أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - داؤد أمين - دقات خفيفة على ابواب الستين - حوار مع الاعلامي داود امين















المزيد.....


دقات خفيفة على ابواب الستين - حوار مع الاعلامي داود امين


داؤد أمين

الحوار المتمدن-العدد: 2290 - 2008 / 5 / 23 - 10:29
المحور: مقابلات و حوارات
    


دقات خفيفة على ابواب الستين (1)
حوار مع الاعلامي داود امين
اجرت الحوار: دنى غالي

داود امين يعرف سر انحناء الفرات عند وصوله الناصرية
يفهم لغة سدرة النبق تلك من بيت الطفولة
يدرك جاذبية جدته العربية وسحر الناصرية معا اللذين جاءا بالتركماني والكردي والاشوري ليعيشوا فيها وحتى مماتهم
وما يثيره الولي ( الشِريف ) من لواعج لقاصديه
الصوت يوقظ فيه الرائحة فتنهار ذكريات المكان، الناصرية، السوك، الشطرة، عكد الهوى، الغراف.
الدنبك قبل داخل حسن، يفجر احاسيس عنيفة ترجعه الى الطفولة المفتوحة على عالم الكبار، السكارى والمشعوذين ورجال الدين، طفولة مفتوحة على عالم النسوة السريالي حينها، على البنات كما البساتين والحرائق والاعراس
ايام عَلَتها الرغبة الجامحة العجولة في فهم الكون، في خوض تجربة الحب، في التمرد والنضال من اجل حياة ابهى واسعد لكل من حوله.
عندما تجتاحه حالة الحب يشعر بالاختناق فيلجأ الى الضوء والشباك
عندما يقول شيئا فاضحا عن نفسه تتورد خدوده ويصطبغ من ثم وجهه كله بلون احمر قان
وهو يستقل الباص يشعر بحاجة للتمسك قويا بدعائم المقعد امامه
ذوو الطبيعة الحارة المنفعلة سيجدون صعوبة في تقبل ردود افعاله التي تنعكس على مهل وببطء شديد
ليس لـ أبو نهران لسانا داخليا!

يكمل ابو نهران الستين من عمره وهو يؤكد لي ان لا خوف لديه ازاء تقدمه في العمر. فما يقلقه هو طموحه الذي يشعر ان الوقت قد حان ليفعل شيئا حياله. ذلك لا يعني انه امضى حياته منتظرا الستين ليشرع بتحقيقها فقد كان وطيلة ما مر من عقود انسانا منتجا. لكننا اتفقنا على ان الايام تمر سراعا، والوقت والفرصة المواتية يعملان ضد الطموح من اجل تحقيق الذات، ذاك الشعور الذي بات يتعاظم في داخله.
وما اختاره كطريق في حياته هو الطريق عينه، ولكنه يتوقف الان لينظر الى الخلف وليرى من الناحية الاخرى ان حياته كانت أشبه بمسار نهر نحف هنا وتوسع هناك، تشعب في روافد تشعبت الى روافد اخرى، استدار هنا وانحدر هناك او صعد؛ في كل مرة ينقطع المسار ويتوجب عليه ان يعاود لينبع ويواصل من جديد في ارض اخرى.

- ولكن ألا تنظر بالمرآة خفية لتدقق في وجهك، ان تتقفى اثار العمر مثلا وتقلق بشأن ذلك؟
يجيب بكلمة أبداً بتأكيدِ من استراح واراح الاخرين من هذا الامر.

- ألا تفكر بأن تصبغ شعرك، ليس الان ربما، مستقبلا؟
يبتسم نافيا الامر تماما غامزا كعادته ومتابعا:
- ما يجذب المرأة فيّ هو لساني. الذكاء والثقافة التي اطلبها في المرأة هي ذاتها التي تطلبها في. الوسامة في العقل.

أرد على مزحه ضاحكة:
- إذا انت تعتمد على هذه العضلة ولست قلقا بشأن تقدم العمر!!
- عندي راحة داخلية وقد امدتني المرأة في محيطي بشيء من ذلك. كان بإمكان غفران ان ترتبط بإنسان في عمرها.

- هل تغزلت امك بك، كنت "فكة عينها" وذكرها الاول وانت حلو؟
- لا، امي تفكر بالشيوعي فيّ، أن اكون مناضلا معروفا ومضحيا. كذلك جدتي، التي كانت قد انتمت الى رابطة المرأة العراقية في العام 59.

