أحمد حسنين الحسنية
الحوار المتمدن-العدد: 2313 - 2008 / 6 / 15 - 02:53
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
إذا كان من أهم شروط نجاح أي زيجة ، هو التقارب بين الزوجين من حيث المستوى المادي و التعليمي ، و الإهتمامات الشخصية المشتركة ، أليس الأولى إذاً أن يكون ذلك في الإتحادات السياسية و الإقتصادية بين الدول ؟
أقول ذلك لأولئك الذين لازالوا يعيشون أسرى لفكرة الوحدة العربية الشاملة من المحيط للخليج ، و للذين يتصورون إمكانية تحقق حلم إتحاد المتوسط بسرعة ، و بالشكل الذي نرغبه كأفراد متوسطيين عاديين .
في الحالين ، هناك تفاوت كبير ، ليس فقط في المستوى المادي للشعوب بين ضفة شمال المتوسط و جنوبه ، و بين دول الخليج و دول مثل مصر و سوريا و السودان و اليمن و المغرب ، و لكن أيضا هناك إختلافات ثقافية كبيرة ، خاصة بين دول البحر المتوسط الأوروبية و الأفريقية ، و بدرجة ملحوظة بين الدول العربية فعلى سبيل المثال هناك إختلافات ثقافية بين مجموعة الدول الخليجية و مجموعة الدول الشمال أفريقية ، و نحن في مصر نلحظ كيف أدى التفاوت الإقتصادي بين مصر و دول الخليج ، إلى سيطرة رأس المال الخليجي على مصر بدرجة خطيرة ، و ما يتمتع به أهل الخليج من وضع متميز في مصر يصل إلى درجة الحصانة و التسيد على أبناء البلد ، و أصبحت مصر ليست أكثر من ضيعة أو عزبة لوضع بعض الفوائض المالية لأبناء الخليج ، دون إي إضافة حقيقية للإقتصاد المصري ، و غدا شعب مصر ليس أكثر من مورد للعمالة لتلك الدول ، مثلما من الملحوظ الإستياء الشعبي المصري المتزايد لتغلغل الثقافة الخليجية ، و بخاصة السعودية ، و محاولتها إزاحة ثقافتنا ، و محو الشخصية المصرية ، و ذلك في ظل علاقات بين مصر و تلك الدول لا تصل إلى درجة الوضع في إطار إتحاد مماثل لإتحاد دول مجلس التعاون الخليجي أو الإتحاد الأوروبي .
الإتحاد الأوروبي نجح بسبب الخلفية الثقافية و السياسية المتقاربة بين دول أعضائه لحد كبير ، فمن الناحية المادية ، لم يقبل الإتحاد الأوروبي في عضويته أي عضو جديد إلا بعد أن يبلغ الدخل الفعلي للمواطن في الدولة المتقدمة للعضوية حد معين يضيق الفجوة بين العضو الجديد و الأعضاء القدامى ، و على العضو الجديد أن يلتزم بجدية بالعديد من المعايير في ميادين السياسة و الإقتصاد و العدالة و حقوق الإنسان ، تلك المعايير التي جعلت جميع مواطني الإتحاد الأوروبي متساوين في الحقوق ، فلم يتحول مواطني الدول الأكثر غنى ، مثل ألمانيا أو فرنسا ، إلى مواطنين سوبر ، يتمتعون بالحصانات و الإمتيازات ، و مواطني الدول الأفقر إلى وضع الأخدام الذي نزلنا إليه في علاقاتنا بدول الخليج .
لهذا نجح الإتحاد الأوروبي و استمر و لازال ينمو ، و لهذا من الممكن أيضاً أن ينجح إتحاد مماثل يضم بلدان قارة أمريكا الجنوبية ، حيث الثقافات متقاربة ، و التاريخ فيه الكثير من الصفحات المشتركة ، و كذلك اللغات ليست كثيرة التنوع ، و الدول جميعها اليوم ديمقراطية ، و التفاوت الإقتصادي ليس بالشاسع الخطير .
و بهذا المنطق أيضا لم تتقدم فكرة إتحاد لدول أمريكا الشمالية كثيراً للأمام ، نظرا للتفاوت الإقتصادي الهائل بين كندا و الولايات المتحدة من جانب و المكسيك على الجانب الأخر ، كذلك للإختلافات الثقافية و السياسية العميقة بين الدول الثلاث .
أما الإتحاد الأفريقي فهو فكرة ممتازة ، و فكرة العملة الأفريقية أكثر من ممتازة ، و سبق أن أيدتها لأسباب إقتصادية بحته ، و لمصلحة المواطن المصري البسيط مثلي ، و أفردت لها مقال خاص بعنوان : لماذا أقف مع الأفرو ضد الجنيه ؟
و لكن مشكلة الإتحاد الأفريقي يريد أن يولد كبير و شبه كامل ، لهذا ولادته متعسرة ، فتجميع أكثر من خمسين دولة مرة واحدة في إتحاد على نمط الإتحاد الأوروبي حلم كبير ، و لكن الإمكانات لا تتوافر لفعل هائل عظيم كهذا ، و كذلك الإرادات داخل السلطات الحاكمة في دول الإتحاد الأفريقي متفاوتة في حماسها للفكرة .
