أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - خالد ساحلي - الامتزاج.. مقالات في الفكرة















المزيد.....



الامتزاج.. مقالات في الفكرة


خالد ساحلي

الحوار المتمدن-العدد: 2308 - 2008 / 6 / 10 - 11:07
المحور: الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
    


الجدل و الفكرة ــ 11 ــ
مفاتيح أبواب المسائل
بداية البداية قدسية فكرة، أجعلها رفيقك، أقم معها علاقة فحص وبحث، قدّم نفسك لغيرك و للعالم و أنت المتيقن بوجودك السائر لوجهة ما داخل هذا العالم المعقّد ألا تظنه يبدو للعامة واضحا جليا. قد لا تحدد إرادتك مساره، لم يكن ليحصل الداعي له على الإطلاق.إن الإرادة أحيانا تنهار أمام قوى غيبية، الإرادة أحيانا تقف خائرة أمام حدودها، تلك الحدود التي بنيت لها رغما دون الرضا. بداية البداية قدسية فكرة الصانعة لقدسية الفعل، الفعل المقدس في قداسة جوهر الفعل، جوهر القداسة صفاء ذهن وطهارة روح، قدسية الفعل نهاية لزخرف القول وللأكاذيب؛ الأكاذيب قد تقتل القدّاس ليصير شهيد قضيته، هو وحده من يموت شهيدا و لو بافتراض الخطأ المندس في القضية، لا تموت قضيته مهما دخلت الأرشيف أو المكتبة لأن لها من البعث ما يحييها ويحي أصحابها. الأكاذيب قد تقتل القدّاس لكن الفشل حليفها أمام المقدس؛ في النهاية قدسية الفعل إخفاء لمساوئ حامله، ليست قدسية الفعل غير الدفاع المستميت عن الفكرة و المقاومة بأحسن الطرق، صواب خطاب، ولغة واسعة مضبوطة لا تحتاج التأويلات الكثيرة. غير ذلك لا يعدو نفاقا جميلا ورياء ظاهر بزي براق حاملا أوساخا عفنة بداخله.أخفي ذكائك، أصقله بالبحث، قيّد معه جهلا متفشيا في أرصفة العقول وفي أزقة النفوس، جهلا متنزها في حدائق التخلف، أخفي منطق الحديث حين تغص في أعماقك،أطرح ما استطعت من أسئلة محيّرة تعجيزية، إن المسائل المشككة سياط الجنون أو الصمت اللطيف، لغة الجمال و الاحتجاج لا الرضا، صفة الرفض للكلام المستهلك في فضاء النقيق وصوت البوم، إن الغوص في ذاتك أرق للضمير، الغياب عن الوجود المتصل بالحياة، حين تغص أرمي أغراضك المعيقة،غـُص،حمّل رئتيك ما استطعت بعد ذلك أطفو للسطح مستسلما للتيار الذي يحملك، يرميك أنّ شاء، قد تركه المكان الذي سيحملك إليه، ربما كان القدر ليتعلق بك غريق يائس، غريق فقد الأمل في النجاة، أطفو للسطح فليس كل ما ينفع باقيا في القعر، إن العين لتزدري صغار الأشياء وفيها النجاة، قد تنفع القشرة الغريق حين ينسى كل ما يملك ويستحضر الأمنية في القدرة المنجية. أخفي شجونك، أقبرها، إلى أن ينفث عارف في حروفها الحياة فتنتفض. مقبرة الأشجان مدينة العقل بفوانيس معلّقة على أعمدة مضيئة للحكمة، ابحث عن جبّانة الأحاسيس، عن شاهدي قبر، عن اسم المغتال وتاريخ ميلاده وموته، لن تجد اسم القاتل المحترف. أخفي شجونك، استلف منها بركانها، فيضانها، الجدل مصباح عقلك في يدك، إن دهاليز الغموض لمحيـّرة ومخيفة، قاتلة شرسة، باردة. إن الفكرة بحث في المسائل الغامضة للعلاقات الجدلية؛ الجدل ذاك الأمر الإلهي للأنبياء و الرسل و الفلاسفة وأهل العقل قليلو العدد، المستقبلين الحجارة الكثيرة؛ الجدل قديم ، لقد ابتدأ بجدلية المخلوق للخالق( جدال إبليس اللاشرعي للرب عزوجل) ذاك الضلال الذي لا زال يسري في النفوس المغرورة؛ الجدل قديم بين مخلوق ومخلوق لأجل المعصية و إيذانا بالخراب و الغضب وانتقاما لأصل الخطيئة المُقدم عليها صاحبها( إبليس و آدم)، الجدل قديم لأجل المنفعة والشهوة و الرغبة( هابيل وقابيل وعامل التأثير النفس و إبليس) الجدل قديم لأجل أن لا يظهر العلم و تستنير العقول( سقراط و السم) الجدل قديم لأجل العبادة و الرشاد ( الأنبياء و أقوامهم)، الجدل قديم لأجل العدالة و لتمكين السلام وللتفتح على الآخر( ابن رشد وحارقي كتبه) الجدل قديم أزلي .إن المحسوس صناعة النفس البشرية خالقة الأوضاع و الأزمات. إن المفكر الباحث عن الخلاص داخل مربع سجن المجتمع يعتبر وصوله للمحقق في فتحة مخرج داخل المربع هو خلاص الكثير، إن علاقته مربوطة بين ما هو حسي وما هو فكرة. لم تختر كونك عبدا للفكرة ، وجب عليك معرفة تخلي الجميع عنك، الفشل حتمية حياتك، انتصر للمفكر بداخلك، قد تخسر الإنسان فهو جنازة يوم أخفى شجونه وحرم نفسه حقها الطبيعي أو حرموه حقه الطبيعي. ليكن قديسا شهيد المقدس الحي. لن تكون حرا تأكد من هذا، إن حريتك التي طالبت بها، صارت قيدا يوم بنيت علاقة الجدل.لا تقابل فكرتك بأخرى إن ذلك تعدي على آفاقها، انتهاك لحِمى الجدل، لا تقابل فكرتك بلوحات سلوك الواقع الكثيرة، إن الرسم يحتاج إيضاحات كثيرة شروح. لا تقابل الفكرة، أجعلها متميزة، لا تخضع لتشبيه و لا إلى ظن ولا إلى وشاية، إن الأصابع الدالة على الشبهة لكثيرة بألوان كثيرة تنفث الإقصاء، لا تقابل فالاختلاف خلق للنشاط.المعارضة الكاملة مفسدة الجدل الولود، تثبيت المعارضة إيذانا لمنطق الأحادية و الاستبداد، اترك المقابلة و المعارضة إذا على حد سواء، أمزجهما أضف لهما متطلبات الوجبة العقلية الصحية والروحية دون طرد لأحداهما. إن علاقة الجدل علاقة ضرورة بينهما. الفكرة لا تقنع بالظاهر والظاهر لا يكتفي بذاته و إلا تحو ل إلى جامد مثل عناوين الشوارع التي نمر عليها مرات ومرات دون البحث عن مدلولها، مثل الكلمات المعتادة التي ألفتها الألسن وتلوكها صباحا مساء: كيف الحال كيف أنت ؟ الفكرة لا تقنع بالظاهر و الظاهر لا يكتفي بذاته إنه انعكاس تفكير ليس واقع ومعنى فقط إلا بعلاقة مع شيء آخر كما أبدع هيجل في ذلك ، كم كان هيجل فيلسوفا عظيما .
فكرة اللغة لغة الفكرة ــ 10 ــ

