|
أما حان للولايات المتحدة أن تستقل عن العراق؟!
جواد البشيتي
الحوار المتمدن-العدد: 2307 - 2008 / 6 / 9 - 10:20
المحور:
مواضيع وابحاث سياسية
مستشار "الأمن القومي" العراقي موفق الربيعي زَفَّ إلى العراقيين "بشرى" أنَّ العراق، وفي 31 كانون الأوَّل المقبل، سيَخْرُج من "البند السابع" من ميثاق الأمم المتحدة، ليَدْخُل في "السيادة الكاملة غير المنقوصة"، على أرضه، وبشره، وأجوائه، ومياهه الإقليمية، وليَدْخُل أيضاً في "الاستقلال، والحرية، والحياة الطبيعية، والاكتفاء الذاتي (في معناه الأمني)".
ولو لم يكن وراء أكمة "بشرى التحرُّر من البند السابع" ما وراءها، لما تورَّع عن مزيد من الغشِّ السياسي، ولخاطب العراقيين قائلاً: "بُشراكم اليوم عراقٌ كله استقلال وسيادة وحرِّية"!
أمَّا ما وراء الأكمة فهو "الاتفاقية" مع الولايات المتحدة، أي مع الرئيس بوش وهو يوشك مغادرة البيت الأبيض، والتي يريد الربيعي للعراقيين أن ينظروا إليها على أنَّها المَدْخَل إلى هذا العراق الجديد، الذي "تحرَّر من البند السابع"، فنظَّم الوجود العسكري والأمني والسياسي والاقتصادي الاستراتيجي للولايات المتحدة فيه، قبل، ومن أجل، أن تُنظِّم إدارة الرئيس بوش استقلال العراق وسيادته وحرِّيته بما لا يتعارض مع تنظيم ذلك الوجود "المؤقَّت"، أي "الدائم"، بحسب "الأجل الضمني للعقد".
والعلاقة بين "البند السابع" و"الاتفاقية" إنَّما تشبه كثيراً العلاقة بين "قانون الطوارئ" و"قانون مكافحة الإرهاب"، في مصر، فالوعد هو أن تنتقل "الحرِّيات" هناك من ناظمها القديم، أي "قانون الطوارئ"، إلى ناظمها الجديد، أي "قانون مكافحة الإرهاب"!
و"استقلال" العراق، أو "احتلال" الولايات المتحدة له، فلا فَرَق بين الأمرين، سينتقل من مرحلة "البند السابع" إلى مرحلة "الاتفاقية"، التي يكفي أن تغدو حقائق واقعة حتى يشعر العراقيون أنَّ ما بقي لهم من استقلال في المرحلة الأولى قد أصبح أثراً بعد عين في المرحلة الثانية.
على أنَّ للمرحلة الأولى، أي مرحلة "البند السابع"، أهميتها التاريخية، فهي التي أسَّست للمرحلة الثانية، أي مرحلة "الاتفاقية"، إذ صَنَعَت للعراق "عجزاً مزدوجاً (أو مُركَّباً)": العجز عن بلوغ "الاكتفاء الأمني الذاتي"، فالعجز، بالتالي، وبالضرورة، عن استغناء حكومته المركزية عن الوجود العسكري والأمني الدائم للولايات المتحدة فيه.
ولقد نجحت إدارة الرئيس بوش، على فشلها العام، وفي كل شيء تقريباً، في أن تؤسِّس للعراق بنية سياسية فريدة أمنياً، فهذه البنية في وسعها أن تصيب كل جيوش العالم، لو حُشِدت ورُكِّزت في العراق، بالعجز عن إشاعة الأمن والاستقرار في ربوعه، فطلب "الاكتفاء الأمني الذاتي" يغدو طلباً للمستحيل في وجود بنية سياسية داخلية كالتي أقامتها الولايات المتحدة للعراق.
بفضل تلك البنية السياسية العاقر أمنياً، نرى الأمن والاستقرار في أي جزء من أجزاء العراق على شكل فاصِل قصير الأمد بين جولتين من حرب دائمة يخوضها الجيشان معاً، جيش العراق وجيش الولايات المتحدة، ضد أعداء، بعضهم قديم، وبعضهم جديد، فليس من مدينة عراقية تَنْعُم بـ "الأمن"، بعد، وبفضل، حملة عسكرية وأمنية، لا تعيد إنتاج ما يكفي من الأسباب لبدء حملة عسكرية وأمنية جديدة.
وأحسب أنَّ هذا هو التناقض الكبير الذي ينطوي عليه الوجود العسكري للولايات المتحدة في العراق، والذي لا يمكنها الإفلات منه، فهي تريد عراقاً يفتقر دائماً إلى أمن بجذور سياسة؛ لأنَّ امتلاك العراق لأمنٍ كهذا يُفْقِدها مبرِّر الاحتفاظ بهذا الوجود؛ ولكن يكفي أن يظل العراق محتفظاً بأمن لا جذور سياسية له حتى تعجز الولايات المتحدة عن جعل وجودها العسكري والاستراتيجي فيه مشابهاً لوجودها المماثِل في اليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا.
لقد أسَّست لعراقٍ فيه من التضاد بين "السياسة" و"الأمن" ما يُعْجِز أقوى اتفاقية عن أن تُنَظِّم الوجود العسكري للولايات المتحدة بما يقيها شرَّ التورُّط في عمل عسكري يومي، لا يتورَّط فيه إلاَّ كل مُحْتَلٍّ أجنبي فاشل، فالعراق الذي يُكْرِه الولايات المتحدة على إعادة احتلاله في استمرار سيظلُّ موجوداً بعد "الاتفاقية"، وسيتعزَّز وجوده أكثر بفضلها.
