جميل محسن
الحوار المتمدن-العدد: 2297 - 2008 / 5 / 30 - 10:00
المحور:
الادب والفن
جاءني مسرعا يلهث , متلهفا للحديث , يلتفت يمينا ويسارا بحثا عن أشخاص وهميين ليطردهم , فهو يحمل لي سرا عالي الأهمية , جلس على الأريكة بجانبي , وضع يده على صدره , وفتح فمه , وابتدأت أنفاسه تهدأ , لم يكن في غرفة المكتب سوانا , وأخيرا , ابتسم والتفت إلي , أسرعت بقدح من الماء ذهب سريعا إلى معدته , واخرج علبة السكائر , أشعل واحدة , وتطاير الدخان , من فم وانف صديقي العزيز .
أبو هديل – خبر عاجل سيهز كيانك .
لم اجبه اعرف أن هنالك استرسال سيتدفق .
أبو هديل – رندة ملاكك الطاهر البرئ , بالأمس فقط كشفت السر , وشاهدت بعيني الواقعة الأليمة , جئت لاحذرك ولا اعرف سبب صمتك ! , هل من سذاجة تملك لا اعرفها ؟
الراوي – أكمل لترتاح .
أبو هديل – لولا محبتي لك ماجئت .
لا اشك لحظة بمحبته لي, ولكن بنواياه , كاره النساء هذا المتيم بأجسادهن , كل امرأة في الشارع عاهرة ! حتى يثبت العكس , والتقييم بالطبع يتجاوز ويستثني , أخته أو زوجته وجميع قريباته , دخت كثيرا لاستكشف سره , كان ببساطة مادي, كون أهل زوجته أغنياء , وأصبحت هي تملك البيت الذي ياويهم , واشترت الأولاد وميولهم, حتى هو امتلكت ارادتة بدأ من الفراش , اكتفى صاحبي بالعيش الرغيد , ولكن مع الإحساس بالنقص والحقد على كل أنثى , من هذا الباب كره رندة , الفتاة السمراء الباسمة المشرقة , التي تجمع بين الجمال والبراءة والأنوثة , تعودت أن تأتيني صباحا في طريق ذهابها للعمل , قريبتها معي في المشغل الذي امتلكه , من اجل الاتصال بصديقها هاتفيا , والتحدث معه بكل حرية , كنت استمتع أحيانا بغزل جميل متبادل , وآهات تسري بينهما كالنسيم , ثم يأتيها الفطور , تأكل كطفلة جائعة من صحن حلوى , ثم تطورت علاقتنا رغم فارق السن الكبير , ابتدأت هي بالتساؤل , وتوليت أنا أمر النصائح , والحديث يدور عن حبيبها , رويدا رويدا أحست بنقاط فراغ عنده , كبرت كبالونات , ولم أكن حتما البديل , فقط هي خيوط الألفة تمتد وتشتد بيننا , أحببت فيها الاختيار , كانت ترفض أي شيء لاتحبه حتى لو كان هدية ثمينة , تحولت بعد حين رغبتها للحديث معي أكثر من حمل سماعة الهاتف , ثم يحضر الواشي , كان صديقي معتاد على زيارتي صباحا لشرب الشاي , يضطر للمغادرة مسرعا بعد سماعه حديث لا يفهمه , ثم يعاود بعد حين .
أبو هديل – هل ثمة علاقة لك مع رندة ؟
– ذلك يتوقف على زاوية الرؤيا ,
أبو هديل – العلاقة هي الفراش لاتقل لي انك لا تضاجعها !
كان يلقي بالكلمات كصخرة في بركة ماء و ولكن ارتباطي برندة سار بشكل هادئ , تعودت رؤيتها صباحا , ليشرق يومي سعيدا تتفتح آفاقه حركة ونشاط ومتعة في التعب والتحمل , ثم عصرا بعد عودتها من العمل , تتحدث وأنا صامت , تقرأ عيني وتبتسم , اشتهيها أحيانا , ولم تمانع , قبلت ثغرها , ولم أتمادى, الغريزة وحدها آخر مايخطر على بالي , تلك التي يتبعها بعد حين الملل والضجر , ويأتينا الواشي , فهمت هي نظراته , شرهة متوحشة , ذهنه وخياله الرجولي يحملها ويلقيها على الأرض , ويهوى فوقها , ويبدأ الصراع الأزلي الذي سيؤكد فيه فحولته وذكورته المفتقدة في البيت , وينهض ديكا صائحا صارخا تتضارب جناحاه على صدره , لم يصدق يوما غير مايعتقد , كانت أمامه نافذة واحدة للرؤية والتفكير , أساسها مايعرفه عن سوء علاقتي بزوجتي , وما أتحمله من متاعب , يمكنني بسهولة أن أزيحها عن كاهلي (و برأيه) أطلقها وأتزوج من جديد , والبديل جاهز , وجالس جنبي , ربما كان بحديثه يحاكي الدفين من غريزة حب الحياة في أعماقي , ولكن تأثيرها لن يطفح , كنت معها كالأطفال , نمارس ألعابنا الخاصة ونتحدث مثلهم مع حب لذيذ لم يصل لسن المراهقة , تصل فأبدأ السمفونية بتساؤل , وتجيب , تغادر, فأعيد قراءة الأسئلة ويكون جوابها الأخير عند الباب .
