|
إستفتاء شعبي لكل قانون ، هو الطريق للحرية و العدالة
أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2314 - 2008 / 6 / 16 - 05:46
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
لا أملك سوى أن أنضم لقافلة المهنئين لشعب أيرلندا الحرة ، على إستفتاء الثالث عشر من يونيو 2008 ، فقد أثبت إنه لازال حر الإرادة ، تقديري لأيرلندا الحرة بحق ، ليس لقولها لا لإتفاقية لشبونة - فأمر تلك الإتفاقية لا يعنيني اليوم - الذي يعنيني أمران - جوهرهما واحد - الأول إن إيرلندا كدولة لم تسمح أن تصادر فيها النخبة الحاكمة القرار من الشعب ، أو أن تصبح تلك النخبة وصية على إرادته ، كما فعلت نخب حاكمة في بلدان أخرى في الإتحاد الأوروبي تدعي الديمقراطية ، و التي خافت أن تقول شعوبها لا لدستور أخر ، كما حدث مع دستور 2005 ، الذي رفضه الهولنديون و الفرنسيون ، فلجأت لبدعة دستور في شكل إتفاقية ، لينجو من اللجوء لإستفتاء الشعب ، و يصبح القرار في يد البرلمانات . ثاني اسباب تقديري هي لا الأيرلندية في ذاتها التي – بعيدا عن محتوى الإتفاقية – قد أوقعت النخب الحاكمة في دول الإتحاد الأوروبي في ورطة ، فلو كان الأيرلنديون صوتوا بنعم ، لمر الفعل المشين الذي قامت به تلك النخب في سلام ، حيث كانت البرلمانات الأوروبية بالفعل تتسابق في التصويت بنعم على الإتفاقية ، متجاهلة الرأي الحقيقي لشعوب الإتحاد الأوروبي . الإتفاقية في تفاصيلها - كما قلت - لا تعنيني الأن ، إنما الذي يعنيني هو الديمقراطية الحقيقية ، التي يجب بالفعل أن تنطبق في تطبيقها مع المسمى ، أي حكم الشعب ، فالديمقراطية الحقيقية ، أو الشورى بالمصطلح الديني الإسلامي ، لا تعرف في حقيقة الأمر ما يعرف بالنخبة الحاكمة ، أو أهل الحل و العقد . الأصل في الحكم هو للشعب ، للفرد العادي ، هكذا كان الحال في البدء ، و يجب أن يكون في العصر الحاضر و المستقبل . إذا قفزنا فوق المرحلة الفطرية - حين كان الناس يعيشون في شكل قبلي أو قروي صغير و يتخذون القرارات بشفافية - و بدأنا مع أول مجتمع مدني ديمقراطي حقيقي ، و أعني بلاد اليونان القديمة ، و بخاصة في أثينا الديمقراطية ، سنجد أن كافة المواطنين كان لهم الحق في المشاركة في إتخاذ القرار ، بشكل أو أخر ، بدون حواجز التعليم و الثروة و الطبقة الإجتماعية . أما في العصور المسيحية الأولى فمن السهل أن نلحظ في سفر أعمال الرسل ملامح المشاركة الشعبية في القرار ، و قد ظل ذلك ملحوظ فيما مضى أثناء إختيار الأساقفة أو عزلهم ، حيث تطالعنا المصادر التاريخية في مواضع عدة عن إختيار شعب أحد المدن لأسقفهم ، أو تمسك أهل مدينة أخرى بأسقفهم ، و الذي رأت السلطات الحاكمة أن تجعل منه أسقف للعاصمة ، كما حدث مع الأسقف يوحنا الذهبي الفم ، أسقف أنطاكية ثم القسطنطينية . في الإسلام ، لا توجد في حقيقة الأمر نخبة حاكمة ، أو ما يعرف بأهل الحل و العقد ، فنصوص القرآن الكريم التي تتعلق بالشورى و الحكم واضحة في أن القرار إنما هو قرار الشعب ، لا قرار نخبة محدودة . في سورة الشورى الآية 38 ، و ما سبقها ، المبدأ واضح ، هو أن الشورى هي من صفات المؤمنين ، كبقية الصفات الحميدة الأخرى كالإيمان بالله و إجتناب الإثم و الفواحش