نشر في الحوار المتمدن نقلا عن " قاسيون "يوم 11 / 1 " البيان الاستثنائي للحزب الشيوعي السوري المساند للشعب العراقي " . والخبر يعني ان الحزب الشيوعي السوري قد قام ب " فعالية هامة جدا " مكرسة للشعب العراقي ! . وقد فرح العراقيون عندما قرأوا عنوان الفعالية ومقدمتها ، وكلما غاصوا في فحوى البيان ونزلوا سلم الفقرات زال الفرح وحل محلة استغراب ووجوم ، وثم عتاب شديد .وفي قراءة متأنية لذلك " الاستثنائي " يتبين للاسف الشديد ان الغرض منه هو ليس
لدعم الشعب العراقي وانما رسم موقفا مغيرا لمصلحة الشعب العراقي الحقيقية ، ولم يكن ايراده لبعض الفقرات ضـــــد الاحتلال وما شابه الاّ من باب قولة حق يراد بها باطل . اذ في الفقرة الداعية لدعم ما يسميها ب " المقاومة " تنسف كـــل ادعاء بأن هذا الجهد " الاستثنائي " هو لصالح الشعب العراقي وانما هو تماما ضد ه عندما يدعو لدعم وتشجيع أعدائه . والمصيبة ان ما خرج من جعبة الرفاق السوريين لم يكن في مؤتمر او فعالية عادية وانما في " مؤتمر استثنائي " والــذي يفترض ان يعقد لعظائم الامور ! . وفي الواقع لم يكن هذا الموقف غريبا من الاخوة في قيادة الشيوعيين السوريين ، لأنها ما زالت تعيش في الاجواء المضببة والمشبعة بالشعارات التي لا طائل من ورائها والتي ينطبق عليها وصف " الجملـــــــة الثورية " المنادية والضاجة ابدا ب "كلنا فداء للمعركة ، التحرير من النهر للبحر ، لا يعلو شيئ على صوت المعركـــــة و....الخ " من الشعارات التي عفا عليها الزمن . والتي هي اساسا من خزين القومجيين ، والتي لم يتحقق منها شيئ مــــنذ اطلاقها على مدى نصف قرن ولحد الان . لا بل بالعكس فقد جلبت الكوارث والويلات لشعوب المنطقة ، وبأسم هـــــــذه الشعارات وتحت سقفها مورست ، وما تزال تمارس مختلف الفظائع والجرائم والسرقات والنهب لثروات البلد وهـــــــدر لكرامة الانسان والاوطان . والبيان بحد ذاته يمثل روح فترة الخمسينات او الستينات من القرن الماضي ، وكأ ن الزمن قد توقف بالرفاق السوريين عند تلك الفترة .
لقد غيّب اصحاب البيان الكثير من الحقائق لا بل شوهوا تفسيرها على اعضائهم ومؤيديهم وجمهورهم ، وقد تجاوزوا الكثير من الحقائق الموضوعية ايضا . اذ انهم لم يعيروا بالا باية صورة لارادة الشعب العراقي والاغلبية الساحقة من قواه واحزابه السياسية وجمعياته ومنظماته الثقافية والاجتماعية والدينية في فرحته بالخلاص من النظام الدكتاتوري الشنيع . ولا برأي اوسع الجماهير العراقية وفعالياتها المختلفة بالعمليات الارهابية ، وتم تجاهل التضاهرات الجماهيرية العارمة في كل انحاء العراق ضد تلك القوى الاجرامية والتي وصفها البيان وبدون وجه حق ب" المقاومة العراقية " . والتي اصبح القاصــــي والداني يعرف من هي هذه " المقاومة " المزعومة ، المشكلة اساسا من المجرمين من بقايا النظام والذين فقدوا مصالحهم وامتيازاتهم وتلطخت ايديهم بدماء مئات الالاف من العراقيات والعراقيين الذين كان جلّهم من النساء والشيوخ والاطفال ، وهؤلاء " المقاومون " هم اصحاب المقابر الجماعية والانفال بأمتياز ، يساعدهم مجموعة من الوهابيين الاصـــــــوليين المتعصبين ، اضافة الى اخوانهم اللادنيين القادمين من خارج الحدود الذين لا تخفى اهدافهم ونواياهم على احد ، والتـــي تنحصر في محاولة ايقاف عجلة التطور والحضارة الانسانية ، وسحب العالم الى الوراء ليعيش في كنف القرون الاولـى للبشرية ! . ونقولها بصراحة ، ان اضفائكم صفة المقاومة على هذا الخليط الاجرامي غير المتجانس ودعوتكم لتقديــم الدعم والاسناد اليه ما هو الاّ اهانة كبيرة توجهونها لكل اهالي واقرباء ضحايا النظام الفاشي وهم من الكثرة بحيث يمثلون الغالبية الساحقة للشعب العراقي . ومما يجدر ذكره ان" المؤتمرين الاستثنائيين " تجاهلوا تماما رأي وموقف رفاقهم من الشيوعيين العراقيين بالوضع الجديد وبتواجد