هيأ نفسك وأحزم أغراض الفكرة، أعد النظر فيما ينقصها فالعقل يسهو والنفس ميالة إلى مشاغل الحياة الأخرى؛ الذاكرة تنسى أحيانا، التذكر يأتي حين فوات جوهر المفهوم وتحديد نوع الأشياء في نفس الذات المتنوعة في ذات الفكرة ذاتها، أحمل المحتوى أجعله قالبا واسع الفضاء حتى تتحرك بحرية أكثر دون طيّها أو تقليصها أو خلق مساحة الضغط للزوايا المجتمعة في نقطة الوسط. الفكرة المحصورة بتبعات الغرس لشعور الخوف للانحلال تكسيرا لزمنها؛ ذاك الزمن المحصور بتفاصيل تبعاتها الغير متناسقة مع تعدد نوعها. هيأ نفسك فأول الانتقال نية في معرفة الكامن هناك، ثانيها المنتظر منتظرك، تتطلع إليه بسؤال دون تسمية، تحدد له مقياسا وشكلا ولونا وصفة كل ذلك في عقلك، تخضعه للاستقرار مهما عرفت طابعه وموضوعه. أنتقل إلى حيث يحملك شعورك، تأهب وأنت في أول الطريق إلى إيجاد إجابات إضافية فقد لا يكفيك كل ما حملت وما ادخرت من مجهود، قد تخرج كل الإجابات التي تغيب في تكوينيها وتحصيلها والبحث عنها لكن قد يصادفك غير الذي اعتقدت. هيأ نفسك وأنت المضطرب في لا حدود اليقين فالشعور بفقدان خيط الاطمئنان للوضوح ومعرفة المهيأ لك علم غيب عند الله؛ غائب عنك لكنه متاح عند غيرك، يمتلكه الآخرون، إن الغيب مقسّم عند البشر، يعلم البشر علم غيب بعضهم البعض ويجهلون غيبهم المختفي في الأقدار المصنوعة بأيديهم. هيأ للفكرة مقعدها المريح قد تتعبها المسافات فالوصول أمره مرهون باحتمالات كثيرة وما الغيب غير التصديق بالرجوع إلى الله وانتظار لصناعة العقول والنفوس البشرية من مآسي وأفراح من صالح وطالح، من صدق وخداع، من إخلاص وتفاني إلى غدر ومكيدة، من تفاني في الحرص على مصالح البشر أو التفريط فيها. أيقظ الإفضاء فيك بحنان الأم لا بصياح الجندي فالإفضاء يحتاج للغات متعددة، قد يسكن الصمت نفسه ويكون لغة معقدة الأغوار، إن نداء الاستيقاظ بصوت العسكري يورث الديكتاتورية والاستبداد والخوف مهما حفّز على النظام حتى اللغة ترفض الخشونة في حالات العلاج. لا شك لكل لغة نقص إلا أن النقائص تنحصر في حامليها فالكمال صفة أطلقها الله على نفسه وما عداه من خلقه دافعه الحاجة على الدوام لما يُكمله. إنه ورشة الاشتغال على الناقص حتى تتلاحق الأجيال وإلا فإن المحدد دليل نهاية كل اللغات لتنصت حينذاك كلها للغة واحدة كاملة متكاملة لغة الرب وحده. إن جوهر اللغة في لغة الفكرة المتسامحة الظاهرة يغطي نقصها الظاهر لا جوهرها فيتجاوزها لقبولها لغات التعبير الأخرى المستعملة ولا تمتثل إلا لمنطق لغة يسهّل انتقالها إلى ذلك الغيب الكامن في العقول والنفوس. إنه الغيب الموجود بمعناه المستتر في السلوك وفي الحياة المعقدّة عند البشر حين تتزاوج الفكرة بإيحاء الغيب تعرفه وتسقط الستار الحاجب لرؤية الصورة الإجمالية الواضحة. إن وقت وصول الفكرة لمعرفة الغيب فيما يصنعه العقل المدبر في توجيه مصائر الناس يتطور إلى فضح وتعدي على القوانين والحريات التي يسهر عليها نظام ما بالتسيير المراد للمجتمع على قدر تقدمه ووعيه أو على قدر تخلفه وتورطه في جهله وسكونه. إن وصول الفكرة لدخول الغيب القريب تحقق انصهارها وإن بدت دليل انصهار صاحبها داخل الإطار الذي يحتويه حتى ولو كان إطار الوحدة والانطوائية. الفكرة قد تعيش في حضن الغيب فترة ما لكنها لن تبقى لأنها معرّضة للتغيير من فكرة غيبية أخرى تصنع التغيير ذاك الغيب الكامن الذي يصنعه البشر، الغير متكاملين في الجزء منه، لأن الفكرة نسبية في حدودها في الوصول إلى الغيب إلا أنّ التوجيه من قوة غيبية هو ما يجعل فراسة حاملها يرى بنور الله، لأنه انطلق في البحث عن الغيب المتاح من نقطة بداية الأمر و النهي الإلهي. أفضي بقصدك فالفكرة هي غلال ما توصل الفكر إليه ببناء اللاحق للاحق، إنها لا تخضع للمتعارف وإلا لما كانت بحثا عن الحقيقة، والحقيقة الغير متحققة أن البشر لا يملكون الحقيقة المطلقة لقياس ما بعينه. أفضي باعتقاد الصواب المجتهد فيه، أعلم أن الصواب المجتهد فيه من الآخرين قد يعارض صواب اعتقاد الفكرة المجتهد بها في خطأ غيرك. هيأ المجلس المريح ولا تتنفس رائحة غيرك، لا تجعل أذنك مأكل فكرتك ولا لسانك مخرجها، فالآذن قد تسمع و تجمع طابور ما يقال دون مصفاة النافع من الضار، و اللسان قد يورطك في تسارع تعجلك، هيأ خيولك لتكن قوية وفتية وجميلة، فعربة فكرتك تحتاج لعجلات سليمة بخيول أصيلة. عوّد نفسك على التفتيش عن فكرة ما في عالم ما، أصنع القوة الخلاقة داخلك لأنك المفكر لكنك لست المشاهد المختصر للتأمل حول الفكرة. عوّد نفسك أنك لست ساردها و إلا صرت أغلوطة مضافة لأغلوطات الواقع الخاوية إنما أنت المحاول لا غير. تحرك في حدود سكونك وحركتك على حد سواء، في فراغك و في انشغالك، في شعورك تحرك، فالحركة العملية داخل فعالية الفكرة هي امتداد لتوافق الحياة. الحركة نقيض المحدد برفض مفهوم القتل للتسمية و لإعلان الميلاد لشيء جديد. إن وجود الفكرة وسكونها ورضاها بتسمية ودخولها التثبيت قتل لها وانتظار للفناء العاجل. لا تجعل فكرتك معالجة لسلوك الناس، فأنت كلك حزمة من سلوك. أحوالك كأحوال غيرك تخضع لميزان الجودة. ليست أفعالك الحسنة و السيئة سوى حلقات الواحدة تحتوي الأخرى، لا زالت الحلقات تتداخل و تتقاطع وتتحد بخطوط تارة و بنقاط تارة أخرى وبخط غير منقطع تكوّن شكلها. إن الحلقات تتنوع بلون رسمها و في الغالب الجودة تخضع لميزان الاجتهاد في تحصيل وتهذيب السلوك. النفس تميل للسهل الغير متعب، الفكرة السهلة تستميل ضعاف النفوس و العقول، لن تجد الحياة في المجتمع المتمدن إنما الغريزة الفطرية في الإنسان هي التوجيه الساذج، ألا ترى أن التمدن يفرض حلول للمشكلات حتى