و إقامة الصلاة و الإنفاق في سبيل الله ، و بالتالي فان الأمور الدنيوية كافة هي بالشورى . بل يصل الإلزام بالأخذ بالشورى لخاتم المرسلين ، محمد ، صلى الله عليه و سلم ، في أمره تعالى لخاتم المرسلين : و شاورهم في الأمر ، آل عمران 159 ، و كلمة شاورهم ، في الآية المذكورة آنفا - واضحة في تعميمها ، فليس هناك ما يدل على وجود نخبة خاصة متفردة بالرأي . و يتأكد مبدأ الشورى ، بشكلها الشعبي ، بعيدا عن النخب ، في النور 62 ، حيث الطاعة في القرارات الدنيوية واجبة ، على إن تلك القرارات إنما صدرت بعد الموافقة العامة ، و الأمثلة لتطبيق هذا المبدأ متوافرة في السيرة النبوية ، مثل قرار الخروج لمعركة أحد ، و الذي كان الرسول ، صلى الله عليه و سلم ، من ضمن الأقلية في التصويت ، و لكنه ، عليه الصلاة و السلام ، إحترم رأي الأغلبية . الأصل إذا في إتخاذ القرارات هو للشعب ، للمواطن العادي من أمثالنا ، و ليس لنخبة محدودة ، حتى لو كانت منتخبة ، فعضو البرلمان ، هو بشر أولاً و أخيراً ، و مصالحه و مصالح حزبه هي أهم ما يحكم تصرفات غالبية البرلمانيين بعد وصولهم للبرلمان ، فخوف عضو البرلمان من غضب حزبه عليه ، و بالتالي منعه من الترشيح بإسم الحزب في أول إنتخابات قادمة ، أو الخوف من الإضطرار لخوض إنتخابات مبكرة لو فشل حزبه الحاكم في تأمين غالبية برلمانية لأحد القرارات أو القوانين الهامة ، كثيرا ما يكونان هما الدافعان الأساسيان لأغلب - إن لم يكن كل - تصويتات عضو البرلمان ، و إتفاقية لشبونة في الإتحاد الأوروبي هي خير مثال على أن البرلمانات ، و لو كانت منتخبة بحرية و شفافية ، فإنه كثيرا ما تكون قرارتها معبرة عن مصالح أعضائها و أحزابهم ، لا مصالح و رأي الغالبية الشعبية . إنها ليست دعوة لتبني سياسة الإجتماعات العامة في دور العبادة كما في صدر الإسلام و المسيحية ، أو في الساحات العامة مثلما كان يحدث في أثينا على زمن الإغريق ، أو كما يحدث في مقاطعتين سويسريتين لليوم ، و إنما هي دعوة لزيادة دور الشعب في إتخاذ القرار ، و جعله هو المرجع الأول و الأخير ، بإستخدام نظام الإستفتاء الشعبي العام على كافة القوانين و المعاهدات ، و ذلك بجعل أي تصديق على أي قانون أو قرار أو معاهدة يتم في مرحلتين - بعد إلغاء مجلس الشورى الذي لا فائدة ترجى منه – المرحلة الأولى هي موافقة مجلس الشعب على القانون أو المعاهدة ، ثم المرحلة الثانية بإستفتاء الشعب ، و يكون قرار الشعب هو القرار النهائي ، أي لا حاجة لتصديق رئيس الجمهورية على القانون أو المعاهدة ، التي حظيت بالفعل بموافقة مجلس الشعب ، ثم الشعب ذاته في إستفتاء عام . و من الممكن تطبيق ذلك بجعل الإستفتاء الشعبي مسألة إعتيادية نصف سنوية ، يتم خلال كل إستفتاء التصويت على كافة القوانين و المعاهدات و القرارات ، التي إتخذها مجلس الشعب خلال الستة أشهر السابقة على الإستفتاء ، و ذلك بعد نشر نصوص تلك القوانين و المعاهدات في الجريدة الرسمية ، و موقع رسمي للجريدة ذاتها على الإنترنت ، قبل الإستفتاء بشهر ميلادي . و يمكن إقامة إستفتاء في غير الموعد الرسمي الدوري في الحالات العاجلة ، أما في غير ذلك فلا حاجة للعجلة ، فلعل ذلك يوقف سيل القوانين و القرارات و