قوات التحالف وبالمقاومة المزعومة ايضا . ورغم البداهة في احترام وجهات النظر المختلفة ، الا ان اصول الامور كانت ستكون اكثر من مفيدة للاخوة السوريين لو كانوا قد استأنسوا برأي رفاقهم العراقيين الذين يعيشون الاحداث ساعة بساعة . وجميعنا نعرف مدى اعتزاز الديمقراطـــــــــيين والتقدميين و الشيوعيين السوريين وبشكل خاص قواعدهم وجمهورهم وثقتهم برأي وتحليلات رفاقهم العراقيين واستقلالهم في الكثير من المناسبات حتى عن " المركز " كما كان يقال سابقا . ويمكنني الادعاء بأن البيان لا يمثل الرأي الحقيقي للشيوعيين ولكثرة مـــن الديمقراطيين والتقدميين السوريين ولا يعبر عن مشاعرهم . ولا يختلف اثنان على ان البيان لم يكتب الاّ مراعاة للاجواء الرسمية السائدة في سوريا ، او بالاحرى اصطف البيان مع خط النظام وسياسته وكنت اتنمى من الاخوة واقصد بذلك الشيوعيين طبعا لوحــذوا حذو رفاقهم العراقيين عندما طلقّوا العلاقة مع الدكتاتورية وكانت في اولى مراحلها بعدُ، وانحازوا الى قضايا ومطاليب شعبهم ، وارتضوا بكل الالام والتضحيات واشكال لا حصر لها من المطاردة ومحاولات القضاء عليهم بشكل كلـــــــي . وخاضوا كل اشكال النضال بما فيها الكفاح المسلح مع قوى المعارضة الاخرى ، وقدموا مئات جديدة من التضحيات دون ان يوهنوا . لا بل كما يقول المثل ( ذهبوا .. فبقينا ) . لقد انحاز الشيوعيون العراقيون واعتقد ان ذلك يصلح للاخـــــــوة السوريين ايضا لتشابه الاوضاع ، لمصالح الجماهير ومطاليبها الحياتية والحيوية ، وكذلك وقفوا وما زالوا مــع الشعب الكردي والاقليات القومية طيلة محنتها ونضالها من اجل تأمين حقوقها القومية المتواضعة . ولم تغريهم او توهـمـــــهم " الدعاوى الكاذبة " للدكتاتوريات اوالسلطات بتغليب الوطني على الاجنبي و الامبريالي !، ووقفوا على الدوام ضد كـــل اساليب القمع والحكم على المواطنين باقسى الاحكام دون تقديمهم للمحاكم الاصولية ، ووقفوا مع كل الداعين والمناضلين من اجل اقامة نوادي المجتع المدني ، والاهم من كل ذلك ميزوا بين المناضلين والمقاومين الحقيقيين من اجل الاهــــداف الوطنية وبين مدعيّ الشعارات ( الثورية الفاضية ) ، وكذلك استوعبوا انه من الخطأ الوقوف مع الاصولية الدينيــــــــة والقومجية المدعية ، بحجة مقاومة العولمة او الامبريالية !!.
وتحضرني بهذه المناسبة احدى الاساطير التاريخية التي تحكي ، ان مجموعة من الوثنيين امسكت بأحد المؤمنين من اولياء الله الصالحين . وربطوه بالحبال واشعلوا الحطب من حوله محاولين احراقه حيا .وفي هذه الاثناء جاءه ولحكمة ربك كائنان احدهما طير والاخر حيوان من الزواحف الصغيرة . واخذ الطير ينقل الماء بمنقاره الصغير ويرشه على النار محاولا اطفاؤه ، اما الحيوان الاخر فكان يحاول جهده النفخ في النار لاذكائها . فنظر المؤمن اليهما باسى وخاطبهما بالقول ايها الطير المبارك ماؤك لا يطفي ناري ، ولكنه يدخل البرد و السلام الى قلبي ، اما انت ايها الحيوان الاخر، فنفخك لا يزيد من ناري ، ولكنه يشعل النار في قلبي .
وهكذا الحال مع الاخوة السوريين ، فموقفهم الداعم لل " المقاومة " حسب تفسيرهم و للارهاب حسب رؤيتنا، حتما لن يضرنا ، ولكنه في نفس الوقت يشعل النار في قلوبنا . وما يهمنا ونتمناه للاشقاء السوريين ان يكون بمقدورهم ان يتلمسوا ويشخصوا بنجاح الطريق الصائب لنضالهم لكي يحافظوا على مكانتهم في افئدة جماهيرهم وشعبهم.واتمنىان لا يفهم من قولي انه محاولة انتقاص من الاشقاء ، وفي كل حالات تبادل الاراء والعتاب لن يقلل ذلك من الحب والود الذي نكنه للاشقاء لانهم احتضنوننا و لسنوات كثيرة ومنحونا الرعاية و الدفأ.
صبحي خدر حجو
13 . 01 . 2004 المانيـــا
*******************
قرار المؤتمر الاستثنائي للحزب الشيوعي السوري حول مساندة الشعب العراقي
http://www.rezgar.com/debat/show.art.asp?aid=13522
ِ