|
ماهي طبيعة وحقيقة اتفاق التراضي الوطني؟
تاج السر عثمان
الحوار المتمدن-العدد: 2314 - 2008 / 6 / 16 - 10:53
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
شهد يوم الثلاثاء الماضي:20/مايو/2008م، توقيع الاتفاق بين حزب الامة والمؤتمر الوطني( اتفاق التراضي الوطني)، ونشرت صحف الاربعاء السودانية نص الاتفاق، وبذلك اصبح الاتفاق متاحا للقراء لدراسته والتعليق عليه، ورغم ترحيب شعب السودان باهمية الحوار وحل مشاكل السودان بواسطة اهله، بعيدا عن التدخل الاجنبي، وبانجاز التحول الديمقراطي والسلام العادل والشامل والتنمية وتحسين احوال الناس المعيشية، والوحدة الطوعية والديمقراطية للبلاد وغير ذلك من الشعارات العزيزة علي شعبنا، والتي اكدتها الاتفاقات (نيفاشا، القاهرة،..الخ)، ولم تجد استحقاقاتها طريقها لتنفيذ، والتي لم يضف لها اتفاق الامة والوطني جديدا. ولكن يتساءل الناس عن مدى جدية المؤتمر الوطني في تنفيذ اى اتفاق بعد التجارب و الاتفاقات الكثيرة التي وقعها واصبحت حبرا علي ورق مثل: اتفاق السلام 1997م مع جناح من الحركة الشعبية لتحرير السودان ، واتفاق جيبوتي مع حزب الامة عام 1999م والذي ادي الي شق التجمع الوطني الديمقراطي وانهك حزب الامة نفسه، بشقه الي جناحين ، وكانت الحصيلة عدم تنفيذ الاتفاق، وكذلك اتفاقية نيفاشا المشهودة دوليا والتي مازالت متعثرة في التنفيذ، واصبح الامر يهدد بنسفه بعد احداث ابيي الأخيرة. وكذلك اتفاق القاهرة مع التجمع الوطني الديمقراطي والذي لم ينفذ واصبح حبرا علي ورق. اما اتفاق ابوجا مع مجموعة مناوي فقد مات موتا سريريا، مما يتطلب تفاوضا جديدا يشمل جميع مكونات اهل دارفور والفصائل ، اى حلا شاملا ، باعتباره الشرط لنجاح مهمة القوات الدولية. اما اتفاق الشرق فمازال متعثرا.. الخ. فالمؤتمر الوطني ليست لديه مشكلة في توقيع الاتفاقات ، ولكن مشكلته في التنفيذ، وديدنه المراوغة وكسب الزمن ، وماعاد ذلك يجدي في ظروف ينزف فيها الوطن دما ، وخاصة بعد احداث امدرمان الاخيرة والتي هددت بنقل الحرب الي العاصمة ، ولابديل للتحول الديمقراطي والحل الشامل لمشاكل البلاد حتي لاتتعرض البلاد للتشرذم والتمزق. كما اكدت التجربة من مفاوضات نيفاشا، أن حصر التفاوض في طرفين واستبعاد بقية القوي السياسية ، كان خطأ كبيرا علي حساب السلام والاستقرار في السودان. كما اكدت التجربة ايضا أن المؤتمر الوطني يمارس سياسة فرق تسد بابرام الاتفاقات الثنائية مع القوى المعارضة وعدم تنفيذها مما يؤدي الي اضعاف هذه الاحزاب حتي لاتواجهه موحدة في معركة الانتخابات القادمة، فهو يعتمد سياسة فرق تسد ، وسياسات اقتصادية ركزت المال في يد المؤتمر الوطني ، والذي يلعب دورا كبيرا في معركة الانتخابات القادمة. ولابديل لقوى المعارضة غير توحيد صفوفها ووحدة احزابها لمواجهة المعركة القادمة والتي تهدف الي انتزاع التحول الديمقراطي ، وانتزاع قانون ديمقراطي للانتخابات يفتح الطريق امام انتخابات حرة نزيهة تخرج البلاد من شبح التمزق والفرقة