|
فاتن حمامة : السير علي حافة الهاوية
أشرف بيدس
الحوار المتمدن-العدد: 2294 - 2008 / 5 / 27 - 10:57
المحور:
الادب والفن
النجومية ليست رفاهية، يستطيع أن ينالها أي شخص، ولا هي أيضا مقرونة بعمل أو مصادفة تلقي نجاحا فتحدث دويا مؤقتا سرعان ما يخفت بعد فترة، ولكنها عدة نجاحات متتالية ومتوالية، وثقافة ووعي وقدرة علي التطور0 إن العباقرة هم من لديهم القدرة علي السير علي حافة الهاوية دون أن تنزلق أقدامهم، أو أن يفقدوا التركيز نتيجة السير لفترات طويلة، وربما هذا ما يجعلهم دائما قلقين، وهم أيضا الذين يشعرون بالرهبة عند الإقدام علي أي عمل جديد، إنه القلق الذي يصنع العبقرية00 أو العبقرية التي لا تستغني عن القلق0 الصدق00 التلقائية00 البساطة00العفوية00 الوقار00 الإناقة00 الجدية00 الدقة00 الضعف00 القوة00 كلها صفات نسجت شخصية فاتن حمامة سيدة السينما المصرية00 وهي أيضا أدواتها التي تستقطب بها عيني المشاهد وأذنيه وتدخله معها في عالمها الخاص؛ لتبدأ الحكي، فتأتي شخصياتها المتنوعة والمتعددة00 يرقبها الناس وهي تجسد تلك الحالات وهم منساقون بحضورها الطاغي وتمكنها في رسم شخصيتها بمنتهي الدقة والبراعة00 منذ فيلم «يوم سعيد» إخراج محمد كريم 1940، وحتى فيلم «أرض الأحلام» إخراج داود عبد السيد 1993 كانت تحتل القمة0 تفتح وعيها علي الفن مبكرا، ومن صورة منشورة في مجلة «الاثنين» لاختيار أجمل طفلة في ثلاثينيات القرن الماضي، يلتقط المبدع محمد كريم الخيط ويكشف عن مخزون الموهبة في نظرة عينيها، ويسند إليها أول عمل، وتلفت الانتباه والإعجاب في حضرة عبد الوهاب بكل ما يحمله من صولجان وشهرة، وتبدأ «فاتن» أو «أنيسة» الرحلة، وتتوالي الأعمال بعد ذلك: (رصاصة في القلب، أول الشهر، الهام، ملاك الرحمة»0 أعمال محفورة في ذاكراتنا0 فاطمة00 آمنة00 نوال00 أمال00 نعمة، نماذج للمرأة من قري وقصور مصر المحروسة، تلعب أدوارها بإحساسها الشفاف الذي يخترق الشخصية ويكشف عن خزائنها، تبحر في التفاصيل لتنحت في الذاكرة وشما محفورا لا تمحيه الأيام0 لم تكن مستكينة دوما00 ولم تكن متمردة علي طول الخط، بل هي خليط من الفرح والحزن، الأبيض والأسود، وأيامها متغيرة، يوم حلو ويوم مر، لكنها في كل الحالات الحلوة والمرة فاتن حمامة00 فنانة تزحف إليها الرقة، لتستزيد من نبع لا ينضب ولم يجف00 قليلة الكلام00 لكنها عندما تتكلم تصمت الأفواه لتستمع، لا تقبل المعاني المزدوجة أو الكلمات ذات المفردات الكثيرة، لا تجيد الالتفاف أو المنحنيات، أن أكثر الطرق للوصول إليها هو الصدق، شديدة القوة في ضعفها ، وشديدة الضعف في قوتها00 إنها الجسر العتيد الذي تلاقي عليه العشاق ورددوا كلمات الحب الآسرة الخالدة التي كانت ترددها علينا00 إنها الكلاسيكية التي تحمل روح 2005 بكل مشتملات العصر وتطوره، أتاحت لها علاقاتها مع عمالقة الفن والأدب والمجتمع الرؤية الثاقبة للحكم علي الأشياء، وتأثرت بالكثيرين وأثرت في الكثيرين، تعلمت من طه حسين ومصطفي وعلي أمين، وأحمد بهاء الدين، وإحسان عبد القدوس، ويوسف وهبي، ومحمد كريم، وصلاح أبو سيف، ونجيب محفوظ، وكامل الشناوي وتوفيق الحكيم، ومحمد عبد الوهاب ويوسف أدريس عقول الأمة ومفكريها، إلا أن معلمها الأول هو أحمد حمامة (والدها) الذي زرع داخلها المبادئ والقيم واحترام الكبير والصغير0 أريد حلا00 الحرام00 دعاء الكروان ثلاث صور متفاوتة للقهر والظلم والقسوة00 