أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أشرف عبد القادر - حوار مع الدكتور محمد عاطف أحمد السيد طنطاوى















المزيد.....



حوار مع الدكتور محمد عاطف أحمد السيد طنطاوى


أشرف عبد القادر

الحوار المتمدن-العدد: 712 - 2004 / 1 / 13 - 05:36
المحور: مقابلات و حوارات
    


أمريكا ليست معادية للإسلام بل معادية لمن يضر بمصالحها
• كنت قلقاً في طفولتي، بدأت مع الإخوان وانتهيت ماركسي ليبرالي.
• يجب النظر إلى الدين كظاهرة اجتماعية سسيولوجية.
• يجب قراءة القرآن قراءة تاريخية.
• لابد من فصل الدين عن الدولة.
• تقديسنا للغة العربية يمثل عائقاً لتحديثها.
• يجب أن نتحول من فكر المجتمع الزراعي إلى فكر المجتمع الصناعي.
• الشعراوي صور الغرب في صورة عبيد لنا.
• المتأسلمون ينظرون للعالم خلال ثقب إبرة.
• المتأسلمون يكفرون الغرب لأنهم خضعوا لإرادته العلمية.
• تعليمنا تلقيني والتفكير فيه ممنوع ولابد من تغييره.
• لو لم تخرج أمريكا صدام من الكويت ما خرج منها حتى الآن.
• أمريكا ستفشل في السيطرة على العراق.
• سقوط بغداد سيكون له مؤشر إيجابي على القضية الفلسطينية.
• عرفات انتهي دوره كزعيم وعليه أن يحمل عصاه ويرحل.
• مفهوم الحداثة ألغي الجهاد تماماً.
• أقول للشباب إقرأوا فكر الأنوار ولا تكتفوا بفكر المودودي وسيد قطب. 
ذهبت للقاء د. عاطف أحمد الطبيب النفسي وأنا أتذكر تاريخ البشرية التي تخاف من كل ما هو جديد، وتتمسك دائماً بالقديم رغم مساوئه، وتذكرت كيف أن الحداثة كما ذكر فرويد كابدت ثلاثة جروح نرجسية قلبت كل موازين الفكر البشري خلافاً للمعتقدات الساذجة ، أما الجرح الأول فهو ما قاله جاليليو من أن الأرض ليست هي مركز الكون، بل إنها كوكب ضئيل بين الكواكب، أما الجرح الثاني فهو ما قاله داروين بنظرية التطور، من أن الإنسان ليس هو مركز الكائنات وسر الوجود ومن أن الله خلقه على صورته وخلق كل شيء من أجله، فأثبت داروين أن الإنسان ليس إلا كائناً بين الكائنات، تطور عن أصل قرد، أما الجرح الثالث فهو ما اكتشفه فرويد نفسه، خلافاً لما هو سائد حيث كانوا يعتقدون أن العقل هو مركز الإنسان، فقال لهم فرويد أن العقل ليس سيداً في بيته وأن السيد الحقيقي للعقل نفسه هو اللاعقل أي "اللاشعور" كانت هذه الاكتشافات العلمية بمثابة الجروح الثلاثة التي حطمت الأوهام الكبرى التي عاشت عليها البشرية دهوراً، وبعد أن التقيت د. محمد عاطف أحمد وعرفت منه أنه ترك مهنته كطبيب نفسي وتفرغ للكتابة والفكر وهي هوايته المفضلة.أعترف أني لم أقرأ شيئاً للدكتور عاطف احمد. لكن بعد إجراء الحديث معه شعرت أنني أمام مفكر متعدد المواهب وعميق الفكر وجدير بي أن أتتلمذ عليه وهو ذات الشعور الذي استولي علىّ وأنا أستمع للأستاذ جمال البنا صاحب المدرسة الفقهية القرآنية الجديدة ، ولشافعي مصر المستشار والصديق الأستاذ محمد سعيد العشماوي، ولجبرتي مصر المعاصرة د. رفعت السعيد، وللأستاذة الفاضلة التي جمعت بين الثقافة والشجاعة الفكرية والسياسية سيدتي فريدة النقاش التي أتمني أن يستمر عطاؤها لبنات وأبناء مصر العزيزة التي هي دائماً في القلب.
أجري الحديث / أشرف عبد الفتاح عبد القادر

• د. محمد متى وأين ولد ؟
أنا من مواليد 1/10/1939 في قرية الفانت محافظة بنى سويف.
• كيف كانت طفولة د. محمد عاطف ؟
كانت طفولة قلقة لأنني كنت كثير الأسئلة ولا استقر على حال وحتى الآن وأنا تلازمني هذه الحالة .
• ما هي ذكرياتك عن الطفولة ؟
لا أذكر الكثير عن هذه المرحلة ولكنها كانت طفولة عادية كأي طفل ولكن الذي كان يميزها هي عدم استقراري على حال .
• ما هي العوامل التي أثرت في فكرك وتكوينك الثقافي ؟
أنا بدأت مع جماعة الإخوان المسلمين ثم انتقلت إلى فكر خالد محمد خالد ، ثم انتقلت مع سارتر إلى الوجودية وانتهيت بالماركسية والآن إلى الليبرالية، وتستطيع أن تسميني ماركس ليبرالي إن جاز هذا التعبير .
• في حوار جانبي معك ذكرت لي أنك تركت الطب النفسي وتفرغت للكتابة. كيف حدث ذلك ؟
كان والدي يريد أن أدخل كلية الطب،وكنت لا أريد ذلك وأريد أن أشتغل بالفكر وكان يشتكى للجيران والمقربين من رفضي تلبية رغبته ، وساءت حالته الصحية، حتى أنني دخلت كلية الطب إرضاء له ، ولكن وأنا في كلية الطب كنت قد ‘اعتقلت وعندما خرجت من السجن، وجدت أنني فصلت من الكلية وقضيت أربعة سنين بعد  الفصل حتى عدت إلى الطب مرة أخرى فكنت في توتر بين الطب والفكر وتخرجت من الطب سنة  1966 ومكثت عشر سنوات في كلية الطب حيث كنت قد التحقت بها في عام 1956 وعندما تخرجت لم أجد مصدراً للدخل سوى الطب فعملت بالطب ولكني كنت أكتب بعض المقالات وأخذ عليها ثمناً زهيداً .
