أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد كاظم أبو دوح - إلى أبي...الفارس الشجاع














المزيد.....

إلى أبي...الفارس الشجاع


خالد كاظم أبو دوح
أستاذ جامعي

(Khaled Kazem Aboudouh)


الحوار المتمدن-العدد: 2299 - 2008 / 6 / 1 - 09:07
المحور: الادب والفن
    


عشت ما يزيد على ثلاثة عقود، لم أدرك خلالها قسوة الموت وقوته، وعندما فقدت منذ أيام والدي، أدركت الموت وعشته، وتجسد – الموت – داخلي حزنا عميقا، وهما مضاعفا، تكسرت داخلي أشياء كثيرة، اعتصر الحزن قلبي، وتأبى دموعي المخاض، تعشش في رحم عيناي، تقاوم الانفلات... ولا أعلم لماذا؟؟؟
ذهب عني أبي رغم تجسده أمامي، ذهب وترك لي الكثير والكثير، والمؤلم في رحيل أبي، أنني مجبر على الحياة مضطر أن أكملها بمفردي، دون أن يكون معي، أعيشها دون صداقته، دون تجسده أمامي، دون نصائحه، دون خطابه الممتد معي، دون كل الأشياء التي كنت وكان يشاركني فعلها.
لأول مرة منذ أكثر من ثلاثة عقود أنادي على أبي، فلا يستجيب !!! لا يأبه بندائي، لا يبدي أي فعل أو حركة، الصديق الذي لم يتخلى عني كل هذه السنوات، يتركني، يبتعد عني، مات أبي لا أعلم إن كانت هذه الحقيقة أم أضغاث أحلام، مات الأمير الخرافي، مات الجبين المسافر بين الكواكب، مات الذي كان يقطف لي من شجر الشمس كل يوم، مات الذي كان يخزن ماء البحار بعينيه، شوارع القرية تغتالني وتشنقني كل يوم بحبل طويل من الذكريات، مات أبي جملة قاسية، تتسرب داخل عروقي ككرات من نار، لم يعد القلب ينبض من بعد رحيلك يا أبي بقدر ما هو مشتعل، كل شئ في ضباب. موتك يا أبي هماً مذاب في مائي وزادي. قل لي يا أبي كيف أقاوم سيف الزمان؟ وسيفي انكسر.
سقطت يا أشجع الرجال، استسلمت يا من علمتني كيف لا استسلم أبداً، لم يهزمك رجلاً قط، ولكن هزمتك الأورام اللعينة، استسلمت لها حينما طلبت مني الدواء بعينيك، فقلت لك ليس بيدي، أني مجبر يا أبي، ليس عندي ما تطلبه، كنت معك كما علمتني، كنت للآسف شجاع كما كنت تحب أن تراني، ليس لدي شئ أقوله لك إلا أنها ملعونة تلك الأورام.
سقط الفارس، مات البطل، وترك لي سيفه وجواده وأوصاني بألا أتخلى عنهما، كيف يا أبي؟؟؟ من أين لي ما كان لك ( من قوة، شجاعة، وإقدام ). برحيلك أبي أنا أضعف مما كنت تراه بعينيك، سر القوة التي كنت تلمحها في صغيرك كان كامن في وجودك جواري وحولي، كنت استمد قوتي من أنفاسك التي انقطعت عني، من حوارك الذي لم يعد موصول بيني وبينك، لقد ذهب النور الذي أنرت به حياتي، ورأيت من خلاله سبيلي.
كم ركضت نحوك أشكو لك تارة من الدنيا، وتارة من البشر، وتارة من نفسي، كنت تجيب علي كفيلسوف مرة، وثانية كسياسي، وثالثة كنت تدعني أجيب على نفسي، كم قلت لي استفتي قلبك، ركضت نحوك ذات مرة وأنا مكتظ بالغضب، وقلت لك أن فلان يتطاول على بالكلام الكذب، فقلت لي لو كان ذلك في وجودك اضرب بيد من حديد ولا تخف مخلوق قط، ولو كان ذلك في غيابك ردد تلك المقولة ( قل ما شئت في مسبتي فما أنا الذي يجيب الكلاب ) كلماتك مازالت تستولي على تحتلني أجمل احتلال وأطول احتلال، كنت دوما تشجعني على حب كل من حولي وتقول لي ( المرء بالإخوان - لا بجدوده ولا بسلطانه ولا بالجاه ولا بالمال – كثير النعم والذل في نقصان ).
تعلمت الكثير والكثير منك يا أبي، ولكن اللحظة أشعر أن الأهم لم أتعلمه منك بعد، لقد أغلقت مدرستك مبكراً، وفي وقت ما أحوجنا فيه لتعاليمك، أغلقتها ورحلت، ولم تترك من يخلفك، لم تترك من يعلمني، كيف لي أنا الذي لم تفطمه بعد أن يكون عند حسن ظنك وكما تتمنى ؟؟؟ كيف السبيل إلى رضاك؟؟؟ ومنذ نعومة أظافري حتى الآن أنت لي المرشد، وأنت مصابيح النور، بعد رحيلك أظلمت وأوحلت جوانحي، وتشبع الفؤاد بآلام ليس له طاقة بها، لقد شاب الفؤاد واحترق، لقد رحل الوعي عني، لقد قطعت ذراعي، وشل تفكيري، ولم يبقى مني غير جسد ناحل، وعيون لا تركز أبداً.
لقد كنت تقول دوماً أن حب الناس هو رأس المال الحقيقي، ولقد أدركت ذلك، وتجسد أمامي يوم وداعك، لقد كان مشهد صعب، لقد كانت جموع الناس أكثر من أن تدرك بالعين المجردة، ودموعهم أغزر من دموع أمة تبكي زعيمها، لقد عشت عظيماً، ورحلت في كبرياء، لم تكره الدنيا يوماً، ومع ذلك أحببت الموت ولم ترفضه.
من بعد رحيلك، أتكمش في قلب من؟ استلقي في حضن من؟ استمتع بالحوار مع من؟ اضحك مع من؟ أشاطر أفراحي وهمومي مع من؟ من يعلمني فن الحياة؟ من يمدني بميكانزمات المقاومة؟ ويهبني الاستمرارية والقدرة على الفعل؟ من يراجعني ويرشدني؟ من على الألم ينصرني؟ من إلى النجاح يدفعني؟ من يخطط معي؟ من يكسر الغرور داخلي؟ من يعلمني الإنسانية؟ أبي المصيبة التي حلت علي بوفاتك جوهرها أنك لم تكن أب فحسب، لقد كنت كل شئ ولا شئ بعيد عنك، لقد كنت المادة اللاحمة لحياتي، لقد كنت الجدران والسقف، كنت النور...، أبي أنا منك كما أنت مني، وأنا بعضك، وبعضك كلي.
أبتاه...
لو كان للموت أب، لأدرك ما هو موت الآباء
ولو كان للموت عقل..
لسألناه كيف يفسر موت البلابل والياسمين
ولو كان للموت قلب لتردد في ذبح آبائنا الطيبين



