|
ما العمل
محمود الفرعوني
الحوار المتمدن-العدد: 2303 - 2008 / 6 / 5 - 10:18
المحور:
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان
ما العمل يعاني المصريون منذ أكثر من نصف قرن من نظام شمولي قمعي قضى على كل الحريات وجرم العمل الحزبي بدعوى انه " لا صوت يعلو فوق صوت المعركة " ليحكم قبضته على الداخل من خلال الدولة الشمولية الابويه التي تتحكم في حياة المواطنين من المهد إلى اللحد ، بتوفير رغيف الخبز مقابل التنازل عن حريتهم وما على الرعية سوى الخضوع لسلطة الراعي ممثلاً في الحكومة المركزية . ومع هزيمة 67 فشل هذا النظام البيروقراطي في تجديد نفسه لتوفير فرص عمل للخريجين الجدد بعد أن تضخم الجهاز الإداري للدولة ووصل إلى 6مليون موظف لا عمل لهم سوى حل الكلمات المتقاطعة والمحافظة على الجمود ، مع اعتيادهم على تنفيذ الأوامر دون إبداع ، مما جعلهم غير قادرين على حل المشكلات التي شملت جميع مناحي الحياة .. ومع انتهاء جميع المسكنات لم تجد الجماهير أمامها سوى جماعات الإسلام السياسي التي تعلن أن بأيديها الحل السحري لكل مشاكل الحياة باسم الدين وعلى القطيع تسليم عقولهم لأصحاب الأيدي المتوضئة التي لا يأتيهم الباطل أبدا؟ كانت الظروف مهيأة لانتشار هذا التيار.فقد لجأت البيروقراطية للفكر الديني وزايدت على هذه الجماعات لتبرير مشروعيتها المفقودة. خاصة أن جسد الوطن مصاب بنقص المناعة الفكرية بعد أن تحول الخطاب السياسي لخطاب ديني مطلق فترسخ لدينا منظومة فكرية قبلية تخضع للمسلمات وتعادي النقد تخاف الحريات يطلق عليها علماء الاجتماع "ثقافة العار والإنكار " لها ثوابت فكرية جامدة لا يتجاوزها إلا كل مناضل يتهم بالكفر والخيانة . و استغل النظام هذه الجماعات كفزاعة يخيف بها الغرب الذي بدأ يطالب بالإصلاح بعد أن أكتوى بنار الإرهاب ( الابن الشرعي للاستبداد ). فتغلغلت هذه الجماعات التي يطلق عليها محظورة في جميع المؤسسات الشرعية وغير الشرعية حتى حصلت على 88 مقعداً في برلمان2005 في مشهد مأساوي جعلنا نقع بين نار الشمولية السياسية وجحيم الأصولية الدينية. وأصبح السؤال هو: أين أحزاب المعارضة ؟. صحيح أن هذه الأحزاب عانت طويلاً من البطش والتنكيل على أيدي زوار الفجر وولدت ولادة قيصرية من رحم لجنة شئون الأحزاب الحكومية إلا أن ذلك لا يمنعها من إنجاز مهامها في تقديم برامج سياسية بديلة تعبر عن مصالح حقيقية على أرض الواقع إلا أنها لم تفعل، وظلت تمارس الاحتجاج دون تقديم بديل.فمع أننا نعاني من الفساد المؤسسي التي تتغول فيه السلطة التنفيذية على باقي السلطات إلا أن هذه الأحزاب وهي تكشف بعض صور الفساد لم تقدم لنا سببه الحقيقي مما يصب في صالح الجماعة الأكثر تنظيماً وغوغائية. ومع أن هذه الأحزاب تطالب بالديمقراطية إلا أنها تتناقض مع ذاتها فهم يطالبون الدولة بمزيد من التدخل والبقاء على القطاع العام فهي في الحقيقة تبحث عن "المستبد العادل" في ظل الدولة الأبوية الوصية على أبنائها مع أن الآباء نادرا ما يمنحون الحرية لأبنائهم. هنا نجد الإشكالية الحقيقية فالأحزاب الشرعية وغير الشرعية وكذلك الجماهير تطالب بديمقراطية الصندوق وتخاف الحريات عكس ما حدث في الغرب حيث أن صندوق الانتخابات النزيه كان نتيجة ترسخ الحريات الفردية . والسؤال هو هل هناك أمل في التغيير؟ وجوابي هو أن أي تغيير لابد من وجود طبقة اقتصادية تدعمه فما هي الطبقة الاقتصادية صاحبة المصلحة في الحرية ؟ للإجابة على هذا السؤال علينا النظر للوضع الراهن, فطبقة الموظفين (البيروقراطية) التي استولت على الحكم بقيادة البكباشي جمال عبد الناصر) قد أفلست فتناقضت مع ذاتها هذا التناقض افرز نقيضه وهو طبقة البرجوازية التي تحاول الآن التخلص من الطبقة الأم من خلال تصفية القطاع العام والانتقال لاقتصاد السوق ولكن هذه الطبقة لا تجد من يمثلها سياسياً لان شرط وجودها مرتبط بمناخ من الحريات ؛ فلا تجد لها مكاناً سوى الارتماء في أحضان الحزب الحاكم. وفي رأيي لكي نخرج من هذا النفق المظلم لابد من وجود أحزاب ليبرالية تعبر عن هذه الطبقة وتبدع حلول حقيقية تتفق مع الواقع بعيداً عن الايدولوجيا.. أحزاب ترى بأن مشكلة البطالة لن تحل دون استثمار والاستثمار لن يأتي من السماء بل يحتاج إلى دعم خارجي وهو ما يتطلب سياسة خارجية مختلفة مثل موقفنا من حماس وحزب الله وسوريا وإيران والبشير والسعودية وكافة الحركات والأنظمة الشمولية.. أحزاب تقدس الحريات الفردية وتتجاوز الثوابت العقيمة التي صنعها الاستبداد .. تنظر للمستقبل دون التشبث بتلابيب الماضي.. أحزاب تكون أولوياتها أن مصر مجتمع مدني يحكمها دستور علماني تعاقدي وهي جزء من العالم ولا تناصب أحد العداء.. أحزاب تعلن بأن انتمائنا لمصر أولا وأن الديمقراطية لا تؤجل بحجة قضية وهمية لا تخص إلا أصحابها .. أحزاب تعلن بأن دور مصر الإقليمي هو تقديم نموذج للتعايش السلمي المنتج بين المواطنين من كافة الأديان وقيادة المنطقة للحريات مع نبذ التطرف ومحاربة الإرهاب.. أحزاب تعلن بأن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والأديان السماوية والارضيه والإبداع الإنساني هي المصادر الرئيسية للتشريع.. أحزاب تعلن صراحة فصل الدين عن الدولة وعن كافة مصادر التشريع وشعارها " الدين لربنا ومصر لينا كلنا " أعتقد أن وجود مثل هذه الأحزاب سيغير واقعنا المؤلم ويخرجنا من ثنائية التطرف والاستبداد. محمود الفرعوني وكيل مؤسسي الحزب المصري الليبرالي(تحت التأسيس)
#محمود_الفرعوني (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
-عيد الدني-.. فيروز تبلغ عامها الـ90
-
خبيرة في لغة الجسد تكشف حقيقة علاقة ترامب وماسك
-
الكوفية الفلسطينية: حكاية رمز، وتاريخ شعب
-
71 قتيلا -موالين لإيران- بقصف على تدمر السورية نُسب لإسرائيل
...
-
20 ألف كيلومتر بالدراجة يقطعها الألماني إفريتس من أجل المناخ
...
-
الدفاع الروسية تعلن تحرير بلدة جديدة في دونيتسك والقضاء على
...
-
الكرملين يعلق على تصريح البنتاغون حول تبادل الضربات النووية
...
-
روسيا.. اكتشاف جينات في فول الصويا يتم تنشيطها لتقليل خسائر
...
-
هيئة بريطانية: حادث على بعد 74 ميلا جنوب غربي عدن
-
عشرات القتلى والجرحى بينهم أطفال في قصف إسرائيلي على قطاع غز
...
المزيد.....
-
كراسات التحالف الشعبي الاشتراكي (11) التعليم بين مطرقة التسل
...
/ حزب التحالف الشعبي الاشتراكي
-
ثورات منسية.. الصورة الأخرى لتاريخ السودان
/ سيد صديق
-
تساؤلات حول فلسفة العلم و دوره في ثورة الوعي - السودان أنموذ
...
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
المثقف العضوي و الثورة
/ عبد الله ميرغني محمد أحمد
-
الناصرية فى الثورة المضادة
/ عادل العمري
-
العوامل المباشرة لهزيمة مصر في 1967
/ عادل العمري
-
المراكز التجارية، الثقافة الاستهلاكية وإعادة صياغة الفضاء ال
...
/ منى أباظة
-
لماذا لم تسقط بعد؟ مراجعة لدروس الثورة السودانية
/ مزن النّيل
-
عن أصول الوضع الراهن وآفاق الحراك الثوري في مصر
/ مجموعة النداء بالتغيير
-
قرار رفع أسعار الكهرباء في مصر ( 2 ) ابحث عن الديون وشروط ال
...
/ إلهامي الميرغني
المزيد.....
|