|
دولة واحدة ... شعارات مُبهرة ... ورقص في الظلام
رشيد قويدر
الحوار المتمدن-العدد: 2299 - 2008 / 6 / 1 - 07:56
المحور:
القضية الفلسطينية
تعرضت مقالة قيس عبد الكريم (أبو ليلى) المعنونة بـ "الدولة المستقلة" الممر لفلسطين ديمقراطية موحدة" إلى تشويه نأمل ألا يكون متعمداًً، وذلك من قبل إحدى وكالات الأنباء ـ لا داعي لذكر اسمها ـ، رغم أنها لعبة ملتبسة، "افتراض"، تشويه طال عنوانها الذي أوردته: "الجبهة الديمقراطية تنتقد العودة للحديث عن حل الدولة الواحدة بديلاً عن حل الدولتين"، ثم جرى تحويلها إلى تصريح، فأبو ليلى عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية، والنائب في المجلس التشريعي. يضاعف العنوان المستخلص للمقالة التي تحولت إلى تصريح، "افتراض" محرر وكالة الأنباء، بأنها "تصريح صحفي مكتوب"؛ من التباس الهدف النهائي المتمثل بالدولة الفلسطينية العلمانية الديمقراطية أو "الدولة الموحدة"، كما يجري التعبير عنها، دون أن يتناول مضمون المقالة والمتمثل بعنوانها "الدولة المستقلة الممر لفلسطين ديمقراطية موحدة"، وانطلاقاً من عدم واقعية (الدولة الموحدة) راهناً، هذا الهدف التاريخي النهائي، وفي ظل موازين القوى والصراع، نموذجه الحالة الفلسطينية في مناطق 1948، لا فقط احتلال عام 1967، حيث يشاهد العالم سياسة التمييز العنصري، ومنها مصادرة مخصصات البطالة، من الطبقة العاملة العربية، وعمليات مصادرة ما تبقى من أرضهم (17% عام 1948 إلى 4% فقط الآن)، التي ما زالت تجري وبشكلٍ منهجي في إرهاب الدولة الصهيونية. وعلى قدم وساق في صراع كفاحي قَلَّ نظيره في التاريخ بالتمسك والإصرار على الحقوق، فضلاً عما هو مرسوم صهيونياً من تدهور منهجي في مستوى التعليم، والتمييز في العمل، وهجمات متواصلة على هويتهم الوطنية. ويرى أبو ليلى في مقالته أن "الدولة المستقلة"؛ هي الممر نحو فلسطين ديمقراطية واحدة، فهي الحلقة الجوهرية التي تفتح مباشرةً على معادلات جديدة في الصراع نحو الهدف النهائي، فالكيان الصهيوني ليس أكثر من رأس رمح في المشروع الإمبريالي الذي ابتدأ بريطانياً وفرنسياً، وامتداداً راهناً أمريكياً، والوجود والهدف للكيان الصهيوني كان وما يزال يُرسم له؛ أن يبقى من أجل هذا المشروع الإمبريالي، بل وسلسلة مشاريعه في الشرق الأوسط الكبير. نعيد التأكيد على هذه الحقائق البديهية، من أجل تبيان تشابكات وحجم الصراع، فهو ليس كأي نظام استيطاني عنصري في هذا العالم. وعليه؛ إن تحقيق الهدف النهائي يتطلب بالضرورة تحولاً كاملاً في العلاقات "الإسرائيلية" الدولية الخدمية الوظيفية والاقتصادية ـ الاجتماعية، وليس عمليات "تجميل" طفيفة شكلية وهامشية، بل بالجوهر بما يلغي التعبيرات الصهيونية في وضع الكيان القائم. ويتطلب هذا الأمر برنامجاً عملياً للتغيير، يبرز عموده الفقري في البرنامج المرحلي الذي طرحته الجبهة الديمقراطية عام 1973، ثم أصبح البرنامج النضالي الوطني المرحلي للشعب الفلسطيني، والذي تلخص أهدافه مقالة أبو ليلى بهدفين "أولهما: إزالة الاحتلال الإسرائيلي للأراضي التي استولت عليها "إسرائيل" بعدوان 1967. وثانيهما: صون حق العودة للاجئين الفلسطينيين بإحياء الإجماع الدولي على القرار 