مقدمة
أولا : تعديلات النظام السياسي الفلسطيني
في أعقاب توقيع اتفاق أوسلو 1993 جرى تعديل على النظام السياسي الفلسطيني قضى بإنشاء سلطة وطنية تملك بعض الصلاحيات والسيطرة المتفاوتة وفقا للاتفاق ، التعديل جاء بقرار من المجلس المركزي الفلسطيني لمنظمة التحرير الفلسطينية وهو الهيئة التي صوتت بالموافقة على الاتفاق ، هذا التعديل الذي أسس عمليا لنظام جديد ، لم يكن جديدا في مكوناته البنيوية ، بل من حيث أطر العمل والمرجعيات التي تحدد صلاحياته ، كما ان شخوصه كانت في معظمها ذات الشخوص القيادية في منظمة التحرير الفلسطينية والمالكة لقرارها ، النظام الجديد أحدث ازدواجية على غير صعيد كما يلي :
ازدواجية البرنامج : بعد اتفاق أوسلو، أصبحنا أمام برنامجين متعارضين في الجوهر ، برنامج م.ت.ف القائم على إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة بعاصمتها القدس ،وضمان حق العودة وتقرير المصير، هو البرنامج الذي لا يشترط شكلا معينا للنضال كشرط مسبق لتحقيقه ، بل هو مبني على استخدام مختلف أشكال النضال ، وبرنامج السلطة الوطنية الفلسطينية القائم بموجب اتفاقات تجحف وتحدد مصير قضايا الحل النهائي المتمثلة بالدولة المستقلة ذات السيادة ، اللاجئين ، القدس، المستوطنات، على اساس استراتيجية وحيدة هي التفاوض فقط ، رغم هذا الاختلاف الواضح على الصعيد البرنامجي والأساليب النضالية، فان تصريحات بعض القيادات الفلسطينية تؤكد تلوي عنق الواقع على ان البرنامجين يكملان بعضهما البعض.
ازدواجية في القيادة
إذا ما دققنا في عضوية هيئات السلطة فإننا نجد ان عددا من أعضائها يملك عضوية مزدوجة مع هيئات م.ت.ف ، فعلى سبيل المثال فان 20% من الوزراء من خارج المجلس التشريعي هم اعضاء في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية أو في مواقع قيادية لهيئات أخرى ،وان عددا واسعا من اعضاء المجلس التشريعي كانوا اعضاء في المجلس الوطني الفلسطيني ، واذا ما أضيف الى هذا التداخل والازدواجية ان رئيس السلطة الوطنية الفلسطينية هو رئيس اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، بثقله السياسي والمعنوي والرمزي الواضح، ندرك طبيعة وحجم الأثر الذي تتركه هذه الازدواجية ، التي أحدثت تداخلا ما بين هيئات ومهمات السلطة وهيئات ومهمات م.ت.ف ، مما موه على جوهر ووظيفة ومهمات كلا النظامين مع ميل أغلبي لصالح السلطة وتهميش لمنظمة التحرير الفلسطينية، وعمليا ففي السنوات التي أعقبت أوسلو كانت اجتماعات اللجنة التنفيذية نادرة وغالبا ما اندمجت في اجتماعات مجلس الوزراء والقيادة الفلسطينية ، ونادرا ما عقدت اجتماعات للمجلس المركزي ـ أما اجتماعات المجلس الوطني فقد اقتصرت لدواعي واسباب حددتها السلطة الفلسطينية انطلاقا من تعهداتها في الاتفاقات الموقعة،مع ان المدة المحددة لصلاحيته قد انتهت …
ثانيا : استحداث منصب رئيس مجلس وزراء
مع انطلاق انتفاضة الاقصى والاستقلال التي رافقها ضغوط خارجية تكثفت بعد حملة السور الواقي ( أواخر آذار 2002) تمثلت بتوسع حجم وأوجه التدخلات الخارجية الإقليمية والدولية في الوضع الفلسطيني بهدف خلق قيادة فلسطينية بديلة اكثر استجابة للضغوط واملاءات التي أفلحت في إجراء تعديل يقضي باستحداث منصب رئيس مجلس وزراء بصلاحيات ولدت وستبقى تولد صراعات داخلية ، ورغم صحة وأهمية القرار الذي يخدم مبدأ الفصل بين السلطات الا انه أيضا جاء ترجمة للضغوط وتحديدا ما جاء في خطة خارطة الطريق، وقد تم التصويت على التعديل واقراره من قبل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية ودعي المجلس المركزي للمنظمة أيضا لاقرار التعديل ومن ثم اقره المجلس التشريعي الفلسطيني.
