|
فيروز و أم كلثوم
صلاح الدين محسن
كاتب مصري - كندي
(Salah El Din Mohssein)
الحوار المتمدن-العدد: 2301 - 2008 / 6 / 3 - 08:20
المحور:
الادب والفن
نستأذنكم في قليل عن الغناء . عله يخفف من مرارة الحوادث والأحداث في أفواهنا ويهديء من آلامها في قلوبنا .
هذا المقال جاء قبل ميعاده اذ كنت قد فكرت في الكتابة عن هذا الموضوع . ولكنني ارجأت ذلك . والذي دعاني الآن للكتابة الآن هو ما قرأته لكاتبين – لبناني ومصري - احدهما يعتب علي الآخر . أن عقد تلك المقارنة . وابدي اسفه لما ربما اعتبره انحيازا لصالح ام كلثوم ..
الكاتبان هما الشاعر الكبير " أحمد عبد المعطي حجازي " – وهو المعتوب عليه - . الذي أجري المقرنة في مقال له . والكاتب المعاتب هو الأستاذ " جوزيف بشارة " - من الواضح أنه لبناني - الذي نشر مقاله في كل من الحوار المتمدن وايلاف . في وقت واحد . بتاريخ 31-5-2008 . وقد جاء في مقاله : (( لذا أُصِبْتَ بالصدمة حين قرأت مقالاً ينتقص من السيدة فيروز نشرته جريدة الأهرام المصرية لشخصية مثقفة واعية وكبيرة بحجم الشاعر أحمد عبد المعطي حجازي الذي أحرص بصفة منتظمة على متابعة أعماله الشعرية وإسهاماته الثقافية. قال حجازي في مقاله بتاريخ الأربعاء 28 مايو 2008، .. الي ان يقول الكاتب الاستاذ بشارة : " لم أصدق في بداية الأمر أن قلم الشاعر عبد المعظي حجازي سقط أمام إغراءات عقد مقارنة بين الصوتين، بعدما انتقد هو نفسه في مقاله من أسماهم "أنصاف المواهب" .... الخ . ))
رغم اختلاف الفواكه التي نحبها ، والتسليم بأن كل فاكهة لها طعم ومذاق مختلف . ولا تغني أحداهما في حبنا لها عن حبنا للأخري . الا أننا يجب الا ننكر اننا كثيرا مانعقد تلك المقارنات ولو بيننا وبين أنفسنا . واحيانا بيننا وبين الآخرين ..
ولا أنكر أنني عقدت اكثر من مرة مقارنة بيني وبين نفسي. بين مطربتين كبيرتين نحبهما معا . وهما أم كلثوم وفيروز ..
في رأيي كمستمع ومتذوق محب للغناء والموسيقي - ليس كناقد أو متخصص- .
ان " أم كلثوم " هي مثل الهرم الاكبر وفيروز مثل شجرة أرز ..
ام كلثوم . كمطربة . تحمل في صوتها وشخصيتها وأغانيها قوة وعظمة وشموخ ورسوخ الهرم .
وفيروز تحمل سمو وروعة شجرة الارز وجمالها المتألق .
والهرم عمره 4500 سنة ..
وشجرة الارز تعمر حتي 3000 سنة
والهرم لو حدث زلزال أو بركان لاقدر الله فربما هدمه – بعد كل الآلاف التي مرت عليه وتحدي فيها الزمن ! ولو حدث – لا قدر الله – فلن يمكن اعادة بنائه . ولو بني فلن يكون هو الهرم ..
اما أشجار الارز . ففي الغالب سوف تبقي أشجار الأرز رغم كل الظروف وستروح أشجار وتأتي أشجار ارز جديدة وتعيش 3000 سنة !
والهرم معجزة .. من معجزت العالم والدهر . مثل حدائق بابل المعلقة – التي رغم زوالها الا أنها لا زالت مسجلة في تاريخ الآثار الانسانية . مجرد تسجيل الا أنها ستظل مسجلة بالتاريخ كأعجوبة .
أما شجرة الأرز فليست معجزة . ولكنها ستبقي حية علي الطبيعة – مالم تنقرض - لا قدر الله لو حدث خلل ما أو تلوث في البيئة . حينها ستدخل سجلات التاريخ الطبيعي للنباتات المنقرضة . لا المعجزات -..
