|
Mal aria الملاريا والهواء الفاسد
هادي ناصر سعيد الباقر
الحوار المتمدن-العدد: 2317 - 2008 / 6 / 19 - 06:53
المحور:
الطب , والعلوم
مقدمة تاريخية قد تكون افريقيا هي المهد الاول للملاريا ثم انتشرت الى سائر انحاء العالم. وسببت مشاكل كثيرة لامم بلغت اوج مجدها وكانت من اهم العوامل التي هدمت الامبرطورية الرومانية والاغريقية، وقتلت الاسكندر المقدوني في العراق وهو ابن الخامسة والثلاثين من العمر، كما انها عامل مهم من عوامل تدهور الزراعة والاقتصاد وانخفاض القدرة الانتاجية للشعوب في مناطق توطنها واوبئتها. وكانت قد اعاقت وافنت بعثات علمية هامة. مثل بعثة لفنجستون في مجاهل افريقيا وبعثة ستانلي التي لحقتها. ويموت بسببها الملايين من البشر سنويا. وفي مصر كانت منطقة الاسماعلية في مصر سنة 1900 اكثر المدن والمناطق تعرضا لها في مصر. وفي العراق كانت متوطنة منذ عهد السومريين وباوبئات مستمرة متلاحقة وذلك بسبب كثرة الاهوار والمستنقعات في وسط وجنوب العراق وحتى في شماله، وكانت السبب الرئيسي (كما يستدل) على فكرة انشاء (الزيكورات والجنائن المعلقة) التي اهتدى لها الكهان والملوك وذلك للتخلص من البعوض واذاه والذي لا يستطيع ان يعيش في المناطق العالية، مدعين انهم يتقربون للالهة. والعراق كان مهدا لاوبئة كاسحة متكررة من هذا المرضى واصابات فردية مستمرة متوطنة في وسط وجنوب العراق. حتى ان الناس في هذه المناطق اعتبروه امرا طبيعيا وملازما لهم، كل واحد من الناس كان يعرف موعد نوبة الحمى التي تأتيه وتغادره فكان يتهيأ لهذا الموعد، وكان امرا مألوفا ان يخبر شخص زميله او جاره في البيت او المحل انه ذاهب لكي يقضي فترة الحمى التي ستأتيه لموعدها "راح احِمْ". وكان اخر واباء انتشر في المنطقة الوسطى والجنوبية وكان شديدا مؤلما وقع سنة 1940،1941، حيث كان نهر الفرات على اشده من منطقة الكفل وحتى الكوفة والسماوة جنوبا وكأن المنطقة بحر متلاطم. والبعوض كان من الكثافة بحيث يمكن ان نرى على وجوده وايدي الناس تنتشر الدمامل، الناجمة عن كثرة حك وهرش اماكن لسع البعوض حتى التخريش وادماءها وتلوثها وتقرحها. فكان النوم مستحيلا ليلا. واذا كانت الملاريا توصف بانها من امراض المناطق الحارة، فانها لم تكن اقل انتشارا في اوربا، وعلى الاخص في فصل الصيف. ان جو انكلترا نفسه لم يمنع المرض من ان ينتشر فيها حتى اواخر القرن التاسع عشر. والناس منذ القدم كانوا يعرفون العلاقة بين الملاريا والمستنقعات، لذلك كانوا ينسبونها الى هواء المستنقعات الفاسد وهذا هو سبب تسميتها بالملاريا Malaria أي الهواء الفاسد.
