|
مات جاهل للحقيقة
رمضان عبد الرحمن علي
الحوار المتمدن-العدد: 2293 - 2008 / 5 / 26 - 09:01
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
بين ثقافة الجحد وبين ثقافة المعروف، فالذي تأسس وتربى على الجحد منذ طفولته مهما فعلت معه من معروف يظل جاحد لمن يقدمون له هذا المعروف، لأنه تربى على ذلك ولن يتغير معتقداً أنه على صواب بهذا الجحد، عند بعض الأشخاص الذين تقابلت معهم في مجال عملي الشاق، والذي يجعلك تشفق على من هو أضعف منك سواء كان على المستوى البدني أو على المستوى المهني، وبما أنني أعمل في مجال البناء والمقاولات بصفة عامة، كان يعمل معي أحد الأشخاص وكنت حين أراه وهو في العمل يعمل بصعوبة وبمجهود، كي لا يصبح مقصر مع الذين يزاملهم في العمل، حتى يستمر بسبب ظروفه المادية، وكنت أتعامل معه على حساب هذه الظروف والله يعلم ذلك، ولا أريد أن أدخل في تفاصيل، وظل بذهني ظروف هذا الشخص إلى أن أراد الله وتوفرت له فرصة عمل بعيدة عن مجال البناء، والتي كان يعاني منها، فعرضت عليه الأمر فقال أنا من يدك هذه ليدك هذه، وتوفق بهذا العمل الجديد واستمر فيه سنوات دون أن أشعره لحظة بأنني بحثت لك عن هذا العمل، وإن هذه ليست من ثقافتنا التي تربينا عليها ونحمد الله على ذلك، والتي رسخت فينا هذه المبادئ منذ الصغر، وزرعت فينا التسامح وأن نصفح حتى مع المسيئين إلينا، من ربانا على ذلك؟!... أستاذنا ومعلمنا الذي أكن له كل احترام، وسوف أذكر موقف من المواقف التي تعرضنا لها نحن أصحاب الفكر المتسامح والله على ما أقول شهيد، في صيف عام 1988 من القرن الماضي كنت أخدم في الخدمة العسكرية، ودون ترتيب تقابلت مع الدكتور منصور وهو آتٍ من القاهرة إلى بلدة أبو حريز، ودار الحديث أنا وهو على الاطمئنان على العائلة والأقارب كعادته الطيبة، وكان في ذلك الوقت أهل القرية يتهموننا بالكفر لأننا نصلي في بيوتنا حتى لا نستمع إلى السب والشتائم الموجهة إلينا من أهل القرية وهم في مساجدهم، لكي لا ندخل في صدام مع هؤلاء الناس كنا نصلي في بيوتنا واستمر ذلك سنوات طويلة، فأصبح لا يربطنا بأهل هذه القرية إلا السلام والمواقف الاجتماعية أو الحتمية كحالات الموت التي لا يتأخر أحد فيها بمثل هذه الأمور، ولكن هؤلاء الناس لم يهدأوا فتقدموا بالشكاوى ضد الدكتور صبحي وعائلته وجميع أقاربه بأن هؤلاء كفرة ويجب على السلطات القبض عليهم أو تمنعهم من الصلاة في بيوتهم. ثم أكملت الحديث مع الدكتور وقلت له ونحن في الطريق إلى أبو حريز، هل سنترك هؤلاء الجاحدين للإنسانية دون حساب، فقال بالحرف الواحد والله يعلم أنني لم أزايد بحرف مما قاله الدكتور في ذلك الوقت، قال: (أنا حين أتشطر لن أتشطر على أولاد بلدي)، ففوجئت بهذا الرد، وقال لي أن التسامح مع الذين يسيئون لك أفضل شيء ويجعلك أنت الأقوى، والأغرب من كل هذا الكلام أن أحد الأشخاص الذين حاولوا الكيد بالدكتور وبنا بالشكاوى الكيدية، قبل أن نصل إلى البيت ونحن بجوار منزل هذا الشخص أخذ الدكتور بالأحضان و(تفضلوا تفضلوا يا دكتور)، وقد مات هذا الرجل وأدعو له بالرحمة، لأنه مات جاهل للحقيقة مخدوعاً في أهله ومن حوله من الجاهلين أمثاله، الذين زرعوا ككبش فداء، ثم في نهاية عمره تخلى عنه أقرب الناس له لأنه أصبح كرت خسران (لا يهش ولا ينش)، ولم يعد له تأثير على من قام بالشكاوى ضدهم، كانت هذه هي إحدى وظائف أحد الأشخاص الجاحدين إلى الحق والإنسانية مثل أخينا الذي لم أسيء له وأتعامل معه بكل احترام ولم أقصر معه تجاه أي مساعدة يطلبها مني، ثم بعد ذلك أفاجأ بقوله هو وبعض الأشخاص بأنني كافر ولا يجب التعامل معي، وعلى فرض أن فلان هذا كافر على حد قول هؤلاء، وبالرغم أن فلان هذا لا يتعامل مع هؤلاء الأشخاص إلى بلغة الإنسانية والاحترام والمعروف والإشفاق عليهم دون نفاق، ولكن يبدو أن ثقافة الجحد عند كثير من الناس، لا يعترفون بمن قام لهم بمعروف، ويكون الجزاء أن يكفرون هؤلاء وينكرون معروف هؤلاء، وإذا كان الذي يعمل المعروف يتهم بالكفر فماذا عن الذي ينافق ويجحد ويسب الناس دون وجه حق؟!.. ماذا نطلق عليه غير أنه إذا استمر على هذا الاعتقاد الخاطئ سوف يموت جاهلاً للحقيقة ويكون قد أمضى حياته دفاعاً عن الباطل ومهاجماً للحق ولن يعلم عن الحق الذي كان يسخر منه في الحياة الدنيا ويعلم أنه حق إلا يوم الحق يوم يبعث بعد الموت، ولا يملك أحد له من الله شيئاً كما قال الواحد القهار: ((يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لاَ يُظْلَمُونَ)) سورة النحل آية 111.
