|
هارولد بلوم .. و إعادة إنتاج الأثر الشعري
محمد سمير عبد السلام
الحوار المتمدن-العدد: 2304 - 2008 / 6 / 6 - 08:44
المحور:
الفلسفة ,علم النفس , وعلم الاجتماع
يعد هارولد بلوم Harold Bloom من أهم النقاد الذين أعادوا إبداع كل من فرويد و جاك دريدا في اتجاه ما يسمى بالقراءة الإبداعية الضالة . تلك القراءة التي نلمح من خلالها تاريخ الإضافة في الفن و ما فيها من عمليات شعورية معقدة بين المبدع السابق و اللاحق . و لكن إضافة هارولد بلوم الحقيقية من وجهة نظري تكمن في انطباق حديثه عن القراءة الضالة على نتاج النقد الأدبي و الفكر ، و من ثم زوال الحدود المعرفية القديمة بين المبدع و الناقد . و قد قدم جاك دريدا هذا التصور ، و لكن هارولد بلوم قام بتطويره في مجال التأثير و التأثر . يعيد (هارولد بلوم) قراءة مفهوم الاستبدال عند جاك دريدا ، في علاقة الشاعر المريد بسلفه . هذه العلاقة القائمة على التأثر مع الرغبة في المقاومة واستبدال الآخر ، و ذلك بتحريفه من خلال إعادة تأويل نتاجه الشعري في الكتابة التي هي مزيج من الإبداع و القراءة النقدية المنتجة دون فواصل ، وكأن الشاعر المتأخر صار علامة بديلة تقاوم الأصل من خلال حضوره المؤقت ؛ ليس كمبدع مشبع بالأصالة ، و إنما كأثر يقع في دائرة تأويلية لا متناهية .
ويقسم بلوم مراحل التأثر أفقيا، بحيث تتسم كل واحدة منها بالتناقض بين المريد وسلفه، من جهة القراءة الضالة أو الخاطئة التي يقدمها المتأخر للنص الأصلي. إنها إعادة إنتاج مستمرة تقاوم هوية النص الأول ، وتاريخه الأسبق، وهذه النقطة على درجة كبيرة من الأهمية في درس الأدب المقارن و علاقة العمليات الإبداعية بالنقد الأدبي . وفي كتابه (قلق التأثر – ترجمة عابد إسماعيل – دار الكنوز الأدبية – لبنان 1998) قسم (بلوم ) هذه المراحل ستة أقسام هي: 1- الانحراف الشعري : تبدو علاقة (الشاعر) بسلفه هنا، في هيئة حاجة تخيلية ماسة إلى الشاعر القوي/الآخر، ومن ثم فهي علاقة جبرية ابتداء، ولكنها تنحرف عن الانتقال الزمني من (أ) القوي إل (ب) المريد، لأن الأخير سيعيد اكتشاف موهبة الأصل من خلال تجربة أخري يبدو فيها (الانحراف) فعلا اختياريا، فاللاحق يمر بالموهبة الأولي لينحرف عنها واعيا.
2- تكامل وتضاد : في هذه المرحلة يبدأ الشاعر نصه ، على أنه إضافة لقصيدة السلف الناقصة ، وكأنه قراءة ضالة لهم ، لا تحافظ على الأصل ، لأنهم لم يغامروا بما فيه الكفاية، فأصبح المريد مؤهلا لخوض هذه المغامرة.
3- تكرار وقطيعة : وفيها يقف الأديب، وقفة من سبقه ، بينما هو مندمج في القطيعة المقصودة عن السلف ؛ فتبدو قصيدة اللاحق فاقدة لقدسيتها الشعرية الماضية والآنية.
3- السمو المضاد :
هذه المرحلة تمثل للوحدة النفسية السابقة للسلف، ولهذا فهي ( فرادة) اللاحق التي تحتمل التناقض، لأنه في موقع سلفه ، وفيها يحدث الشاعر (العطب) في نص السلف ؛ وكأنها عدوانية عضوية تفكك تفرد الشاعر السابق .