بالإبداع في الحيل والمكر والمؤامرات في صورته الأخرى هو ظل لوحش كاسر. حلّق بجناحي السؤال، طِرْ حيث الأعشاب والأحراش والأشجار حيث الزهور البرية حاملة خلطة العلاج لأمراض النفوس كما العقول. إن استئصال الانحراف اعتقاد صحيح لجوهر الأخلاق. طِرْ حلّق في السماء النقية الأجواء فالحداثة ليست غير تغيرات لأدغال المجتمعات المظلمة المعارضة للفكرة. إن الشمع الموضوع فوق أعمدة الغرور و الانبهار سرعان ما يذوب في قيض الهجير، قد تعتريك أحداث ساخنة فتصهر ما بنيت في لياليك الطويلة، تذوب أحلامك أمام عينك كما يذوب الثلج القديم الساكن للشاهقات، يذوب بحقيقة الدفء المخترق للصقيع، لا تنخدع إذا فالفكرة تغير في سلوكك أو تتغير بفعل استحداث المستجدات للنجاح أو الفشل إنك تغير وتتغير وفي كلتا الحالتين حافظ على نفسك سليمة ليس لأجلك فقط إنما لاستمرار فكرتك وحيويتها. هي تخضع لميزان عدة لغات داخل المحيط الفكري، داخل المجتمع البسيط الساذج الذي بالإمكان أن يوظف ضدك لترميك يده بحجارة من وظفوه، قد يسلبك المجتمع الساذج حتى الحق في الحياة. إن لغات المجتمع لكثيرة ولغات الآخرين على أصنافهم لمتنوعة. قد تخضع للغة العنف والتهديد، للغة الموت، للغة الإغراء، للغة النفي، للغة التجويع، للغة المقاطعة والاستهزاء، لغة التهم، حتى لغة العزل داخل محيطك وداخل نفسك ذاتها. ستصادفك لغات كثيرة، أخضع إذا فكرتك لميزان لغة حسنة، أجعلها غاية ووسيلة إلى المتلقي المحتضن لا المقاطع فالمقاطع له لغة أخرى داخل محتوى الفكرة، وما المقاطعة للأفكار إلا دليل احتجاج على نضج سياسي وتخلف فكري فالعجز الثقافي على احتواء معضلات الواقع ومعايشته للأحداث اليومية دون تغيير في نمط الحياة المدنية ودون تغيير في السلوك الحداثي المرتبط بالمواطن هو انتحار للمشهد الفكري و الفلسفي و الثقافي على السواء. أي لغة تختارها لخطابك في حدة التخلف اللابس قشور المدنية والتحضر؟ أي لغة خطاب تختارها في ظل بؤر الصراعات الجديدة الشرسة؟ إن هذه الصراعات ساعية للقضاء على الموروث بأنواعه، ساعية لتدمير الإنسان من الداخل، وتدمير الإنسان من الداخل يعني نهاية الشعور وموت الجمال. أعلم أن الفكرة النبيلة جعلها الله بحثا عن اليقين تمارس عمل التغيير من الداخل بلغة السؤال الكاشف لحقيقة الوجود وعامل الوجود. إن الفكرة الجديدة في تاريخها الحافل بالأوجاع كانت محل الاستهزاء و السخرية والتضييق وحرب الدعاية والإخراج و النفي و الحصار. إن العقلية النفعية الأنانية هي الأصل في خلق السحر بأنواعه على العقول و النفوس فهو لا زال لغة جديدة قديمة يمارس بأشكال مختلفة. إن النور يعمي العيون الساكنة زمنا طويلا في مغارات الظلمة، تخشى العيون النهار تخرج حين رحيل الشمس، الشمس المطلة على عالم آخر يعيش ليلا آخر، الشمس تعمل هذا في نظام دقيق. يحتاج سكان الجهات المظلمة في واقعهم لمن يأخذ بأيديهم ويصف لهم مالا يرون، إن تشكيل الفكرة لهم في الذهن بصور جميلة تحمل العقول على ألفها وحين يألف ساكنوا كهوف الخوف و الليل سيتشجعون داخل أنفسهم على اقتحام الزجاج الفاصل بين خوفهم ورغبتهم في رؤية وجه النهار؛ سيجدون مخرجا داخل ذواتهم وتتطبّب لغة السحر الملتصقة بخوفهم لتتحول إلى لغة اقتحام للمجهول المنتظر؛ تتحول إلى لغة إنعتاق وبعث للحرية حين ينتصر مفهوم الفكرة على محتواه؛ ليتنوع من خلال النوع ذاته. إن الخارج من كهف الاستبداد الممارس عليه إلى نور الفكرة الجديدة سينقاد بسهولة لها، يراها محررته من قيد قديم مدمي، ينقاد بسهولة وهو يستشف منها التوازي ذو الانتشار السريع. أبحث عن المتلقي الناضج لأن الفضاء ممتلئ بالأفكار المتغذية بالانتقامية المتجملة بالنقد خافية لعناصر التدمير المستعجلة الظهور الجامعة للأحداث المستفيدة من الوضع في المناخ الفكري و الثقافي المتعفن الراكد. المقولبة للتغيير مبتذلة محوّرة. إنها الأفكار مرجعة الوضع المزري كما مجيء الوضع تزيد من جنونه بصورة النقمة المالكة لوسيلة القوة في نفس الوقت الباحثة عن سيطرة القوة، إنها الأفكار المناقضة لدلالة البناء و التغيير في البناء، التغيير السلبي بتهديم الوحدات المتجزئة لتشكيل كومة ركام للعراء الفكري و الثقافي. أحذر التفكيك على غير قواعده الصحيحة، البناء وحده من يستطيع ذلك. راهن على حصان الفكرة الكاشفة، لجامها البحث عن التغيير بروية شيخ حكيم، كن أنت الفرد و أجمع سيئات العالم في نفسك، ليجمع غيرك سيئاتك مع سيئات العالم، أحترم أفكار العالم كله ما لم تكن هناك دعوة صريحة لسفك دم أو هتك شرف كرامة الإنسان أو تجاوزا على الحريات وسلب لإرادة الآخرين، أبحث بكاشف التغيير متجاوزا الأحادية و القطرية والقطبية، تجاوز العصبية الكابحة للنهوض، كن حرا فالعالم كله موطنك لأن الفكرة المتحيزة تخلق محدودية انتشارها، كن متحيزا فقط للقضايا العادلة للإنسان وحدها تحقق النجاح لأن الفكرة حينذاك على حقيقة فطرتها وحدها تصل لباب ذهن المتلقي وحدها تدخل بيته دون استئذان ودون قرع للجرس. لا تستعجل الكشف عن ما لم يكشف بعد لأن ما لم يكشف بعد هو نوع من المستتر المتستر عنه، وحدها الإشارات من تقودك إلى طريقه الصحيح ما عدا ذلك فتحا لتوريط العقل و النفس لا غير. إن المعالم لكثيرة و الأخطار لمحدقة وازدحام السير في الطرقات يخفي في ضوضائه سهم السكتة المميتة. لا تستعجل الكشف فإن حادث العجلة يميت الفكرة في طريقها السريع، لا تستعجل فالانحرافات وحدها تثير الاهتمام فالانتباه أكثر حول خطورة ما قد يقع قبل وقوعه امتداد للسلامة. الفكرة وحدها من تصل بقدسيتها باب المتلقي متجاوزة أخطار الطريق.
المثالية و الواقعية ي الفكرة ـ 9 ـ
طريق العلو بأصل الثبات

