ممدوح رزق
الحوار المتمدن-العدد: 2301 - 2008 / 6 / 3 - 08:19
المحور:
الادب والفن
يكفي أن يعود واحد من ( إيطاليا )
لا تعرفه ولا يعرفك
ومعه بضعة ملايين
جمعها خلال السنوات التي أعقبت نجاته
من قارب الهجرة غير الشرعية
حتى يأتي بلدوزر كبير إلى الشارع ليلا
ويهدم دكان عم ( علي )
لأن برجا سكنيا يحتاج للتقرّب أكثر إلى السماء
من هذا المكان تحديدا
وفي هذا الوقت بالذات
حفاظا على الصحة الإنجابية لـ ( اليورو ) ...
عم ( علي ) ربما لا يعرف ماذا حدث في الدنيا بعد 1989
لأنه منذ ذلك الوقت يرقد في مقبرته الريفية
التي لم يعد يزورها أحد
والتي لم يكن سيعيده إلى الحياة بالطبع
كثرة زوارها ...
ربما آخر ما يتذكره أنه كان نجارا عجوزا
يسهر في الدكان مع أصحابه كل ليلة
لتدخين ( المعسّل ) وسماع ( أم كلثوم ) والتحدث في الحياة
ربما لا يعرف عم ( علي ) أن دكانه ظل مغلقا بعد موته لسنوات طويلة
كأن الروح التي تركت جسده ظلت واقفة هناك
عند البابين الخشبيين الموصدين بقفل حديدي
كي تحرس الدكان من كل شيء
وتراقب العابرين الذين يحملهم الزمن
ولأنها ظلت لاتفهم شيئا
حتى أصبحت عاجزة عن التصديق
اضطرت أخيرا لأن تترك مكانها
كي يؤدي البلدوزر مهمته الاستثمارية
التي ستنتهي بحصول أطباق الفضائيات
على مكان واسع جديد
يساعدها على توطيد الصلة بين العالم ومجموعة من البشر
البشر الذين سيكون لهم أطفال
حينما سيقف أي طفل منهم في نافذته
لن يشم رائحة خشب أو دخان ( معسّل )
ولن يسمع صوت شاكوش أو منشّار أو كلام أو سعال أو ضحكات
أو ( ابتديت دلوقت بس .. أحب عمري .. ابتديت دلوقت أخاف لا العمر يجري )
ولن يشاهد ( عم علي )
سيشم روائحا أخرى
وسيسمع أصواتا أخرى
وسيشاهد أشخاصا آخرين
لن يخطر في باله وقتها أبدا
أن لديهم أرواح تستعد لترك أجسادهم
ولعدم الفهم والعجز عن التصديق
بينما تحرس الذكريات وتراقب العابرين
حتى يأتي البلدوزر المعتاد
فتضطر لترك مكانها
وتذهب حيث يمكنها أن تبكي دون أن يلحظ أحد
بينما تراقب كيف يكبر الأطفال بمنتهى السهولة
كلما وقفوا في نوافذهم أكثر
* * *
http://mamdouhrizk.blogspot.com/
#ممدوح_رزق (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