والدمار المحدق بالوطن. والواقع ، انه ليس هناك مايلوح في الافق اى اتجاه للمؤتمر الوطني لتحسين المناخ السياسي وتهيئة الاجواء لتحقيق المصالحة الوطنية الحقيقية والحوار مع القوى السياسية بااتخاذ قرارات مثل : الغاء القوانين المقيدة للحريات واصدار قرار سياسي بارجاع المفصولين تعسفيا من المدنيين والعسكريين وتحسين احوال الناس المعيشية بعد الارتفاع الجنوني في الاسعار وضعف الاجور، والحل الشامل لقضية دارفور واطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وتنفيذ اتفاقية نيفاشا والقاهرة، وبقية الاتفاقات. ان تنفيذ تلك المطالب تهئ الاجواء للمصالحة الوطنية والحوار وتفتح الطريق لخروج البلاد من عنق الزجاجة الحالي. والواقع أن ذلك لم يحدث حتي الآن وبعد ثلاث سنوات من اتفاقية نيفاشا، مما يشير الي أن تفاؤل السيد الصادق المهدي لاأساس موضوعي له. فالصادق المهدي له سوابق في توقيع اتفاقات مع نظام نميري(مصالحة 1977)، لم ينفذ ، وكذلك له سابقة مع نظام الانقاذ (اتفاق جيبوتي 1999) لم ينفذ، فلماذا يتعرض حزب الامة للدغ من الجحر اكثر من مرة ؟. بعد هذه المقدمة، ندلف للاتفاق نفسه، ونلاحظ كما جاء انه يتكون من سبعة موضوعات هي: 1- الثوابت الوطنية، 2- تهيئة المناخ، 3- دارفور، 4- الانتخابات، 5- المطلوب عمله، 6- السلام، 7- الحريات. أولا: الثوابت: الاتفاق لم يضف جديدا للاتفاقات السابقة، بل اكد علي وجهتها العامة، ولكن الاتفاق في الثوابت وفي البند (1-3) يشير (الي التزام قطعيات الشريعة)، مما يثير المخاوف من جديد لتكرار تجربة الدولة الدينية، والتي كانت وبالا علي البلاد بعد تجربة قوانين سبتمبر 1983، وتجربة نظام الانقاذ في 1989 م ، وفيه تراجع عن ميثاق اسمرا في يونيو 1995 الذي اشار الي (فصل الدين عن السياسة)، وفيه تراجع ايضا عن اتفاقية نيفاشا التي حصرت تطبيق الشريعة في الشمال، وفي الشمال نفسه تتباين وجهات النظر ولايستطيع أن يدعي فريق معين بأنه يحتكر تفسير الشريعة والدين. ثانيا: تهيئة المناخ: وجاء البند(5) في موضوع تهيئة المناخ ليكرس شبه تحالف بين الحزبين ينص البند علي ما يلي(التعاون بين الحزبين في بناء القطاعات الفئوية والطلابية والنقابية والمفوضيات بمشاركة الجميع)، اضافة الي البند( 2) الذي ينص علي(ابتدار الجهود لتهيئة قواعد الحزبين للتفاعل الايجابي مع ما اتفق عليه الحزبان والعمل علي تنشيط العلاقات الاجتماعية بين منسوبي الحزبين). ثم ما المقصود (بتنفيذ توصيات هيئة الحسبة والمظالم) في البند (3)، بدلا من الحديث عن ضرورة اصدار قرار سياسي بارجاع المفصولين من المدنيين والعسكريين، ورفع المظالم والضرر كما أشار اتفاق القاهرة؟. ثالثا: دارفور: تم تناول قضية دارفور بطريقة معممة في اتفاق التراضي بين الامة والوطني، اذ لم يشر الاتفاق الي دور نظام الانقاذ في تعميق المشكلة باعتماد الحل العسكري، وتسليح قوات الجنجويد، وجرائم الحرب والابادة التي تمت، وضرورة محاسبة المسئولين عن جرائم الحرب ونزع سلاح الجنجويد، وضرورة