أعرف كل ما يتصل بك من حضارة العالم، أصعد شجرتها ذات الفروع الكثيرة الوارفة، أقطف الثمار من أي غصن شئت إنما الملاحظة هي من جعلتك تبحث عن الثمرة قبل الصعود، إنما الرغبة في الذوق و البحث عن الإشباع هو ما جعلك تدقق النظر أكثر؛ أبحث بعينين حادتين برّاقتين كالصقر على الحجم و اللون، أمـّا الحجم فإن الجوع يلبس الجوارح لتبدو الأنانية و يتجلى الطمع، حتى الطمع له جانبه السلبي كما الايجابي ألا ترى أن الرغبة في الاستزادة مقرونة بالجوع لحب المعرفة و الاستقواء بالحجج و البراهين. أمـّا اللون فطابع مميز للنضوج و ابتداء النهاية لمراحل البذرة الثمرة، إن الألوان أحيانا لتشي بالثمار وتكشف عن طبيعتها وعن مذاقها، حتى الألوان تصنع اختيارات البشر عن معرفة مسبقة بماهيتها، من أوجد الفكرة ؟ هل اللّون من طرح نفسه للتجريب أم فكرة التجريب من حددت وظيفة الألوان؟ أعرف ما يتصل بك من حضارة العالم، تسلـّق شجرتها الوارفة ولتكن لديك الجرأة الكافية على الصعود نحو الأعلى. إن الثمرة العالية لا تصل إليها الأيدي الكثيرة المرتعشة للقلوب الخائفة، إن الثمرة العالية بمنأى عن الأيدي الطويلة، لن تكون إلا لباحث مدقق متحرك على جبهات عدة ومن عدة جهات، إنها الثمرة العالية التي لا تغيب عنها الشمس طول النهار، العالية التي تلامس الأجواء و يلاطفها الهواء العليل وحدها التي تقاوم السقوط. أعرف فكرتك فإنها لن تكون إلا بالبحث عن ثمار الحضارة النادرة، تسلق شجرتها. أتبع هيكلها إن شئت الارتقاء إلى فوق حتى و إن مددت يدك و انتقلت من غصن إلى غصن فكن خفيفا كالعصفور حتى لا تسقط فما أسقط آدم من علياء الحدائق إلا حبه للثمرة .امسك بيديك حتى لا تقع ، أجعل جيوبك كبيرة متسعة، أحمل معك كيسك لتحتفظ بما جنيت، قد تأكل ثمارا كثيرة دون تخبئتها لكنك ستفقد الوقت و الجهد معا . كم يلزمك لتأكل ما عملت؟ إن الاستراحة التي تطلبها و أنت على الشجرة لن توفيك نشوة الوصول وتحصيل الرغبة إنما الغبطة في أن تقتصد في ثمارك وتتفقدها حين النزول أو الرجوع حين يسعك بيتك بما يحمل. أمسك بيد و انزع بيد ما تصل إليه أصابعك، لا تمد يديك مع بعضهما البعض فتفقد جاذبيتك إنما رجلاك يحملانك لأجل يديك لأجل وقايتهما.ألا ترى في مد يديك الاثنتين شراء الهلاك الأول لما يمنحك الوقوف. لا تجعل ثياب فكرتك فضفاضة قد تلبسك التعطيل والزهو و الغرور، قد تسقطك حين وقوفك بشجرة الحضارة، قد تتعرض لك بعض أغصانها وتعلق بفتحة أو بزاوية من زوايا ملبسك وتحرجك، قد تمزق لك ثوبا غاليا دفعت فيه الكثير من المال و الجهد، تندم حينها على ما ضيّعت أكثر مما جنيت ؛لا تلعن وقتها الزمن و لا تكسر بغضبك من أعطاك الثمرة، إنما ذاك الفرع نبهك لا غير. أنت وحدك من مزق ما يملك حين لم تنتبه لأمرك، أعرف أن الفكرة ستبحث لنفسها عن فرع بين هذه الفروع الكثيرة المتشابكة، قد لا يحمل فرعها أوراقا، قد يكون الغصن صغيرا في إحدى الفروع شرقا أو غربا لكنه لا محالة سيكبر. أسأل نفسك لا غير هل تقبل أن يكسر هذا الفرع الذي تمنيت أن يكون؟ الأسباب أنت صانعها، أعرف، أنما الحضارة هي الأفكار التي بنى عليها الأول و أعطاها لخلفه في الصنعة أو ليست الأفكار صناعة العقل والمنطق ؟ هي الفرع الذي تركه السابق للاحق. تعطي ثمارا لمن يحرسها دون الاستعجال لثمارها، تعطي ثمارها أكثر لراعيها من الحر والغبرة، هي لا تمنع ثمارها عن اللصوص و الغرباء و المارين أيضا، لا تمنع نفسها لمن تبول عليها و رماها بالحجر أفسد محصولها وما ستأتي به في المواسم القادمة. الجبناء فقط من يطلبون الثمار برمي الحجارة، قد يسقطونها قوة وعنفا، قد يدمون ثمرها، لكنهم سيركعون حين تناولها من الأرض ليذل كبريائهم. أعرف ما استطعت من أفكار الحضارات أكثر مما يعرفه غيرك، أجعله تحديا و اطمح لذلك فإن الفكرة لن تكون إلا امتزاجا. لا تبني على فراغ إن الذي يبني على فراغ إنما واهم مريض، تزول فكرته بزوال وهمه وهذيانه و شفائه بدواء أفكار الآخرين. خذ من الحضارة الغنية أفكارها القوية الملأ ى بالحيوية، خذ أخطائها، إن صلاتها بمثيلاتها دافع آخر للتقدم نحو صورها المتكاملة. أكتشف الأفكار المتبقية مع الزمن إنها الأفكار البائدة تسكن الخواء تدفن مع أصحابها حين ينتهي أجلهم إنما الأفكار الحية تعيش بغير أصحابها لأنها ملك الجميع إنها نفحة قدسية من روح الحقيقة خادمة الغرض الشريف. عش، أكتشف كيفية البناء بمادة تبقى مع الزمن، إنك لن تنسج فكرتك إلا إذا كنت النجار لمغزل إيحاءها، لن يغزل المغزل مادة صوف ملبسها ليعطيها للأيدي التي تصنع حلتها الأنيقة ، لن يغزلها إلا إذا كان أملس و أخذ شكل الدوران، إنه يحتسب الزمن بقوة الدفع كباقي المخترعات، لا شيء ثابت كل في شكله و طبيعته متحرك. أعلم أن الفكرة المصنوعة بإبداع إنما سُبِقَ ومُهِدَ السبيل لصناعتها، لن تكون إلا اختراعا فيما بعد ، ستلقى قبولا و نفورا وتوازنا، أعلم أن الشجرة لا تلد إلا نوعا واحدا، قد تختلف الألوان فقط، قد تلقى الثمرة إقبالا أو نورا إلى غيرها و لكل نفس حبها في صنف الثمرة التي تتوافق معها، إن الشجرة التي أُكُلْهَا طيّب لن تكون إلا مقصدا وحجا للجميع لأن الله جعلها حكمة، كن حكمة الله إذا، كن نخلة، مهّد طريق العلو بأصل الثبات لتعطي ثمارك فيما بعد للآخرين مستعينا بعناية الإله. أعلم أن لكل وقت رجاله، ملوكه وبلاطه، منظّروه و ضحاياه، أقويائه و ضعفائه، ظالمين و مظلومين. فكرة وحاملها، قد يموت لأجلها إن صدق لتكون من بعده ذكرا حميدا لبقائه، أعلم أن لكل وقت ملوكه وزعمائه و أسياده، الفكرة و بائعها، كم اقتاتت الأرض منهم ولا يعرف لهم خبر. أعلم علم اليقين أن الاختلافات باقية لأن الحياة والآخرة صنع الله و غربال الصالح و الطالح، التقوى والمقدس. اعلم أنما الاختلافات تكثر من عصر إلى عصر لا تقتصر على تنظيم معين ولا على معارضة معينة ولا على حكم معين. احتمل المشقة دون منازعات، اقبل على فكرتك بنفس راضية وكن شديدا بتمسكك بالحق والحقيقة، إنما الترف صنعة الفاشلين المقلدين محاربي الطموح، أحبب فكرتك في الحياة بطهر، طهرها من المرح، كن ماهرا و لتكن نزعتك التجديد،عارك من اجل فكرتك و لا تنظر لمن مد يده لنزع حياتك على انه همج لا مَدَنِيَةَ لديه، لا تسخر من لغة فكرته لا ترميها بالخشونة إنما قاربها أعرض أسلوبك إن كان مقنعا، هذّبه ونمّقه، أعرف لكل فكرة قدرها. أعرف أن لها أسفل كما لها أعلى، كمالها في اختلافها، فمن كان أمينا عليها فلن يكون إلا مشيئة الله لأنه وضعه الباري حيث يزهر. حامل الفكرة لا يملك نفسه، كيف يكون ملكا ليحكم في الأسفل ومن ثمة يحكم ملكا في الأعلى؟ إنما يكون هكذا ملكا بتاجين تدل صفاته عليه في مناسبات كثيرة فينفضح. إن الفكرة لا تعترف إلا بنبع واحد مثل المُلْكْ لا يعترف إلا بتاج واحد مهما الرعية طالبت وقبلت بأكثر من ملك. إن كانت الفكرة تحمل نقيضها حملت فنائها. الفكرة لا يحملها خائن إلا فضحته و هلكته. كن رقيبا في الأسفل وملكا في الأعلى فشجرة الحضارة لن تقبل متسلقها إلا من كانت له همة الفاتحين والملوك. ومن ثمة أكثر في حبك وتفانيك فيها فمن كان معدنه ذهبا خالصا لن يكون سوى داعيا للفكرة صاحبها، والرب ناصرها والعبد مستحسنها، فلا تكن مَلِكاً مُتَمَلِكًا فتشقى طول حياتك و بعد مماتك.



