أحمد عبد الحسين
الحوار المتمدن-العدد: 2296 - 2008 / 5 / 29 - 02:40
المحور:
كتابات ساخرة
في الخبر ان اسرائيل تستهلك من الورق أكثر مما تستهلكه الدول العربية مجتمعة. الصدمة التي يحملها الخبر أننا لم نزل أمة أميّة، لا نقرأ ولا نكتب، وان الانتقالة التي أنجزها العالم من الشفاهة إلى الكتابة لم تمسسنا، مثلها مثل الطور الانتقالي الذي يحدث الآن من القراطيس إلى الكومبيوتر، سيمرّ علينا ونحن في مجد أميتنا التليد.هذه محنة، نريد أن تكون لنا حصة من الحداثة ونريد أن نشارك الجميع في هذه الحفلة الكوكبية الضاجة بالمعارف والعلوم والفلسفات من دون أن نستطيع انجاز الخطوة الأهمّ المتمثلة في التزحزح عن وهم تطابقنا مع ذاتنا التأريخية التي طالما انتشتْ بأميّة كانت علامة معجزة واليوم هي علامة انحطاط.
يقال في معرض التنويع على انتشائنا بتأريخنا وتراثنا أن كتابنا المقدس يبتدئ بفعل الأمر (اقرأ)، وان العودة إلى هذا النبع المنسيّ كفيلة بتناغمنا مع العالم الذي لا يتقدم إلا بالقراءة، غير ان هذا تبسيط مخلّ، فالنهضة المعرفية العميقة لا يخلقها فعل أمر، والنواة الصلبة التي نختزنها في الضمير (نا) ونكافح لحفظها من التلف هي نواة نابذة لكل ما يدعو إلى القراءة بمعناها العميق، انها جوهر ما يعيد علينا الشفاهة والتكرار والتلقين المستلّ أساساً من خوفنا الأبديّ على عقيدةٍ نحسب ـ بوعيٍ أو بدونه ـ ان معارف الأرض تزاحمها، وان العلوم الحديثة تخدشها وان الحداثة نقض لها.
نحن لا نقرأ، يكفي أن نمعن النظر في شيوع الشعبيّ ثقافة وديناً لنرى كيف اننا اخترنا من الثقافة ما يتناغم مع نكوصنا وكسلنا وعدم رغبتنا في القراءة، ولنعرف ان سائد ثقافتنا لا يفصله عن الأمية شيء.
العرب أقلّ الأمم استعمالاً للكومبيوتر، أقلّ الأمم استعمالاً لشبكة الانترنت، أقل الأمم استهلاكاً للورق. يتحوّل العالم من طور ثقافيّ إلى آخر ونحن نسكن في تلافيف الضمير (نا) الداعي إلى كمون أبديّ في الثبات، ثباتنا في الجهل العظيم.
#أحمد_عبد_الحسين (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