لقد فرضت مسألة الإصلاح والتغيير نفسها تاريخيا على الشعب الفلسطيني باعتبارها حاجة وطنية لا غنى عنها لتوفير مقومات الصمود في مواجهة العدوان والاحتلال ولتصويب آلية اتخاذ القرار وتوسيع نطاق المشاركة ، الا انها أصبحت أكثر ملحاحية في ضوء الوضع المتردي وحالة الشلل والعجز الذي ظهر اثر اجتياح واعادة احتلال المدن الفلسطينية ، وقد طرحت في محطات مختلفة وكان يوضع في وجهها دائما ويعطلها سخونة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وتبرد وتؤجل لتعود لتقذف بنفسها الى المقدمة لدى بروز أزمة ذات طبيعة سياسية واجتماعية او اقتصادية .
لماذا إصلاح منظمة التحرير الفلسطينية
أهميتها: يعتبر تأسيس م.ت.ف في عام 1964 أهم انجاز تاريخي حققته الثورة الفلسطينية المعاصرة كرد على محاولات طمس وتبديد هوية ووحدة الشعب الفلسطيني وحقوقه الوطنية، فقد شكلت المعبر السياسي والقانوني والتنظيمي عن وحدة الشعب وهويته وشخصيته بعد تبديد وتذويب ووصاية استمرت عقود من الزمن، وقد جاءت عبر عملية صراعية اكتسبت فيها المنظمة شرعية وطنية وعربية ودولية معترف بها ، وكرست نفسها كممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني في جميع أماكن تواجده ومرجعية وطنية عليا له ، وكان للتعددية السياسية التي عبرت صيغة الائتلاف الجبهوي العريض ،الأثر في قوتها، وفي ان تصبح الإطار الوطني الجامع المعبر عن الفلسطينيين ولان تتحول لتكون بمثابة الكيان السياسي لهم ، هذا الإجماع المتحقق صعب المحاولات التي جرت سابقا لشقها او تغييبها كما جرى من خلال محاولات " جبهة الإنقاذ" لان تشكل بديل المنظمة في عام 1984وغيرها من المحطات ،ولاحقا فان تشكيل سلطة فلسطينية لم يستطع ان يغيب المنظمة من المشهد رغم الهلهلة والترهل الذي أصابها ، فالمنظمة ليست مجرد صيغة تنظيمية للعمل الوطني ولكنها كانت الائتلاف السياسي العريض الذي صان القضية ووحد الشعب حول هدف الاستقلال ، ومنعت الوصاية والتذويب والإلحاق وتجزئة القضية ، فالحاجة كانت وستبقى حاجة تاريخية وسياسية ووطنية لا غنى عنها ولها ما يبررها في وجه محاولات تجزئة الأرض وتجزئة الشعب والقضية، ونجد مبررها في أهمية الحفاظ على الأداة الموحدة للكفاح الوطني، وتجد مبررها في الحاجة إلى بناء الوحدة الوطنية والى البرنامج الوطني المبني على اساس القواسم المشتركة لمجتمع قائم على التنوع والتعدد الفكري والاجتماعي وله ارتباطات بمحيطه العربي .
