عبدالسادة الساعدي
الحوار المتمدن-العدد: 2305 - 2008 / 6 / 7 - 09:21
المحور:
كتابات ساخرة
بسم الله الرحمن الرحيم
من يوم دخولنا مدارس القانون باشر أساتذتنا الكرام التأكيد على مواضيع القوانيين الإدارية وأهميتها لإدارة المصالح والأموال العامة بما تضمنتها من دروس تتعلق بالمرفق العام والدومين العام والفرق بينه وبين الدومين الخاص والعقود العامة وعقود الإذعان إلخ ,,, من مواضيع القوانين الإدارية التي رافقتنا في السنوات الأربعة التي قضيناها في دراسة الحقوق , كما أسهب إستاذنا الكبيرالبرزنجي طال الله عمرة مع غيره من أساتذتنا الكرام في شرح مقارن مع القوانين الغربية (الفرنسية ) تناولوا فيه الصغيرة والكبيرة لهذا الموضوع الحيوي الذي يهم مصالح المجموع والتأكيدات التي فرضتها الشرائع السماوية ومذاهب علمائنا الأجلال , ولكن للأسف بسبب ضعف إدراكنا بالشأن العام وعدم تجربتنا بمواضيع إدارة الدولة وضعف التعليم التطبيقي حين ذاك أهملنا التركيز على هذه المواضيع حتى عانينا من ملل دراسته الى أن تخرجنا ومباشرتنا أعمال الإدارة والذي مكننا من معرفة أهمية هذه المواضيع وتأثيرها على المصلحة العامة باعتبارها حجر الزاوية في الإصلاح أو الإفساد الحكومي, وضرورة أن يكون كل الممتهنين لأعمال الإدارات التنفيذية من الأكفاء والملمين بكل شؤون التشريعات الإدارية من المخلصين و القادرين على وضع الأنظمة والتعليمات واللوائح والأوامر الرصينة لتنفيذ القوانين بالعدالة والدقة التي أرادها مشرعينا القدامى والجدد ....
اليوم لو نسال مجلس الوزراء كم هو عدد موظفي إدارات المجلس من أصحاب الخبرة والكفائة ممن خدموا الدولة العراقية قبل التحرير ؟ أجزم، سيكون الجواب على الأغلب بحدود عمال التنظيف سييء الحظ ، اللذين لم يتمكنوا مثل غيرهم من تقديم بعض الأوراق والوقائع المزيفة التي تؤهلهم للمناصب التي كانت وما زالت معروضة بالجملة للدعاة من (مناضلينا الأشاوس) , ناسين أو متناسين إن العمل الوظيفي والإداري لخدمة المواطنيين ليس مكاسب توزع للمناضلين وإنما هي عمل مهني يومي دؤوب و مسؤوليات ومهام ثقيلة وهي أخطر بالتأكيد من رحلات هجرة وسياحة تمت بالتوفيق الى لندن ,واشنطن , طهران والسيدة زينب .... قاموا بها قراء مجالس عزاء الحسين عليه السلام.... بما مكنت أغلبهم بالحصول على الصفات النضالية التي أهلتهم للتوظيف وتصميم ما يشاؤون من مكاسب ولو كانت ضد شرائع الأرض والسماء , بينما كان يمكن أن يقترحوا لهولاء المناضلين التشريع الملائم الذي يمنحهم كل الإمتيازات التي تشبعهم وعوائلهم والى الأبد بما فيها وضع التماثيل الذهبية لهم في الساحات العامة بدلاً من تكليفهم بمسؤوليات تجهز على ما تبقى للإدارة الصحيحة في العراق ....