194، واستطراداً كان البرنامج المرحلي ينطوي على دعوة المجتمع الدولي للاعتراف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بحرية على أرضه، بما يعني إقامة دولته المستقلة على أراضي 1967". يتمثل ذلك في تجسيد البرنامج العملي للتغيير في الموازين القائمة نحو هذا الهدف ـ الدولة الموحدة ـ. وهذا وحده، طالما أن التعريف العلمي السالف للكيان الصهيوني ربطاً بأهداف الإمبريالية في المنطقة، لن يتحقق إلا بإرادة ووحدة الشغيلة على هذا البرنامج في سياق سقف البناء الديمقراطي، وهذه المحصلة غير متوفرة الآن، وليست مضمونة، ولا تشير أبداً لها المعطيات على المديات الزمنية المرئية بالأفق العملي المباشر القريب أو المتوسط، دون تحقيق الهدف المرحلي، أي انكفاء المشروع الصهيوني عن وظيفته الخدمية الإمبريالية والتوسعية في المنطقة. والجوهر هو أن "إسرائيل" هي من الأنظمة الاستيطانية العنصرية التي سعى الغرب الإمبريالي لفرضها على فلسطين والمنطقة، وهي نتاج لذلك المرسى العميق لما نسبه ونسجه الغرب من أكاذيب "أرض بلا شعب" و "الحق الطبيعي في التملك" وعموم الافتراءات التي أسقطها الكفاح والتضحيات الفلسطينية، التي قلَّ نظيرها في التاريخ. فالعنصرية هي في أعتى صورها التي تجسدها الصهيونية، وهي أيضاً ترتبط مصيرياً بوحدانية التطور الرأسمالي الراهن، ومن إدماج "إسرائيل" في شبكة خدمات الرأسمالية الدولية ـ الإمبريالية في المنطقة، مفارقة شعاراتها ومُثلها العليا "الديمقراطية، المساواة، الحرية" فهي مفاهيم معادية للعنصرية الصهيونية، وتملك سمات وثيقة الارتباط ببعضها، لتشمل كافة نواحي الحياة في أي مجتمع. فالمساواة تعني العدالة الاجتماعية، وهي هدف من أهداف الاشتراكية، يعني أولاً إزالة الفوارق الفاحشة في الدخل والثروة والفرص المتاحة، بينما العنصرية الصهيونية والأبارتيد، هي نتاج الرأسمالية المسؤولة عن تقييد تفرد الإنسان، بما تسببه من عدم مساواة وتهميش وتسليع للبشر، واضطهاد عرقي وطبقي. إن نفي المفارقة الصهيونية هي في شروطها وتعبيراتها المنافية للواقع، يتطلب قيام بدائل شاملة عنها وعن نسيجها الإيديولوجي. وفي هذه العناوين تكمن مفصلية وأهمية البرنامج الوطني المرحلي، والعمل على إنجازه وبناء الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس على أرض الرابع من حزيران/ يونيو 1967، وعودة اللاجئين الفلسطينيين. على ما ورد من استبدال في عنوان مقالة أبو ليلى، فإن العلة ذاتها تُستعاد؛ كيف أن المثقف العربي قد أوقع ذاته سجين تفكير دائرة ضيقة خانقة، تحدد نطاق حركة فكره واتجاهه وإنتاج خطابه، الوعود المُبهرة التي تسبب بالعمى، وترسم صورة مضللة للطريق لفلسطين ديمقراطية موحدة، وهي الهدف النهائي والتاريخي مضللة بديلاً لموازين القوى والعمل على تغييرها، ومضللة بما تحتوي على طاقة "سحرية" كأنها ستقلب الدنيا على رأس العدو، وستحرر الأرض، وتنبت الزرع، وتزهق الباطل، وتحقق العدالة والحرية، أسوةً بسلطة الإيديولوجيات الراديكالية بتلاوينها الشيوعية والقومية والدينية من إسلام سياسي، التي تفقد ديناميتها، ويتحول محتواها إلى مجموعة من المقولات الجاهزة، حالة من الدروشة والرقص في العتمة على مقاس الاستذهان