أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عصام البغدادي - غسان كنفاني- نزيف الذاكرة الحية















المزيد.....

غسان كنفاني- نزيف الذاكرة الحية


عصام البغدادي

الحوار المتمدن-العدد: 714 - 2004 / 1 / 15 - 02:47
المحور: الادب والفن
    


ان قاع جهنم محجوز لاولئك الذين يقفون على الحياد عندما تتعرض القيم للخطر 
دانتى

قبل ثلاثين عاما وحينما كنت طالباً جامعياً ، اعتدت ان اتبضع كتبى المفضلة اسبوعياً من مكتبة المثنى  في ساحة التحرير في بغداد ، لفت نظرى  مجموعة قصصية بعنوان : موت سرير رقم 12  وكانت تلك هي البداية مع قراءة مزمنة لاعمال الكاتب المبدع غسان كنفاني وحرصت على ان اقرا كل اعماله الادبية حال صدوروها عن دار الطليعة وصولها الى مكتبات بغداد.
 ساتطرق الان الى قصة موت سرير رقم 12  التى حملت المجموعة القصصية اسمها والتى كانت بداية قراءتى للكاتب غسان كنفاني فموضوعها الاساسى هو شعور االمنفى المعذب الذى ينعطف الى الوراء والذى تعبر عنه كافة الصور من خلال التعلق الاحادى الجانب بالماضى  حيث تتطور موضوعة المنفى الاساسية تحت دافع الموت الكاشف عن سر الحياة. يأخذ أحد المرضى  بمراقبة مريض آخر يحتضر ، أصله من عُمان ، لا يؤثر وجوده في أحداث القصة، فيشرع المريض الرواي بتكوين فكرة عن حياته.
لقد تخيله منفياً شق طريقه بشجاعة رغم العقبات العديدةن لكن الحياة نبذته بعد اصابته بمرض فتاك. وقد تخيل أيضاً في صندوقه الذى يمسك به على الدوام ثروته:" عباءة بيضاء شفافة مذهبة الاطراف... حلق خزفيّ لأخته سبيكة تزين بها أذنيها ، وزجاجة من عطر قوي، وصرة بيضاء مصرورة على مايسره الله له من نقود" .
يموت العماني، فتنكشف الحقيقة : ان ماكان خيالا كان صورة رومانطقية  للحياة ، اذ أن حياة العماني في الواقع أكثر قسوة . فهو يتيم في الكويت بعيداً عن وطنه وأطفاله الخمسة ، بينما يتخيله اللرواي رجلا غادر بلاده ليجمع المال، وليرجع غنيا كي يستحوذ على حبيبته. غير أن ما كان في الصندوق ليس سوى: " مجموعة فواتير بديون الدكان الجديدة للمخازن الموردة  وكانت في الظرف صورة قديمة لوجه مليح وجلد ساعة قديم ،وخيط من القنب، وشمعة صغيرة، وبضع روبيات منثورة بين الاوراق".
وهكذا لم يحتو الصندوق على قيمة ثمينة وانما على قيم لحياة الفقر والمنفى الشاقة فالصندوق الخيالى مفعم بالاوهام  بينما الصندوق الحقيقى يحتوى على اشياء حزينة للحياة يذوق الفقير مرارتها. اثار الرواى الذى هو مريض ايضا مسالة موت الانسان : فهو يرى ان حياة الشقاء والالم ذات المحتوى المحدد لا تترك سوى اثار عديمة الجدوى كالفواتير والشموع  وهذا ما يفكر به: " ان قضية الموت ليست قضية الميت ، انها قضية الباقين.. ان علينا ان ننقل تفكيرنا من نقطة البداية الى نقطة النهاية.يجب ان ينطلق كل تفكير من نقطة الموت."
لقد اعطى الموت في هذه القصة معنى  لما يستطيع الرواى معرفته مسبقا فهل من الضرورى ان ننتظر الموت دائما لمعرفة الحياة؟ اذا طبقنا هذه الفكرة على مصير الشعب الفلسطينى نقراها هكذا : يجب ان نفهم حقيقة الشعب الفلسطينى قبل ان يموت. ومع هذا فلم تطرح هذه المسالة عند غسان كنفاني بشكل واضح الا في وقت لاحق ، اذ لا تحمل سوى طابعها الفلسفى القائل: " يجب ان ينطلق كل تفكير من نقطة الموت.

