|
صلاح نيازي يعمل بروح الشاعر ومبضع الجرّاح
عدنان حسين أحمد
الحوار المتمدن-العدد: 2296 - 2008 / 5 / 29 - 08:47
المحور:
الادب والفن
حينما أترجم يوليسيس أشعر أنني جالس في تنور، وأتلقى لسعات متواصلة أقام منتدى الحوار الثقافي في لندن أمسية ثقافية للشاعر والناقد والمترجم د. صلاح نيازي تحدث فيها عن الاجتهادات الغريبة في الترجمة. وقد رصد جملة من " الأخطاء القاتلة " التي أرتكبها عدد من المترجمين العرب أبرزهم الراحل جبرا ابراهيم جبرا، وعبد القادر القِط، وطه محمود طه وغيرهم، كما صحح الأخطاء التي وقعوا من خلال ترجماته الجديدة لبعض مسرحيات شكسبير من بينها " هاملت " و " مكبث " اللتين ترجمهما جبرا تحديداً، ورواية " يوليسيس " لجيمس جويس والتي ترجمها طه محمود طه. ولأن المحاضرة معقدة في طبيعتها فقد حاول الدكتور صلاح نيازي منذ لحظة شروعه في الحديث أن يخفف من وطأتها وصرامتها العلمية. كما نبّه الحاضرين الى أن محاضرته تتناول أعلام الترجمة العربية، وإذا بدَرَ منه أي تطاول على هذه الشخصيات المرموقة فإن الأمر لا يعدو أكثر من هفوة أو زلّة لسان، أو كما قال جوسر " كل خطأ تجدوه فيّ فأعزوه الى عدم قابليتي في التعبير، لا الى حسن نيتي". أشار نيازي الى أهمية " الترجمة الرديئة " التي تكشف عن المحنة الحقيقية التي تعاني منها كثير من النصوص المترجمة، خصوصاً إذا كان مترجموها " شجعان "، ولا يتورعون عن ترجمة أي عمل أدبي مهما بلغت درجة صعوبته، ولا يجدون حرجاً في أن يقدموا بضاعة مزوّرة تكشف عن استهانتهم بالقارئ العربي! فالمنفلوطي، على سبيل المثال لا الحصر، لم يكن يتقن الفرنسية، غير أن ترجماته هي الشائعة. والمترجم في حينه كان يسأل نفسه سؤالاً واحداً مفاده: ما الذي قاله المؤلف؟ فيأتيه الجواب من انسان آخر وباللهجة المحكية، وما على المنفلوطي إلا اعادة صياغة ما قيل له باللغة العربية الفصحى. كما ترجم أحمد رامي رباعيات الخيام، وهو لا يتقن الفارسية، وإنما نقلها عن الإنكليزية مباشرة. وكذلك لم يتقن السير ريتشاردز فرانسز بيرتون اللغة العربية، ولكنه ترجم " ألف ليلة وليلة " الى الإنكليزية. وعلى ذكر " رباعيات عمر الخيام " التي تُرجمت ثلاث ترجمات وما من أحد من هؤلاء المترجمين يعرف اللغة الفارسية. إن طريقة الترجمة القديمة لم تعد مستوفية لشروطها العلمية، ولا يمكن أن تستمر هذه الطريقة في الوقت الحاضر لأن المترجم الحديث يُعني بالتقنية. وهو لا يسأل ما الذي قاله المؤلف، وإنما يسأل كيف قال المؤلف؟ هذا السؤال كيف هو الذي يميزنا عن أساطين الترجمة الكبار، لا لأننا أفضل منهم، ولكن لأن السؤال اختلف. لذلك لا يأخذون في الأمم المتحدة نصاً مكتوباً للترجمة، وإنما يرون شريط فيديو يبين كيف نُطق فيه الكلام. وتعزيزاً لأهمية الرؤية ساق نيازي مثالاً مهماً من مسرحية هاملت. فحينما كان هاملت يقرأ في الكتاب جاءه بولونيوس وقال له:" ما الذي تفعله يا سيدي؟ " فأجاب " words, words, words "، وهي تعني من دون شك " كلمات، كلمات، كلمات"، أو " هراء هراء هراء " أو كما يقول أخوتنا المصريون " كلام في كلام في كلام ". وحينما مثّل سير جون غيلغود دور هاملت لم يرفع رأسه عن الكتاب، وهذا يعني أنه تجاهله، ثم غمز بعينه. هذه الحركات، والايماءات، والاشارات البدنية تعطي معلومات أكثر، وتمنح المترجم فرصاً اضافية لفهم النص. ومن هنا فان نيازي يستنتج بأنه ليس أفضل من المترجمين السابقين، ولكن السؤال اختلف. ولم يعد أحد يسأل: ما الذي قاله المؤلف، وإنما كيف قاله، وكيف عبّر عنه؟ وهل عبّر عما يجول في ذهنه عن طريق الحواس أم عن طريق المنظورية؟ ولا بد من الإشارة الى أهمية هذين المقتربين اللذين يعتمد عليهما نيازي في فهم وتفسير النصوص الأدبية التي يترجمها. كما أنه يبذل جهوداً استثنائية لتفادي الوقوع في الأخطاء التي لا تُغتفر، ولهذا فان ترجماته تظل هي الأقرب الى النصوص الأصلية المُترجم منها. لا يريد نيازي أن يضع قواعد محددة، واشتراطات معقدة للترجمة، ولكنه يحاول أن يأخذ بأيدي المترجمين الى " اشارات المرور ". فالمترجم، من وجهة نظره، له الحق في أن يتصرف، وأن يضيف كلمة هنا، أو يحذف كلمة هناك، لأن الترجمة لا تُسقط اشتراطات السوق. الشيء الوحيد الذي يعترض عليه نيازي بشدة هو تغيير النصوص المقتبسة. ومعروف أن روايات جيمس جويس، ومسرحيات شكسبير فيها الكثير من الآيات التوراتية والإنجيلية المقتبسة التي لا يجوز تغييرها في أثناء الترجمة. فالنخلة في النص الشكسبيري التي تحولت الى غصن زيتون في النص المترجم مقتبسة من المزمور 92 والذي يقول فيه " الصديق كالنخلة يزهو وكالأرز بلبنان ينمو " وهنا لا نستطيع أن نغيّر أية مفردة من هذه المفردات، ولا نعبث بدلالاتها الأصلية. وإنما يجب أن نبقي عليها كما هي. اجتهادات غريبة أورد نيازي عدداً من الأمثلة التي تدلل على حجم الأخطاء الفظيعة التي ارتكبها كل من جبرا ابراهيم جبرا وعبد القادر القط وطه محمود طه. فقد أصبحت " الفأرة " في النص الأصلي " عصفوراً " في النص المُترجم، وأصبحت " إبر القنفذ " " ريشاً مزئبراً " و " الضفدع " " سلحفاة "، و " التراب الناعم " " التراب المحترم "، و " الدجاجة " عصفوراً "، و " النخلة " " غصن زيتون " أو " شجرة غار " و تحول " السنونو " الى " عصفور " أيضاً على الرغم من أهمية السنونو في مسرحيات شكسبير. ومن الأمثلة الطريفة في هذا المضمار هي ترجمة جبرا لطفل قبل أن يهم بالرضاعة من صدر أمه حيث قال: " لا ريب أنه تمسك بالآداب إزاء ثدي أمه قبل أن يرضع منه ". أما ترجمة عبد القادر القط فهي أغرب إذ قال: " لا شك أنه كان يؤدي التحية قبل أن يرضع "، ويبدو أن الأجواء العسكرية في العالم العربي هي التي تشجع على صياغات مرتبكة ومشوشة من هذا النوع. فمن غير المعقول أن يؤدي طفل رضيع التحية العسكرية الى صدر أمه قبل أن يرضع منها! هناك أمثلة كثيرة تكشف بالدليل الدامغ على ضعف ترجمة جبرا من بينها من بينها مفردة " ذباب " التي وردت في المقطع الآتي حيث يقول " إن هوى الرجل العظيم حسبنا عليه، ما دنا منه حتى ذباب " غير أن مفردة " ذباب" بحسب فهم جبرا لا وجود لها في النص الأصلي. والمعنى الصحيح لها هو " يفر أو يهرب من " لكن سوء فهمه لهذه المفردة هو الذي قادنا الى هذه الترجمة المُضلِلة. ومن الأخطاء الكبيرة التي اقترفها جبرا هي ترجمته للعبارة التالية التي يقول فيها شكسبير" He is full of bread " والتي تعني كان " منغمساً في ملذاته " بينما ترجمها جبرا " لقد مات مملوءً بخبزه " وهي ترجمة قاصرة من دون أدنى شك. ولو رجع جبرا الى حواشي مسرحيات شكسبير، خصوصاً وأن كل مسرحية طبعت " 12 " طبعة، لما ارتكب أخطاءً من العيار الثقيل. لم يفهم جبرا معنى كلمة " Nature " التي ترد في مسرحية " مكبث " مرات عدة، وهي لا تعني " الطبيعة " مطلقاً، وإنما " الحياة " أو " الجسم الحي ". فعندما سأل مكبث إن كان بانكو قد تم قتله أجاب القاتل بتهكم " نعم مولاي الكريم / سليم في خندق / وفي رأسه حفرت عشرون طعنة / أصغرها موت للطبيعة " والصواب هنا أن يقول " عشرون طعنة أصغرها كافية لقتل أي شيء حي ". أما مفردة " Time " والتي ترد كثيراً أيضاً فهي لا تعني " الزمن " وباتفاق كل الباحثين والدارسين لأدب شكسبير فهي تعني " العالم " أو " الناس " وفي واحدة من ترجمات جبرا يقول " لكيما تخادع الزمان / إجعل محياك في شبه الزمان " وهذه الجملة الأخيرة غير مفهومة تماماً. والصواب هو أن نقول " إذا أردت أن تخدع العالم فأبدو كما يبدو عليه العالم. تصرف بالطريقة الاعتيادية، وما من أحد سيلاحظك ". في مصر ترجم أحدهم مسرحية" The importance of being Earnest " أهمية أن تكون جاداً في حين أن " ايرنست " هو اسم شخص لا غير! وفي سوريا ترجم المشروع الخيالي أو غير العملي " White elephant " بـ " الفيل الأبيض " وأكثر من ذلك فهناك من ترجم " سنونو يا سنونو " بـ " ابلع ابلع ! " قراءة النص كعمل سيمفوني يعتقد نيازي أن هناك شيئين مهمين يجب أن يفهمهما المترجم قبل الشروع في ترجمة أية مسرحية من مسرحيات شكسبير، الأول معرفة ماهية الفكر الإليزابيثي، وما مفهوم المسرح في العصر الإليزابيثي، وكيف كان يُمَثل آنذاك؟ يؤمن نيازي أن المترجم يجب أن يرى العرض المسرحي مرات عدة، وأن يقرأ النص المكتوب غير مرة. وهو يعتقد بأن أغلب المترجمين يقرأون المسرحية ويترجمونها على شكل جُمل منفصلة، ولهذا يقعون في التناقض وسوء الفهم. أما نيازي نفسه فهو ينصح بقراءة النص المسرحي كعمل سيمفوني متكامل. وهذه القراءة لم تحصل، مع الأسف، إلا في حالات نادرة. أما الشيء الثاني الذي ركز عليه نيازي فهو النظام في الفكر الإليزابيثي، وهذا النظام يبدأ من أدنى شيء وهو الحجر والطين الى يصل الى الجوهرة بحسب الترتيب من ناحية الأهمية، وفي الحيوان يبدأون من أصغر حيوان حتى يصلوا الى الأسد، وفي الإنسان يبدأون من أوطأ إنسان الى أن يصلوا الى الملك. كان هذا النظام متبعاً في العصر الإليزابيثي، والبريطانيون متشبثون به لأنهم يؤمنون بالتراتبية السلّمية. وفي أدب شكسبير هناك أشياء مهمة أخرى لها علاقة بالعملية الإبداعية مثل الموسيقى والفنون التشكيلية. فالموسيقى مهمة في فهم العالم فهماً رياضياً، وقد استعمل شكسبير هذه المعطيات الفنية كمواد خام، وتفرد بها. أشار نيازي الى أن شكسبير أخذ مسرحياته كلها من مصادر أخرى، وخاصة " هملت " لأنها كانت مكتوبة قبل شكسبير، وقد رأها شكسبير غير مرة على خشبة المسرح، غير أن النص الأصلي ضاع بعد سنوات، فكتبها شكسبير من جديد. وهذا يعني أن المسرحية ليست من عندياته مئة بالمئة، ولا يعرف النقاد الإنكليز على وجه التحديد ما هي المقاطع التي أخذها شكسبير عن النص الأصلي، وما هي المقاطع أضافها من مخيلته الشعرية. يؤمن نيازي ايماناً قاطعاً بأن شكسبير هو أعظم أديب فصل الحواس بعضها عن بعض. وهو يعني أن حاسة البصر لا علاقة لها بحاسة اللمس، وحاسة اللمس لا علاقة بها بحاسة الذوق. وهو أول أديب نجح في نقل الصراع الخارجي الى داخل الإنسان. وما دمنا بصدد الحديث عن الحواس فقد أشار نيازي الى أن أهم حاسة عند العرب هي حاسة البصر، وأعظم حاسة في