وهذه هي نقطة الخلاف بين من يتهموننا بالكفر مستخدمين عبارات وألفاظ تزول منها الجبال، ونحن لا نملك إلا الصبر والتسامح ونصفح عمن يسيء إلينا، وندعو الله أن يهدينا ويهديهم دون أن نسخر من أحد، وهذا هو الفرق بين من تربى على ثقافة المعروف ومن تربى على ثقافة الجحد، مع الأخذ بالاعتبار ودون أن نزكي أنفسنا والله تعالى يعلم ما بداخل أنفسنا ولا يخفى على الله شيء.
#رمضان_عبد_الرحمن_علي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
لكل عصر أدواته
-
الانترنت وطنين الدبابير
-
الأم وأولاد الجيران
-
لن نتقدم بدون حرية
-
أحياناً يظلم الإنسان نفسه
-
اليهود والمسلمين والثقافة المغلوطة
-
المواطن العربي وارتفاع الأسعار
-
عدد سكان العالم
-
حلم أتمنى أن يتحقق
-
الصراع العربي الإسرائيلي
-
القانون والعالم
-
وكر الاستبداد في الشرق الأوسط
-
عندما يلحق الإنسان بالأنعام
-
المطرقة والشعوب العربية
-
طغاة ونساء
-
ساقية جحا
-
العدد في الليمون
-
من أجل الأقباط والأقليات
-
ما أكثر الديانات والمذاهب في هذا العصر
-
شرع القرآن وشرع الإخوان
المزيد.....
-
تفجير جسم مشبوه بالقرب من السفارة الأمريكية في لندن.. ماذا ي
...
-
الرئيس الصيني يزور المغرب: خطوة جديدة لتعميق العلاقات الثنائ
...
-
بين الالتزام والرفض والتردد.. كيف تفاعلت أوروبا مع مذكرة توق
...
-
مأساة في لاوس: وفاة 6 سياح بعد تناول مشروبات ملوثة بالميثانو
...
-
ألمانيا: ندرس قرار -الجنائية الدولية- ولا تغير في موقف تسليم
...
-
إعلام إسرائيلي: دوي انفجارات في حيفا ونهاريا وانطلاق صفارات
...
-
هل تنهي مذكرة توقيف الجنائية الدولية مسيرة نتنياهو السياسية
...
-
مواجهة متصاعدة ومفتوحة بين إسرائيل وحزب الله.. ما مصير مفاوض
...
-
ألمانيا ضد إيطاليا وفرنسا تواجه كرواتيا... مواجهات من العيار
...
-
العنف ضد المرأة: -ابتزها رقميا فحاولت الانتحار-
المزيد.....
-
الانسان في فجر الحضارة
/ مالك ابوعليا
-
مسألة أصل ثقافات العصر الحجري في شمال القسم الأوروبي من الات
...
/ مالك ابوعليا
-
مسرح الطفل وفنتازيا التكوين المعرفي بين الخيال الاسترجاعي وا
...
/ أبو الحسن سلام
-
تاريخ البشرية القديم
/ مالك ابوعليا
-
تراث بحزاني النسخة الاخيرة
/ ممتاز حسين خلو
-
فى الأسطورة العرقية اليهودية
/ سعيد العليمى
-
غورباتشوف والانهيار السوفيتي
/ دلير زنكنة
-
الكيمياء الصوفيّة وصناعة الدُّعاة
/ نايف سلوم
-
الشعر البدوي في مصر قراءة تأويلية
/ زينب محمد عبد الرحيم
-
عبد الله العروي.. المفكر العربي المعاصر
/ أحمد رباص
المزيد.....
|