أسوق هذه المقدمة لنسلط الضوء على بعض رجال إدارتنا الحكومية الحالية التي تزخر بأنصاف المتعلمين والكسالى والمتذللين المعينيين بعد أحداث التغيير لتجدهم يعيثون ويفسدون في كل مكان ,أهمها الأمانة العامة لمجلس الوزراء و مكاتب رئيس الوزراء التي تعتبر قلب الحكومة في إقتراح التشريعات وتهذيبها قبل تقديمها الى مشرعينا أو تصريف شؤون الحكومة والمواطنين خاصة مع إصرارها بالسيطرة على الصغيرة والكبيرة في مصالح الدولة حتى لو تعارضت مع الدستور والقوانيين الحالية مع إستحالة الطعن بإجراءاتهم وهم يتحصنون بالحفظ والصون بين الجدران المُحكمة للمنطقة الخضراء و مستفيدين من جو اليأس والإحباط العام للمواطنين في الإعتراض على التصرفات الإرتجالية للحكومة التي سيبت الأموال العامة بعموم العراق .
في الوقت الذي كان يمكن للحكومة أن تبيع كل الموجودات المصادرة لحزب البعث المنحل والمؤسسات الإخرى التابعة للعهد المباد والقيادات المدانه لتعويض ضحايا النظام السابق وعدم تحميل إجيال العراقين نتائج التصرفات الباطلة للحكومة السابقة، ارتضت قياداتنا الحالية الإستمتاع مع أحزابها ومليشاتها بالتخصيصات العقارية المجانية من تلك الكيانات بمعاونة بعض موظفي مكاتب الدوائر العقارية في الأمانة العامة اللذين تعاملوا بها كغنائم حرب, تلك الحرب التي هم أنفسهم جاهروا ضدها يوم لاحت بالإفق في بدايات 2003... ومع إنهم أول المستفيدين من هيئات نزع الملكية التي خرجت عن السيطرة القانونية والقضائية والحقوقية بأرقامها الفلكية التي تتراكم هذه الأيام على ظهور العراقيين ومستقبل أولادهم مذنبين وأبرياء الى يوم يبعثون ... ما زالوا يتربصون بما تبقى للمال العام بأي طريقة ممكنه , ولهذا فقد أكملت إحدى لجان مكتب الأمانة العامة مهمة أوامر دولته باقل من إسبوعين في أهم المواضيع الخطيرة التي تمس المال العام لتمرر بعض الأطماع الجديده لبعضهم وذلك بتمليك العقارات الى ساكنيها الشرعيين وغير الشرعيين طالما اتهم يشغلون هذه العقارات (وهي مئات الإلوف إن لم تقارب المليون ) , و ليس خافياً على أحد من الشاغلين الحاليين من المناضلين والحواسم اللذين إستحوذوا على أغلبها بالترهيب أو التهجير المليوني الداخلي أوالخارجي وليشكلوا سابقة إخرى تضاف الى قوانين وأنظمة الإجتثاث وهيئات نزع الملكية التي تأكل من لحومنا ولتدلل على عقم الإدارة الجديدة للعراق التي اساءت في تقدير معنى الحقوق والإلتزامات وضبط الأموال والمصالح العامة بالبلاد , والتي ستشيع بالتأكيد المزيد من التجاوزات والمتجاوزين المستقبليين على المال العام طالما سيحضون بمباركة وتشريع ممثليهم القابضين على مكاتب الأمانة العامة , ولمزيد من التركيز على أثار هذا القرار أشير الى بعض النقاط التي قد تثير الراي العام بما يسترعي إنتباة المعنيين وعموم المواطنيين ...
1- إن هذه الأملاك الحكومية هي أموال وطنية ضخمة لا أدري كيف للسلطة التنفيذية أن تقرر بيعها بهذه الطريقة دون العودة الى مجلس النواب , وخاصة الأموال المصادرة من القيادات العراقية السابقة وقد شغلت من بعض القوى السياسية ومليشاتها المسلحة بقوة السلاح ,
2- كنا نفترض من الحكومة إعادة الإعتبار لهيبة الدولة وفرض أشد القوانيين الجزائية على المتجاوزيين للمال العام من الذين إستغلوا بعض الفراغ القانوني والإداري في هذه المنطقة أو تلك خاصة بعد أحداث التغيير وإعادة هذه الأموال الى ملكية الدولة وإشاعت الردع العام بما لا تتكرر هذه الظواهر المؤسفة , ولكن هذا القرار سيشرع ويقنن تصرفات المخالفين وستثير ربما (شجون و أحاسيس الأسف والأسى) للمنضبطين اللذين إستحرموا المال العام ....