وأم كلثوم . لو أنني لا اعرف اللغة العربية واسمعوني بعض اغاني أم كلثوم هي وفيروز وسالوني ايتها تحب سماعها بعد ذلك أكثر ؟
فسوف أقول : فيروز .. لأن أغاني فيروز وألحانها وموسيقي أغانيها تعبر حدود الأذن والذوق السامع للعربية والنغمة الشرقية ..
أما أم كلثوم فصوتها أكثر التصاقا باللغة العربية . والموسيقي الشرقية .
ولكن تاريخ الغناء بالعربية في المنطقة الناطقة بالعربية – من الرباط لبغداد – سوف يسجل اسم ام كلثوم دائما باعتبارها معجزة غنائية بالتاكيد . باعتبارها المطربة التي قد لا تاتي مطربة بعدها تقف علي المسرح لتغني اغنية واحدة مدتها ربما ساعتين متواصلتين . وهي بالتأكيد صاحبة أقوي صوت . وكانت في احلك الظروف السياسية والشقاق واختلاف الساسة بين كل تلك الدول الناطقة بالعربية. أم كلثوم هي الشيء الوحيد الذي يجمع الكل علي حبه ولا خلاف حوله . – اختلفوا حول احمد شوقي وامارته للشعر والشعراء . واختلفوا حول عبد الناصر وزعامته لللدول المعوربة . اما أم كلثوم فلم يختلف اثنان علي كونها سيدة الغناء . وكوكب الشرق . لم يحدث خلاف حولها البتة بل اجماع - .
وهي المطربة الوحيدة التي غنت بالفصحي لشعراء من مصر و الباكستان ومن السودان لايران مرورا بسوريا ولبنان ! والتي غنت لمجموعة من عمالقة الشعراء – شوقي وحافظ ورامي وابراهيم ناجي وعمر الخيام وأبو فراس الحمداني – هؤلاء من نتذكرهم الآن - .
وهي المطربة الوحيدة التي كان الملوك والرؤساء يسافرون بالطائرة لحضور حفلها الشهري .
ليس وحسب الملوك والأمراء والرؤساء هم الذين يعشقون الاستماع لأم كلثوم . بل الخفراء والفقراء والوزراء . كانت مطربة كل الناطقين بالعربية .
في النصف الثاني من الخمسينيات بالقرن الماضي . كنت طفلا صغيرا أعيش مع اسرتي بقرية صغيرة 100 كم شمال القاهرة . ونسبة التعليم بها متدنية للغاية . ولكنني لاحظت أن رجال القرية – أغلبهم أميون – يتحولقون حول المذياع – كان قبل ظهور التليفزيون في مصر – في كل ليلة حفل أم كلثوم للاستماع اليها !
ورأيت من الناس من هو مزارع اجير حافي القدمين لا يعرف القراءة والكتابة . ويحفظ عن ظهر قلب قصائد الشعر ( قصائد ! ) التي تغنيها " أم كلثوم " بالعربية الفصحي ..! ويترنم بها في ذهابه وايابه للحقل فوق حماره ساحبا جاموسته خلفه .
في نهايات الستينيات من القرن الماضي – حسبما اتذكر . اقامت أم كلثوم حفلا في بيروت بلبنان . وهاجت الصحف اللبنانية عقب عودتها لمصر . قائلة : " ان أجر أم كلثوم عن حفلتها " زاد عن ثمن كل صادرات لبنان لمصر من التفاح . طوال عام !
واتذكر أن هناك من رد علي ذلك باحدي الصحف المصرية قائلا : الفن اغلي من التفاح .
لو افترضنا اختفاء اللغة العربية ضمن اللغات المتوقع اختفاؤها – حسبما يقدر علماء اللغات والمراقبين بفعل العولمة التي تجري بحكم طبيعة التطور. دون أن نخرج عن موضوعنا لموضوع آخر – لو اختفت اللغة العربية . ففي راينا أن أجيالا قادمة لا تفهم العربية في منطقتنا ممن سيأتون بعدنا سوف تستمع لفيروز لا لأم كلثوم .. فكما قلنا صوت أم كلثوم أكثر ارتباطا باللغة العربية واستمرار تواجده مرهون لحد كبير جدا باستمرار اللغة العربية ..