الراوي– من يسكن قلبي ؟
رندة- أنا رندة .
- من بيده روحي ؟
رندة- أنا .
- من هو كبدي؟
رندة – أنا
- من هي حياتي ؟
رندة- أنا .
- من من ؟؟؟؟
رندة- أنا أنا أنا أنا .
كانت الملائكة تحيطنا في تلك اللحظات , وننسى الكون والوجود , ليأتي دور أبو هديل , ونعود إلى نقطة البدء .
أبو هديل – صاحبتك عادي .
- هل تكرهها ؟
أبو هديل – لا ولكني احترمك أنت , تعلم بان الألسن طويلة ولا أريدك أن تنزلق , اسمع , سأصارحك وسترى بعينك ما شاهدته , سأذهب بك إلى (المكان ) حيث تتواجد أحيانا هي وأختها , لا ارتاد كثيرا تلك الأزقة ولكن احدهم يعرفني ويعرفك أرشدني أليها , تحدث عنك بسخرية , دفعتني للذهاب والتأكد , لا , لا يأخذك التفكير بعيدا , استنكفت عن الدخول إليها إكراما لك , هل تعلم ؟ دراهم معدودة! يمكن أن تطلبها مني أو منك ولكنه الأصل والتربية , اعرف أهلها قبلك , لا تنظر إلى بؤسهم اليوم , هنالك استعداد وراثي , سنذهب غدا .
– إلى أين ؟
أبو هديل – إلى حيث ترى وتحكم .
أتاني مساء وامسك بيدي ! هيا , كنت كالمسحور , أو كطفل يأخذونه حيث مدينة الألعاب , مشينا قليلا وتبدل الشعور , ولكن الطفل بقى , وكأنهم يتوجهون به هذه المرة إلى طبيب أسنان حيث الألم , , كانت مشاعر لا تتلاءم والحدث , أبو هديل جاد وكأنه يتوجه لقتال الأعداء , وبقيت صامتا , لا استطيع إقناع نفسي باني ذاهب إلى مسرح الجريمة , مع أبو هديل ليريني رندة عاهرة هي وأختها !
أبو هديل – سندخل بيتا مشبوها , شرقي الطراز , في الداخل غرفتان , في إحداهما سترى من تحب يدخل عليها من هب ودب . .
اعرف أنا وضعها العائلي كما اعلم أن أختها لا تمانع في علاقة , ولكن أن تتحول هي ! ؟ كآبة الدار أصابتني بالغثيان , لا ارغب بالدخول , قرع أبو هديل الجرس , قدم احدهم وبعد الاستفسار فتح الباب , صدمتني الرائحة عند الممر , كانت مزيج مقرف من دخان التبغ الرخيص الخانق , والخمرة المغشوشة , وأخيرا ملايين الحيامن المنوية البشرية الطافحة , المنزلقة , المتدفقة كالدود , أصبحنا في وسط الدار , على الجانب طاولة قمار يتكوم حولها البعض ولا احد يهتم , دخولنا لا يثير هلعا , جاءت إحداهن ضاحكة مرحبة , تركزت عيناي على فك علوي فقد اغلب أسنانه , ووشم كبير على ضهر يد امتدت إلينا بالتحية , توجهنا نحو أريكة , سيلتصق شرشفها بملابسي حال الجلوس ! , ولكن لا بديل , أشار أبو هديل إلى الغرفة المغلقة بألم غريب , تحول إلى الثانية كانت نصف مفتوحة .
أبو هديل – هي حيث الغرفة المغلقة , هل تفضل بقائي أم ارحل ؟
– لا اذهب .
أبو هديل – مصاريفك مدفوعة , وغمز لصاحبة الوشم ثم ابتسم وتركني .
صوت – لا تهتم كثيرا , هي ليست ابنتك مثلا ! .
تلفت حولي , لا احد غيري قريب , والمقامرين في شغل شاغل عني , هل بدأت بالهذيان ! عيني تسمرت على باب الغرفة وكأنها تحاول اختراقه .
صوت - على الأقل ذوقك موفق , انظر أختها تنتظر بلا زبائن .