القرآن هي حاسة اللمس، وأكبر حاسة للتعذيب في الأدب الإنكليزي هي حاسة الشم. والعمل الأدبي الناجح هو الذي يستعمل أغلب هذه الحواس أو كلها، ولا يعطل أياً منها. المنظورية يركز نيازي في معظم دراساته النقدية على المنظورية، أو زاوية النظر التي يقف عندها الشاعر أو القاص أو الكاتب المسرحي في أثناء الكتابة الإبداعية. وهذه ملاحظة شديدة الأهمية تساعد النقاد والدارسين في فهم أي عمل أدبي. فحينما وصف المتنبي قوات سيف الدولة الحمداني وهي تشن هجومها على القلعة كان واقفاً أسفل الجبل، وخلف الجيش على وجه التحديد. يا ترى هل تؤثر زاوية النظر في التشكيلية النهائية للنص؟ والجواب هو أنها تؤثر من دون شك في الأسلوب والبناء والإيقاع واختيار الكلمات. إن صعود قلعة جبلية ليس أمراً هيناً، وإنما يحتاج في الأقل الى قوة عضلية كبيرة، ولهذا فقد اختار المتنبي ايقاعاً بطيئاً متمثلاً بالبحر الطويل ينسجم تماماً مع طبيعة الجهد الذي يبذله المقاتلون في أثناء صعودهم الى القلعة. إن زاوية النظر تكشف أن المتنبي كان خارج القلعة. أما في قلعة دنسينان فإن مكبث كان داخل القلعة وهو يرى الوقائع والأحداث من أعلى الى أسفل حتى أن أن القلعة قد تحولت الى ما يشبه الزورق الذي يتحرك على بحيرة من الدماء. لقد دخل شكسبير الى داخل الطاغية، بينما بقينا نحن بعيدين جداً عن الطغاة. فنحن، تمثيلاً لا حصراً، ندخل في مأساة الحسين ونترك يزيد، أي أننا نمسك بالضحية ونتخلى عن الطاغية. وقد توصل نيازي الى أن معظم أدب شكسبير ينحصر في الطاغية، ولا يتناول الضحية إلا في الحالات الضرورية التي تعزز رؤية المؤلف. ومن الجدير بالذكر أن صلاح نيازي قد ترجم عدداً من مسرحيات شكسبير من بينها " ماكبث " و " هاملت " ولا يزال منغمساً في ترجمة الفصول الأخيرة من رواية " يوليسيس ". وقد سبق لنيازي أن ترجم أعمالاً روائية ومسرحية عديدة من بينها " العاصمة القديمة " لياسوناري كاواباتا، وابن المستر وانسلو لترنس رايتغان. كما أصدر نيازي عام 2002 سيرته الذاتية- الروائية " غصن مطعّم بشجرة غريبة " وهي من السير الأدبية المتفردة في العصر الحديث، والتي قوبلت بحماس كبير من قبل النقاد والقرّاء على حد سواء. أصدر نيازي أيضاً عدداً من المجموعات الشعرية من بينها " كابوس في فضة الشمس "، " الهجرة الى الداخل "، " نحن "، المفكر "، " الصهيل المعلّب "، " وهم الأسماء " و " ابن زريق وما شابه " أسئلة ومداخلات أشار نيازي في معرض إجابته لعدد من السائلين من بينهم د. جعفر هادي حسن بأن شكسبير كانت لدية ثلاث مراحل في محاكمة أية قضية، الأولى أنه يحاكم الشخصية سواء أكان ملكاً أو انساناً بسيطاً بواسطة الدين، وإذا لم ينفع معه الدين فإنه يلتجئ الى الأعراف، وإذا لم يذعن فإنه يلتجئ الى القانون. أي أن القانون يأتي في المرحلة الثالثة. وأن منْ يفهم هذه المراحل، بحسب نيازي، فإنه يتمكن من الترجمة، أو من فهم الجو العام الذي تمر به الشخصية. أما د. نوري لطيف فقد طلب من نيازي أن يتوقف قليلاً عند المترجم الذي يكون ملماً بأكثر من لغة، وهل أن نظرية فصل الحواس يمكن اكتسابها عن طريق الدراسة أم أنها موهبة لدى المؤلف نفسه. أجاب نيازي بأن جبرا قد درس في انكلترا وأمريكا، وهذا يعني أنه عاش اللغة الإنكليزية، ولكنه مع ذلك ارتكب أخطاءً فادحة، بينما لم يعش عبد الحق فاضل في أوروبا ولكنه ترجم