والإيديولوجيا. لكن التاريخ سبق له مراراً وتكراراً أن كشف اهترائها ومزق رداءها الضيق ومحدوديتها، باعتبارها حالة استبطان وإسقاط للشعور الذاتي، والناجم عن طغيان الإحساس بالعجز والخذلان، ومن ثم الافتتان بالجدل البيزنطي. أما العمل العقلاني العملي والجاد فهو مضني، لأنه هو الذي يغيّر الواقع وبما يتطلب من جهد وكفاح مباشر ومرئي وعملي وملموس، على ضوء إستراتيجية تاريخية، تستند إلى العلم والتطور والصراع القومي الوطني والطبقي الديمقراطي، وموازين القوى الذاتية والإقليمية والدولية. وطالما أن التاريخ في نتائجه هو من صنع البشر أنفسهم، وطالما أن الحتمية والضرورة مرتبطتان بالإرادة الفاعلة والتخطيط السليم والعمل المنظم، فإن هذه المهمة يقودها أولاً؛ وعلى مستوى تجارب الشعوب التحررية عموماً، تلك القوى العقلانية التي تدرس موازين الصراع وتشابكاته بدقة متناهية، وتحولها برنامجاً لشعوبها، وفي وحدة وطنية ديمقراطية راسخة، ومن منظور تشابكات الصراع وتداخلاته والقوى الفاعلة فيه، ومن منظور درجة تماسك الجبهة الداخلية والرأي العام الصهيوني ومؤسساته ودرجة استقراره، أمام صراع طويل غير متناظر يقوده شعب تحت الاحتلال، يحقق هدفه ببرنامج مرحلي. لقد قَرأتْ مقالة أبو ليلى في الجدل والأسئلة المثارة، والمعنون راهناً، ومن منظور منهجي ورؤية تحليلية موضوعية للموازين، فحملت هَمّ القضية الفلسطينية بعزم، وكخلاصة لقراءة ثوراتها ونكباتها، وفرضت استخلاص أمرين: الأول: رؤية برنامجية مرحلية للصراع تواجه المشروع الصهيوني ـ الأمريكي، لتفرض معادلات تراكمية جديدة على موازين الصراع، والتي ينبغي أن تكون حاصل جمع إنجازات وانتصارات على كل المستويات. الأمر الثاني: أنها تعني أن "الدولة الواحدة" وفي ظل الموازين الراهنة؛ أن لا تحصل على شيء، بدلاً من أن تفرض معادلات تطورية جديدة لصالح الشعب الفلسطيني، ونحو قلب الصراع ألا وهو جوهر الصهيونية وتعبيراتها. إن ضعف الصلة بالواقع الحيّ، يدفع إلى الانفصال عن حركة التاريخ وعن الرؤية العلمية الجدلية، وهو ما ينبغي تبيانه وتوضيحه وإعلان مأزقه، لأنه ذاته هو ما يدفع بعض المثقفين من ذات الوسط إلى تكوين صورة مسطحة ساكنة سرعان ما تقع بمفاجآت الواقع، لتنتقل بسببٍ من "الخذلان" نحو التسويغات الإيديولوجية، بدلاً من النقد والنقد والمراجعة وإعادة التقويم، فمن تغيير الواقع وتغيير مجرى التاريخ واستعادته بضربة واحدة، تطيح بالأعداء الداخليين والخارجيين، سرعان ما نرى منه سوى بقايا خائبة وشبه يائسة، بدلاً من برنامجاً وطنياً برؤية عقلانية واقعية عملية. ولينتقل بعدها من أعلى رومانسيات "حتمياته" الإيديولوجية، نحو لعن الواقع وخذلانه ... ثم بعد حين من البكائيات، إلى عبودية الواقع واستسلامه له، وباعتباره ضحيته وضحية قواه "الميتافيزيقية". وقد عشنا دهراً على خطاب إيديولوجيا الضحية، ومنها ستينية النكبة التي نستقبلها كل عام بمآقي دامعة. كفى للمشاعر التعويضية عن الإرادة الفاعلة والتخطيط العقلاني ... كفى لإدامة النكبة ... وكفى لإعادة إنتاج الفشل والهزائم وسيكولوجيا المؤامرة، ومن البكائيات وتقديم التعازي ... وكفى للهروب من مواجهة الواقع أو قسره ذهنياً ... وكفى لكل ذلك مجتمعاً ...