المعاهدات التي يتم التصديق عليها ، و لا يعلم الشعب المصري بشأنها أي شيء . إن تطبيق هذا النظام ، حتى في ظل النظام الفاسد الحالي ، أفضل من بقاء الأوضاع بشكلها الحالي ، فنظام كهذا المقترح سوف يجعل من الصعوبة بمكان تصدير الغاز المصري بأقل من أسعار التكلفة أو الأسعار العالمية ، و سوف يجعل من العسير على النظام الحاكم سن أي رسوم ضرائبية مجحفة ، و سوف يلغي إمكانية وجود بنود سرية في المعاهدات الخارجية ، و سيجعل تمرير التجديد لقانون الطوارئ مسألة ليست بالهينة . كما سيسهم نظام الإستفتاء الشعبي الدوري في إيقاظ الشعب ، و زيادة وعيه ، فعندما يعلم كل مواطن إنه سوف يكون شريكا في عملية سن القوانين المتعلقة بحياته اليومية ، مثل سن قانون يتعلق بالضرائب أو الدعم أو الصحة أو أسعار الخدمات العامة ، فسوف يتمسك بإيصال صوته ، و يستميت من أجل إحترام رأيه ، و هذه بداية الطريق للحرية و العدالة . إنها الديمقراطية الحقيقة ، فيها يكون القرار النهائي للشعب ، و على مجلس الشعب أن يعمل فقط كمقدم لمشاريع القوانين و المعاهدات ، أما الحكومة و الرئاسة فليس لهما إلا تصريف الشؤون اليومية للدولة في إطار الدستور و القانون الشعبي ، لا دستور و قوانين و معاهدات النخبة .
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
إتحاد شمال شرق أفريقيا هو الأقرب للواقع
-
أئمة المساجد بالإنتخاب
-
عودة الروح الفرنسية لساركوزي ، و لكنها ليست كما نرغب
-
شارع الخليفة المأمون سابقاً ، الوجه الحقيقي لطاغية
-
المعارضة المصرية بين الدرس النيبالي و خيانة الرابع من مايو
-
دوحة ترحيل المشاكل للغد
-
الساركوزية هي أقرب للبونابرتية و ليست بأي حال ديجولية
-
حتى تعود مصر لمكانتها ، الحلقة الأولى
-
فوتوغرافية هذه الحقبة
-
فأغرقناه و من معه جميعاً ، لا للعفو عن الرتب الصغرى
-
فأغرقناه و من معه جميعاُ ، لا للعفو عن الرتب الصغرى
-
أمريكا على طريق روما ، طريق إلى حرب باردة ثانية
-
لماذا لا تنضم غزة إلى مصر ؟
-
إنهم الخوالف و الأعراب في ساعة العسرة
-
إنها ثورة الشعب المصري ، لا حزب العمل
-
ليبيا مصرية
-
إخلع محراثك اليوم ، فقد آن أوان الثورة ، آن أوان الحرية
-
إنها كنعان و ليست فلسطين ، و هم الكنعانيون ، و ليسوا فلسطيني
...
-
لنحبط معاً إقامة مؤتمر ويكيبيديا بالأسكندرية
-
روسيا تحتاجين إلى حلفاء ، فالردع النووي لا يكفي
المزيد.....
-
الجمهوريون يحذرون.. جلسات استماع مات غيتز قد تكون أسوأ من -ج
...
-
روسيا تطلق أول صاروخ باليستي عابر للقارات على أوكرانيا منذ ب
...
-
للمرة السابعة في عام.. ثوران بركان في شبه جزيرة ريكيانيس بآي
...
-
ميقاتي: مصرّون رغم الظروف على إحياء ذكرى الاستقلال
-
الدفاع الروسية تعلن القضاء على 150 عسكريا أوكرانيا في كورسك
...
-
السيسي يوجه رسالة من مقر القيادة الاستراتجية للجيش
-
موسكو تعلن انتهاء موسم الملاحة النهرية لهذا العام
-
هنغاريا تنشر نظام دفاع جوي على الحدود مع أوكرانيا بعد قرار ب
...
-
سوريا .. علماء الآثار يكتشفون أقدم أبجدية في مقبرة قديمة (صو
...
-
إسرائيل.. إصدار لائحة اتهام ضد المتحدث باسم مكتب نتنياهو بتس
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|