صباح محسن مناتي
الحوار المتمدن-العدد: 2305 - 2008 / 6 / 7 - 10:08
المحور:
الادب والفن
ثبت ان الصراع بين المثقف والسياسي في جوهره هو صراع كينونة همها الأول والأخير انتاج معادلات اكثر حداثة للحياة ولشكل الدولة والحكم وبناء المؤسسات منذ ان ظهرت الحضارات في طروحاتها لانشاء ديمومتها، وحتى لا تتشكل من فراغ وعلى أساس من التكوين السليم أنتجت طبيعة شكل الدولة والحكم اسباب بقائها الشكلي ولو لحين، ومنذ ذلك التأسيس الاول بدت واضحة متطلبات ظهور من يركن اليهم تثبيت الشأن العام لبناء مؤسسات الدولة ولو بطرق لغوية همها الأول والأخير وضع حجر الاساس لمثبوتات تشريعية وقانونية لتأكيد مدنية وتحضر الذين دفعوا بالأمر الى الواجهة، مما شكل اثراً ذا طابع مركب عن الابعاد الفلسفية والاسطورية لعقلنة طروحات الحكم وهو يواجه تحديات من نوع جديد بعد ان كانت المواجهة يحسمها العنف البدائي والشكل التقليدي لمعالجة سطوة الآخر الذي لا يعرف وهو يزحف لالغاء الآخر أي فهم في الجوانب العسكرية والسوقية، وظل الامر هكذا طويلاً الى أن بدأ البحث من له القدرة على استجلاء الامور والبحث في بواطنها لانتاج ما يشبه الاطار العام للدولة والذي لا يخلو من تسلل الشوائب والمأخذ اليه...
إن المواجهة الأكثر وضوحاً في شأن المثقف والسياسي تحكمها دائماً المرجعيات التي اختلف على ولوجها كل منهما، وذهب احدهما الى اسقاط الآخر بطرق ووسائل كانت تشيع الى اتساع الهوة والفصل بينهما ومنذ أن قدمت الفلسفة اليونانية القديمة نتاجاتها الفكرية وانتجت من خلال ذلك اشكالاً وطروحات هتكت من خلالها اشعار السياسي بضآلته ودفعه الى ابتكار وسائل اكثر مراوغة للاطاحة بما جاء به من اشارات وعلامات لا تصب في مصلحته وفهمه. مما دفع بالأمور الى استيعاب احدهما الآخر ولو لفترة وجيزة، إن ركون المفكر المثقف الى الانتباه لأبسط التفاصيل بحركة الاشياء من مستواها التاريخي والطبيعي سدّ الطرق بوجه السياسي تاركاً اياه يبحث عن سبيل اكثر ايذاء واكثر براعة بالتشفي مثل وضع عراقيل وموانع لتكون عائقاً مثمراً لاطفاء جذوة المثقف المفكر وانهاء طموحاته. وظل الأمر طويلاً هكذا ومنذ البدايات، ولأن المثقف يحاول ايجاد وسائل اكثر احاطة بما يفكر به السياسي ذهب الى الاسطورة وفند ما جاءت به واعتبر ذلك ذاكرة هشة بالاعتقاد، ودخل على الميثولوجيا واكتشف أن الأغلب والأعم بما قدمته كان صنيعة أقل رسوخاً في عقل رجالات الحكم والدولة، واصبح لزاماً عليه أن يميط اللثام عن مروجيها ووضع فاصل بين ما يفيد السياسي وما يخدم مصلحته وعزل ذلك عن كل ما كان المجتمع يؤمن به من أكاذيب وفضح تلك الاعراف والممارسات التي عاش السياسي كثيراً على دمجها بوسائط اكثر اضطهاداً في سلّم الدولة وعقلية الحكم. لذلك كان دور المثقف الواضح في فضح طموحات السياسي قد وضع له أسواراً كبيرة وبعيدة جداً لهدم ما كان يقدمه من اختراقات لم يعتد السياسي وهو الذي ظنّ دائماً بأنه المثقف الفاعل الذي يدور في فلكه وظل يتصور دائماً بأنه تابع لما يريده من برامج وأساليب تصب دائماً الى تكتيف المثقف ووضعه في قفص المتمكن منه أبداً.
إنّ ما يعيق عمل المثقف هو تشكيك السياسي به. والزامه دائماً بأن يعمل تحت طائلته. والاسباب التي أدت الى الفصل بين ما هو ثقافي بتشخيص ووضع النقاط على العلل وبين ما يقدمه السياسي من ردم تلك العلل، انسحب ايضاً لمتابعة كل منهما على طرق وطروحات قد يأتي بعضها للقضاء على كل منها للآخر، واصبح ضرورياًأن يذهب كل منهما الى مصادر قد تعيق عمل كل منهما أيضاً، فما كان من السياسي الا أن يفتح الباب للميتافيزيقي ليعقر من خلاله التشكيك الذي أنتجه المثقف بالنظر الى الأشياء المحيطة والمكون اللحاق لأساس وجود الأشياء بتهذيب عالٍ من اللغة والمرجعيات، ليشكل علامة ودلالات حديثة لفك الارتباط بين ما هو اسطوري وما هو تاريخي وحدد أصول اللعبة التي أسست التصاق السياسي بها من حيث يعلم أو لا يعلم، انّ نفور المثقف من كل ما هو سياسي ليس سببه عدم معرفة السياسي بادارة أصول الحكم والنزوع الى ما هو أهم بل لأن السياسي طوع الأمر له ليكون اكثر قسوة واستبداداً ليهلك جميع من يقف في بابه للتغيير، وهذا الأمر دفع المثقف للوقوف على أبواب جديدة للصراع والبحث عن مكامن نشوء تلك المعضلة ومحاولة ايقاف تأثيرها على الناس، ومنذ ذلك الحين الى هذا اليوم ظل الشكل العام للصراع يتخبط من ناحية الفهم والمرجعيات بين من يريد اعادة النظر في هذه العلاقة الشائكة ويضع اصبع الاتهام على احدهما. ان ولوج السياسي لأبواب اكثر ايواءً لما يريد وقربه من طروحات الميثولوجيا وغموضها احياناً جعل له سبباً لتطويق المثقف والايغال في عزله وصار من خلال ذلك لزاماً على المثقف أن يواجه اكثر من سؤال ولأنه عنيد ومكتشف ويؤمن بالابتكار والتجديد ذهب باتجاه التحليل والتفكيك لمظاهر ونمو الاشياء بطبيعتها وببعدها التاريخي، وظن ممثلو ومعتقدو الميثولوجيا بأنهم هدف اضافي للمثقف مما جعلهم يعيدون النظر بموقفهم من السياسي واللحاق في ركبه مما زاد في عزلة المثقف ودفعه الى البحث عن عناصر اكثر بعداً وتعقيداً ليفك عن نفسه فكرة حصارهم عليه.
ان الصراع القائم منذ الأزل بين ما هو سياسي وبين ماهو ثقافي أخذ بالامور الى منزلقات انعكست على الايديولوجيا والتراث والدين الى فترات قريبة من التاريخ الحديث.
أضف الى هذا ان الشعوب ظلت وباستمرار ترى بالسياسي محط شك وريبة وتنظر الى المثقف بشيء من الصدق ولو بحذر..
#صباح_محسن_مناتي (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