معضلات أمام استعادة المنظمة لدورها
أولا: ازمة الحركة الوطنية الفلسطينية
رغم الأهمية القصوى التي شكلتها ولا تزال م.ت.ف ، فقد عانت وتعاني من عيوب ونواقص وثغرات تضافرت عوامل عديدة في وجودها ، والتطورات السياسية وتحديدا تلك التي جرت في العقد الأخير من القرن الماضي ، أضعفت مكانتها وأثرت سلبا على دورها ووظيفتها ، مما ادخلها في أزمة بنيوية شاملة هي ذاتها أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية، وقد طالت كافة المجالات السياسية وطالت م.ت.ف. كأطار معبر عن وحدة الشعب ، ومست جوهر الائتلاف الوطني ومست مكانتها السياسية والوطنية كمؤسسات تمثيلية وكمرجعية عليا ، وانعكست الازمة بوضوح على القوى السياسية والاتحادات الشعبية ، وعلى علاقة المنظمة بالتجمعات الفلسطينية في الخارج، وعلى علاقة الداخل بالخارج ، وجرى تهميش دورها لصالح السلطة المتشكلة بقرار منها ،وتجلت الازمة كذلك بتهميش وضعف دور السفارات بالخارج والحاق دوائر المنظمة بمؤسسات السلطة ، وغياب الاجتماعات المستقلة لمؤسسات منظمة التحرير وأصبحت اجتماعاتها ملحقة باجتماعات السلطة، وان استقلت باجتماعاتها فلأهداف واستحقاقات سياسية او تشريعية ما ، فقد عقدت دورة للمجلس الوطني الفلسطيني في نيسان 1996 لإجراء تعديل على الميثاق الوطني الفلسطيني لبنود اعتبرت متعارضة مع اتفاق أوسلو ، ودعي المجلس الوطني الفلسطيني في عام 1998 للانعقاد في غزة للاستماع لخطاب الرئيس الأمريكي كلينتون ولتأكيد إلغاء مواد الميثاق الآنفة الذكر ، ما عدا ذلك دغمت اجتماعات اللجنة التنفيذية باجتماعات الوزارة والقيادة الفلسطينية ، ودعي المجلس المركزي أيضا لاجتماعات متباعدة لاهداف سياسية تفاوضية او لوظائف شكلية وتحت ضغط وإلحاح المطالبة بعقده ، وفي كل الأحوال لم يكن يتم الأخذ بجميع قرارته ولم يتم تنفيذها، وتحديدا تلك التي لها علاقة بالإصلاح الديمقراطي او أسس المفاوضات ، او تلك المتعلقة بآليات اتخاذ القرار ، و مؤخرا ولدواعي سياسية وتنظيمية وفي إطار الخلاف الذي نشأ في أعقاب تعيين رئيس وزراء لاول مرة (حكومة ابو مازن) وفي أعقاب الازمة التي نشبت في المجلس التشريعي على ذات الخلفية تم تفعيل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير وانتظمت اجتماعاتها الأسبوعية دون تداخل مع اجتماعات مجلس الوزراء، رد الاعتبار هذا لدور الهيئة القيادية التنفيذية الأولى في م.ت.ف لم يأت كما هو واضح في إطار خطة وطنية واستهداف مقصود لدور الهيئة وما تعنيه من كيان يعبر عن وحدة الشعب والقضية بل جاء الى حد كبير في إطار الاحتراب والصراع الداخلي ، رغم هذا الواقع المرير، فان الحرص على تفعيل مؤسسات م.ت.ف يجب النظر إليه باعتباره أولوية تندرج في إطار الإصلاح المنشود الذي يرد الاعتبار لدور ووظيفة وتاريخ م.ت.ف كإطار جامع وموحد للشعب وكقائد لنضاله من اجل تحقيق مشروعه الوطني .