• كم كان أجر المقال وقتها ؟
ثمانية جنيهات ، وكان هذا مبلغ لا باس به ،حيث يمكنك العيش به شهراً كاملاً وكنت في تناقض باستمرار بين الطب والفكر ، وكتبت كتاب " نقد الفهم العصري للقرآن " عام 19970 هذا الكتاب كتبته وأنا طبيب ، والكتاب الآخر1971 وهو "دراسة في نقد العقل الوضعي ذكى نجيب محمود".
• عملت بالطب إلى متى ؟
من عام 1967- 1990
• هل كنت دكتوراً ناجحاً ، أم أنك كنت تمارسها لكسب العيش فقط ؟
لا شك أن الطب النفسي ساعدني في فهم الحياة ، وكانت له انعكاسات على حياتي ، ولى بعض التحفظات على فرويد فاكتشاف اللاشعور كان أعظم شيء اكتشفه فرويد وانعكاس ذلك في الأحلام ، لكن لى تحفظات على عقدة أوديب، هناك موقف أوديبي ، موقف الاستقلال الشخصي عن الأم يبدأ الإنسان في السيطرة على أجهزته البيولوجية ، أما فكرة أن تؤول تأويلاً جنسياً، هذه تخريجات من خارج العلم ،وخارج الخبرة الاكلينيكية التي عاشها فرويد ، فهو يتصور أن الهذيان عقدة شخصية من حالة صراع ما عاشه الإنسان واضطر أن يكبت مشاعره فيه ولم يعبر عنه وقتها وبالتالي حدثت حالة تثبت شعوري فيها، الفكرة هنا أن العلاج بالنسبة له هو العودة إلى الموقف هذا وأن تعيشه أنفعالياً بشكل ثاني وتعبر عنه من جديد ، وأنا لا أرى ذلك ولا اقتنع به .
• د. عاطف عمل لأوائل التسعينات بالطب النفسي إرضاء لوالده فما الذي حدث له ليتفرغ للفكر ويترك الطب ؟
كنت أعمل بالفكر وأنا طبيب ، وكانت هناك مشاغل فكرية تشغلني باستمرار، والتساؤلات مستمرة باستمرار منذ الطفولة .
• هل اثر عملك كطبيب على فكرك ؟
لا أعرف بالضبط ، ولكنه ساعدني على فهم الناس ، وساعدني على أن أضع نفسي موضع الناس لأفهم وأتفهم دوافعهم وبالتالي على التماس الأعذار لهم لأني أعرف أسباب تصرفاتهم لأنهم صادقون مع أنفسهم،حتى ولو كانت أفكارهم وتصرفاتهم خارجة على المألوف وعلى القانون وعلى الخلاق. فالناس ضحايا تربيتهم في طفولتهم ومراهقتهم، وضحايا الصدمات النفسية التي عانوها، حتى الجلاد هو دائماً جلاد وضحية في نفس الوقت. فلا شك أن ذلك اثر في تفكيري.
 * كنت أحد المشاركين في المؤتمر الذي انعقد في باريس لتحديث الخطاب الديني لمواجهه تحديات القرن الحادي والعشرين .ما هو ملخص الورقة التي أسهمت بها لتحديث الخطاب الديني ؟
أولاً مسألة الخطاب الديني لي ملاحظة على الاسم ، لماذا قلنا خطاب ولم نقل فكر؟ أنا أفسر ذلك بأن كلمة خطاب حديثة الاستعمال أو الموضه ، فلو أخذنا كلمة خطاب،فسنجد أن معناها منظومة ما فكرية يوحّد بينها هدف معين، وليس شرطاً أن تكون مكتوبة ، إنما أي منظومة حول منهج موحد وطريقة تفكير موحدة فهل الخطاب بهذا المعنى ينطبق في حالة الدين ؟ مثلاً الدين الشعبي مثل التصوف غير مكتوب لكن هناك خطاب أو منظومة فكرية معينة . الملاحظ أن تعبير خطاب يكون أوسع من فكر ، لكن الموقف الأساسي هو أن الخطاب الديني جزء من الخطاب الفكري جزء من ثقافة وبنيه المجتمع . لكن نحن كمثقفين يمكن أن نكون عامل تأثير وهذا بشكل ما يؤدي إلى مدى أوسع خلال علاقتنا بالجماهير واتصالنا بالناس يمكن أن يشيع هذا الفكر إذا جاءت ظروف اجتماعية وسياسية واقتصادية يمكن أن يكون هناك تغيير أما إذا لم يحدث هذا التغيير سيكون دور الفكر محدود ويجب أن نتفق أولاً فيما بيننا على مفردات ما أو قيم فكرية ما منها التعددية ، قبول الآخر . من الممكن أن اختلف مع فكرك لكن خلافنا الفكري لا يتحول إلى خلاف شخصي كما الأمر عندنا ، الخلط بين الشخص وفكره مسألة لم نحلها . ممكن كمثقفين أن نتناول الدين بشيء أسميته " الإسلام النقدي "  والمقصود به النظرة النقدية من داخل الفكر الإسلامي فالقرآن مثلاً فيه مكون عقيدى ومكون عبادي ومكون دنيوي ، المكون الدنيوي في القرآن ليس دينياً إطلاقاً ويجب فصله عن الدين تماماً، المشكلة الأساسية في الخطاب الديني هو الخلط بين الدنيوي والديني، النبي نفسه قال:" إنما أنا رسولكم في أمور دينكم أما أمور دنياكم فأنا وإياكم فيها سواء" .