ثانية لا احد , يبدو إن هذه الليلة ستطول ! سمعت صوت صرير ورفعت راسي , هذه المرة حقيقي , خرج رجل من الغرفة ثم ترك الباب نصف مفتوح , ارتفعت يدي, كفاي, تغطي وجهي , كأني لا أريد معرفته ليصبح رقما في ذاكرتي! , وربما لا ارغب أن يعرفني , جاءني الوشم مسرعا .
أم سلمان – دورك .
نهضت , عبرت الباب , كان الداخل خافت الإضاءة , كل ما ميزته , سرير واسع , وشبح يجلس على حافته , سأتعود الظلمة بعد قليل وارى جيدا , ولكنها عرفتني حتما , ترتدي قميص نوم احمر , شعرها الأسود الفحم الطويل منسدل يتمدد وينزل حتى يلامس ساقيها ويغطي ظهرها وكتفيها , حدثتني سابقا وطويلا عن تعبها في غسله وظفره وتدويره وإخفائه تحت الحجاب الذي يلتف حول رأسها عند الخروج , أراه اليوم لأول مرة , يستر جسدها , خيمة تلامس ماتعرى ولم يخفه قميص النوم , أصبحت أراها بوضوح , منكسة الرأس , يالقسوتي وقذارتي ودناءة نفسي , هي تتألم الآن وستبكي قريبا , وأنا الذي لم يعش يوما الفقر الحقيقي , نصبت مني قاضيا , بأي منطق ؟ , سأتكلم وليحدث الانفجار .
– رندة ,
رفعت رأسها بتثاقل , لاحظت عيناها , أجمل مافيها , تحدثني , كانت سهامها مزيج من الشيطنة والأنوثة والخجل .
رندة – مارايك بشعري ؟ كانت شفتاها تبتسم .
جلست جنبها على حافة السرير , فهمت الآن فقط لماذا أحبها ! , هي حتما انضج مني , ويتوجب علي ثانية أن افهم إلى أين تذهب النقود من بيوت الفقراء ؟ , الحائر اليوم هو أنا الجالس على سرير المتعة , أنا هذه المرة من يتساءل ونظراتها تجيب , أمسكت بيدها , لافرق! , لا فرق بين الماضي والحاضر كانت لها نفس الحيوية , أطبقت أصابعها على ساعدي .
- من يسكن قلبي ؟
رندة- أنا رندة .
– من هي حياتي ؟
رندة – أنا .
– من هو كبدي ؟
رندة- أنا أنا أنا .......
قرع الباب , وفهمت الإشارة , حان رحيلي , لاوقت للحب , بل للمتعة والمضاجعة .
وقفت , التقت عينيانا , هي جالسة ورأسها مرفوع , ومصيرها يخاطب عقلي , وصمتها ينطق بتساؤل أخير .
أنقذني ؟
لم اعد أر ابتسامة , وكأن وجهي ورأسي تحولا لطبل أجوف كبير تصفعه وتناطحه المئات من العصي , قرع الباب بإلحاح اشد , أغمضت عيني , وتراءى لي اليأس محتويا جسدي , تافه , متفرد , ضعيف الحيلة أنا , وانسحبت مهزوما كالعادة , بلا رجولة موقف أخير , أداري خجلي باصطناع الألم , انتقلت للزقاق , مشيت منكس الرأس , حاولت رفعه لتأتيني صدمة وكان انفجار حصل ! , لا انه فقط عمود كهرباء حديدي يقف أمامي ! كيف لم أره ؟ والقمر بدر منير! , تلمست وجهي , التصقت براحة كفي بقع من الدماء , لم أميز مصدرها انفي أم فمي أم جبهتي المتورمة , سرت مسرعا , غاضبا أحاول التعويض , رأيت سيفا معلقا بجدار احد البيوت , سحبته من غمده , ورفعته عاليا , لمعت مقدمته وسط الظلام , سرت باحثا منقبا عن الفقر , عثرت عليه يفترش زوايا الأزقة , ضربته بالسيف بقوة , قطعته إلى نصفين , عاودت الضرب والتمزيق حتى تعب ساعدي , ارتحت لأرى نتائج جبروت أفعالي , كانت أجزائه تعيد تكوين وبناء نفسها وتتكاثر ويشتد عودها ! وقفت متفكرا يحيط بي أبناء وبنات الفقر والأزقة , والسيف بيدي , هل أعاود ؟ لا لا فائدة , ما جزاء الفشل ؟ تذكرت أفعال الساموراي بعد الاندحار , أدرت القبضة نحوي لا خير في مريض متهافت , أسرع السيف نحو راسي وجسدي , سمعت عضاما تتكسر , ولحما يتقطع , وأحشاء تتمزق , قبل السقوط .
جميل محسن
#جميل_محسن (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