ثانيا: فصائل وقوى خارج م.ت.ف - الحركات الإسلامية
لم تنضوى الحركات الإسلامية الفلسطينية ممثلة بحركة حماس والجهاد الإسلامي في م.ت.ف ، لتأخر تأسيسهما أولا، رغم وجود التيار الإسلامي كفكر تاريخيا في أوساط المجتمع ، ولاختلاف المنطلقات والبرنامج ثانيا، وكل المفاوضات التي جرت بين قيادة المنظمة وحماس لدخول الحركة المجلس الوطني الفلسطيني باءت بالفشل رغم ان حركة حماس لم تطعن بشرعية منظمة التحرير، والحوار حول دخول مؤسسات المنظمة لدليل على ذلك، وقد جرى ان دعي وفد من حركة حماس وحزب الخلاص الاسلامي لحضور اجتماع المجلس المركزي كمراقبين في غزة عام 2000 وتم ذلك بوفد برئاسة الشيخ احمد ياسين هذا بالطبع لا ينفي المعارضة
السياسية للحركات الإسلامية لخط المنظمة وتوجهاتها وموقفها ،وتحديدا بعد توقيع وتنفيذ اتفاق أوسلو، حيث طعنت بشر المنظمة محتسبة ان تجربة م.ت.ف هي التي قادت الى منهج أوسلو موضوعيا ، ولسنا بحاجة الى دحض هذا لانه استنتاج ميكانيكي مخالف لواقع الامور، ويتجاهل ان عديد من التنظيمات الفلسطينية المنضوية تحت راية م.ت.ف عارضت أوسلو ومنها من جمد عضويته او قاطع اجتماعاتها لفترة طويلة من الزمن ، وقد شارك الجميع في حلف جبهوي معارض للاتفاق ، أما الاتهام الذي تسوقه الحركات الإسلامية بان المنظمة أجازت الاتفاق لهو أيضا يتجاهل واقع المنظمة الذي آلت إليه في حقبة تونس ، ويتجاهل التاريخ النضالي الطويل للمنظمة ولمطالب الحركة الوطنية المركزة على انجاز إصلاح ديمقراطي لمؤسسات المنظمة وآلية اتخاذها القرار ، وهو نضال جرى من داخل إطار المنظمة وليس من خارجها ، فكل المحاولات التي جرت من خارجها انتهت الى العزل والنبذ.
لقد نمت الحركة الإسلامية واتسع نفوذها ممثلة بحركة حماس وهذا حق لها ويعبر عن نفوذها في القاعدة الجماهيرية وفقا للتنوع السياسي والفكري في المجتمع الفلسطيني ، ولكن هذا الوجود الواسع لن يكون بديلا سياسيا ووطنيا للمنظمة لانه اولا وعلى الرغم من الرصيد الكفاحي والجماهيري للحركة الاسلامية لا يمكن ان تتحول لمرجعية وطنية جامعة بسبب التنوع الثقافي والأيدولوجي والسياسي في المجتمع الفلسطيني في الداخل والخارج ، ولان حركة حماس أيضا لن تتنكر لتراث المنظمة النضالي والسياسي والوطني ، وهنا أيضا فعلى المنظمة والتي مرت بتجارب كفاحية عديدة وتعرضت لعديد من المؤامرات ولمحاولات الإلحاق والوصاية ان تطور من نفسها وان تفتح أبوابها أمام الجميع وان تكون البوتقة لكل الفلسطينيين بكل انتماءاتهم وتنوعهم ومشاربهم .
الاتجاهات العامة للإصلاح في مؤسسات م. ت.ف
أولا : انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني
تقوم عضوية المجلس الوطني الفلسطيني على اساس نظام الكوتات ( الحصص) ( فصائل ، منظمات شعبية، مستقلين ..الخ) وقد توسعت عضوية المجلس الوطني الفلسطيني لتصبح اكثر من (700) عضوا، وقد مضى على آخر تشكيل له سبع سنوات ، هذا الإطار الذي يعتبر السلطة التشريعية الاولىللشعب الفلسطيني في الداخل والخارج، لا بد من تطويره وتحسين أداؤه واعادة النظر جديا بعضويته وطابع عمله باعتباره الكيان الوطني الجامع والموحد للشعب الفلسطيني أينما وجد ، فالتوسع الذي جرى في عضويته لم يكن لتحسين بنيته بتمثيل قطاعات غير ممثله او لإضافات تستهدف الوصول الى تجمعات فلسطينية جديدة غير ممثلة، بل كانت توسعات تستهدف المزيد من تعويم القرار الفلسطيني ولغايات الولاء والنفوذ السياسي ، لذلك فالإصلاح المنشود يجب ان يأتي حصرا عن طريق الانتخابات وصناديق الاقتراع ( في الداخل والخارج) كآلية وحيدة للتشكيل بعيدا عن الكوتات المعهودة، وفقا لقانون