قصة اكتشاف العامل المسبب للملاريا: 1- كان البعض يزعم ان حيوانات صغيرة لا نراها بالعين تنشأ في هذه المستنقعات فاذا ما وصلت الى الانف احدثت المرض. 2- ثم تلتها الكثير من الخزعبلات مثل ما زعمه سنة 1875 الالماني "كلبس" والايطالي "كروديلي" بانهما اكتشفا جرثومة الملاريا وانها مستطيلة حاملة للبذور تعيش في الارض والمستنقعات ومنها ينتشر من الجو فتصل الى الفم او الانف فينمو في الجسم ويحدث المرض. 3- اكتشف الجرثومة الحقيقية للملاريا طبيب عسكري فرنسي يدعى "لافيران" رأى في عينات دم المرضى طفيليات صغيرة جدا ذات خلية واحدة داخل الخلية الحمراء. وذهب الى الجزائر حيث كان المرض منتشر هناك، لغرض تأكيد بحثه. فشاهد في دم المرضى نفس الصورة التي شاهدها سابقا. فلما وثق من نفسه تقدم سنة 1880 الى اكاديمية العلوم في باريس برسالة قصيرة عن سبب الملاريا. فقوبل اكتشافه اول الامر كغيره من الاكتشافات العظيمة، وخصوصا اذا كان صاحبها غير معروفا، قوبل بالشك وفي بعض الاوساط بالهزء والسخرية والحسد والغيرة... ولكن العالم الطبي ما لبث ان تحقق من صحة اكتشافه. ولكن نجاحه هذا لم يرق لرؤسائه فعملوا على ابعاده عن البحث وخيروه بين ان يقبل الترقية الى وظيفة ادارية او ان يستقيل، ففضل الاستقالة وترك الجيش والتحق بمعهد باستور واستمر يعمل الى ان وافته المنية سنة 1921 وبعد ان حصل على جائزة نوبل.
قصة اكتشاف اسلوب انتقال الملاريا ان اكتشاف طفيلي الملاريا لم يحل مشكلة انتقالها... فبدت قصة اكتشاف طريقة انتقال الملاريا: 1- ان طبيبا ايطاليا وهو جراسي "Grassi" كان قد سبق الى البحث في هذا الشأن على البعوض الذي يتغذى على دم الانسان. الا ان الجهات العلمية تنسب الفضل في ذلك الى: 2- الطبيب الانكليزي اسمه "رونالدروس" واليه ينسب الفضل في اكتشاف البعوض الناقل للملاريا "انثى بعوض الانوفس". وكان روس يطبق تجاربه او ابحاثه على ملاريا الدجاج والشبه بين ملاريا الانسان وملاريا الدجاج كبير. وروس: هو طبيب انكليزي عسكري اصبح طبيبا بناء على رغبة والده، فهو كان يميل الى الادب والشعر. وبدء روس حياته العملية في الجيش البريطاني في الهند فوصلها ومعه زوجته ومكرسكوب بسيط كان مثار سخرية زملاءه الاطباء اذ لم يكن مألوفا ان يحمل طبيب معه مكرسكوب، فتهكموا عليه وسخروا منه، واثار غضب رؤساءه الذين نهوه واضطهدوه وهددوه بالفصل ولكنه لم يرضخ. وتصادف ان انتشر وباء الملاريا في الهند فكانت فرصته للبحث عن طريقة عدواها "وكان هناك رأي ابداه العلماء الالمان والفرنسيون والانجليز والايطاليون بان الملاريا تنتقل بواسطة البعوض، وكان رأياً لا يستند على برهان او تجارب. فاخذ يفحص الالاف من هذه البعوض دون جدوى ثم تحول الى ملاريا الدجاج واستمر بفحص ثلاث سنوات اصيب خلالها بالملاريا ثم بالكوليرا ونجى، وضعف نظره لكثرة استعمال المكرسكوب... وحدث يوما ان فحص بعوض من نوع "الانوفيل" فوجد في الخلايا المبطنة لمعدتها طفيلي الملاريا، فارسل قصيدة لزوجته يصف لها فرحه هذا الاكتشاف ويشكر العناية الالهية عن ذلك. قوبل بحث "روس" في اول الامر كالمعتاد ببعض الشك ولكن سرعان ما ثبتت صحته ورأي الملاريا تمحى من جهات كثيرة. منح روس جائزة نوبل لاكتشافه النقال للملاريا كما سبق ومنحت الى لافيران لاكتشافه الطفيلي.
