|
الفوضي في مصر .. غيرُ خلاقةٍ
حسام محمود فهمي
الحوار المتمدن-العدد: 2309 - 2008 / 6 / 11 - 08:48
المحور:
كتابات ساخرة
شاعَ مصطلحُ الفوضي الخلاقةِ بعد الغزوِ الأمريكي للعراقِ ضمن ما صاغَته كونداليزا رايس وزيرةُ الخارجيةِ الأمريكيةِ. الفوضي المعروفةُ لا يمكنُ أن تكون خلاقةً، الفوضي التي نعيشُها هي الرجوعُ للخلفِ بسرعةِ الصاروخِ الذي لا نصنعُه. دَعنا إذن من الفوضي الخلاقةِ، علي من صاغوها الدفاعُ عنها وشرحهُا وتفسيرُها، علينا أن نتعمقَ فيما نحن فيه من تعثرٍ وتخبطٍ وتدهورٍ وتردٍ. ما وصلَت إليه مصرُ مسئوليةٌ مشتركةٌ بين النظامِ ومعارضيه والشعبَ، علي حدٍ سواءٍ، لا إلقاءَ فيه للتهمِ علي طرفٍ بعينِه، الكلُ شركاءٌ في هذه الفوضي غيرِ الخلاقةِ. في الستينات، قبل هزيمةِ 1967، كانت مصرُ تحبو في عالمٍ في طورِ التشكيلِ، لم تكن الخريطةُ السياسيةُ قد أخذت شكلَها الحالي، لم يكن للعالمِ مركزُ ثقلٍ واحدٍ، كانت الولايات المتحدةُ الأمريكيةُ والاتحادُ السوفيتي قبلَ تفكُكِه يتشاركان القيادةَ. في ظلِ هذا الوضعِ السياسي تمكنت مصرُ من احتلالِ مكانةٍ سياسيةٍ في ظلِ حمايةِ الاتحادِ السوفيتي المذهبيةِ، مكانةٌ سياسيةٌ لم تتواكب معها تماماً مكانةٌ اقتصاديةٌ وصناعيةٌ، أخذَت شعاراتِ الاتحادِ السوفيتي التي أدَت فيما بعدٍ إلي انحلالِه، حقوقُ العمالِ والفلاحين علي الورقِ وأمام الميكروفوناتِ قابلتها تنبلةٌ في العملِ وتنطعٌ، أجرٌ ومغانمٌ وهميةٌ في مقابلِ ترديدِ شعاراتٍ سياسيةٍ، لا عرقَ ولا مجهودَ بأمانةٍ واخلاصٍ. غابَت الحريةُ، سادَ التطبيلُ، غرَقَت مصرُ في أوهامِ العظمةِ والنصرِ والحضارةِ، حتي كانت الهزيمةُ التي زلزلَت كيانِ الشرقِ الأوسطِ إلي الأبدِ وسحَقت معها مكانةَ مصر. فترةُ السبعيناتِ، بعد أكتوبر 1973 أعادَت لمصرِ بعضاً من كبرياءٍ مفقودٍ، طمعَ العربُ في الباقي، تتطاولوا عليها، عايروها، وجاءَتهم معاهدةُ السلامِ عام 1977 لتكون فرصةَ عمرِهم للقضاءِ عليها واحتلالِ كرسي قيادتِها في المنطقةِ، لا قادوا ولا عادَت مصرُ لمكانتِها. بدأت شعاراتٌ جديدةٌ في الظهورِ، كالعادةِ بلا دراسةٍ، فجأةً، أصبحَ السلبُ والنهبُ والفهلوةُ رموزاً لمرحلةٍ أفلَت سريعاً دون أن تنتهي. منذ الثمانينات وحتي الآن، مصرُ تستمرُ في التخبطِ، أوضاعُها الاقتصاديةُ لا تطاوعَها، صناعتُها متخلفةٌ نمطيةٌ، العِمالةُ غيرُ مؤهلةٍ فنياً وأخلاقياً من فرطِ تدليلِها بشعاراتٍ قضَت علي الكتلةِ الشيوعيةِ كلِها، مفهومُ التفاني في العملِ والإخلاصِ فيه فُقِدَ إلي غيرِ رجعةٍ، في كلِ تعاملاتِ المجتمعِ، اِستبدِلَ به شعارُ خُذ الفلوس واجري. سياسياً، استمرَ مسلسلُ تعيينِ من يدينون بالولاءِ، رُغمَ رداءةِ أدائهمُ وانحطاطِ فكرِهم أن لم يكن انعدامُه، أُجلِسَ علي كراسي المسئوليةٍ من هم دونِها، من الطبيعي أن تعمي البصيرةُ عن التخطيطِ للمستقبلِ وأن تُبَددَ المواردَ الشحيحةَ علي الأوهامِ والأحلامِ والمظاهرِ. سقوطُ شعاراتِ القوميةِ أمامَ المحنِ العاتيةِ التي أضاعَت الأرضَ والوطنَ والفكرَ والكرامةَ فتحَ البابَ واسعاً أمام شعاراتٍ قديمةٍ، أبداً في حالةِ كمونٍ, انتظارٍ، تحينٍ للحظةِ، شعاراتٌ دينيةٍ، لا تعرفُ التسامحَ ولا تعترفُ بالتعددِ ولا تقبلُ بالآخرِ ولا تسمحُ بالحوارِ. غسلَت أدمغةً مطحونةً، تلونَت، المهمُ أن تعلو وتتمكن، ساعتَها ستبطشُ وتقسو، لن ترحم؛ قتلَت، دمرَت، كررِت تماماَ ما أسقطَها منذ مئات السنين، وكأن التاريخَ يعيدُ نفسَه، تاريخُها فقط، أما الأخرون فقد اتعظوا من تاريخِهم وتاريخِ غيرِهم، سادوا