء النفق لتزداد عزيمتهم .

يتبع



#جاسم_المطير (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- كيف تصبح سفيرا عراقيا بخمسة أيام بدون معلم ..!!
- يا ليتنا كنا في الفضاء الخارجي لنفوز والله فوزا عظيما .. !! ...
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة 9
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة 8
- حول الانتخابات المحلية القادمة أقول : إن الكوز الفخّار سريع ...
- التاريخ العراقي يعيد نفسه مع بائع فلافل ..!!
- إلى المليارديرية والمليونيرية وكل المردشورية في النجف الأشرف ...
- ترياق ايراني من نوع اكسترا ..!!
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة 7
- الحرب والموت هما المد والجزر في بحر الرأسمالية الأميركية ..! ...
- نصر الله .. حزب الله .. أبن الله ..!
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة .. 6
- النكتة السياسية البغدادية أصدق أنباء ًمن الصحف ِ ..!!
- أستاذة جامعية هاربة من أهوال زوجها الملتحي ..!
- يا رئيس الوزراء لا يأتي إصلاح من الجرذان ..!!
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة 5
- بيان هام من مؤسسة السكارى في بصرة الناسكين الغيارى ..!!
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة 4
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة (3)
- معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة (2)


المزيد.....




- الخارجية الفلسطينية: تسييس المساعدات الإنسانية يعمق المجاعة ...
- الأمم المتحدة تندد باستخدام أوكرانيا الألغام المضادة للأفراد ...
- الأمم المتحدة توثق -تقارير مروعة- عن الانتهاكات بولاية الجزي ...
- الأونروا: 80 بالمئة من غزة مناطق عالية الخطورة
- هيومن رايتس ووتش تتهم ولي العهد السعودي باستخدام صندوق الاست ...
- صربيا: اعتقال 11 شخصاً بعد انهيار سقف محطة للقطار خلف 15 قتي ...
- الأونروا: النظام المدني في غزة دُمر.. ولا ملاذ آمن للسكان
- -الأونروا- تنشر خارطة مفصلة للكارثة الإنسانية في قطاع غزة
- ماذا قال منسق الأمم المتحدة للسلام في الشرق الأوسط قبل مغادر ...
- الأمم المتحدة: 7 مخابز فقط من أصل 19 بقطاع غزة يمكنها إنتاج ...


المزيد.....

- ١-;-٢-;- سنة أسيرا في ايران / جعفر الشمري
- في الذكرى 103 لاستشهادها روزا لوكسمبورغ حول الثورة الروسية * / رشيد غويلب
- الحياة الثقافية في السجن / ضرغام الدباغ
- سجين الشعبة الخامسة / محمد السعدي
- مذكراتي في السجن - ج 2 / صلاح الدين محسن
- سنابل العمر، بين القرية والمعتقل / محمد علي مقلد
- مصريات في السجون و المعتقلات- المراة المصرية و اليسار / اعداد و تقديم رمسيس لبيب
- الاقدام العارية - الشيوعيون المصريون- 5 سنوات في معسكرات الت ... / طاهر عبدالحكيم
- قراءة في اضراب الطعام بالسجون الاسرائيلية ( 2012) / معركة ال ... / كفاح طافش
- ذكرياتِي في سُجُون العراق السِّياسِيّة / حـسـقـيل قُوجـمَـان


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - أوراق كتبت في وعن السجن - جاسم المطير - معضلة الذاكرة .. وقصة الهروب من سجن الحلة المركزي .. 10