قصة اكتشاف علاج الملاريا وعلاج الملاريا، كان عقار "الكنين" اول الامر له قصة اخرى وهي قبل تاريخ تأسيس جائزة نوبل، والا لمنحت لمكتشف العلاج كذلك. وهي قصة ممتعة تدل على ما للقدرة وقوة الملاحظة شأن كبير في اكتشاف اسرار الطبيعة: 1- كان في اوائل القرن السابع عشر فرقة عسكرية اسبانية بشرقي فيافي "بيرو" فاصابت احد جنودها الملاريا فتركه زملاءه على مرضه. واذ الرجل تأكله الحمى شعر بالعطش الشديد فزحف الى بركة صغيرة فيها شرب الماء، وكان الماء مرا، فشرب من الماء مرارا فشفي من الحمى وشعر بالحياة ثانية ولحق بزملاءه وفرقته. فاخذ الناس يستعملون قشر تلك الشجرة لعلاج الملاريا فيشفون. 2- وفي سنة 1638 اصيبت الكونتيسة (سنكونا) بالملاريا فعولجت بهذا النبات فشفيت وسمي هذا النبات والعقار باسمها "سنكونا".
3- ثم جاء رجل يدعى "روبرت تابور" Robert Tabor يعمل كمساعد صيدلي في كبمردج طالب بالجامعة نهارا وخادم لزملاءه ليلا. ثم انتقل الى لندن قبل ان يتم دراسته. وهناك استعمل نبات "السنكونا" كمسحوق واعلن انه دواء طارد للحمى وقام بدعاية له وحصل على كميات كبيرة منه فحاز نجاحا كبيرا وعالج به مرضى كثيرون، ووصلت اخبار هذا العلاج او الدواء العجيب الى الملك فعين "تابور" طبيبه الخاص وانعم عليه بلقب "سير". وحدث ان اصيب الملك نفسه بالملاريا فعالجه تابور بهذا المسحوق وثم له الشفاء فاصبح تابور موضع ثقته ومن اقرب المقربين اليه. وحدث ايضا ان اصيب ولي عهد فرنسا نفسه بالملاريا فاوفد ملك الانكليز المعالج "تابور" لعلاج ولي عهد فرنسا (ولم يكن سوى لويس الرابع عشر نفسه) فمنحه لقب "شيفاليه". فكان كل هذا التكريم الذي ناله "تابور" سببا في اثارة روح الحسد والكراهية ضده في نفوس الانكليز والفرنسيين وحاولوا الكيد له ولم يفلحوا. واستمر العلاج بالسنكونا" حوالي قرنين من الزمان.
4- واخيرا وفق كيمياويان فرنسيان هما "بيتر بلتير" Peter Pelletier و"جوزيف كافنتون" Joseph Caventon: الى تحليل السنكونا واستخراج العنصر الفعال منها وهو المسمى الان "الكنين" وبذلك تيسر ضبط الجرعة اللازمة للعلاج.
5- قصة اول دخول مادة الكنين الى العراق: كان عن طريق مدينة الحلة عام (1827م) كان احد سكان مدينة النجف يسمى حاج باقر ابن الحاج نصير بن الشيخ زاجر الخفاجي قد هرب من مدينة النجف لاسباب عشائرية والتجئ في الاحواز عنداعمامه ومنها التحق بشركة الهند الشرقية ليعمل مساعدا لطبيب انكليزي على احد بواخرها وكان هذا الطبيب يعمل على معالجة المرضى بمادة الكنين الذي درب "الحاج باقر" على طريقة تحضيره وتهيئته الى المرضى... استمر الحاج باقر يعمل مع هذا الطبيب الانجليزي لمدة تقارب السنة فجمع مبلغا من المال وقفل راجعا الى الاحواز ومعه كمية كبيرة من مادة الكنين، وفي الاحواز تزوج من مياسة بنت شيخ حمد الكعبي بعد ان مات جميع افراد عائلتها بالطاعون... فقفل راجعا وسكن مدينة الحلة (1827) واستأجر دارا في محلة الجباويين وذاعت سمعته على انه طبيب جديد ومدينة الحلة كانت تئن تحت ضغط وباء شديد من مرض الملاريا. فكان الحاج باقر اول من عالج الملاريا بالعراق بمادة الكنين فتم شفاء حالات الملاريا التي عالجها فذاع صيته وقوي مركزه الاجتماعي والطبي والمالي واصبح بيته ديوانا يؤمه عليه القوم وعلماءها فاشترى البيت التي كان مستأجرها والبيت التي بجواره وتوارث سلالته مهنة الطب. ثم قام بحل الاشكال العشائري بجلسة عشائرية حضرها وجهاء النجف والحلة ودفع مبلغ الدية المطلوبة.