فيجب النظر إلى الدين كظاهرة اجتماعية سسيولوجية فكرية مرتبطة بسياق ثقافي أو اجتماعي معين فالجانب العقيدى لازم على اعتبار أن العقيدة هي العبادات ، على اعتبار أن ظاهرة الاعتقاد نفسها فوق مقياس الخطأ والصواب مسلة نفسية بحته . الفكرة هنا أن موضوع الاعتقاد يختلف عن موضوع الفكر. نميز بين الاعتقاد الذي هو ارتباط نفسي وقناعة شعورية مرتبطة بالوجدان بالاحتياج النفسي ، وهناك شئ مهم بالنسبة للعقيدة الدينية أنها تجيب على أسئلة خارج نطاق العلم وخارج نطاق أي مبحث منطقي. تجيب على أسئلة المعنى الكلى والغاية وارتباط الإنسان بالحياة وبوجود الشخص ومسألة الوجود تعطى معنى لهذه الأشياء وتشعرنا بوجود قوة ما ترعاني كشخص وتوجهني  فالإنسان يحتاج إلى هذه القوة التي تعبر عن احتياجات نفسيه متعددة ، الإيمان تسكين وليس تفكير فأنا محتاج إلى وجود إلهي لأتعايش معه وارتبط به . العقيدة بهذا المعنى لا تناقش بل تحلل سيسيولوجيا ونفسياً وانتروبولوجياً ورمزياً ..إلخ. ولكن لا تناقش ولا تخضع للمحاكمة المنطقية أو منطق الخطأ والصواب كالعلم فهي فوق العلم بهذا المعنى أو خارج نطاق العلم وتستلزم القبول أو الرفض . المادية والمثالية مثلاً وهى مذهب، كان للينين تعبير غريب جداً كنا نستغربه، كان يقول إن المادية والمثالية مسلمتان فلا تستطيع أن تدلل على صحة المثالية وكذلك المادية ولكنها نظرية . لذلك الجانب العقيدي يجب التسليم به، ومجال نقدها أو تحليلها هو سيسولوجيا الدين  أو تاريخ الأديان المقارن ، أو السيكولوجيا وليس المنطق ولا العلم ، العلم بمعنى العلم التجريبي الذي يدرس الظواهر الخاضعة للقياس. لكن الله وخلود الروح والجنة والنار وأمور لا يمكن إخضاعها للتجربة أو القياس. فإما أن تؤمن أو لا تؤمن فالمسألة شخصية تخصك وحدك.
الفكرة هنا أن الجانب الغير عقيدي المذكور في القرآن والنص الديني الدنيوي كان مرتبطاً بالواقع ارتباطاً شديداً جداً وارتباطاً كلياً ، فأي نص دنيوي ورد في القرآن مرتبط بوقائع محددة ، فلو لم تحدث هذه الوقائع ما نزل للنص ، إذن النص محدد بأحداث معينة في ظروف معينة لناس معينين ، بعقلية وتركيبه معينه بهذا يمكن فهم الجزء الدنيوي الموجود في القرآن فالمسألة هنا رؤية نقدية للتشريعات والقصص القرآنية بحيث أن التناقضات هنا بلا حل إذن يجب قراءة القرآن قراءة تاريخية لمعرفة أسباب النزول. ليس فقط معرفة أسباب النزول ، بل أيضاً إعادة التفكير في النص القرآني و في فكرة ارتباط النصوص بالواقع ككل ومفهوم ، ما الذي جعلها ترتبط بالواقع وما دلاله ذلك ، أنا أرى محمد لم يكن مجرد نبي أو رجل دين ، بل كان إنسان يعيش في واقع اجتماعي مع أنه غير هذا الوضع الاجتماعي بشكل ما بحيث أنه كوّن كياناً ما يحمل العقيدة الدينية تكوين الكيان جزء منه وأساس في التشريعات الدينية والنصوص الدينية عموماً .
• لكن لا يمس العقيدة ؟
لا شأن له بالعقيدة ولا يمكن أن تستنتجيه من العقيدة ، فالعقيدة لا يمكن أن تستنتج منها أي دافعة دنيوية، لكن العبادات مرتبطة بالعقيدة ، بمعنى أنها قرب للكائن المقدس الذي ترتبط بوجوده. وهناك أخلاقيات عامة مرتبطة بذلك ليس لها علاقة بذلك ، كل هذه التركيبة هي متجاوزة لفكرة الخطأ والصواب بالمعنى التجريبي . أما الشيء المهم الذي أريد أن أقوله نلاحظ أن التشريعات على سبيل المثال والوقائع التي حدثت وقتها نجد أن بها تشريعات خاصة بها وبوقتها هناك موضوعات لم تطرق نهائياً فلم يكن لها تشريعات، معنى ذلك أن التشريعات مرتبطة بالوقائع بالجزيرة وبمجتمع الجزيرة ، وليس هناك تخطيط لما هو آت أو للإنسانية ككل، وكما قال روجيه جارودي، إذا طبقنا القرآن حرفياً فعلى سكان السويد أن يصوموا ستة شهور متتالية لأن الشمس لا تغرب خلال ستة شهور وبعد ذلك تحتجب خلال الستة الشهور الأخرى . مثلاً قذف المحصنات فنزلت الآيات لتحديد ما يجب عمله، مثلاً التنظيم السياسي لم يوجد فيه نص، لأنه لا توجد واقعة، هذه نقطة هامة. إذن المسألة ليست مجرد أسباب النزول بل أكبر من ذلك، فأسباب النزول أهميتها في فكرتها والمنطق الذي وراءها، المنطق أنه واقع معين نحاول أن نغيره، الفكرة هنا أن نحول هذه الجماعة المؤمنة على كيان قادر على حمل الرسالة والعقيدة بذلك تكون قد حللنا المشكلة بينها وبين العلم والتناقضات بين التشريعات نفسها والأحكام العقابية أو القصاص وعلاقتها بالإطار العقابي والتفكير العقابي السائد وقتها بمفهوم العقاب نفسه، هو مفهوم الموقف من الجريمة، لعلاج الجريمة فعلى عهد النبي كان لا يوجد سجن ولا نظام أو مؤسسات دولة، فالوضع متغير تماماً ،الجماعات الإسلامية تريد أن تخضع العالم للقرآن وهو أمر مستحيل، فواقع مكة والمدينة في القرن السابع لا يمكن سحبه على واقع العالم في القرن الحادي والعشرين .
*هل حل هذا التناقض هو الفصل بين ما هو ديني وما هو دنيوي، لذلك قال الرسول " أنتم أعلم بأمور دنياكم" ؟
بالضبط فالمجتمعات التي ليس لها تاريخ كبير مجتمعات متحررة إلى حد كبير، وتتقبل بسهولة التطور، الدول الأفريقية من السهل عليها جداً أن تتطور وتكسب لغة جديدة بسهولة، إذن مورثنا الكبير يقف حجر عثرة أمام تقدمنا طبعاً بلا شك نظرتنا للغة العربية وتقديسنا لها باعتبارها  لغة القرآن جعلها لغة مقدسة أثر على عدم تقدم اللغة العربية فاللغة لا يمكن أن تتطور من غير تحرك فكرى وأثر على جمود النحو.