كانت تلك هي بداية اعجابى  باعمال الكاتب غسان كنفاني حيث حرصت بعدها على اقتناء مجموعة اعماله الكاملة –بجزئيها الاول والثاني- والمحافظة عليهما وشاءت الاقدار ان تتعرض دارى في بغداد لقصف الطائرات الايرانية في الايام الاولى للحرب عام 1980  وان يخترق جزء  مشتعل من صاروخ طائرة  ايرانية نافذة غرفة الكتب في الطابق الثاني من الدار وان تحترق مايقارب 5000 كتاب ومجلة تتضمن كتباً عمرها ما يقارب 50 الى 70 عاما  ونجا من تلك الكتب القليل مما كان اصلا في الغرف الاخرى  ومنها المجموعتين الكاملتين لاعمال الكاتب الراحل غسان كنفاني وأطروحة تقدم بها الباحث افنان القاسم  لنيل شهادة الدكتواره من جامعة السوربون عام 1975 باشراف المستشرق اندريه مايكل  والتى طبعت عام 1978 ، وكتاب مختارات من الشعر الاميركي لمؤلفه  الفريد كريمبورغ والمطبوع عام 1930 في الولايات المتحدة. وبقت هذه الكتب الثلاثة لتشكل نواة مكتبة منزلية من جديد  خلال العشرة سنوات الاخرى 1980-1991  حيث صار متعذراً الحصول على الكتب بعد العقوبات التى فرضتها الامم المتحدة على العراق بفعل سياسة صدام حسين والولايات المتحدة الذين ساهما بشكل مباشر في عزل العراق ومحاولة اعادته للوراء. اه ما اقسى ان تغادر كتبك وتحرص على الحفاظ عليها وانت بعيدا عنها وان تمنع تحويلها الى اكياس ورقية كما فعلت اغلب العوائل في العراق في ظل الحاجة الماسة بالاستغناء عما ليس هم بحاجة اليه ، فقد استغنوا عن المطالعة في زمن صارت فيه المطالعة جريمة واتهام وترف لا مبرر لصرف المال عليه ، وكانت الغاية واضحة وهي ترك العراقي يلج العتمة في زمن ثقافة النظام فقط وفي ظل واحد من اعتى الدوافع الاستراتيجة للسياسة الاميركية التى استهدفت  ايقاف الغذاء الروحى والذهنى للفرد  العراقي . 
ربما لم اعد قراءة روايتين كما فعلت مع  "ماتبقى لكم-1966" ، و "عائد الى حيفا-1969" كنت كل مرة اعيد قراءتهما اكتشف اسرار قوة تلك الروايتين وقوة كاتبهما ، لقد قاوم غسان كنفاني بصفته كاتباً واقعياً اشتراكياً التمثيل الروائى القديم وأراد أن يجعل من نفسه مدافعاً عن الحقيقة لهذا كانت اعماله مقاتلة بفعل الكلمة وتأثيرها واستخدم البؤس عنصراً جمالياً فالبؤس نبيل وجميل عندما ينطبق على مجهودات اولئك الذين يبحثون عن التغلب عليه، واكثر من هذا يفتح كنفاني في اعماه آفاق المستقبل للطبقات المسحوقة التى هى ذاتها حقائق وقوى محركة للواقع وهى ليست الطبقات المفرغة من جوهرها ، ان اعمال كنفاني عبارة عن احتجاج ضد الحالة القديمة للاشياء المنتزع منها أفق المستقبل ، وهناك موضوعة اخرى تميز أدب كنفاني الا وهي تعرية وفضح الوهم الطوبائى  وهكذا بعيداً عن أن يرجو حلا طوباويا لتعاسات الانسان كما في رؤوية يحى حقى ، يفضح كنفانى مخاتلة الدين ويمنح العلاج، ففى الاعمى والاطرش يمثل الولى السلطة الروحية الموظفة من قبل السلطة الحاكمة  لخدمة مصالحها القمعية  ولا تزول الاوهام الا بفعل حاسم للاعمى والاطرش بعد ان يدركا انه لايمكن ابدا تحريرهما بواسطة قوة غيبية. لكن جوهر الحل الايجابى الذى اعتقده وتبناه غسان وعبر عنه كطموح نبيل  كان يدعو الى "ردكلة" الجماهير –تعميم الثقافة الوطنية العلمية الذى استطاعت القوى المضادة من محاصرته وتفتيته خلال العقود الثلاثة الاخيرة لاسباب عديدة ليس الان مجال بحثها ، وقد شاءت الاقدار ان يرحل غسان قبل ان يرى ماحل بتلك الطموحات التى تهاوت على ايادى الاخرين من بعد



#عصام_البغدادي (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- حتى أنت يابلبــــــــــل
- سطور مُنتخبة مما كَتبوا
- الابقاء على المهمة في العراق
- البرمجة الكائنية المنحى-03
- المسرح والرياضة في العراق
- موت السرير رقم واحد
- البرمجة الكائنية المنحى-02
- القرار الليبى –خطوة عقلانية شجاعة
- همسات صباحيـــة-2
- اليوم 14 في حياة صدام حسين
- همسات صباحيـــة-1
- أين الحقيقــــة؟
- 14 ديسمبر 2003
- الجيل الجديد من الاسلحة النووية
- تحليل عددى عن الحوار المتمدن في عامه الثاني
- البرمجة الكائنية المنحى-01
- بغداديا - قصة قصيرة جداً
- تعالي ياناني ياحلوة العينين والثغر-قصة قصيرة جداً
- الانتظار واللعبة الاخرى - قصة قصيرة جداً
- اطلس البلاغة - القسم الثامن


المزيد.....




- صحفي إيرلندي: الصواريخ تحدثت بالفعل ولكن باللغة الروسية
- إرجاء محاكمة ترامب في تهم صمت الممثلة الإباحية إلى أجل غير م ...
- مصر.. حبس فنانة سابقة شهرين وتغريمها ألف جنيه
- خريطة التمثيل السياسي تترقب نتائج التعداد السكاني.. هل ترتفع ...
- كيف ثارت مصر على الإستعمار في فيلم وائل شوقي؟
- Rotana cinema بجودة عالية وبدون تشويش نزل الآن التحديث الأخي ...
- واتساب تضيف ميزة تحويل الصوت إلى نص واللغة العربية مدعومة با ...
- “بجودة hd” استقبل حالا تردد قناة ميكي كيدز الجديد 2024 على ا ...
- المعايدات تنهال على -جارة القمر- في عيدها الـ90
- رشيد مشهراوي: السينما وطن لا يستطيع أحد احتلاله بالنسبة للفل ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - عصام البغدادي - غسان كنفاني- نزيف الذاكرة الحية