|
بريشة العالم الوردي .. لوحة حادثة
نبيل قرياقوس
الحوار المتمدن-العدد: 2294 - 2008 / 5 / 27 - 09:07
المحور:
المجتمع المدني
لو استفسرت من مجموعة عراقيين شاهدوا قبل دقائق باعينهم ، حادثة بسيطة او غير بسيطة ، في شارع ما في مدينتك او محلتك ، تهل عليك اجابات عديدة ، واحدة قد لا تشبه الاخرى ، وكأن كل واحد منهم شاهد حادثة غير التي شاهدها الاخر . منهم من سيخبرك انه شاهد شجار شخص مع لص حاول سرقته ، اخر سيقول ان شجارا حصل بين صاحب محل تجاري واحد الزبائن ، بينما ينبأك ثالث بقصة لا علاقة لها بالقصتين السابقتين ،حيث يقول ان امرأة عانت من ازمة قلبية سقطت في الشارع فتسارع الناس لمساعدتها ، يخبرك اّّخر بانه شاهد جمهرة من الناس وقد احاطت طفلا تائها ، وهكذا .. في حين تكون الحادثة الحقيقية هي نزاع بين سائقي سيارتين حول اسبقية مرورهما في الشارع ، وهذا ما لم يذكره احد من الشهود !! الكل يرى الحادثة وفق ظروف ومعايير تحكمه ، ربما كانت بعض تلك الشواهد قد حصلت فعلا بعد حصول النزاع بين سائقي السيارتين ، ربما تكون بقية الشواهد الاخرى ( ظنا ) للبعض بسبب ما تهيأ لهم من صور او احاديث لم يفهموها جيدا ، فتشكلت في ذهنهم وفق اقرب اجواء ومستويات تفكير يعيشونه ، فالذي اخبر عن عن شجار اللص ، قد يكون تعرض ( هو او احد اقاربه ) لحادثة سرقة في تلك الايام مثلا ، وصاحب قصة شجار صاحب المحل قد يكون احد المتأثرين بسؤ تصرفات بعض اصحاب المحلات او روادهم ، وصاحب رواية الطفل التائه قد يكون من الذين يخافون على اولادهم بسبب ظرف ما ، ودواليك . لا ننسى ان شهودا قد يصرحون بانهم رأوا ، وما هم رأوا شيئا ، لكونهم تأخروا لحظات عن الحادثة ، فاعتمدوا على ما سمعوه وليعتبروا انفسهم وكأنهم شاهدوا الحادثة ! الخلاصة ، سادتي ، لم اجد يوما تطابقا بين حكايتي شاهدين لحادثة بسيطة حصلت امامهما قبل دقائق ونحن في عصر الذرة ، فكيف ساصدق ما قيل او كتب عن اناس قبل عقود او قرون ؟ هذه الظاهرة او السلوك الاجتماعي ليس مقتصرا على مجتمع دون اخر ، وان اتساعه او تقلصه مرهون بالحالة الثقافية والعلمية لافراد المجتمع ، الدقة في نقل الحقيقة النسبية تزداد عند الانسان الذي تصقل ابصاره لغة العلوم والمنطق ، لذا فاننا نثبت تفاقم تلك الظاهرة الاجتماعية طرديا مع قدم الزمان . يهيأ لي ، ان احد اسرار عبقرية وشجاعة الراحل علي الوردي يكمن في تفهمه ضمنا لهذه الظاهرة من السلوك الاجتماعي الانساني ، بل انه استطاع رغم وجود صفات خاصة بالمجتمع العراقي ثبتها بنظريات لم يستطع احد للان مناقضتها ، ان يتابع الاحداث التأريخية العراقية وان يقع ( في اغلب الاحيان ) على حادثة النزاع الذي وقع بين سائقي السيارتين ، هذا لو اردنا تسهيل الحديث بمشابهة مستوى الاحداث التاريخية التي تعاطاها الوردي مع الحادثة التي رويناها في بداية كلامنا . اسلوب المبدع الوردي متميز باعتماد العلمية والمنطق في الحجة ، مع حشد ( صورة واقعية حية ) من حياتنا الاجتماعية اليومية خلال بحوثه ونظرياته ، ليستشهد بها قوة لصحة حججه . كم كنت اتمنى من الخالق تعالى ان يطيل عمر الراحل الوردي ، لاقابله وارجوه ان يرسم لوحة حادثتنا ، وليضعها مع مئات اللوحات التي رسمها عن العقل البشري والمجتمع العراقي بفكره الشجاع الخلاق ، ولتصبح فيما بعد اوضح صور رسمت بفرشة عبقري عراقي ابهرت ملامحها والوانها علماء العالم جميعا . في مقالاتنا القادمة المزيد من اللوحات ..
#نبيل_قرياقوس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
صباح الخير سوسن
-
نعم لقانون يحمي المغفلين وغير المغفلين
-
عاصفة حب وورود
-
مناهجنا التعليمية والبعد الثالث في صورى حركة المجتمع العراقي
-
موظفو حصار محترمون
-
تحقيق عن التعليم في العراق
-
اغنية للام
-
lممثلون
-
رقص شرقي
المزيد.....
-
اعتقال متهم سرق دراجة نارية بداخلها 9 آلاف دولار في بغداد
-
أول عربي يشغل منصب المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة
...
-
تداعيات حملة الاعتقالات الحوثية على العمل الإغاثي في اليمن
-
-نائب ترامب- يدعو لطرد -الكثير- من المهاجرين غير الشرعيين
-
بعد أحداث نهائي كوبا أمريكا.. اعتقال رئيس الاتحاد الكولومبي
...
-
بيان مشترك بين الإمارات ودول أخرى حول خطر المجاعة في السودان
...
-
اعتقال رئيس الاتحاد الكولومبي لكرة القدم وابنه بعد نهائي كوب
...
-
شهادات مروعة عن تعذيب أسرى غزة في سجون إسرائيل
-
صحيفة: العنصرية في تركيا لا تقل خطورة عن محاولة الانقلاب
-
منتدى حقوقي بالدوحة يبحث أوضاع المهاجرين في دول مجلس التعاون
...
المزيد.....
-
أية رسالة للتنشيط السوسيوثقافي في تكوين شخصية المرء -الأطفال
...
/ موافق محمد
-
بيداغوجيا البُرْهانِ فِي فَضاءِ الثَوْرَةِ الرَقْمِيَّةِ
/ علي أسعد وطفة
-
مأزق الحريات الأكاديمية في الجامعات العربية: مقاربة نقدية
/ علي أسعد وطفة
-
العدوانية الإنسانية في سيكولوجيا فرويد
/ علي أسعد وطفة
-
الاتصالات الخاصة بالراديو البحري باللغتين العربية والانكليزي
...
/ محمد عبد الكريم يوسف
-
التونسيات واستفتاء 25 جويلية :2022 إلى المقاطعة لا مصلحة للن
...
/ حمه الهمامي
-
تحليل الاستغلال بين العمل الشاق والتطفل الضار
/ زهير الخويلدي
-
منظمات المجتمع المدني في سوريا بعد العام 2011 .. سياسة اللاس
...
/ رامي نصرالله
-
من أجل السلام الدائم، عمونيال كانط
/ زهير الخويلدي
-
فراعنة فى الدنمارك
/ محيى الدين غريب
المزيد.....
|