مسرحية يوليوس قيصر ترجمة متقنة بكل معنى الكلمة، وهي المسرحية الوحيدة من بين مسرحيات شكسبير التي ترجمت بهذه الدقة والأمانة، وقد نوهت بذلك غير مرة. والسبب قد يكون بسيطاً لأن عبد الحق فاضل ضليع في اللغة العربية، ويتقن التراث، ويعرف تقنية الشعر، وحينما جاء الى الصور الشعرية الشكسبيرية تقمصها فكتب شيئاً جميلاً، مثلما تقمص أحمد الصافي النجفي " رباعيات الخيام " وترجمها ترجمة دقيقة تماماً، ولأنها دقيقة فإنها لم تجد آذاناً صاغية من قبل الآخرين، ويبدو أن النجفي لم ينتبه الى الجانب التجاري الذي يجب مراعاته في كثير من الأحوال حتى يأخذ الكتاب طريقه في السوق. وهكذا فقد نسيت ترجمة الصافي النجفي وابراهيم العريّض، بينما انتشرت ترجمة أحمد رامي. أما فيما يتعلق بتقنية الحواس فإن هناك فرقاً كبيراً بين الأديب العربي والأديب الإنكليزي. فالأديب العربي يعيش الحالة من الخارج، أما الأديب الإنكليزي فهو يتقمص الشخصية. ثم ساق نيازي مثالاً في هذا الصدد حيث ذكر أن الفنان هنري مور حينما ينحت صفدعة أو شجرة فإنه يتقمصها، أو يعيش بداخلها، أما النحات العربي فهو يضفي من صفاته عليها. إن التقمص مهم جداً من وجهة نظر نيازي وأن كل الكلمات المعنوية إذا تحولت الى مفهوم أو فكرة عامة فلا بد من التعاطي معها بطريقة أخرى. وهناك إصطلاحات مثل الصدق والكذب والحب والوفاء والاخلاص، ولهذا فإن الاشباح لها دور مهم في مسرحيات شكسبير. أما الشاعر عدنان الصائغ فقد سأل نيازي عن الفرق بين ترجمة أعمال شكسبير ورواية يوليسيس لجيمس جويس. فجاء الرد كالآتي: " حينما أترجم أي عمل لشكسبير أشعر كأنني جالس في ثلاجة، وحينما أترجم يوليسيس أشعر أنني جالس في تنور، وأتلقى لسعات متواصلة. إنه باختصار شديد يتحدى المترجم ويهينه. ثم استشهد برأي أحد النقاد الكبار حيث قال بأنه لم ينم منذ اللحظة التي قرأ فيها يوليسيس. ثم استشهد برأي الشاعر الآيرلندي ييتس الذي قرأها أول مرة فقال عن صاحبها " هذا كاتب مجنون ".، وحينما قرأها للمرة الثانية قال " إنها تتضمن أفكاراً جيدة " وحينما قرأها للمرة الثالثة قال " إنها عبقرية العباقرة ". ثم استشهد بزوجته الروائية سميرة المانع وقال " ربما تستغرقني الجملة الواحدة ساعة أو ساعتين، هذا إذا نجحت في ترجمتها كما تعرف زوجتي السيدة سميرة." ثم عرّج على طه محمود طه الذي استغرقته " يوليسيس " نحو " 23 " عاماً، بينما لا تمتد أحداث هذه الرواية سوى يوم واحد من الصبح الى الليل. الرواية مليئة بالرموز والاشارات، ولكنني أستعين بالمصادر والقواميس المتوفرة لدي في تفسير الكلمات والمصطلحات الصعبة وهي كثيرة جداً. ورداً على المخرجة المسرحية أحلام عرب التي سألته عن سبب ترجمته لـ " يوليسيس " إذا كانت شاقة ومعقدة الى هذه الدرجة فأجاب: " أنا أعتبر نفسي أحد المسؤولين التربويين. وقد عشت في لندن مدة طويلة من الزمن، وبودي أن أنقل تجربتي وخبرتي الى العراق. وقد ترجمت " مكبث " لأنها ضد الدم، ولعل فكرتها الأساسية هي أن " الدم يورث الدم " وأتمنى أن نوقف نزيف الدم في العراق سواء من خلال هذه المسرحية أو من خلال أعمال أدبية أخرى. ثم ترجمت " العاصمة القديمة " لكاواباتا لأنها رواية نباتية في حين أن جل أدبنا لا يحفل بالنباتات. بعدها ترجمت " ابن المستر ونسلو " لترنس راتيغان لأنها تتمحور حول القانون، ونحن في العراق أحوج