زاد الفكرة ــ 8 ــ
حلـّي نفسك، صفيّها من صراعات بني البشر الباحثة عن فنائها من خلال نفسها، حرّر نفسك من منطق الغلبة و العدو و الهيمنة، إنما هي مصطلحات تفتح باب الشر و الشيطان النائم في أغوار الذات الإنسانية التي تكونت في حدائق الله مع بداية الفتنة الأزلية التي تقضي على الإنسان لا محالة إن لم تلجمها الفكرة الخيرة وتجمح هوى النفس الراكضة كبقر مجنون، تحقيقا لدعوة خطيئة إبليس الذي هلك بعصبيته لأصل خلقه وتطاوله على القدرة الإلهية التي صنعته؛ إنه لم يمتثل لأمر الباري لتكبره على أصل خلقك فقط إنما يبحث عن فنائك في شقاء لا ينتهي. إن الصراعات الراقصة بحرية في مآتم الشعوب أوجدتها فكرة الحقد والكراهية، إن الفكرة الأنانية المستحوذة على العقول المريضة تطيل استيطانها في النفوس الخبيثة. أجمع إرادتك وهمّتك، حضّر عقلك، مرّنه البحث عن الأشياء الملتصقة بالواقع، الأشياء التي عجز الآخرون من رأيتها عارية أو لمحها مارة مر السحاب أو حتى حسها بالرغم من أنها هي زارعة شقائهم. إن هذه الأشياء ما كانت لتتجلى لضعاف العقول والنفوس الباحثين عن اللذة المتوحشة، ما كانت هذه الأشياء لتتجلى بأسرارها للموتى، هي لن تتجلى لأي كان . يلزمك المسير الطويل لتلقى في خضمه شاهقات ودروب وعرة، مرتفعات شعاب وأدغال. ستصادفك مواقف صعبة ومفآجات تهدد حياتك ووجودك، وكثير من العيون ترصدك لتنقّض عليك متى أصابك الإعياء. حاذر السقوط في مكان لا تعرف طبيعة أرضه، ترصدك تلك العيون حين تتيه في غابة القرار، يصير الشك في البحث عن نقطة النهاية للطريق أمرا مستحيلا كاستحالة الوصول إلى النجوم المتلألئة في السماء، هو الشك الذي يصيّرك بأهمية حين تغيب معالم الدرب وتفقد الوجهة، تحتاج أنت إلى خريطة وبوصلة وإلى المشاعر لتفلت من خواء اللا جدوى. أحمل زادك و لا تترك الفرح يغادر قلبك، أحرص على أن لا يكون زادك إلا أغراضا نفيسة منيرة مضيئة، ستواجه أياما متعاقبات من ليل مظلم بهيم، إن الشمس في غابة مسيرتك ستحجبها غيوم التثبيط و الأشجار الواقفة دليل الشموخ و التحدي والجذور هي الأصل بها تستمر الحياة. لن تجد غير زادك يضيء لك موضع الرجل حين الخطو في قِطَعِ الظلام ودثاره الأسود، ستباعد الأشباح عنك مصابيح زادك، الأشباح الناهشة للضعفاء المتورطين في هذه الرحلات، الذئاب مقتنصة الفرصة. إنك تحمل الكبريت في زادك و الفتيلة و الزيت، لن ينفعك الشمع فالريح تتنفس بقوة، تأنى، أسترح ، أشعل النار وحاصرها في إطارها حتى لا تهرب منك عروس من عرائسها فتتزوج اليابس و الأخضر فتحرق كل الأمكنة وتكون أنت أول من يُحرق، أجعلها محصورة لتمنحك الدفء ؛ إن الجو لبارد و قارص واخز، قد تكون نارك هذه دليلا لتائه أو ملجئا لخائف، قد تتحول أنت الضائع في هذه الرحلة إلى جامع لضائعين آخرين يقاسمونك نفس الحلم ، قد يمشي في اتجاهها آخرون لا يملكون ما تملك ، سيتقدمون منك و إلى نارك في حذر، بقلوب فطنة أو باندفاع الحماسة سيتقدمون منك، سيختفون من ورائك و أمامك و عن جانبيك، سيمعنون النظر في شكلك و تفاصيل مظهرك، سيفتشون بقلوب عيونهم الجائعة من بعيد على زادك، زادك الموضوع أمام عرائس النار الراقصة أمامك، النار مانحة الدفء و الضوء. أنت لا تراهم سيقتربون أكثر و يحفوّنك، يستأذنوك في الاقتراب ومقاسمتك ما تملك، سيطلبون منك اسمك ومعرفة أمور كثيرة عنك، سيسألونك عن السبب الذي أوجدك في طريقهم؟ سيحمدونك ويحسدونك عن هذا الزاد الذي تحمله و عن هذه النار التي جمعتهم، عن هذا الضوء الذي يطوّقك، أنت لا تراه لكنهم يرونه مفتونين به ؛ أحذر أن يعميك هذا الضوء ببريقه فيكون قبرك و أنت حفّاره، إنه مديح ظل عابر. تأكد فقط من النار التي تجمع الخائفين من حولك المرتجفين من البرد، تأكد من النار التي تبعدك عن الأشباح قد تهدي إليك قطاع الطرق و آكلي لحوم البشر، قد يأتونك في صور الأنبياء و الصالحين والمساكين. صفّي ذهنك من الشوائب المثبطة للهمة، إنك لن تستطيع الوصول إلى فهم الصراعات القائمة بدون عزيمة. إنك لن تستطيع تزكية نفسك من حبها لتيار يأتي من اتجاه معين، لن تستطيع تزكية نفسك عن حبك لنوع تربة بعينها و بلونها، لن تستطيع تزكية نفسك عن حبك لصوت يأتي من القدم ينبعث من مكان يحمل تضاريس معينة، إنك لن تستطع تزكية نفسك مهما فعلت و لا أن تزكي غيرك. إنك لن تستطيع إنصاف الأطراف المتصارعة أو الحكم عليها، لن تستطيع أن تكون حكما بين الأفكار المتناحرة والمتضادة ما لم تقف بحياد و تطهّر نفسك كلية، عد إلى فطرتك التي خلقك الله بها. إن الذين جلسوا إليك أمام النار المتراقصة عرائسها، بدئوا يشعرون بدفء وأمان، هاهم آتون، فيهم من يحمل عمود ليلهو بما منحه الدفء و الأمان، إن عرائس النار يغضبها لعب بنو البشر، قد يلعب كثيرا منهم ويلعبون وينسون الحديث في الفكرة التي التفـّوا من أجلها، لأنهم فتنوا باللّون الذي صيّر لون وجوههم لنفس اللون. أحذر وحذّرهم، كلّمهم بالأمر الذي في نفوسهم، ضع لهم مرآتهم أمام تلك النار ليروا كيف كانت النفوس تختبئ في خوفها لتحوله إلى بحث عن صراع، بيّن لهم أن فكرتك ليست قاسية ولا غلظة في قلبك من نار حرون للحسد أو البغض أو الكره، إنما نارك هي زادك من رغبة للبحث عن النور.


