أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سعدون محسن ضمد - لو أنته حميد؟














المزيد.....

لو أنته حميد؟


سعدون محسن ضمد

الحوار المتمدن-العدد: 2310 - 2008 / 6 / 12 - 10:42
المحور: كتابات ساخرة
    


لا أعرف إن كان سيتزوج حميد اليوم. فالساعة تقترب من الواحدة ظهرا، وبقي على موعد زفافه ساعات طويلة قد يحدث خلالها أي شيئ. حتى أنني وطنت نفسي على فكرة أن يتم اجتياح العراق من قبل سكان كوكب آخر. أنا لا أمزح لكن الأمر مع حميد مختلف دائماً. فقط لأنه شاب عراقي تعاكسه ظروف هذا البلد (الجحيم) دائماً ودائما تحول بينه وبين تحقيق أبسط أحلامه كلفة.
تحول الموضوع لنكته بين مجموعة الأصدقاء بعد أن قرر حميد أن يتزوج. فقد تمثلت المشكلة الأولى باعتراض الأصدقاء على هذا الزواج، لأسباب اقتصادية طبعاً، ذلك أن حميد (المعلم في إحدى مدارس بغداد) لم يحدث وأن كان على وفاق مع ميزان مدفوعاته. وما أن احتجَّ حميد بمشروعه الاقتصادي الذي سيعدل أحواله، حتى انهار هذا المشروع. حميد الذي تعود على سوء الحظ لم يرضخ بسهولة. أقصد أنه اقترض مبلغاً جيدا من المال من أجل الزواج.
اقترب موعد الزفاف وتقرر أن يكون يوم الجمعة، جمعة ما، كباقي الجمع الكثيرة. لكن ما أن تحدد الموعد حتى اختلفت هذه الجمعة. وتصاعد العنف في مدينة الصدر حيث يسكن حميد وخطيبته. حميد طبعاً لم يقتنع بتأجيل الزواج إلى أن أعلن حضر التجوال. عند ذاك أسقط بيده وأجَّل حفلته إلى الجمعة التالية، التي وما أن أحيل الموضوع لعهدتها حتى تلبدت بالمشاكل والقذائف والعبوات. وهكذا استمر العنف بوتيرة مذابح متصاعدة، والتأجيل بوتيرة معنويات (متهابطة).
الأحداث وهي تعاكس حميد لم تتوقف عند منع زواجه، بل اصرت على أن تحجز بينه وبين خطيبته بأسوار الكونكريت، والعبوات الناسفة، وحفلات القنص العشوائي التي يقال بأنها لم تكن تفرق بين المقاتل والعريس. هكذا أصبح صاحبي موشكاً على الجنون وهو حبيس بيته الذي كانت العواصف الترابية تجعله أشبه بالمقبرة. وبعد أكثر من شهر قرر صديقي أن يسرج ظهر سيارته المتهالكة ويهجم بها اتجاه بيت العروس، وسط ميدان مخيف من القنص والقذائف والعبوات.
كانت فكرة الزيارة جنونية. فبحسب رواية البطل، يبدوا أنه اضطر لترك سيارته بمنتصف الطريق، متحولاً إلى خيار المشي، الذي سرعان ما بدا عليه بأنه الآخر خيار مميت، ما دفع بصاحبنا للمناوبة بين الركض والاختباء والانبطاح. بل وحتى تسلق بعض الكتل الكونكريتية أو القفز على الأسلاك الشائكة. هكذا كانت الرحلة مميتة إلى أن وصل حميد لغايته، ووقف بين يدي حبيبته، لكنه وقف شارد الذهن مشغول القلب والقالب، فرحلة العودة تحولت لكابوس بالنسبة له ما شغله عن التباحث بأمور الزواج مع عروسه.
المهم في كل هذا السرد هو الوصول لعقدة الأزمة. والتي تمثلت بحفلة الرجوع للبيت. فحميد يقول بأن جيبه كان خاليا إلا من الأتربة، وسماء بغداد كانت مغبرة بشكل لا يطاق، والموت يحتفل بجثث ضحاياه بشكل عشوائي، ووسط هذه المعضلة وجد نفسه مرددا بين إنقاذ سيارته أو تركها والعودة إلى بيته ركضا واختبائا، وهو لم يحسم بعد خيارات زواجه مع عروسه. تجارب الموت والحياة بقيت تتكرر خلال رحلة العودة إلى أن اضطرت حميد لأن يرفع رأسه وسط غبار العاصفة الترابية وأزيز الرصاص ليخاطب ربه وهو لا يعي ما يقول:
(لو آني الله وأنته حميد، تقبل اسوي بيك هيج؟؟).
هذه هي العقدة. فجملة حميد تعبر عن محنة ونكبة وانهيار، وهي تختصر فلسفة كاملة علينا ان نتوقف عندها، هي فلسفة الأدوار بين الخالق والمخلوق. بين السبب الإلهي والنتيجة العراقية على وجه الخصوص. أريد أن أقف بجانب صديقي لأردد معه ببساطة بالغة:
كيف... ولماذا حدث لنا كل هذا الذي حدث بمرأى ومسمع منك يا رب؟



#سعدون_محسن_ضمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- I don’t believe
- كيف تسلل الشيطان
- دويلات عراقية
- سحقا لكم أيها الأتباع
- حتى أنت يا كلكامش؟
- اكتاف الفزاعة
- المخيفون
- عَرَب
- ثقافة التنافس
- عيب عليك
- ارضنة الدين
- يوسف.. لا تُعرض عن هذا
- أصالة العبودية
- هل نتمكن؟
- أحمر الشفاه
- التعاكس بين منطق العلم و منطق الخرافة
- أنياب العصافير
- الجينوم العربي
- ال(دي أن أي)
- كريم منصور


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - سعدون محسن ضمد - لو أنته حميد؟