|
فن الكاريكاتير ومقلاع النقد الساخر
طلعت الصفدى
الحوار المتمدن-العدد: 2304 - 2008 / 6 / 6 - 09:08
المحور:
الادب والفن
فن الكاريكاتير من الفنون والرسوم الساخرة النابض بالحياة، له جماهيره العاشقة والناقدة ليس بسبب أن هذا الفن الابداعى يعكس هموم الناس، ويتلمس واقعهم بعمق ، وتفاصيل حياتهم اليومية بجرأة وشجاعة ، ويعرى زيف الطبقة الحاكمة السلطوية فقط بل لقدرته أيضا على اختراق النفس البشرية ، وتعبيره عن أعماق أعماق وعيها ، ويصرخ بأعلى صمته عبر الريشة والحركة والشكل ، ويفضح ما يتعرضون له من قهر وتعسف تطال حتى لا وعيهم المفقود. تغلغل هذا الفن بين الجماهير والمثقفين كأنهم يبحثون عن من يتنفس عنهم في حالات الضعف والوهن ، وتعمدت به وسائل الإعلام الرئيسة وفى مقدمتها الصحافة بأنواعها وأشكالها ، وفتحت نوافذها للنقد الشجاع والبناء ،وتسابقت معها صفحات المواقع الالكترونية ومنتديات الانترنت المتنوعة . نجح هذا الفن في أن يغرس أصابعه في المجتمع ، والتفكير البشرى وكل مظاهر الحياة حتى البيروقراطية والرتيبة منها ، يواجه مظاهر الفساد، والرشوة، والمصالح الأنانية الخاصة ، وتفريخات الإسلام السياسي وأدواته غير الديمقراطية، وإجراءات القمع والرعب التي تمارسه أنظمة الحكم الاستبدادية والديكتاتورية ، والأنظمة الشمولية وأجهزتها القمعية والمخابراتية .
لقد لعب فن الكاريكاتير دورا هاما بعد النكبة الفلسطينية والتشرد عام 1948 ، وتعزز دوره مع احتدام الصراع ضد الامبريالية البريطانية والحركة الصهيونية والرجعية العربية ،معبرا بصراحة عن حالة الإحباط التي انتابت الجماهير العربية جراء الهزائم السياسية والعسكرية المتتالية التي لحقت بالجيوش العربية ، وفقدان الثقة بالأنظمة العربية وقياداتها المسئولة عن تردى الأوضاع السياسة والاجتماعية في المجتمعات العربية ، وعجزها عن الخروج من أزماتها الطاحنة ، وفقدانها لسلطة العقل والتنوير وبرامج التنمية المستدامة .
انخرط الفنانون الفلسطينيون مع الفنانين العرب في معركة التحرر الوطني والاجتماعي والديمقراطي ، فكان فن الكاريكاتير سلاحا فكريا وتحريضيا وتعبويا للجماهير ، وفي مقدمة الأسلحة الثقافية والتحريضية ضد الواقع الماساوى الذي يعيشه الشعب الفلسطيني ، وشاركوا بلوحاتهم الساخرة في ميادين المعارك المختلفة ، خصوصا في معركة التصدي للمشروع الصهيوني في فلسطين والمنطقة العربية ، ولم يغفلوا في هذا الصراع دفاعهم عن مصالح الجماهير الشعبية وكل المسحوقين وفى مقدمتهم المرأة والعمال والمزارعين والطلاب وشملت إبداعاتهم كل مناحي الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والديمقراطية والإنسانية ، ولم تلهيهم القضية الوطنية والسياسية عن نضالهم الاجتماعي والديمقراطي والثقافي فكانت إبداعاتهم ورسومهم الكاريكاتيرية تتناول وتتصدى لكل المظاهر السلبية السائدة في المجتمع ، والحياة اليومية للمواطن العادي ، وقضايا البطالة وارتفاع الأسعار والتعديات على المواطنين، ... الخ ، ودافعوا بصلابة عن منظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها الهوية والكيانية للشعب الفلسطيني ، وعن التراث الفلسطيني والحضاري ، وسيادة القانون ، واحترام النظام السياسي الفلسطيني ومؤسساته الشرعية ، ورفضوا محاولات تكميم الأفواه ، والاعتداء على الحرية الشخصية للمواطنين ،وحقوق المرأة والأطفال ، وحرية التعبير والرأي والصحافة ، كما رفضوا تسييس الجامعات والمساجد ،وركزوا على إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية ,وتوحيد الجبهة الداخلية ورص الصفوف ، وتحييد أجهزة الأمن الفلسطيني عن التجاذبات الفصائلية والفئوية . إن رسامي الكاريكاتير في العالم العربي شغلوا الناس والمثقفين في الآونة الأخيرة عبر سهامهم الإبداعية الحية التي صوبوها إلى السياسات المنحازة للعولمة المتوحشة والامبريالية الأمريكية وإسرائيل ،وكل مساوئ النظام الرأسمالي ، والقوى الخانعة والرجعية في العالم العربي ، وتراجع القوى السياسية القومية والديمقراطية ، وعجزها عن إحداث عملية تغيير حقيقية في المجتمع العربي .
انحاز هؤلاء الرسامون بأقلامهم وأوراقهم وريشتهم إلى شعوبهم فكانت أسلحة مقاومة ، تحولت رسوماتهم إلى قذائف مدوية تفضح الممارسات اللاانسانية لأنظمة الحكم الاستبدادية وعكست لوحاتهم المرارة والضياع وفقدان الثقة بهذه الأنظمة التي لم تأت عبر انتخابات ديمقراطية ، وفشلت حتى الآن في تقديم نموذجا حضاريا وديمقراطيا .
إن من أبرز رسامي الكاريكاتير الفنان الشهيد ناجى العلى الذي اغتيل بالرصاص في آب أغسطس عام 1987 في لندن هذا الفنان الذي انتقد الثورة الفلسطينية بجرأة وبشجاعة بقوله " في الوقت الذي فيه الإعلام العربي الرسمي وغير الرسمي يطبل ويزمر للثورة الفلسطينية كنت أنا اليتيم الذي ينتقد الثورة ليس تطاولا أو وقاحة ، بل خوفا وقلقا عليها " ، وكانت الثورة عند ناجى العلى " أخلاق وذوق ومثل ، والعروبة أخوة حقيقية ، ولهذا بالضبط لم ينخدع ناجى بالشعارات . ناجى العلى الذي عبر عن الفقراء عبر طفله ( حنظله الشقي ) لم يكن محايدا بل نصيرا للفقراء والكادحين والمعذبين في الأرض ومعبرا ليس عن الضمير الفلسطيني فحسب بل عن الضمير العربي والانسانى فكان عالميا بجدارة انه صاحب شعار " لا لكاتم الصوت " .
إن فنان الكاريكاتير هو إنسان صاحب موقف وقضية ، قريب إلى قلب الجماهير يعبر عن آمالها وطموحاتها وما يفرحها، وما يحزنها فهذه الفنانة الفلسطينية أمية جحا زوجة شهيد الأقصى ( صحيفة الحياة الجديدة ) المبدعة والمتفجرة في وجه الظلم القومي والاعتداءات الصهيونية المتكررة على شعبنا تفضح أفعاله الإرهابية ، وفى نفس الوقت تتفاعل ريشتها ضد الظلم الاجتماعي والفلتان الأمني والاخلاقى وخطورة الصراع الداخلي ، والفنان بهاء البخاري ( صحيفة الأيام ) يعبر بريشته عن الهم الوطني والاجتماعي ، يتناول بريشته الكاريكاتيرية كافة القضايا دون خوف ولا وجل ، ويمتلك الجرأة والشجاعة في طرح ما يهم المواطنين ، ولم ترهبه الإجراءات التي اتخذت بحقه وكان نتيجتها منع وصول صحيفة الأيام إلى غزة قرابة الشهرين .