الحرية في الفكرة ــ 7 ــأشتغل بفكرتك حصّنها من الأحادية و التسلط ، خلّلها من الديكتاتورية وحليّها بالهدوء و الرصانة لتقبلك الآخر، أشتغل على الفكرة المستبدة والطاغية على ذهنيات الناس إنما هي دربك لمعرفة مكامن الضعف لأصحابها، إنما الفكرة دولة لها أنظمتها الخاصة و قانونها و أتباعها وحراسها و أعدائها أيضا.الاشتغال على أفكار الآخرين أمر حتمي لمن يريد النزول لشاطئ العقل الجديد. قد لا تعرف في الآخر لغته و لا مكونات ثقافته. أبحث عن نظام بسيط واضح لا يحجب بدثار العقم معالم الفهم ، حاول بعدها دخول العوالم الخفية للتاريخ، أبحر في كل وقت في محيطات الحضارات، رئتا البحث عبئهما بأكسجين الفضول البحث على المعرفة والغوص أكثر إنك لن تستطيع وصف الجواهر و الكنز المخبأ في القعر إلا إذا نزلت أكثر لقاعه. هل تستطيع وصف الحضارات القديمة الكامنة تحت الماء ؟ المدن العظيمة، هل تستطيع وصف السفن المقبرة النائمة ؟ لقد كانت ذات يوم تسيطر على البحار و المحيطات ، تنشر سلطتها على الماء. هل تستطيع دون الغوص في الأعماق الإطلاع على أسرارها. إذا وجدت ذاك النظام البسيط و استطعت على الأقل بداية إبحارك والغوص في مكامن الحضارات المتعاقبة فكرّ حينها في الوقت الكافي ، أنت تحتاج لوقت كاف حتى تغزل نسيج الفكرة تحوّل صوفها إلى لباس جميل، تحتاج لوقت كاف دون استعجال الحكم على النتائج، أحرص قد تخطأ فهم الفكرة المستبدة فتقع في التناقضات أو تأسرك الفكرة ذاتها فتتحول إلى عابد أو إلى عميل أو إلى كاهن مستبد يضحك على العامة ينزلهم مكانة الخراف حين يوهمهم بنبؤة الغيب لمستقبلهم و كرامة الله التي نالها من توارثه إرث الأفكار وأحقيته في ممارسة سحرها على الأغبياء و السذج. يلزمك الوقت الكافي لتحقيق نظام الفكرة الجديدة وإبحارك في حضارة الآخرين، بعدها كوّن بؤرة الأصل، نقطة الأصل في مفهوم الفكرة هو أن تجتهد في إبداع النقيض الماسح و المحتوي للفكرة الأولى المستبدة التي اشتغلت عليها. إن نقطة الأصل يجب أن تظل على حالها دون اتساعها حتى تكوّن لها مسافات أخرى بنقاط أصلية جديدة، مثلها مثل الدواء للداء كلما حاصره في مجاله كان نفعه و فعاليته. أنشأ الظروف لذلك و لا تجعلها متساوية إما أن تنتصر فكرتك أو تنسحب من معركتها ، فكلما كانت الظروف متساوية تأخرت الفكرة الجديدة في الوصول لأن الفكرة المستبدة أصلها وجد قبل الثانية ولأن الظروف التي تسمح لها بالمواجهة غير التي عليها الفكرة الجديدة التي هي فتية لا تملك القدرة على الاحتمال و لا الخبرة الكافية لا تملك فضاءَ داخل مخيلة الناس بل قد تجد التضييق و الرفض الممقت ألا ترى تشبث الرجل بالثوب القديم يعز عليه رميه فما بالك بفكرة رضعها من ثدي سحر عظيم.