الحل الشامل، وتنفيذ الاتفاقات ، ولقد اكدت احداث امدرمان الاخيرة ضرورة تنفيذ الاتفاقات والتحول الديمقراطي والاستجابة لمطالب اهل دارفور بتحقيق مطلب الاقليم الواحد، والتنمية التي توفر احتياجات الناس الاساسية. رابعا:الانتخابات: في الانتخابات ، اكد الطرفان في البند(3-2): ( 60 % من اعضاء كل مجلس يتم انتخابهم بالنظام الفردي و40% علي اساس التمثيل النسبي ) ، وهو عكس ما اتفقت عليه أغلبية القوي السياسية(50% جغرافي، 50% نسبي)، وحتي اذا تجاوزنا ذلك، ولكن المشكلة التي ليست محل اجماع كما جاء في البند(3- 6): (دائرة التمثيل النسبي تكون اتحادية _ السودان كدائرة واحدة- )، وهذا سوف يعيد انتاج الازمة ويخلق نظاما انتخابيا هشا، سرعان ما ينهار بسبب اقصاء قوى كبيرة تعبر عن قضايا ومشاكل مناطقها وتصبح خارج دائرة اتخاذ القرار. اما البند الاخر الذي يزيد الامور تعقيدا هو الاتفاق بين الحزبين علي نظام العتبة(5%) ، كما في البند( 3- 10): ( النسبة المؤهلة للتنافس هي حصول الحزب علي نسبة 5%)، وهذا الشرط سوف يكون ضارا، في بلد خارج لتوه من حروب اهلية ، يحتاج النظام الانتخابي فيه الي المرونه واستيعاب الجميع، وليس الاقصاء الذي دون شك سوف ينسف الديمقراطية الوليدة. اذ أنه سوف يكرس هيمنة الاحزاب الكبيرة، وبالتالي يتم اعادة انتاج الحرب والهيمنة من جديد. خامسا: السلام: اكد الاتفاق علي الاتفاقات السابقة، ولكن المشكلة فيها هي عدم الالتزام بتنفيذ العهود والمواثيق، الأمر الذي يعيد انتاج الحرب من جديد، وأن ما توصل اليه حزب الامة والوطني حول الانتخابات والدولة الدينية سوف يعيد البلاد الي مربع الحرب مرة اخري والتي قطعا سوف تكون علي نطاق اوسع من السابق. سادسا: الحريات: ماجاء في الاتفاق حول ضرورة التحول الديمقراطي والغاء القوانين المقيدة للحريات لاخلاف عليه، ولكن المشكلة في التنفيذ، المهم هو تحويل وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي 2005م الي واقع حي يحسه ويمارسه الناس، وذلك بوقف الرقابة علي الصحف وحرية وقومية الاعلام، وحق الاحزاب السياسية في ممارسة نشاطها السياسي(اقامة الندوات والليالي السياسية، ...الخ)، وعدم اطلاق النار علي المواكب السلمية ومحاسبة المسئولين عن ذلك(كما حدث في بورتسودان وكجبار..الخ)، اضافة للممارسات المنافية لحقوق الانسان مثل ممارسة التعذيب..الخ، وان يكون جهاز الامن جهازا لجمع المعلومات كما جاء في الدستور الانتقالي 2005م، وغير ذلك مما جاء في الدستور الانتقالي للعام 2005م. اذن المطلوب هو تحويل وثيقة الحقوق الي واقع حي يمارسه السودانيون، دون أن يكون هناك انفصام بين الواقع والدستور. وأخيرا، يبدو أن اتفاق حزب الامة والوطني، حسب ما أشار الكثيرون أنه لم يضف شيئا جديدا للاتفاقات السابقة، وانه اتفاق ثنائي مثله مثل الاتفاقات السابقة، بل ان خطورة اتفاق الامة والوطني يعيدنا مرة اخري الي مربع الدولة الدينية والحرب، والذي بذل الشعب السوداني مع المجتمع الدولي جهدا كبيرا في وقف بعضها( الجنوب، الشرق، جبال النوبا، جنوب النيل الازرق،..