• كيف نطور اللغة العربية ؟
أولاً تحرر من نظرتنا لها على أنها لغة مقدسة ،هذه نقطة مهمة جداً، ثانياً تقبل التطور مع الواقع، وكل قاعدة ليس لها استعمال في الوقت الحاضر يجب حذفها بجرأة شديدة، لأنه ليس لها وظيفة. فقواعد اللغة وضعت لتنظيم صياغة اللغة، فقواعد اللغة تحد من موهبة الشعراء، لذلك لجأ الشعراء إلى التفعيلة الحرة للهروب من بحور الخليل بن أحمد الجامدة .الحداثة ليست فكراً، فالفكر يعكس واقعاً اجتماعياً واقتصادياً وسياسياً، هذا الواقع السياسي الاجتماعي لم يتغير بما فيه الكفاية لقبول الحداثة، فالتغبير يأتي بالتدريج وكل درجة لها فكرها المصاحب لها.
فمع التطور الرأس مالي بدأ يظهر الفرد وقيمته، كفرد مستقل بذاته ومساوي للآخرين، فالعملية ليست بسيطة وتتطلب أجيالاً بل وقروناً، فالفرد لم يولد إلا مع الحداثة وفلسفة وفكر الأنوار. فهذه النظرة لم تنشأ إلا مع تطور الشكل الاجتماعي ولكن هذا التطور لم يحدث حتى الآن في مجتمعاتنا العربية، وما حدث لنا هو غزو واقتحام ثقافي أوروبي ونحن في حالة غير مهيأة له، فنحن في مرحلة ما قبل ثقافية أي ما قبل الحداثة ، فماذا نعمل؟ علينا أن نغير واقعنا إرادياً أي نخطط، فالفكر دائماً تعبير عن احتياج اجتماعي، واستجابة لواقع اجتماعي مازال، وهذا هو سبب أزمتنا الآن: أننا لسنا جاهزين لا سياسياً ولا اجتماعياً ولا اقتصادياً وغزتنا الحداثة فشعرنا بالضياع وأصبح علينا أن نأخذ الأمر بصورة معاكسة، أي نأخذ الحداثة كفكرة كأسلوب في الحياة ونفرضها على أنفسنا فنحن لم نصنع ولم نشارك في صنع التكنولوجيا التي نستخدمها في الحياة اليومية، لأن العقلية المنتجة للتكنولوجيا غير موجودة، والتكوين الاجتماعي المرتبطة بإنتاج التكنولوجيا غير موجودة، وهذه مشكلة كبرى.علينا أن ندخل الحداثة إلى عقليتنا اللاحديثة بالتعليم . لكن تعليمنا يعلم الأجيال الصاعدة قيم العصور الوسطي المعادية للحداثة أي للعقل وحقوق المواطنة والمراة وغير المسلم.
إذن تخلفنا يعود إلى عدم تطورنا الاجتماعي والاقتصادى، فنجد مثلاً السياسة الأبوية لازالت سائدة في المجتمعات العربية متمثلة في شيخ القبيلة والعلاقة الأبوية البطريقية في الحكم ، فنحن في وضع بدائي قبل حداثي، مجتمع الراعي والرعية، أو الراعي والقطيع، مجتمع الأب المدير قبل كل شئ الذي تحبه وتكرهه في نفس الوقت مما أسس نظام الحكم الشمولي، فالحاكم يتصرف وكأنه إله.
• من أجل ذلك كان السادات يقول " أولادي، جيشي، شعبي وكان يقول "أنا رئيس العيله المصرية "؟
بالضبط هذه هي أخلاق القرية التركيبة الأبوية في المجتمع، وداخل نظام الحكم السياسي، مما أدى إلى البيروقراطية داخل كل هيئة حيث يخضع كل موظف إلى رئيسة ورئيسة إلى رئيسة حتى نصل لرأس السلطة أما المؤسسة التي تعمل كطائرة بدون طيار فلا وجود لها.
• ولكن الجماعات الإسلامية تكفر كل شئ يأتينا من الغرب، رغم أنهم يستخدمون  آخر ما توصل إليه من علم من تكنولوجيا ،المحمول ،التليفزيون ،الطائرات...إلخ فما تعليقك علي ذلك؟
أطرف رد سمعته كان من الشيخ الشعراوي حيث قال إن الله سخر لنا "الكفار" ليوفروا لنا هذه المتعة لكن لاحظ كلمة "سخر لنا" أي أننا أسيادهم وهم مسخرون عندنا، وهم متخلفون عنا، أقصد متخلفون روحياً. كل هذه تبريرات أو هروب من أسباب تخلفنا، كنوع من التبرير للوضع المزري الذي نحن فيه.
وهنا أفرق بين ثلاثة أشياء : الإسلام السياسي ويمثله إسلام الإخوان المسلمين، وإسلام سياسي آخر بمعنى أنه خرج بالدين عن المسجد يمثله حسن البنا، و هناك إسلام سياسي انقلابي راديكالي يمثله سيد قطب، و الذي يكفر المجتمع والحاكم لتقوم بانقلاب وتستولي على الحكم، وتشيع فكرة العنف الديني وهى جماعات تميل إلى تغيير المجتمع بالعنف وأتباعهم غالباً من ذوى التعليم المتوسط وغالباً ما يسكنون بين الريف والمدينة، وهم أصلاً من سكان الريف ونزحوا إلى المدينة للبحث عن عمل، فيصطدمون بواقع يرفضهم تماماً فيناصبون رفضه بالعداء لأن هذا المجتمع لا يتقبلهم ويهمشهم فينقلبون عليه ويكفروه .
• لكن هناك من أعضاء هذه الجماعات إناس من الطبقة الوسطي لم يرفضهم المجتمع حتى يرفضوه ويكفرونه. ألا يعود رفضهم للمجتمع إلى التعصب والتعليم الديني التكفيري الذي سمم وعيهم؟
قطعاً. الطيف الاجتماعي الذي يشكل هذه الجماعات معقد. وللتعليم والإعلام الديني دور لا شك فيه في تطرفهم وعنفهم. من هنا أهمية الاهتمام بالتعليم الديني والاجتهاد والتاويل والقراءة التاريخية . ومن المهم جداً أن نعرف أن القرآن قابل لتأويلات عديدة ومتناقضة، قابل للتأويل لذلك قال الإمام علي القرآن حمال أوجه" فهم يأخذون صيغة معينة من القرآن ويأولونها لخدمة أهدافهم، ومن منطق الجماعة يشعرون أنهم أقلية فيتكاتفون ويتحدون فيتزوجون داخل الجماعة في حياة منغلقة خاصة بهم ، مثل هذه الجماعات تفكر في حمل السلاح للدفاع عن أنفسهم بعد أن كفروا المجتمع فهذا لا يمثل انحرافاً فكرياً. لأن لهم منطقهم الداخلي فهم يريدون إعادة العيش في الماضي، هم يتصورون أنفسهم جماعة كجماعة الرسول، والمجتمع جاهل مثل عصر الجاهلية أيام الرسول، ويجب عليهم نشر الدعوة من جديد، وهم يتحملون العذاب والاضطهاد كما تحمل الرسول، وهناك رموز لذلك مثل إطلاق اللحية والجلباب والسروال كل هذه الرموز مطلوبة للعيش في الماضي الجميل المتخيل، هو وهم كبير ونوع من الرومانسية، حيث تطور هذا الماضي  إلي عصر ذهبي ومثالي. هنا منطق ما ،أنا أري أنه متماسك، فإذا كان هذا المجتمع مجتمعاً جاهلاً،ولم يتقبلهم ولم يتقبل فكرة الحاكية لله،و هم أبناء الله المخلصون وهم الفرقة الناجية، والجهاد فرض عين ضد الكفار والغرب.