عصري ديمقراطي يمكن من وصول القوى الموجودة في المجتمع من الوصول وفقا لحجومها الفعلية على اساس نظام الكتل الانتخابية والبرامج المتنوعة كتعبير عن التعددية المجتمعية ، هذا من جهة ، ومن جهة أخرى فان الانتخابات الجارية في الوطن والشتات ستنطلق من اعتبارات سياسية أولاها بان واقع التسوية التي وصلت الى طريق مسدود بسبب المواقف الإسرائيلية وبسبب المستجدات والوقائع على الأرض في أعقاب ثلاث سنوات من انطلاق الانتفاضة ،تم خلالها إعادة احتلال الضفة واجزاء من غزة وانتهاء المرحلة الانتقالية حسب أوسلو في عام 1999 الذي قامت إسرائيل بإلغائه وغدا أطلالا لم يتبق منه شيء ، فلا فرق بين مناطق أ ،ب،ج ، والانتشار الوحيد الذي تحقق هو إعادة انتشار قوات الاحتلال والمستوطنين، وسحبت جل الصلاحيات السياسية والسيادية المحدودة الممنوحة بالاتفاقات محولة السلطة الى وهم سلطة ، والجدار الفاصل العنصري التهم 20% من أراضى الضفة ورسم حقائق سياسية مرعبة على الأرض ، ويقسمها الى ثمانية كنتونات حسب القرار الأخير للحكومة الإسرائيلية، والدولة الفلسطينية المطروحة وفقا لخطة شارون تصل الى حدود 42% من مساحة الضفة دون سيادة ودون تواصل جغرافي ، والمستوطنات تزداد سمنة ، باتساع نطاق المصادرات، وتهويد القدس جاري على قدم وساق، في ضوء هذا الواقع لا بد من امتلاك زمام المبادرة للفعل والتأثير بطرق غير نمطية ،فالمأزق السياسي الخانق يستدعي البحث عن خيارات منها الإعلان عن إجراء الانتخابات من طرف واحد لاختيار قيادة تشريعية للشعب الفلسطيني بشكل ديمقراطي ومطالبة الشرعية الدولية للرقابةوالإشراف عليها
ثانيا : إطلاق الحوار الوطني الحقيقي لاشراك القوى الإسلامية في م.ت.ف
الجهود المبذولة لاطلاق الحوار الفلسطيني الشامل لا زالت تدور حول قضايا سياسية محددة، بهدف الوصول الى برنامج وطني سياسي يتصدى لأعباء المرحلة ويلزم جميع القوى العاملة على الارض على اختلاف برامجها ورؤاها للصراع ومنطلقاتها ومرجعياتها باستراتيجية وطنية موحدة تقوم على قاعدة القواسم المشتركة ، وهو حوارمصيري وهام بلا شك ، لكن الحوار الجاري يجب ان يستهدف من ضمن ما يستهدف ايضا الوصول الى اتفاق حول انضمام الحركات الإسلامية الى منظمة التحرير الفلسطينية من اجل المشاركة في الجهد المبذول لاعادة بناء المنظمة واستعادة دورها ووحدتها ، وجدير بالذكر بأن مثل هذه الحوارات قد تم الخوض فيها سابقا ما بين حركتي فتح وحماس وتباينت الآراء حول قضايا عديدة من ضمنها الحصة التمثيلية لحركة حماس في هيئات المنظمة ، على كل حال فالإصلاح المنشود الذي يعتمد أسلوب الانتخاب الحر والمباشر لعضوية المجلس الوطني الفلسطيني فيما إذا أقر وعمل به، يلغي مبدأ الحصص كآلية للتشكيل في جميع أماكن تواجد الشعب الفلسطيني ،وهذا ممكن في عديد من البلدان التي يوجد فيه مخيمات وجاليات فلسطينية، أما البلدان التي يتعذر بها إجراء الانتخابات كالأردن مثلا، من الممكن التوافق على آلية خاصة لتمثيل الفلسطينيين المقيمين هناك، ، المهم ان تخاض الحوارات بعقل منفتح دون اعتبارات فئوية فالهدف الرئيس تمليك الشعب المؤسسة التشريعية التمثيلية المالكة لحق اتخاذ القرارات الكبرى والمسائل المصيرية ، هذا المجلس المنتخب وفقا لقانون عصري ديمقراطي، يعتمد على قاعدة التمثيل النسبي التي تضمن وصول جميع القوى الحية في المجتمع وفقا لحجمها في القاعدة ،والذي يمكن القوى المختلفة المعبرة عن التعددية السياسية والفكرية احد السمات الديمقراطية التي يتمتع بها الشعب الفلسطيني، ستقود الى تشكيل اللجان القيادية الائتلافية كاللجنة التنفيذية والمجلس المركزي وغيرهما.