استطاعت أن تعبر من خلالها عن معاناة المرأة المصرية القابعة تحت ويلات الفقر والتخلف والجهل ، نماذج تعيسة تبحث عن حلول إنسانية لمواصلة العيش في عالم مكبل بقيود الرجعية، نسجت بأدائها العبقري ملحمة إنسانية شديدة الصدق والثراء وأطلقت صراخاتها وأناتها لتعلن رفضها الصريح لوطأة ما يحدث لعزيزة وآمنة ودرية0 الأجيرة00 الارستقراطية00 الأم00 الابنة 00 الجدة00 الخادمة00 السيدة00 العاملة00 المالكة00 الشاحبة00 المتفتحة00 الصامتة00 الصارخة00 إنها الماسة التي تزين صدر الوطن، كانت ومازالت رمز للموهوبات، وأستاذة فن التمثيل الأولى 00 لم يقف إبداعها عند فترة معينة، بل واكبت كل المراحل ومازالت00 وصار أداؤها المميز دروساً تلقي علي الوافدات الباحثات عن التفرد والتميز، يطلق علي عصرها ، زمن الفن الجميل، من يرغب في رؤية فتاة الأربعينيات والخمسينيات عليه أن يشاهد أفلامها، فقد كانت خير من حمل صفات عصرها، وفي الستينيات والسبعينيات والثمانينيات كانت الأم التي تطورت مع المجتمع وشهدت تغييراته الكثيرة00 حياتها سجل حافل بالأعمال والنجاحات وأيضا الصراعات والأحداث00 إنها نموذج متفرد في عالم الفن، وسفيرة فوق العادة، اقترن اسمها بالجدية والعفة، ولم تنل منها الإشاعات أو الأقاويل الكاذبة، فقد كان سلوكها يحصنها من أي زوابع، ولم تكن حياتها الخاصة مادة للفضائح، فهناك خطوط حمراء لم يستطع أحد أن يتجاوزها00 إن مسيرة فاتن حمامة السينمائية شهادة علي أن عصرها، كان عصر يتصف بالإناقة والرقة والإبداع0 كل سنة وأنت طيبة00 اشرف بيدس
#أشرف_بيدس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
رسالة إلى امرأة غير استثنائية
-
مارسيل خليفة: صوت البسطاء
-
الراقصات والسينما
المزيد.....
-
-ثقوب-.. الفكرة وحدها لا تكفي لصنع فيلم سينمائي
-
-قصتنا من دون تشفير-.. رحلة رونالدو في فيلم وثائقي
-
مصر.. وفاة الفنان عادل الفار والكشف عن لحظات حياته الأخيرة
-
فيلم -سلمى- يوجه تحية للراحل عبداللطيف عبدالحميد من القاهرة
...
-
جيل -زد- والأدب.. كاتب مغربي يتحدث عن تجربته في تيك توك وفيس
...
-
أدبه ما زال حاضرا.. 51 عاما على رحيل تيسير السبول
-
طالبان تحظر هذه الأعمال الأدبية..وتلاحق صور الكائنات الحية
-
ظاهرة الدروس الخصوصية.. ترسيخ للفوارق الاجتماعية والثقافية ف
...
-
24ساعه افلام.. تردد روتانا سينما الجديد 2024 على النايل سات
...
-
معجب يفاجئ نجما مصريا بطلب غريب في الشارع (فيديو)
المزيد.....
-
مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة
/ د. أمل درويش
-
التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب
...
/ حسين علوان حسين
-
التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا
...
/ نواف يونس وآخرون
-
دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و
...
/ نادية سعدوني
-
المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين
/ د. راندا حلمى السعيد
-
سراب مختلف ألوانه
/ خالد علي سليفاني
-
جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد
...
/ أمال قندوز - فاطنة بوكركب
-
السيد حافظ أيقونة دراما الطفل
/ د. أحمد محمود أحمد سعيد
-
اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ
/ صبرينة نصري نجود نصري
-
ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو
...
/ السيد حافظ
المزيد.....
|