#رشيد_قويدر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
الإرهاب النووي الإسرائيلي.. والخروج من الالتباس
-
تقرير فينوغراد وأولمرت ...الإفلات المقصود للقيادة السياسية
-
الحكيم ... لا صوت إلا للكفاح
-
الطامة الكبرى للذهنية البليدة
-
...في نماذج «الديمقراطية» الأميركية
-
موسكو وطهران... ديناميات الجيوبولتيك والمصالح المشتركة
-
الإسلام السياسي والسلطة الدينية... وصنّاع التعاسة
-
روسيا والانتقال من الاعتراض إلى تأكيد الإرادة
-
مكة 2 ... جنيف 2 ... ومآل المصداقية السياسية
-
النيوليبرالية و((السلام الديمقراطي))... ومسارات الأوهام
-
الفهم المنكوس للعودة وإعادة تعريف القضية الفلسطينية
-
في تفاهات العقل المتخلف وثقافة القطيع
-
حواتمة وحتمية الحل الوطني الديمقراطي الفلسطيني
-
تناقضات سوء الإدراك السياسي
-
نفاقيات شعبوية ... الإسلامويون وثقافة التضليل السياسي
-
روسيا والدرع الصاروخي الأميركي والوضع العالمي
-
اليسار الفلسطيني والعربي ... عوامل التراجع والنهوض
-
التاريخ الفلسطيني وتأصيل الفكر السياسي المعاصر
-
صراع المحاصصة الدموي في قطاع غزة
-
-نايف حواتمة ومحطات الكفاح الفلسطيني بين الدولة والثورة-
المزيد.....
-
الإدارة الأمريكية توضح جهودها لـ-تهدئة التوترات- بين تركيا و
...
-
عائلات فلسطينية ترفع دعوى على الخارجية الأمريكية بسبب دعمها
...
-
نهاية أسطورة الاستبداد في المنطقة
-
-ذي تلغراف-: الولايات المتحدة قد تنشر أسلحة نووية في بريطاني
...
-
-200 ألف جثة خلال 5 سنوات-.. سائق جرافة يتحدث عن دفن الجثث ب
...
-
وليد اللافي لـ RT: البرلمان الليبي انحاز للمصالح السياسية وا
...
-
ميزنتسيف: نشر -أوريشنيك- في بيلاروس كان ردا قسريا على الضغوط
...
-
خوفا من الامتحانات.. طالبة مصرية تقفز من الطابق الرابع بالمد
...
-
ألمانيا وفرنسا وبريطانيا تدعو إيران إلى -التراجع عن تصعيدها
...
-
طهران تجيب عن سؤال الـ 50 مليار دولار.. من سيدفع ديون سوريا
...
المزيد.....
-
دراسة تاريخية لكافة التطورات الفكرية والسياسية للجبهة منذ تأ
...
/ غازي الصوراني
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
المزيد.....
|