بعد أن فهِموا وتمعنوا. الشعبُ المصري، أيضاً، تغيرَ، باستمرارِ في حالةِ رفضٍ وتذمرٍ وعدمِ ثقةٍ في كلِ ما يُقالُ أو يُفعلُ، من تداولوه لم يراعوه أو يعتبروه، خسروه إلي غيرِ رجعةٍ، كان ولا يزالُ كماً مُهمَلاً في كلِ الحساباتِ، النظامُ ومعارضوه من أصحابِ الحلولِ علي حدٍ سواءٍ، كلُهم يرونَه وسيلةً للسلطةِ، مجردَ أداةٍ، سلماً عليه يصعدون، حجارةً يلقونها علي خصومِهم؛ وقودٌ هو لشعاراتٍ مذهبيةٍ، حياتُه فقدَت قيمتَها، العددُ في الليمون وزي الرز. من فرطِ ما أهملوه وتمادوا في تجاهلِه عاشَ في داخلِ ذاتِه، كلٌ وهواه، منهم من وجدَ في الرجوعِ إلي كهوفِ الفكرِ المذهبي ملاذَه، ومنهم من تاه في صحراءٍ بلا قيودٍ من فكرٍ وأخلاقٍ، لا نظامَ ولا انتماءَ، لا علمَ ولا تخطيطَ، عشوائيةٌ وخزعبلاتٌ، في البيتِ والشارعِ والمصنعِ والمدرسةِ والجامعةِ والشركةِ والمؤسسةِ، في كلِ مكانٍ. مصرُ تترنحُ، زاغَ بصرُها، تاه منها الأملُ، من قادوها عادوا بها للخلفِ، من يعارضونهم لا يريدون إلا النزولَ بها إلي الكهوفِ والمغاراتِ، مصر لم تعُد مركزَ الاشعاعِ المتفردَ، الأصغرُ منها تخطوها بالتخطيطِ، بالعملِ، بالإخلاصِ، بالمالِ، بكلِ ما فقدته مصرُ ولم تجد له بديلاً، إلا الفوضي،،
مدونتي: ع البحري http://albahary.blogspot.com
#حسام_محمود_فهمي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رهانُ الإخوانِ
-
الإلهاءُ العامُ...
-
شبكةُ حزبِ الله..
-
علاوةٌ أم نقمةٌ؟
-
تصعيد المرأة .. بين الشعارات والاعتبارات
-
متي تنتفض الكراسي؟
-
التعليمُ -المميز- وتدميرُ الكلياتِ
-
هل تصبحُ مصرُ خليجيةً؟
-
المدير الزغنن
-
مُغتصَبةٌ جانيةٌ .. وإعلامٌ خائبٌ
-
عندما يُحرَضُ الطالبُ علي المؤسسةِ التعليميةِ
-
لجان الترقيات بالجامعات..جولة جديدة؟!
-
الجودة في التعليم .. الصراحة راحة وأمانة
-
الحق في الميليشيات
-
شركات تخريب الجامعات
-
كركر يكسب
-
الدينُ للهِ
-
من القاتلُ؟
-
رؤساءُ أقسامٍ معينون .. الحكايةُ من الأخِرِ
-
ورجعَ الطاقمُ الطبي البلغاري
المزيد.....
-
بشعار -العالم في كتاب-.. انطلاق معرض الكويت الدولي للكتاب في
...
-
-الشتاء الأبدي- الروسي يعرض في القاهرة (فيديو)
-
حفل إطلاق كتاب -رَحِم العالم.. أمومة عابرة للحدود- للناقدة ش
...
-
انطلاق فعاليات معرض الكويت الدولي للكتاب 2024
-
-سرقة قلادة أم كلثوم الذهبية في مصر-.. حفيدة كوكب الشرق تكشف
...
-
-مأساة خلف الكواليس- .. الكشف عن سبب وفاة -طرزان-
-
-موجز تاريخ الحرب- كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
-
شاهد ما حدث للمثل الكوميدي جاي لينو بعد سقوطه من أعلى تلة
-
حرب الانتقام.. مسلسل قيامة عثمان الحلقة 171 مترجمة على موقع
...
-
تركيا.. اكتشاف تميمة تشير إلى قصة محظورة عن النبي سليمان وهو
...
المزيد.....
-
فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط
/ سامى لبيب
-
وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4)
...
/ غياث المرزوق
-
التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت
/ محمد فشفاشي
-
سَلَامُ ليَـــــالِيك
/ مزوار محمد سعيد
-
سور الأزبكية : مقامة أدبية
/ ماجد هاشم كيلاني
-
مقامات الكيلاني
/ ماجد هاشم كيلاني
-
االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب
/ سامي عبدالعال
-
تخاريف
/ أيمن زهري
-
البنطلون لأ
/ خالد ابوعليو
-
مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل
/ نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم
المزيد.....
|