3- بالوقت الذي كان على الحكومة التقليل من الإمتيازات والمكافئات لموظفي الدولة للتخفيف من الطلبات والضغوط المتزايدة من المواطنين لإشغال الوظائف العامة بالإدارات الحكومية والتي وصلت الى حتى عدم التواني والتردد في إرتكاب الجرائم والمخالفات في سبيل الوصول الى الوظيفة العامة وما يصاحبها من كسل وفساد وتخريب للذمم لا معنى له فنجدها اليوم تزف إليهم مركز قانوني ومكسب تاريخي جديد لم تشهده الوظيفة العامة بالعراق بتاريخها القديم والحديث من خلال التمليك الخالي من المزاد ذات التقسيط المريح .., وهذا ما لم ننتظره من الحكومة التي يجب أن تتفنن في بترشيق قطاعاتها العامة و الإدارية وصولاً لجعل هذه القطاعات طاردة وليس جاذبة من خلال إضعاف حوافز الوظيفة العامة والإكثار من الحوافزالملموسة للمتوجيهين للقطاعات الخاصة , كما إنا لو تمعنا بالجهد الحكومي وإنشغالاته الآن منصب على إستحقاقات موظفي الدولة وإمتيازاتهم وإدارتهم ومراقبتهم ومحاسبتهم وأهملت الغاية التي وجدت من أجلها الوظيفة العامة لخدمة المواطنين
الملاحظ أن أغلب نشاطات مكاتب رئيس الوزراء جاهزة وموجودة في اللحظة التي يتطلبها خدمة إمتيازات موظفيها وموظفي الإدارات المستحدثة بعد التغيير ,على طريقة شيني واشيلك, مع عدم إكتراثها بخساراتنا اليومية لمئات فرص البناء و إعادة الإعمار البنية التحتية وتنشيط القطاعات الأقتصادية بالعراق باللاأباليات والمحسوبيات والمنسوبيات التي تتعامل بها الإدارات خاصة إذا كان الموضوع لايهم المصالح (المقدسة ) لموظفي مكاتب دولته.
4- منحت اللجان حرية التقدير أقيام هذه العقارات بينما يفترض إلزام هذه اللجان بمعايير السوق وإلا سنفتح باب الفساد والإفساد على مصراعيه خاصة في أجواء الفساد الذي يأكل يومياً في هذه البلاد الأخضر واليابس.
5- كما ستثير الكثير من المشاكل والخصومات والحساسيات بين المواطنين البسطاء الساكنيين وجموع الطامعين من أصحاب العضلات الحكومية , والتي ظهرت طلائعها في بغداد والمحافظات مع عجز المواطنين في مواجهت خزعبلات هذه الحكومة في جو الترهيب والترويع والتصفيات الشخصية والباب المغلوق للمحكمة الإتحادية التي ألزمت قوانينها بوجود الضرر المباشر لإقامة الدعاوى ضد التصرفات الحكومية ... ورئيس هذه المحكمة الذي إستساغ هو الآخر حصة من هذه الذبيحة الجديدة الذي لم يتوانى حتى على تسخير المحكمة الجنائية المركزية للإرهاب لتخلية إحدى هذه العقارات طمعاً بواحده منها لإحفاده العظام,
في النهاية يمكننا الجزم الآن إذا كان نظام صدام قد خلف لنا هيئات لنزع الملكية وإجتثاث البعث والمفصولين السياسيين فإن تصرفات حكوماتنا الحالية ستخلفها (إنشاء الله )عشرات الهيئات المماثلة لإعادة ترتيب إستحقاقات المغدورين والمظلومين بالفترة السوداء التي نعيشها , كل هذا طبعاً لم ولن يحرك ضمائر الدعاة من المتدينين الجدد اللذين لا هم لهم سوى ترتيب وتهذيب الذقون والعلامات على وجوههم ,
#عبدالسادة_الساعدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