• أيمن الظواهري و بن لادن أعلنوا الحرب على اليهود والصليبين وكفروهم فما هو الموقف من الآخر المغاير؟
أولاً هذا جهل بعلوم العصر، ثقافتهم دينية بحتة ويعيشون في إطار ضيق جداً ناظرين للعالم من داخل ثقب إبرة، قسموا العالم إلى دار حرب ودار سلام ، وتوهموا أن الآخر كافر يتآمر عليهم  فيجب أن يردوا عليه بالقوة والعنف موظفين كل ما يملكون من أموال لإيذاء هذا الآخر.
• مفهوم العلمانية شابه كثير من الخلط حتى أنه أصبح يساوى كافر أو مرتد، فما هي رؤيتك لهذا المفهوم؟
العلمانية التعريف الشائع لها هو فصل الدين عن الدولة ،وهذا جزء من العلمانية السياسية ،أما العلمانية فهي موقف ما من عملية المعرفة ففي أي موضوع من موضوعات الواقع، اجتماعي، أو سياسي كيف أفكر فيه؟ هل أفكر فيه بمرجعية دينية أم بمرجعية معرفية مصدرها الواقع؟
• هم يقولون "ما فرطنا في الكتاب من شئ"؟
- نعم ما فرطنا في الكتاب من أمور العبادات الخاصة بالدين السؤال الذي أسأله لهم: هل الدين يتحكم في أمور الدنيا ؟هذه النظرة الواحدية للدين التي تجعل من الله الأب الحامي لأولاده والذي يصّرف أمورهم بالنيابة عنهم لكن نقول لهم أن المسألة لا ينظر لها هكذا، فمن غير المعقول أن يقول لنا الدين ما الذي يجب عمله في المعمل، في تجربة معينة أو ظاهرة معنية، الدين لا يقول لنا كيف نواجهها، وكذلك القصيدة الشعرية والمقطوعة الموسيقية، وهكذا فمسألة الواقع تفرض علينا رؤية معينة. فالعلمانية هنا تعنى أخذ معطيات وقوانين الواقع كما هي، نفكر في الاقتصاد بمنطق الاقتصاد، والاجتماع والسياسة بمنطقة السياسة والاجتماع، فأنت هنا تطبق العلمانية وتنفى السلطة الدينية . إذن العلمانية لا تنافى الدين ولكن تنافى تدخل السلطة الدينية فيما هو خارج نطاق الدين، فالعلمانية ضد السلطة الدينية وضد التسلط الديني، وليست ضد الدين نفسه كعقيدة وعبادة متاح للجميع، أن تعتقد كما تشاء،بل بالعكس العلمانية مفروض أنها مرتبطة برؤيا علمية تتيح للأفراد ممارسة حرية الاعتقاد التي هي فكر أساسي من العلمانية كممارسة معرفية واقعية بما هو خارج نطاق الدين وتكون الدولة – الأمة التي يتمتع فيها جميع المواطنين بحق المواطنة ويتساوون في الحقوق والواجبات بغض النظر عن انتماءاتهم العرقية أو الدينية.
* إذن كون الدولة ترفع شعار دين معين فهي تعادي جزء من شعبها، وكما نعرف أن معظم إن لم يكن كل الدول العربية بها أكثر من دين، بل وحتى داخل الدين الواحد هناك أكثر من مذهب؟
- الحل لجميع هذه المشاكل هو تحديد ما هو ديني وما هو دنيوي، والفصل بينهما، كما قال السيد المسيح "أعطوا ما لله لله وما لقيصر لقيصر" وكما قال نبينا :"أما أمور دنياكم فأنا وإياكم فيها سواء".
• "الديمقراطية" يعادونها لأنها آتية من الغرب، وهم يعادون كل ما يأتي من الغرب، عملاً بقول ابن تميمة "مخالفة الكفار مقصد من مقاصد الشريعة" فهل تصلح الديمقراطية للدول العربية والإسلامية ؟
معاداة الإنسان لكل ما هو آت من الغرب أو الشرق حالة مرضية من اختصاص الطب العقلي. الديمقراطية لو أخذناها بمعنى المشاركة في صنع القرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لكنها قد تأخذ أشكالاً أخرى، فالديمقراطية حتى الآن هي أنجح النظم علمياً، فالديمقراطية أساساً هي مشاركة المجتمع وأفراده في صنع القرار السياسى، وصناعة القرار من البرلمان والمؤسسات المختصة الأخرى لا تتعارض مع الإسلام. أما من المنظور الديني إذا قلت أن الله هو الذي يشرع وأن الحاكمية لله، فهذا خلط للأمور مؤامرة للوصول للحكم ولن يطبقوا شرع الله، بل سيطبقون شرعهم هم وكما في إيران، والسودان، وأفغانستان مثلاً. أما الشورى فقد توصلوا إلى أنها غير ملزمة للحاكم. وذلك لابد من بناء تكوين دنيوي داخل الدين والمجتمع نفسه، بحيث تكون له آليات تستطيع إيقاف الحاكم إن أخطأ، وهذه الآليات هي المجتمع المدني بمؤسساته ولذلك عندما قال أبو بكر " فإن رأيتموني على حق فأعينوني وإن رأيتموني على باطل فقوموني "،" فقوموني" هنا تعنى الخروج على الحاكم. فالفكرة هنا هي غياب الآليات الاجتماعية السياسية المحققة والمجسدة للديمقراطية في غياب آليات صنع القرار والسلطات المضادة التي يراقب بعضها بعضاً التي هي أساس الديمقراطية لا يبقي إلا "قوموني" بسيوفكم الذي كان وبالاً على المسلمين الذين كانوا لا يخرجون من فتنة إلا ليقعوا في فتنة أخرى أدهى وأمر، صنع القرار عملية ليست سهلة، عملية لابد أن توجد في شكل مؤسسات، بدون ذلك لا يمكن أن نتكلم عن الديمقراطية، فجوهر الديمقراطية هو صنع القرار على كل المستويات، القرار الذي يجب أن أشارك في صنعه، هذا هو أساس الديمقراطية .