الخ)، ومتبقي دارفور والذي مازال البحث جاريا نحو الحل الشامل الذي تسهم فيه كل مكونات دارفور والفصائل المسلحة. وكان ينبغي الانطلاق من النقطة المتقدمة التي وصلنا اليها، ونعالج تنفيذ استحقاقات الاتفاقيات ، لا اضافة قنابل موقوتة جديدة تتمثل في ما توصل اليه الامة والوطني حول الدولة الدينية والانتخابات التي تهمش الاحزاب الصغيرة والحركات الاقليمية مما يعيد انتاج الحرب من جديد ويتم نسف كل الجهود السابقة التي توصلنا اليها حتي الان. كنا نتوقع أن يهجم حزب الامة علي الاحزاب باتفاق متقدم ينطلق من المنجزات السابقة ويشمل الجميع، لكن أن يهجم بادوات واتفاق متخلف علي ما توصلت اليه الحركة السياسية في اسمرا 1995 واتفاقات نيفاشا والشرق وابوجا، فان تلك الهجمة سوف ترتد الي صدور الامة والوطني، وسوف تؤدي الي رفع حالة الاحتقان القائمة اصلا، وتؤدي الي تدمير البلاد ويتم اعادة البلاد مرة اخري الي مربع الحرب وبالتالي، ان ما تم ليس اتفاقا، فضلا عن هلاميته وعدم تحديد مواقيت محددة للتنفيذ، ولكنه تحالف بين المؤتمر الوطني وحزب الامة، وسوف يعمق الازمة ويعيد انتاجها بشكل اوسع، كما ستوضح الايام القادمة، اضافة الي ارث المؤتمر الوطني في نقض العهود والمواثيق، وهدفه في اضعاف القوى السياسية حتي لاتواحهه موحدة في المعركة الانتخابية القادمة، وبالتالي لابديل غير وحدة كل القوي السياسية من اجل وحدة البلاد وانتزاع التحول الديمقراطي، والحل الشامل لقضية دارفور والذي يخاطب جذور الازمة.
#تاج_السر_عثمان (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الستالينية وتجربة الحزب الشيوعي السوداني (3)( الحلقة الثالثة
...
-
الشمال والجنوب واحتمالات تجدد الحرب ومستقبل الاوضاع في دارفو
...
-
ابيي ولعنة النفط: هل سيجد الاتفاق الاخير حول ابيي طريقه للتن
...
-
نقاط حول تجديد برنامج الحزب الشيوعي السوداني
-
جذور الفكر الماركسي والاشتراكي في السودان
-
كيف تناول مشروع التقرير السياسي العلاقة بين الكادر القديم وا
...
-
المفهوم المادي للتاريخ:محاولة لتوسيع مدي المفهوم
-
حول اسم الحزب
-
اتفاقية نيفاشا ومستقبل الشراكة
-
المتغيرات في الاوضاع المحلية والعالمية بعد المؤتمر الرابع لل
...
-
الماركسية وقضايا المناطق المهمشة في السودان
-
الاثار الاقتصادية والاجتماعية والسياسية لنشأة وتطور سكك حديد
...
-
حول قرار عبد الواحد بفتح مكتب لحركته داخل اسرائيل
-
الرحلة من موسكو الي منسك
-
حول تجربة مشاركة التجمع في السلطة التشريعية والتنفيذية
-
وثيقة الحقوق في الدستور الانتقالي لعام 2005م: التناقض بين ال
...
-
ملاحظات نقدية علي برامج الحركات الاقليمية والجهوية(3)
-
ملاحظات نقدية علي برامج الحركات الاقليمية والجهوية(2)
-
حول قانون الصحافة والمطبوعات الصحفية لسنة 2004م
-
ملاحظات نقدية علي برامج الحركات الاقليمية والجهوية(1)
المزيد.....
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|