الأمل الواقعي هو في إتحاد يولد صغير محدود الأعضاء ، لدول متقاربة جغرافيا ، و متشابهة ثقافيا ، و التفاوتات الإقتصادية بين شعوبها ليست بالمهولة ، و هناك الكثير من صفحات التاريخ تجمع بينها .
إتحاد بين دول شمال شرق أفريقيا ، هو الأقرب للواقع ، إتحاد يضم مصر و السودان و ليبيا و أثيوبيا ، و بالإمكان ضم أريتريا و تشاد من البداية أو فيما بعد .
التاريخ يجمع بين شعوب تلك الدول ، و الثقافات متقاربة ، و التاريخ متداخل ، و حتى الأصول السلالية البشرية متشابهة ، و الثروات البشرية و الطبيعية هائلة ، و الجغرافيا تخدمنا ، فلو ظللنا تلك الدول المقترحة على خريطة بيضاء فسنرى تكتل جغرافي بري شبه مدمج ، و ليس إمتداد طولي كبير مثل من المحيط للخليج يشبه الخط المستقيم الذي يضعف الإتصال البري ، و ليس هناك فاصل مائي كبير مثل البحر المتوسط ، و هذا التقارب الجغرافي بين دول شمال شرق أفريقيا سوف يسهل مد طرق برية جيدة و سكك حديدية بشكل مكثف ، بما يسهل إنتقال البشر و البضائع ، و بأقل التكاليف ، و حرية إنتقال البشر و البضائع شرطان لا بد منهما لنجاح أي إتحاد ، فالإتحاد الذي يجب أن نطمح له هو إتحاد بين الشعوب ، لا إتحاد إتفاقات ورقية بين السلطات الحاكمة .
الإتحاد بالطبع يجب أن يكفل حقوق أساسية متساوية لجميع مواطنيه ، مثل الحرية المطلقة في التنقل و الإقامة ، و الحرية المطلقة في التملك و العمل و الإستثمار و نقل الأموال و البضائع ، و بالإمكان الشروع في تبني عملة موحدة و لتكن الأفرو ، أو لتكن – على الأقل – نواة للأفرو المقترح ، كذلك بالإمكان تبني علم الإتحاد الأفريقي ، ليكن علم لإتحاد شمال شرق أفريقيا ، مثلما تبني الإتحاد الأوروبي نفس علم مجلس أوروبا .
رئاسة الأتحاد كذلك يجب أن تكون دائرية ، مثل الحال في الإتحاد الأوروبي اليوم ، حتى يكون بإمكان كل دولة أن تجد متسع من الوقت لتطبق مفهومها للإتحاد ، فبالتأكيد ستكون هناك تصورات مختلفة للإتحاد ، و كل تلك التصورات يجب أن تأخذ حقها في التعبير مادامت لا تتناقض و أسس الإتحاد المقترح و لا تهدد وجوده ، فالإختلاف في وجهات النظر ، مادامت تلك الإختلافات في مظلة الإتحاد هي إثراء للإتحاد . أيضاً لا يجب أن تسيطر مصر على الإتحاد ، فقد أدي الإصرار المصري الرسمي للسيطرة على منصب الأمين العام للجامعة العربية إلى ما يشبه الشلل ، و إبتعدت عنها بعض الدول العربية بعد أن فقدت الأمل في الوصول لقيادتها ، و شعرت إن الجامعة العربية إنما تمثل فقط الصوت السعودي و تابعه المصري الرسمي .
كذلك يجب أن يكون مقر الإتحاد في العاصمة الأثيوبية ، مثلما الإتحاد الأفريقي مقره هناك ، فمن الضروري ألا تشعر أثيوبيا إن مكانتها مهددة ، أو ان الإتحاد المقترح هو بديل للإتحاد الأفريقي .
إنه من الضرورة القصوى ألا يبدو هذا الإتحاد و كأنه موجه ضد أي قوة إقليمية أو عالمية ، و لا يكون قيدا على أي دولة عضوة به ، و لا يكون إلغاء لأي جهود لتفعيل أي مشروع تعاوني أخر ، مثل التعاون العربي أو المتوسطي ، مادام لا يوجد مساس بأسس الإتحاد المقترح . و لكي نكون عمليين ، و من أجل تحقيق هذا الحلم ، فيجب ألا يتدخل الإتحاد في الشئون السياسية الداخلية و الخارجية لأي دولة عضوة بإتحاد شمال شرق أفريقيا ، فيمكنا حاليا الإكتفاء في مشروعنا هذا – كشعوب - بالحقوق الأساسية السابق ذكرها في المقال ، و التطورات للأفضل مرهونة بإرادتنا في المستقبل و إرادة الأجيال القادمة للسير قدما للأمام لتعميق هذا الإتحاد و توسيعه حتى يشمل كل أفريقيا ، و لكن دون أن يعني هذا توقف نضالنا كمصريين من أجل تأسيس الجمهورية المصرية الثانية ، مصر العدالة و الحرية لكل المصريين بدون إستثناء ، مصر سيادة سلطة القانون المدني العادل ، فهذا شأن مصري داخلي لا دخل لأي طرف خارجي به .
أحمد محمد عبد المنعم إبراهيم حسنين الحسنية
بوخارست - رومانيا
حزب كل مصر
تراث – ضمير - حرية – رفاهية – تقدم – إستعيدوا مصر
09-06-2008
#أحمد_حسنين_الحسنية (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