ثالثا: إعادة بناء وتوحيد المنظمات الشعبية الفلسطينية
رافق تأسيس م.ت.ف تأسيس المنظمات الشعبية الفلسطينية ( اتحاد المرأة، الطلاب، العمال، المعلمين …الخ) جميع الاتحادات هذه اعتبرت نفسها قواعد لمنظمة التحرير وأذرعها المنظمة للقاعدة الجماهيرية القطاعية وفقا لبرامج تجمع ما بين النضالين التحرري الوطني والتحرري الديمقراطي والمطلبي ، وبفعل العلاقة العضوية ما بين م.ت.ف والمنظمات الشعبية، كان من الطبيعي ان تنعكس أوضاع المنظمة عليها في حالة الازدهار والنكوص على حد سواء، فبدأت أوضاع المنظمات الشعبية بالتراجع في أدائها ما بعد الخروج من لبنان في أعقاب حرب 1982، ومن ثم وبعد عودة قياداتها إلى الوطن في أعقاب أوسلو بدأت معالم الازمة البنيوية تظهر على معظمها وتجلت الأزمة بالانشقاقات سواء تم ترسيمها ام لا ، فلدينا اتحادين للعمال وللمعلمين مثلا ، أما على صعيد الاتحاد العام للمرأة فنجد، على الأرض منظمات وأطر وجمعيات هي مكونات الاتحاد ،وهيئات قيادية للاتحاد العام للمرأة الفلسطينية تربطهما علاقة شبه شكلية دون القدرة على تجاوز الواقع واجراء التطويرات البرنامجية وصولا الى عقد مؤتمرات قاعدية توحيدية للاتحاد تستهدف إعادة بناؤه وتفعيل دوره على قاعدة برنامج يستجيب للواقع، أما الاتحاد العام لطلبة فلسطين فنجد انه على غرار اتحاد المرأة يحتفظ بوجود هيئات قيادية تمتلك الصفة التمثيلية ويتابع فروعه بالخارج ، أما على الأرض فالجامعات الفلسطينية لها أنظمتها ولوائحها الداخلية وتنتخب مجالس طلبة في كل جامعة وتمارس مهماتها وفقا لمتطلباتها دون رابط ما بين هذه المجالس ، واقع المنظمات الشعبية هذا أيضا بحاجة الى إصلاح وتغيير، لصالح إعادة بنائها واستكمال هياكلها وتوحيدها في الوطن مع مثائلها في الشتات عن طريق الانتخاب الديمقراطي الحر والمباشر، مع الأخذ بالاعتبار إجراء التطورات البرنامجية المترتبة على المستجدات الواقعة وبما يساهم في وحدتها على أسس ديمقراطية وبما يصون وحدة قواها الاجتماعية داخل الوطن.
بقي ان نقول ان عملية الإصلاح الديمقراطي في م.ت.ف وهيئاتها يجب ان تجري من داخل المؤسسة لان جميع المحاولات التي تمت سابقا من خارجها باءت بالفشل، مع الاخذ بعين الاعتبار بأن قوى الممانعة سوف تتداعى لإفشال المهمة ،وتعطيل أي معالجات جذرية لمظاهر الشرذمة والخلل لأنها أولا ستجري في ظل الوجود المباشر للاحتلال، ولانها ثانيا ستترافق مع تدخلات خارجية لضبطها ووضع سقوف لها ، ولكن هذه التعقيدات والظروف المركبة لا تنفي إمكانية إنجاز عديد من الخطوات الإصلاحية بسبب ضرورتها القصوى ولاستنهاض طاقات المجتمع للتصدي للاحتلال والخلاص منه .