ولكن بعد زمن أطول وقدوم أجيال أخري و تغير الاذواق وبطبيعة الحال .. سوف يختفي صوت فيروز أيضا .. من الواقع . من كان يتصور ان منيرة المهدية – سلطانة الطرب – التي كان مجلس الوزراء المصري يجتمع في بيتها .. سوف تأتي أسطورة غنائية اكبر – أم كلثوم - لتطوي صفحة مجدها ؟!
ولكن في تاريخ الغناء – كتاريخ – سوف يكون اسم أم كلثوم هو الأخلد تاريخيا باعتبارها معجزة من المعجزات . مثل حدائق بابل المعلقة احدي معجزات الدنيا . كما سبق وقلنا .. التي عندما زرتها بالعراق . لم أجد سوي بقابا أشبه بحجر الأساس هو ما تبقي منها . يعني انتهت في الواقع . ولكنها لم ولن تنتهي من سجل ولا من فم التاريخ لانها معجزة . والمعجزات تبقي سيرها حية في فم التاريخ وفي سجلاته . وفي الفن هكذا ستكون " أم كلثوم " .
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=136372
http://www.elaph.com/ElaphWeb/AsdaElaph/2008/5/335073.htm
#صلاح_الدين_محسن (هاشتاغ)
Salah_El_Din_Mohssein#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
في ظلال تطبيق الشريعة الاسلامية
-
نوادر بوكاسا ( مسرحية ) الحلقة 7
-
بل العرب والعروبة تمييز ضد كل الجنسيات الأخري
-
الناس والحرية - 7
-
هل الدين لعبة ؟
-
اغتصاب اسلامي لأطفال العراق
-
الحروب أنواع وأخطرها محاربة البيئة
-
ستون عاما شجار ومرار . فلسطين / اسرائيل . والارض لمن ؟
-
من المغرب لسلطنة عمان مرورا بالمخروسة!
-
حرس السد العالي . وحرس رئيس الجمهورية
-
60 عاما من الصداع / العبري العربي 2/2
-
الي السياسيين المغاربة
-
60 عاما من الصداع / العبري العربي 1/2
-
مسمار مبارك / هل الدين لعبة ؟!
-
بحيرة البيكال
-
مسمار السادات / هل الدين لعبة ؟
-
مسمار صدام / هل الدين لعبة ؟
-
طرائف ليبرالية وفكاهات علمانية!
-
المتواطئون ينكشفون فيهيجون!
-
دعوة للحوار بقناة الجزيرة
المزيد.....
-
الشيخ أمين إبرو: هرر مركز تاريخي للعلم وتعايش الأديان في إثي
...
-
رحيل عالمة روسية أمضت 30 عاما في دراسة المخطوطات العلمية الع
...
-
فيلم -الهواء- للمخرج أليكسي غيرمان يظفر بجائزة -النسر الذهبي
...
-
من المسرح للهجمات المسلحة ضد الإسرائيليين، من هو زكريا الزبي
...
-
اصدارات مركز مندلي لعام 2025م
-
مصر.. قرار عاجل من النيابة ضد نجل فنان شهير تسبب بمقتل شخص و
...
-
إنطلاق مهرجان فجر السينمائي بنسخته الـ43 + فيديو
-
مصر.. انتحار موظف في دار الأوبرا ورسالة غامضة عن -ظالمه- تثي
...
-
تمشريط تقليد معزز للتكافل يحافظ عليه الشباب في القرى الجزائر
...
-
تعقيدات الملكية الفكرية.. وريثا -تانتان- يحتجان على إتاحتها
...
المزيد.....
-
مختارات من الشعر العربي المعاصر كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
نظرات نقدية في تجربة السيد حافظ الإبداعية 111
/ مصطفى رمضاني
-
جحيم المعتقلات في العراق كتاب كامل
/ كاظم حسن سعيد
-
رضاب سام
/ سجاد حسن عواد
-
اللغة الشعرية في رواية كابتشينو ل السيد حافظ - 110
/ وردة عطابي - إشراق عماري
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
المزيد.....
|