6- والان اصبح الكنين دواء تاريخيا لانه تم اكتشاف العديد من الادوية ضد الملاريا..
والدراسات مستمرة لتحضير لقاح واقي من الملاريا.
#هادي_ناصر_سعيد_الباقر (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
حرمان المرأه من حقها في الاختيار---- ينتج جيلا- مشوها- عنيفا
...
-
{البيئه ----- والعنف -----والبيئه الاجتماعيه
-
حقوق الانسان --- هل وجدنا الطريق اليها
-
انّا لله واليه ترجع الامور ........... صرخة مهجّ ر
-
البيئه و التنميه
-
بيان عن التوجهات البيئيه والحملات الموصى القيام بها والموزع
...
-
فولتير وعصره----------------والعراق الحالي بتصرف من مطبوعا
...
-
سرطان الثدي
-
الاوزون والتغيير المناخي ________ واستبدال معاهدة كيوتو باخر
...
-
نريد دوله مدنيه حديثه
-
البيئه العراقيه والفساد الاداري والمالي
-
ايكولوجيا مصادر المياه وجغرافية العراق
-
المنظمات الغير حكوميه في العراق اساس الحكم الديمقراطيه والاّ
...
-
ايكولوجيا الرياضة وضرورتها للانسان
-
معضلة النخبه في الشرق -- بتصرف عن سعيد عقل
-
العراقيون والربيع The Iraqian and the Spring
-
سلام الله عليكم سلام نيسان الحب عليكم خاطره بمناسبة عيد الح
...
-
مسكين هذا الشعب العراقي
-
ثقافة الجمال والربيع
-
القسم الثاني : من يعلّق الجرس في رقبة القط – الهر ...(( النا
...
المزيد.....
-
موسم جديد من البرامج.. نزل تردد قناة ميكي الجديد على جميع ال
...
-
” يا لولو يا لولو ” تردد قناة وناسة بيبي 2024 استقبليها على
...
-
بسبب نقص الرعاية الصحية.. مرض غامض ومرعب يصيب -أبو صابر- في
...
-
مركز السيطرة على الأمراض الأمريكى يسجل إصابة طفل بأنفلونزا ا
...
-
أسباب وعلامات السكتة القلبية.. عوامل تزيد فرص الإصابة بها
...
-
ارتفاع إصابات الحصبة عالميًا.. كيف يمكن الوقاية والاكتشاف ا
...
-
الكشف عن نقطة ضعف البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية
-
لمرضى السكرى.. المشى بهذه الطريقة يحميك من تقلبات السكر بالد
...
-
محكمة سان فرانسيسكو ترفض معاقبة ماسك على عدم مثوله أمامها في
...
-
لهذه الأسباب.. -لا تجلس على المرحاض لوقت طويل-
المزيد.....
-
هل سيتفوق الذكاء الاصطناعي على البشر في يوم ما؟
/ جواد بشارة
-
المركبة الفضائية العسكرية الأمريكية السرية X-37B
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في الهند
-
-;-السيطرة على مرض السكري: يمكنك أن تعيش حياة نشطة وط
...
/ هيثم الفقى
-
بعض الحقائق العلمية الحديثة
/ جواد بشارة
-
هل يمكننا إعادة هيكلة أدمغتنا بشكل أفضل؟
/ مصعب قاسم عزاوي
-
المادة البيضاء والمرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
بروتينات الصدمة الحرارية: التاريخ والاكتشافات والآثار المترت
...
/ عاهد جمعة الخطيب
-
المادة البيضاء والمرض: هل للدماغ دور في بدء المرض
/ عاهد جمعة الخطيب
-
الادوار الفزيولوجية والجزيئية لمستقبلات الاستروجين
/ عاهد جمعة الخطيب
-
دور المايكروبات في المناعة الذاتية
/ عاهد جمعة الخطيب
المزيد.....
|