وهاهو الفنان المبدع المهندس ماجد بدرة يلتحق بصفوف رسامي الكاريكاتير يجسد بلوحاته الفنية وبريشته وخطوطه التزامه بقضايا شعبه ووطنه ، متمسكا بالأرض والهوية الوطنية ، يفضح ممارسات الاحتلال وإجراءاته الإرهابية ، والحصار وإغلاق المعبر... الخ يسلط الضوء على الجبهة الداخلية ، ومظاهر الضعف في المجتمع الفلسطيني التي تعيق تحقيق أهدافه الوطنية والاجتماعية والديمقراطية ، يتناول بريشته الواقع الماساوى الذي يعيشه شعبنا من انتهاكات لحقوق الإنسان الفلسطيني نتيجة الانقلاب على الوطن ، والصراع على السلطة ، وتشكل ريشته ورسوماته أداة تعبئة وتحريض ضد الظلم والقهر القومي والطبقي .
وإذا كان الفكر هو انعكاس للواقع والحياة ، فان الفن الابداعى بكافة أشكاله هو انعكاس للواقع المتغير والعاصف ، يفرض نفسه على وعى وتفكير المبدعين ، ولا يمكن أن يكون فنا إبداعيا وإنسانيا إذا جافى الواقع أو تجاهل حركته وتناقضاته وإذا لم يعكسه بصدق وأمانة . إن الكاميرا وآلة التصوير الفوتوغرافية تصور الواقع في حالة السكون النسبي دون إحساس وإبداع فاقدة للحركة والصراع مع أن الواقع متغير متحرك متبدل ، والفن المبدع يعمل على تغيير الواقع فليس المهم أن نفسر العالم بل الأهم أن نعمل على تغييره لخدمة الإنسان كما قال المبدع والعبقري كارل ماركس.
طلعت الصفدى غزة – فلسطين [email protected]
#طلعت_الصفدى (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
هل يمكن الاستفادة من التجربة اللبنانية ، وإنهاء حالة الانقسا
...
-
غزة والحصار والخديعة الكبرى
-
كلمة هيئة العمل الوطني
-
رسالة عاجلة إلى قادة حماس...!!!
-
السابع عشر من نيسان(ابريل) يوم الأسير الفلسطينى!!
-
أحذروا المخطط الصهيوني لإلقاء غزة على كاهل مصر الشقيقة!!!
-
نتاج الاحتلال الاسرائيلى ، والانقلاب على الوطن!!!
-
معركة الأرض .. معركة الشعب يوم الأرض 30 مارس ( آذار ) 1976
-
شدوا الهمة.. وارفعوا راية الوطن والحزب..4/4
-
بين التهدئة والتصعيد
-
شدوا الهمة.. وارفعوا راية الوطن والحزب .. 3/4
-
شدوا الهمة... وارفعوا راية الوطن والحزب 2/4
-
شدوا الهمة .. وارفعوا راية الوطن والحزب ...!!! 1/4
-
عشية انعقاد المؤتمر العام الرابع لحزب الشعب الفلسطيني أي حزب
...
-
رسالة الخداع والزيف الأمريكية/ رد على رد فريق التواصل الالكت
...
-
لماذا رحلت أيها الرفيق د.جورج حبش دون موعد ؟؟
-
معبر رفح بين الكسب الموهوم... والخسارة الإستراتيجية!!!
-
ارفعوا أيديكم عن الكاتب التقدمي عمر حلمي الغول.......!!!
-
بلعين .... والكفاح الجماهيري
-
عن أي ديمقراطية تتحدثون...؟؟؟
المزيد.....
-
-البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
-
مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
-
أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش
...
-
الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة
...
-
المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
-
بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
-
من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي
...
-
مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب
...
-
بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
-
تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|