الاحتلال عبر "البند السابع" عجز عن أن يأتي للولايات المتحدة بـ "السلام الروماني" في العراق؛ أمَّا الاحتلال عبر "الاتفاقية"،إذا ما أبصرت النور، فلن يأتيها إلاَّ بمزيد من "الحرب الفيتنامية"، التي تشتعل حيث يكثر الزيت الذي يمكن صبه على نار الغلاء النفطي العالمي.
"الاتفاقية"، والتي هي أسوأ احتلال تُنَظِّمه اتفاقية، لن تتمكَّن من إخراج الولايات المتحدة من تناقضها العراقي المدمِّر لها بوصفها القوَّة العظمى في العالم، وكأنَّ أرض الرافدين تخاطبها قائلةً: أنتِ إنْ بقيتَ مُتِّ، وإنْ خرجتِ مُتِّ، فاختاري.. !
أمَّا استقلال العراق فلن يكون على صورة الربيعي، ولن يأتي بما يوافِق المعاني الضمنية للبُشْرى التي زفَّها إلى العراقيين، ولن يتَّسِع، على رحبه، لـ "المُبشِّر"، وأمثاله. واستقلال العراق، أي خروجه إلى الأبد من "البند السابع"، ومن "الاتفاقية"، سيكون "فريداً"؛ لأنَّه سيتحقَّق بما يُشْعِر الولايات المتحدة نفسها بالمعنى الحقيقي للاستقلال، فساعة استقلال العراق عن الولايات المتحدة سيُعرِّفها التاريخ، ويعتَرِف بها، على أنَّها هي نفسها ساعة استقلال الولايات المتحدة عن العراق!
#جواد_البشيتي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
عسكر تركيا يلبسون -حجاب العلمانية-!
-
عَصْرٌ من الجوع.. و-الطاقة الذُّرَوية-!
-
هذا هو كل متاعهم الفكري!
-
-حزيران-.. -سلام الهزيمة- و-هزيمة السلام-!
-
-أزمة اولمرت- هي خير عُذْر!
-
اولمرت.. كم أنتَ مسكين!
-
خطاب نصر الله في ميزان الخطأ والصواب!
-
الأُميَّة الديمقراطية!
-
مفاوضات للسلام أم لاجتناب مخاطر حرب؟!
-
-الأمن الغذائي- أوَّلاً!
-
القوميون العرب الجُدُد!
-
عندما -يُعرِّف- الرئيس بوش الدول!
-
سنة فلسطينية حاسمة!
-
إنَّما -التعريب- كلمة يراد بها -التدويل-!
-
ذاك انقلاب.. أمَّا هذا فلا!
-
-قصة التيه- في نسختها اللبنانية!
-
ليس صراعاً بين عليٍّ وعُمَر!
-
كيف تُشْعَل الحروب.. لبنان مثالاً!
-
لو كان اقتصادنا الحُرُّ.. حُرَّاً!
-
-المسخ عبر التعريف- في مفاوضات سرية!
المزيد.....
-
-لا مؤشرات على وجود حياة-.. مشاهد صادمة تلاحق الفلسطينيين مع
...
-
كيف تضغط العقوبات النفطية الأمريكية على أساطيل الظل لروسيا و
...
-
رؤساء سوريا عبر التاريخ: رئيس ليوم واحد وآخر لأكثر من عقدين
...
-
السودان.. حميدتي يقر بخسائر قواته ويتعهد بطرد الجيش من الخرط
...
-
الجيش الإسرائيلي: إطلاق صاروخ اعتراضي نحو هدف جوي تم رصده م
...
-
برلماني مصري من أمام معبر رفح: الجمعة القادمة سنصلي في تل أب
...
-
السودان.. قوات الدعم السريع تتوعد بـ-طرد- الجيش من الخرطوم
-
السلطات النرويجية تبلغ السفارة الروسية بعدم احتجاز طاقم السف
...
-
الخارجية الأمريكية: إدارة ترامب تعتبر قناة بنما أصولا استرات
...
-
قوات كييف تهاجم مدينة إنيرغودار مجددا حيث تقع محطة زابوروجيه
...
المزيد.....
-
الخروج للنهار (كتاب الموتى)
/ شريف الصيفي
-
قراءة في الحال والأداء الوطني خلال العدوان الإسرائيلي وحرب ا
...
/ صلاح محمد عبد العاطي
-
لبنان: أزمة غذاء في ظل الحرب والاستغلال الرأسمالي
/ غسان مكارم
-
إرادة الشعوب ستسقط مشروع الشرق الأوسط الجديد الصهيو- أمريكي-
...
/ محمد حسن خليل
-
المجلد العشرون - دراسات ومقالات- منشورة بين عامي 2023 و 2024
/ غازي الصوراني
-
المجلد الثامن عشر - دراسات ومقالات - منشورة عام 2021
/ غازي الصوراني
-
المجلد السابع عشر - دراسات ومقالات- منشورة عام 2020
/ غازي الصوراني
-
المجلد السادس عشر " دراسات ومقالات" منشورة بين عامي 2015 و
...
/ غازي الصوراني
-
دراسات ومقالات في الفكر والسياسة والاقتصاد والمجتمع - المجلد
...
/ غازي الصوراني
-
تداخل الاجناس الأدبية في رواية قهوة سادة للكاتب السيد حافظ
/ غنية ولهي- - - سمية حملاوي
المزيد.....
|