إن الطغيان موجود وحرية الفكرة محدودة أو منعدمة و الكل يتشاعر باحترام حرية الآخر لكن في النهاية لا يوجد التنافس الشريف إلا عند بعض الأحرار من العالم . الاستبداد موجود لأنه أخ الطغيان، يمكنك فقط أن تجرّب بفكرتك القديرة، أجعلها رحيمة لأن الطاغية لا يأتي من ورائه إلا رحيم ، ومن وراء الرحيم لا يدري أحدنا ماذا يأتي، المهم من يقاسم العرش و الحكم. الفكرة الرحيمة تأتي من وراء الفكرة الظالمة، قد تتحول الفكرة الرحيمة إلا ظالمة قاسية حين يتبع صاحبها هواه و يرفض التجديد من آخر جاء بنظام مخالف لنظام فكرته، حلبة الأفكار يجب أن تظل خاضعة لقانون الشرف لا للمؤامرات الخادمة لقوى الشر والاستبداد. إذا تحولت الفكرة الرحيمة إلا ظالمة مع الزمن لا شك يتحول عنصر تغيير ما موجود في هذا العالم بطرد الفكرة الطاغية و إخراجها من وجودها إلى عالم آخر قد تكون المقبرة لتحيا في مكان مغلق أو تأسر لحين أو تحاصر من جهات كثيرة تعمل لخير العالم. لا تتساءل مع الوقت هل الفكرة التي ولدت من رحم الحرية و الديمقراطية تترك مكانها لطاغية آخر ؟هذه الدورة أليست نوعا من الظواهر التاريخية تتجدد ؟ أليست دورة من السنن والناموس الكوني الذي يمكن تأجيله و لا يمكن تجنبه ؟ أهي القدرية التي تصلنا أم هي نوع من الإيمان الذي يحتم علينا الرضا بالقدر الذي يخرج عن إرادتنا والسيطرة عليه غير ممكنة ؟ لا تسأل نفسك الأسئلة الكثيرة إنما آراء الذين سبقوك من نتشه إلى كولن ولسن هو دليل بحث عن الإنسان . في الأخير الذي جعلهم يتمنون الحرية المطلقة لا الحرية السياسية... يتبع