إذن يجب علينا كمجتمعات عربية كخطوة أولى للديمقراطية أن نبني مؤسسات المجتمع المدني، التي تحد من سلطان الحاكم وتوقفه إن أخطأ، لكن هل الديمقراطية تصلح للمجتمعات العربية الإسلامية باعتبارها صناعة غربية،أقول مستغرباً العلم صناعة غربية ، فالمنشأ الجغرافي والمكاني لظاهرة ما لا تغير من طبيعتها، فهذا خطأ فكرى إذا نظرت لها بهذه النظرة. هم لا يكفرون ما يأتي من الغرب فقط بل يكفرون الغرب نفسه كواقع ، وهم يكفرونه كآخر مغاير، آخر متقدم وخضعوا لإرادته العملية، فالتكنولوجيا ونظام الدولة الحديثة غربي، لكن لابد من الأخذ به فالديمقراطية أفضل نظام عرفه التاريخ، وهو صالح للدولة العربية، لكن لابد من إرساء قواعد المجتمع المدني كخطوة أولى للديمقراطية لابد من تحديد النسل وتحديث التعليم والدستور والاقتصاد.
* أمريكا طلبت من الدولة العربية تغيير مناهج التعليم ،وخاصة التعليم الديني الذي يحث على كراهية الآخر. فهل من مصلحتنا تغيير هذه المناهج أم نرفض تغييرها لأنها دعوى أمريكية وغربية أيضاً؟
أولاً فكرة تغيير التعليم بصفة عامة فكره لابد منها، لأن نظام تعليمنا بهذه الصورة عقيم، لأنه تعليم تلقيني يخرج لنا حفظة وليس مبدعين إطلاقاً، ويظهر ذلك بشكل أكبر في التعليم الديني الذي تتحكم فيه أكثر الفئات الاجتماعية تخلفاً وعداءً للعلم والحداثة والمرأة وغير المسلم. فأي تعليم هذا الذي يعلمنا أن التفكير ممنوع والتكفير واجب ديني على كل مسلم ومسلمة؟ تعليم يطلب منك أن، تحفظ القرآن فقط، كمثل الحمار يحمل أسفارا، ولا نسأل أمتنا ما الذي تحتاجه وما هي مشاكلنا من  الأساس. فيجب فعلاً تغيير مناهج التعليم بصفة عامة والتعليم الديني بصفة خاصة، لأن الدنيوي مبني على الفهم لا الحفظ حتى نخرج للمجتمع أناساً مبدعين، يفيدون أنفسهم ومجتمعهم بل يجب عدم تدريس مادة التربية الدينية أصلاً في المدرسة،  لأن تدريس الدين في المدرسة يعلم التلاميذ رؤية معينة عن الدين ويجب على المدرسة أن تقف على الحياد، ولا تنحاز لدين ضد آخر، لذلك وجب إلغاء مادة الدين من المدارس نهائياً في مصر للأسف التعليم الديني محضنة للحرب الدينية.
* كان سقوط بغداد سقوطاً للوهم العربي وللمشروعين القومي والإسلامي، فما الدرس الذي يجب أن نأخذه من سقوط بغداد؟
هناك دروس كثيرة ولكن لا نتعلم منها، والمسألة هنا تتعلق بالهيمنة الأمريكية على العالم،بعد أن أصبحت القطب الأوحد بانهيار الاتحاد السوفيتي، يرتبط بذلك أيضاً أحداث 11 سبتمبر التي هزت صورة أمريكا أمام شعوب العالم وأمام الشعب الأمريكي، الذي كان يعتقد أن العالم كله يحبهم لأنهم دعاة الديمقراطية في العالم، ودعاة العدل في العالم، وكان الشعب الأمريكي في عزله تامة عما يحدث في العالم، وفجأة وجد أن الآخر الخارجي عنده في الداخل ويصيبه بأذى حاد جداً، فلم يفهم كيف حدث ذلك، بل وأن هذا الآخر استخدم تكنولوجيتهم للأضرار بهم فكان ذلك شئ غريب جداً وهز صورة الذات التي اندفعت تكيل الصاع صاعين لهذا الآخر الذي تجاسر عليها.
• إذن كانت خطورة أحداث 11 سبتمبر، هي في هز صورة الذات أمام الشعب الأمريكي نفسه ؟
بالضبط، وهنا بدأ المواطن الأمريكي يتساءل عن الفاعل، وسمعنا من قال أنه الموساد، ومن قال أنها كانت عملية انقلاب، وغيرها من التفسيرات الخيالية التي لم ينهض عليها أي دليل.لكن الواقع  التاريخي يقول أن حرب أمريكا علي الإرهاب مبرره لتبني تيارات معينة داخل الفكر الإسلامي نظريات دينية للإضرار بالأمريكان، لكن ليس سبب عداء أمريكا للإسلام، فعداء أميركا للإسلام رد فعل، فلو كانت أمريكا معادية للإسلام فكيف تفسر العلاقات الجيدة بين أمريكا والسعودية التي هي مركز الثقل الإسلامي، وكذلك إنقاذ أمريكا المسلمين من الصرب في البوسنه؟ فأمريكا ليست ضد الإسلام كدين، لكنها تدافع عن مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية.
* إذن الجماعات الإسلامية زجت بالدين في العلاقات الأمريكية العربية ليصوروا أن هناك مؤامرة أمريكية علينا وعلي ديننا، ويؤيدون كلامهم بوصف جورج بوش للحرب علي الإرهاب بأنها "حرب صليبية"؟
بالضبط. هنا فكرة سقوط بغداد ،فيها فكرة النظام الاستبدادي الدموي الذي حاز غضب كل تيارات العالم وهذا ما حرك أمريكا، أما الانهيار السريع لبغداد فإن صدام لم تكن  له أية قاعدة شعبية في أي مستوى من المستويات حتى في جيشه وحرسه الجمهوري ومخابراته، كلهم رفضوا أوامره بمواجهة أمريكا مواجهة انتحارية ولا كان هناك قضية يدافع الشعب عنها .