#خالد_كاظم_أبو_دوح (هاشتاغ)       Khaled_Kazem_Aboudouh#          



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- مفهوم فرص الحياة
- من ممارسات الطبقة الوسطى
- قراءة أولية في سوسيولوجية بيير بورديو
- مفهوم الديمقراطية في ظل العولمة
- مفهوم الديمقراطية بين الليبرالية والماركسية
- مفهوم المثقف في الفكر الجرامشي
- نصار عبد الله: قراءة تلميذ لأستاذه
- القهر بين التكيف والمقاومة
- قراءة في أطروحة للماجستير حول سكان محافظات مصر العليا
- قراءة سوسيولوجية في المثل الشعبي ... يا بخت من كان النقيب خا ...
- مفهوم العولمة .... رؤية نقدية
- الشخصية العربية وإعادة انتاج الاستبداد
- عرض كتاب-رأس المال الاجتماعي لدي الشرائح المهنية من الطبقة ا ...
- انحراف السلطة وتنكيد المعنويات في الحياة اليومية


المزيد.....




- -جزيرة العرائس- باستضافة موسكو لأول مرة
- -هواة الطوابع- الروسي يعرض في مهرجان القاهرة السينمائي
- عن فلسفة النبوغ الشعري وأسباب التردي.. كيف نعرف أصناف الشعرا ...
- -أجواء كانت مشحونة بالحيوية-.. صعود وهبوط السينما في المغرب ...
- الكوفية: حكاية قماش نسجت الهوية الفلسطينية منذ الثورة الكبرى ...
- رحيل الكوميدي المصري عادل الفار بعد صراع مع المرض
- -ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
- -قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
- مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
- فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة ...


المزيد.....

- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - خالد كاظم أبو دوح - إلى أبي...الفارس الشجاع