ما نكون الى دولة القانون. أما بالنسبة الى " يوليسيس " فبعد حروب العراق المتعددة لم أجد أرحم من جويس على الرغم من العذاب الشديد الذي يسببه لي في أثناء الترجمة." ثم توقف عند مداخلة الناقد صفاء صنكور الذي وصف نيازي بأنه يشتغل بروح الشاعر ومبضع الجراح حيث قال نيازي مختتماً حديثه " لم أفكر في أن أصبح مترجماً، ولكن بسبب الحس التربوي الذي أمتلكه قررت أن أترجم، فحينما أُنتدبنا أنا والمرحوم نجيب المانع للتدريس في أسكتلندا، واكتشفت حجم الأخطاء التي ارتكبها مترجمون سابقون قررت أن أترجم تعميماً للفائدة وخدمة للعراق والوطن العربي ".
#عدنان_حسين_أحمد (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
ثنائية القامع والمقموع في - فندق رواندا - لتيري جورج
-
الواقعية الإجتماعية وأهمية الإرتجال في فيلم - فيرا درَيك - ل
...
-
القاص لؤي حمزة عباس: يتخلى عن الغموض، ولا يزال متشبثاً بشعرن
...
-
القدس: قصة الجانب الشرقي للمخرج الفلسطيني محمد العطار: القدس
...
-
علاء سريح في معرضه الشخصي الثالث: تكوينات متكررة على سطوح تص
...
-
تلاقح الأجناس الأدبية في رواية - حبل السُرّة - لسميرة المانع
-
الفنان علي النجار ل - الحوار المتمدن -: غرابة التشكيل المعاص
...
-
متاهات اللون وجُزر الفراغ في ذاكرة الفنان علي النجار
-
الشاعر أحمد الصافي النجفي بين غُربة الروح وغُربة الفكر
-
السيرة الذاتية- الروائية: - غصن مطعم بشجرة غريبة - مثالاً
-
التشكيلي الكردي صدر الدين أمين . . . من البكتوغرافي الى الشا
...
-
- فهرس الأخطاء - والأنموذج المُحزِن للتيه العراقي:عبود الجاب
...
-
هيمنة الشتاء النووي في - الطريق - الى العدم
-
الروائي المصري رؤوف مسعد: أنا أقلية في المجتمع الهولندي، وأق
...
-
الروائي المصري رؤوف مسعد: أنا متمرد بالسليقة على أسرتي، وطبق
...
-
الروائي المصري رؤوف مسعد: ما أكتبه يثير القلق والحفيظة والضغ
...
-
الديناصورات: عمالقة بتاغونيا: رسوم متحركة تحفِّز الخيال والر
...
-
شعرية نزار قباني تحت مجهر صلاح نيازي: لماذا أحسَّ نزار بالشي
...
-
كيت بلانشيت . .السمكة الصغيرة التي سقطت في نافذة العنكبوت
-
غمامة زها حديد تهبط على ضفة التيمز
المزيد.....
-
-الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر-
...
-
بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص
...
-
عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
-
بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر
...
-
كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
-
المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا
...
-
الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا
...
-
“تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش
...
-
بإشارة قوية الأفلام الأجنبية والهندية الآن على تردد قناة برو
...
-
سوريا.. فنانون ومنتجون يدعون إلى وقف العمل بقوانين نقابة الف
...
المزيد.....
-
تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين
/ محمد دوير
-
مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب-
/ جلال نعيم
-
التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ
/ عبد الكريم برشيد
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
المزيد.....
|