• إذن كان يجب التدخل الخارجي ؟
ليس يجب، لكن عندما حدث نقول هذا حسن بدون كلام، فالأمريكان أزاحوا نظاماً ديكتاتورياً كان يقف ضد مصالح الشعب العراقي، لقد حققوا ما عجز الشعب العراقي عن تحقيقه. ورأينا أيضاً كيف أن معظم الشباب الإيراني يناديهم إلى التدخل في إيران لإنقاذهم من حكم رجال الدين الذين رفضوا التداول الديمقراطي على الحكم.
* لو لم تخرج أمريكا صدام في العام 1990 من الكويت، ولو لم تخرجه الآن أمريكا بالقوة عن الحكم،هل كان سيخرج صدام من الكويت أو يترك الحكم؟ هذه هي الإشكالية التي يجب أن يعالجها المثقفون .ما العمل إذا كان الحاكم يرفض التداول الديمقراطي والشعب عاجز على تغييره. هل نتركه يسرح ويمرح إلى الأبد أم نستعين بقوى خارجية لإزاحته؟
من الناحية الشعورية لا نستطيع أن نرحب بالتدخل الخارجى، أما من الناحية الموضوعية طالما أن التدخل حدث فهو من مصلحة الشعب العراقي. بما إن القومية العربية عبارة عن شعارات فاضيه، وعجزت الدول العربية عن التدخل بأي صورة، فهو فشل للمشروع القومي. فأمريكا كممثله للإمبريالية العالمية ليست كلها شر كما تصورها لنا الجماعات الإسلامية. لكنها برغم حرصها على مصالحها الاقتصادية والاستراتيجية تفيدنا كثيراً وليس أدل على ذلك من رحيل صدام ونظامه.وتحرير الكويت وإنقاذ شعب البوسنة من الفاشية الصربية البائدة.
• ما هو مستقبل العراق وسط الفوضى العارمة التي تجتاح العراق الآن ؟وكيف ترونه؟
المقاومة ضد الأمريكتان تزداد يوماً بعد يوم وسيحدث شئ ما من التخلي أو الانسحاب للقوات الأمريكية، وأعتقد أنها لن تستطيع السيطرة على الشعب العراقي، فالسيطرة على نظام ممكن لكن السيطرة على شعب شئ صعب، وهناك شئ من التناقض في المسألة العراقية، أمريكا كنظام ديمقراطي، وجدت نفسها تحتل بلداً آخر، فأمريكا تدافع عن الحريات دائماً وهى الآن تحتل بلداً عربياً فهي في تناقض شديد، وأتوقع أن الولايات المتحدة ستفشل في السيطرة على العراق وقد تعم الفوضى البلاد بعد رحيلها فالتناقض السني الشيعي قوى.
* هل من الممكن أن تكون الفوضى الموجودة في العراق الآن مقصودة، ليظل السنة والشيعة والأكراد في تناحر لتستطيع أمريكا البقاء في العراق أطول فترة ممكنة؟
لا أعتقد أن أمريكا تريد هذا التناحر، لأنهم متناحرون بالفعل، أمريكا نجحت في طرد صدام ونظامه ولكنها أخطأت عندما ظنت أن الشعب العراقي سيلاقيها بالورود والرياحين وهذه هي الصور التي أعطتها المعارضة العراقية في المنفى للولايات المتحدة، وهى صورة خاطئة ولازلت أكرر أنها ستفشل في السيطرة على الشعب العراقي.إلا إذا سارعت إلى نقل السلطة للعراقيين واكتفت بتقديم مساعدات تقنية وعلمية وإدارية وطبية واقتصادية لهم .
• ما هي انعكاسات سقوط بغداد على القضية الفلسطينية؟
 مما لاشك فيه أن سقوط بغداد أثر على القضية الفلسطينية، أمريكا أظهرت بعد رحيل صدام جدية أكثر بالقضية الفلسطينية، ومارست ضغوطاً على شارون وحكومته، فاستقرار المنطقة هدف من أهداف أمريكا في الشرق الأوسط لأنه يخدم مصالحها الاقتصادية، لذلك أعتقد أن سقوط بغداد سينعكس إيجابياً على القضية الفلسطينية.
* هل يعيد التاريخ نفسه حيث عقد جورج بوش الأب مؤتمر مدريد للسلام كمكافأة للعرب عن حرب الخليج الأولي، ويخرج علينا الآن جورج بوش الابن بخارطة الطريق كمكافأة للعرب علي الصمت على حرب العراق لنعيد نفس السيناريو لتتعثر خارطة الطريق كما تعثرت اتفاقية أوسلو؟ هل خارطة الطريق مخدر للشعوب العربية لتمرير أزمة العراق؟
أنا لا أعتقد أن هناك مخطط أمريكي للإضرار بمنطقة الشرق الأوسط، بل ستكون هناك تغييرات ذات شكل ديمقراطي في الشرق الأوسط حيث نرى السعودية وإيران الآن تعدل كثيراً من مواقفها وقوانينها وتتجه نحو الديمقراطية وما كان ذلك ليحدث لولا التدخل الأمريكي.
• "حماس" و"الجهاد" تقوم بعمليات انتحارية هل هذه العمليات تضر بالقضية الفلسطينية أم لا؟
أنا أرى أن هذه العمليات لها شقان ناحية مضرة وناحية مفيدة، الناحية المفيدة، هي أنها تظهر لإسرائيل أن المسألة لا يمكن أن تحل بالسيطرة الكاملة لها، وإخضاعها للفلسطينيين لإرادتها بالقوة، وتعلن لها أن هناك شعب له إرادة ويجب أن تحقق، أما الجانب السلبي هو ضوضاء الرأي العام الدولي المعادي للعنف والإرهاب، والرأي العام العالمي عنصر أساسي في السياسة المعاصرة ، وحيث تستغل إسرائيل هذه العمليات خاصة بعد أحداث 11 سبتمبر للإضرار بالقضية الفلسطينية ،ويجب على إسرائيل أن تعي ما الذي يجعل شاباً أو فتاة تفجر نفسها؟ هناك أسباب رئيسية هي اليأس من إحلال السلام، والجانب الاقتصادي الفلسطيني المتدهور، والبطالة، والذل أيضاً الذي يتعرض له الفلسطينيون على المعابر والحواجز، كل هذه العوامل لو أزالتها إسرائيل فلن يفجر الشباب نفسه ولعاش الجميع في سلام.