5- تطهر ونرجسية : يقصي الشاعر هنا ذوات أسلافه عنه، ليتطهر منهم ويضيف ذاته التي أتت بها لم يأت به أحدهم. وإن هذا التحرر يصطدم بالازدواجية مع السلف الذي مارس تأثيره على اللاحق حتى أراد التطهر ، فيصير المريد مجموعة من الروافد في اتجاه النرجسية
6- عودة الموتي : في هذه الحركة يسكن الموتي البيوت التي عاشوا فيها ، وكأنهم ينتجون حياتهم من خلال الآخر، فيصبح المريد مخلوقا مختلطا من ذاته وسلفه بعد أن يعزز ذاته التي أعادت ابتكار السلف في حضوره الأول و لكن من خلال عمليات الاستبدال و التحريف الإبداعي لنصوصه دون الخروج الكامل عنه .
إن كتابة النص المكمل ترتكز على توغله الهامشي الذي يزداد انتشارا في النص الأصلي للمبدع، فيصبح النص الثاني مشاركا في عملية التقويض الأداتي الأولي بالضرورة و التي تحدث في النص بشكل طبيعي من خلال تعارض النسق مع الصيرورة اللعبية الحرة لعلامات النص وفقا لدريدا ، وربما يسبقها أو يزدوج بها أو يمكن تعريفها من خلاله .
إن النص المكمل يشارك أيضا في تقويض تعميماته هو ، لأنه لا يسير في خط دلالي واحد، فضلا عن وعيه بالتناقض الأصلي الذي يصاحب استخدام العلامة، ليس لغرض بناء مزعوم، وإنما لتفكيك إمكانات البناء/النص الثاني أيضا وهي وظيفة مزوجة الهوية الأداتية في التفكيك. وفي التطور الذي يقترحه (هارولد بلوم) لقراءة النصوص قراءة ضالة، تعتمد على التأثير والتأثر، يتسع مفهوم النص المكمل وفق أمرين: الأول: يصبح الشعر في هذا النوع من القراءة التأثرية نقدا للشعر ، ومن ثم فإن الكتابة التفكيكية شاعرية النزعة بالأساس، ولا تخرج عن تاريخ الشعر ذاته، وعلى (القارئ التفكيكي) أن يواصل هذه المسيرة من تحريف القراءة. الثاني: يؤكد (بلوم) – ماديا- نتاج المؤول عبر الانحراف عن السلف ثم تحويل الرمز القديم في استعارات يزدوج فيها السابق واللاحق ثم تحقيق الأسبقية الأصيلة للمتأخر في عملية الاستبدال كتمثيل فريد للرمز ذاته ؛ وفي هذا إيحاء بأن النص يحتوي فعل قراءة لذاته أو للآخر، ومن ثم فقد يصبح التفسير مجموعة علامات مكملة داخل النص، أو بإمكان القارئ التفكيكي إنتاج مثل هذا الإكمال الدائم لنصه هو متداخلا مع الآخر ومواجها لذاته من ناحية أخري.
أما (جاك ديريدا) فيطرح أنموذجا تطبيقيا حول جان جنيه يعتمد على الوصف الذي لا يخرج عن الشاعرية في إنتاج نص آخر من نتاج القارئ يقاوم الآخر/ الأول وينتشر فيه من خلال إرادة وصفه. فبعد أن يصف ( التوقيع ) كعلامة تعود إلى داخل الخطاب رغم زعمها امتلاكه أو يقيم خارج النص فيستغني الأخير عنه، يري – مجازا – يعي بتناقضه الدلالي - أن النص قبر للتوقيع أو العكس ويستدعي ذلك علامة (الزهرة) عند ( جنيه) في سياق آخر وهكذا.