خالد ساحلي ـ الجزائر ـ



#خالد_ساحلي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- القصّاص
- حقيقة الفكرة ، فكرة الحقيقة. 6
- الفكرة و الآخر 5
- امتزاج الفكرة صانعة أعمدة الحكمة 4
- الامتزاج ... مقالات في أصل ونشأة وطبيعة وظيفة الفكرة
- السفينة التي لا تحترق
- الامتزاج في الحياة القصيرة
- غامر و أقترب من الشمس أكثر
- الأخ الذي يشبهه كثيرا
- شبح منتصف الليل
- قفازان قصص قصيرة جدا
- مع الأميرة في منتصف الليل
- x قصص قصيرة جدا
- تمثال الجندي المجهول قصة قصيرة جدا
- صاحب الوجه المرن قصة قصيرة
- الأصبع و الذباب قصة قصيرة
- الرجل الصالح
- المهاجر قصة قصيرة
- قصص قصيرة جدا الحكواتي
- ورثة البخيل


المزيد.....




- السودان يكشف عن شرطين أساسيين لبدء عملية التصالح مع الإمارات ...
- علماء: الكوكب TRAPPIST-1b يشبه تيتان أكثر من عطارد
- ماذا سيحصل للأرض إذا تغير شكل نواتها؟
- مصادر مثالية للبروتين النباتي
- هل تحميك مهنتك من ألزهايمر؟.. دراسة تفند دور بعض المهن في ذل ...
- الولايات المتحدة لا تفهم كيف سرقت كييف صواريخ جافلين
- سوريا وغاز قطر
- الولايات المتحدة.. المجمع الانتخابي يمنح ترامب 312 صوتا والع ...
- مسؤول أمريكي: مئات القتلى والجرحى من الجنود الكوريين شمال رو ...
- مجلس الأمن يصدر بيانا بالإجماع بشأن سوريا


المزيد.....

- تداولية المسؤولية الأخلاقية / زهير الخويلدي
- كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج / زهير الخويلدي
- معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية / زهير الخويلدي
- الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا ... / قاسم المحبشي
- الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا ... / غازي الصوراني
- حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس / محمد الهلالي
- حقوق الإنسان من منظور نقدي / محمد الهلالي وخديجة رياضي
- فلسفات تسائل حياتنا / محمد الهلالي
- المُعاناة، المَعنى، العِناية/ مقالة ضد تبرير الشر / ياسين الحاج صالح
- الحلم جنين الواقع -الجزء التاسع / كريمة سلام


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع - خالد ساحلي - الامتزاج.. مقالات في الفكرة