*عرفات أعلنت تل أبيب وواشنطن عدم التعامل معه، فهل انتهى دوره كزعيم تاريخي وعلية أن يحمل عصاه ويرحل ويترك الفرصة للجيل الذي يليه، كجيل مروان البرغوثي وياسر عبد ربه مثلاً؟
نعم انتهى دوره كزعيم تاريخي، وعليه أن يسلم القيادة لجيل جديد لأنه لم تعد له فاعلية على أرض الواقع، بل لم تعد له علاقة بالواقع الدولي أصلاً. فهو يعيش في الأوهام بينما شعبه يعيش في الجحيم .
* يمر العالم العربي والإسلامي بمرحلة حرجة في تاريخه المعاصر، ما الذي يجب عمله الآن بعد أحداث 11 سبتمبر وسقوط بغداد؟
عليه أن يقوم بعملية تحديث سياسي واجتماعي واقتصادي وثقافي وتعليمي، وأن يفكر بعقلية القرن الحادي والعشرين، عقلية قادرة على التحليل العقلاني والموضوعي للمعطيات ومواجهة المشكلات المعاصرة بأساليب معاصرة، أن يحل مشكلة الديمقراطية،و والتعددية السياسية والتخلف الاقتصادي، وحقوق الإنسان، وإعادة النظر في نظرته للمرأة لتساوى الرجل ولغير المسلم ليساوي المسلم.
• ما رأيك في الجهاد؟
الجهاد كنظرية انتهت، الجهاد كان صالحاً في فترة معينة من تاريخ الإسلام، بل كان ضرورياً من منطلق غزو الآخر فالجهاد كان قيمة من قيم العرب الأوائل كالشرف مثلاً، أما الآن فرفع شعار الجهاد رفع لشيء فات زمانه وأوانه، فمفهوم الحداثة ألغى الجهاد تماماً، بمعنى أنه لم يعد هناك غزو، وأصبح هناك قانون دولي تلتزم به كل الدول، فهناك نظام عالمي يطبق على جميع الدول، ينص على أن جميع الدول ذات سيادة مشتركة في الأمم المتحدة ،ووقعت على ميثاقها فيجب التخلي تماماً عن فكرة الجهاد لأنه مفهوم مغاير ومنافي للعصر وللواقع تماماً، وغير عملي إطلاقاً.فمن يتكلم بلغة الجهاد هو كمن يمارس في القرن الحادي والعشرين ممارسات قديمة فقدت صلاحيتها وشرعيتها وجدواها.
* كلمة أخيرة يقدمها الدكتور عاطف أحمد للشباب حتى لا ينجرفوا في تيارات الإسلام السياسي كفريسة سهلة للصائدين المتأسلمين الذين هم الآن كـ"النداهة" التي تسحر الشباب ليأتي إليها حتى تفترسه .. مثل حكاية الذئب الذي يسحر النعجة فتتبعه؟
المشكلة الأساسية لشباب اليوم هي أنه شباب ثقافة الصورة والحركة أي التليفزيون، أقول لهم تعقلوا قليلاً واقرءوا. هم يقرأون سيد قطب، والظواهرى، والمودودي، أنا لست ضد أن يقرأوا هذه الكتب، لكن يقرأوها ويقرأون أيضاً الفلسفة، وعلم الأديان المقارن، وسسيولوجيا الأديان، وعلم النفس، أى يقرأون الاتجاه والاتجاه المعاكس، ليكونوا عقلية مستقلة وتفكيراً مستقلاً، ويمارسوا الفكر النقدي، وهى دعوه أشبه بالحلم لأن ثقافة الصورة والحركة والأغنية الراقصة تجذبهم في اتجاه آخر تماماً، فالواقع مؤلم نتيجة البطالة والفراغ وعدم الثقافة والإحباط والكبت والحرمان الجنسيين، إذ كيف للشباب أن يتحمل كل هذه الضغوط المادية والنفسية والجنسية؟، فعلينا أن نساعد الشباب على التغلب على هذه المشكلات الآخذة بعنقه والتي تدفع به إلى تيارات العنف والإرهاب.لو نعطي الشباب تعليماً دينياً مستنيراً، ونسمعه في الإعلام خطاباً دينياً مستنيراً، ونعطيه العمل ليكون له منزلاً وأسرة ونقضي على حرمانه الجنسي فلن تجد منظمات العنف والإرهاب الديني عمالة تستخدمها وستعلن إفلاسها. لكن حكوماتنا العاجزة عن الوفاء بالتزاماتها وتحقيق وعودها الكاذبة هي الحليف الموضوعي لمنظمات الإرهاب المتستر بالإسلام



#أشرف_عبد_القادر (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- الحجاب- ما له وما عليه
- النوم في العسل و التفكير بالوهم
- 13/12/2003 يوم سيذكره التاريخ
- حديث مع مربي الأجيال المفكر جمال البنا- شقيق حسن البنا- العل ...
- فريدة النقاش في حديث صريح - نحن في حاجة إلى تأويل النص الدين ...
- الموقع الضرورة
- رسالة مفتوحة إلى الرئيس مبارك من أجل وقف مسلسل العنف الكريه ...
- مؤرخ مصر المعاصرة: الدكتور رفعت السعيد في حديث مثير وعميق
- رسالة إلى روح دلال..!
- بل هناك -اجتهاد- مع النص!


المزيد.....




- الأكثر ازدحاما..ماذا يعرقل حركة الطيران خلال عطلة عيد الشكر ...
- لن تصدق ما حدث للسائق.. شاهد شجرة عملاقة تسقط على سيارة وتسح ...
- مسؤول إسرائيلي يكشف عن آخر تطورات محادثات وقف إطلاق النار مع ...
- -حامل- منذ 15 شهراً، ما هي تفاصيل عمليات احتيال -معجزة- للحم ...
- خامنئي: يجب تعزيز قدرات قوات التعبئة و-الباسيج-
- الجيش الإسرائيلي يعلن تصفية مسؤولين في -حماس- شاركا في هجوم ...
- هل سمحت مصر لشركة مراهنات كبرى بالعمل في البلاد؟
- فيضانات تضرب جزيرة سومطرة الإندونيسية ورجال الإنقاذ ينتشلون ...
- ليتوانيا تبحث في فرضية -العمل الإرهابي- بعد تحطم طائرة الشحن ...
- محللة استخبارات عسكرية أمريكية: نحن على سلم التصعيد نحو حرب ...


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....


الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - أشرف عبد القادر - حوار مع الدكتور محمد عاطف أحمد السيد طنطاوى