#محمد_سمير_عبد_السلام (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
تجدد الثقافة الشعبية
-
تعدد الدلالات و الأصوات .. قراءة في اخلص لبحرك لمسعود شومان
-
السياق الجمالي للعقاب .. قراءة في أقلب الإسكندرية على أجنابه
...
-
الآلية .. و العمل الإبداعي
-
إعادة اكتشاف روح الأشياء .. قراءة في بريق لا يحتمل لسمر نور
-
الصيرورة الإبداعية للزمن .. قراءة في فوق الحياة قليلا ل .. س
...
-
الشخصية في تحول .. قراءة في عمرة الدار ل .. هويدا صالح
-
العابرون ، و تبدل حالات الوعي
-
وعي طيفي مثل وهج الموت .. قراءة في عادات سيئة ل جمانة حداد
-
براءة الجسد ، و مخاوفه .. قراءة في كوب شاي بالحليب ل محمد جب
...
-
ظلال تتجاوز صمت الأشياء .. قراءة في سوف تحيا من بعدي لبسام ح
...
-
خوف الكتابة
-
التكوين الحدسي للمكان .. قراءة في قصص دوريس ليسنج
-
ما بعد الحداثة في ديوان شطح الغياب للشاعر مهدى بندق
-
القصيدة في نشوء آخر .. قراءة في شطح الغياب لمهدي بندق
-
تجاوز ما بعد الحداثية ، أو التفاعل المفتوح بين المحلي و العا
...
-
الزمن الآخر للظل .. قراءة في مهمل لعلاء عبد الهادي
-
أحلام الجسد البهيجة .. قراءة في مأوى الروح لمحمد عبد السلام
...
-
إعادة إبداع الإنسانية
-
عبث ما بعد الحرب ... قراءة في رواية بلا دماء
المزيد.....
-
رئيس الوزراء الفرنسي يعتزم إقرار الميزانية في التفاف على الب
...
-
إعلان حالة التأهب الجوي في خمس مقاطعات أوكرانية
-
زيلينسكي: سيتعين علينا الانتقال إلى المفاوضات مع روسيا بعد ل
...
-
الجيش الأمريكي يكشف هوية الجندية في المروحية التي اصطدمت بطا
...
-
إسبانيا.. إقالة السفير الإسباني في بروكسل لسبب غريب
-
سفير روسيا في الدنمارك: موسكو لن تسمح بتحويل البلطيق إلى بحر
...
-
-أجمل كلمة في القاموس-.. ترامب يفرض رسومًا جمركية على المكسي
...
-
وسائل إعلام: ترودو يعقد اجتماعا طارئا بشأن رسوم ترامب
-
ترامب يوقع أمراً بفرض رسوم جمركية على السلع المستوردة من كند
...
-
فنزويلا تفرج عن 6 مواطنين أمريكيين بعد لقاء مبعوث ترامب بالر
...
المزيد.....
-
حوار مع صديقي الشات (ج ب ت)
/ أحمد التاوتي
-
قتل الأب عند دوستويفسكي
/ محمود الصباغ
-
العلاقة التاريخية والمفاهيمية لترابط وتعاضد عالم الفيزياء وا
...
/ محمد احمد الغريب عبدربه
-
تداولية المسؤولية الأخلاقية
/ زهير الخويلدي
-
كتاب رينيه ديكارت، خطاب حول المنهج
/ زهير الخويلدي
-
معالجة القضايا الاجتماعية بواسطة المقاربات العلمية
/ زهير الخويلدي
-
الثقافة تحجب المعنى أومعضلة الترجمة في البلاد العربية الإسلا
...
/ قاسم المحبشي
-
الفلسفة القديمة وفلسفة العصور الوسطى ( الاقطاعية )والفلسفة ا
...
/ غازي الصوراني
-
حقوق الإنسان من سقراط إلى ماركس
/ محمد الهلالي
-
حقوق الإنسان من منظور نقدي
/ محمد الهلالي وخديجة رياضي
المزيد.....
|