اعرف ان ابو نهران يتمتع بثقة النساء ما جعله صديقا قريبا لكثيرات يتبادلن معه هموم الحياة وقلقها من دون تردد. وذلك له علاقة بطبيعته النبيلة، بصدقه، بوضوحه وروحه الشفافة. ويطرأ في بالي سؤال ستتضح علاقته لاحقا بما كنت افكر فيه :

- ولكن ابو نهران، هذه البشرة الحنطية الوردية ولون الشعر الفاتح والملامح الدقيقة، كيف يمكن لي ان أقرنك بالناصرية؟
أسرع لاذكر اني لا اخفي معرفتي بقصة جذوره واصله ولكنه كطربي لسماع ام كلثوم مرة وثانية وثالثة، يطيب لي ان اسمع القصة ذاتها من جديد. كما اني لن اجيد قصّها بنفسي لو طلب مني لتعقدها وبساطتها في آن واحد. هناك اكثر من قومية ودين تلاقح ليشير إلى طبيعة لديه في غاية التسامح والحب، لا نعثر فيها لاثر من تعصب ما لقومية أو لدين او طائفة. ولا ادري ان كان لذلك علاقة ايضا في كونه ليس رجلا عراقيا تقليديا.

- يبدو لي انها جاذبية هؤلاء النسوة التي جاءت بالتركماني، بالكردي وبالأشوري المسيحي، الى الناصرية. جدتي لامي عربية من عشيرة العبودة من الشطرة ولكنها تزوجت من موظف تركماني كان يعمل جابياً في الدولة العثمانية، وهي التي انجبت جدتي التي تزوجت من كردي من السليمانية الذي كان عسكريا بعث في مهمة الى الناصرية. جدتي انجبت امي التي تزوجت من اشوري كان مسيحياً وأسلم بعد ذلك وغير اسمه الى امين منشد رغم ان عائلته كانت عائلة ارستقراطية دينية فيها قساوسة. وجدي الكردي السني ووالدي الذي كان مسيحياً قد دفنا في النجف بالمناسبة. اما جدتي العربية الشيعية فقد دفنت في قرية بله في ناحية برزان الواقعة على الزاب شمال العراق.

- هل تتذكر مظهرا سلبيا جراء ذلك، كأن تُنعت عائلتكم باسم معين من قبل المحلة، كأن تنبذ احدى النسوة لقرارها؟
- لا، لم اسمع عن ذلك، لم اكن منتبها حقيقة الى ذلك حتى سنوات قبل بلوغي الثلاثين، مظاهر بسيطة ربما، أذكر حين وفاة جدي وهو من الطائفة السنية لم يأت لتعزيته بعض معارفه من السنة ولكن الامامي العسكري حضر بجبته الرسمية واذكر انه رثاه بكلمات ادّاها على لحن فوك النخل فوك بكلمات تقول فوك العرش فوك. ذلك كان بالنسبة لي جميلا فقد تعودنا على النحيب واللطم. ولكن الامور جرت بطبيعية وهذا التزاوج المختلط على فكرة كان يحصل في الطبقات الشعبية من دون تعقيد او مشاكل.

- كيف تنظر لنفسك، هل تشعر ان بدمك حب خاص، هل هناك انحياز لجذر ما فيك؟
- ليس بهذا الشكل، ولكن هناك حنين فيّ الى اصلي الاشوري، اود التعرف عليه بشكل اكبر وقد اتصلت ببعض من الاقارب لاعادة الصلة والبحث في ذلك. ايضا في الجانب الكردي. اعتبر ان نصفي اشوريا الى ابي، وبنسبة الربع كرديا نسبة الى جدي لامي، ونصف الربع عربيا ونصف الربع تركمانيا. لكني اؤكد ان الانتماء كان للناصرية وليس للعشيرة. وقصص الولاء كثيرة، ابن الولاية الذي لا اسلم عليه يكون عزيزا وحريا بي ان ارى ما اذا كان يحتاجني ان التقينا خارج الناصرية. وقد كان لنا في بغداد فندقنا ومطعمنا وبارنا وكأننا لم نغادر الناصرية.

واضافة مني هنا انه ولد في البصرة في العشرين من ايار عام 1948، قضاء شط العرب، ناحية التنومة وامضت عائلته سنوات في تنقلها بين البصرة والناصرية قبل عودتهم إلى الناصرية واستقرارهم فيها.

اقتلع ابو نهران من مكانه إذاً! وكل امكنة العالم لم تعوضه مكانه الذي انخلق فيه في الناصرية. المكان جنته ان كان العراق وجحيمه ان تلفّت من حوله ولم يجد مكانه، ولم يجد له اصدقاءً فيه. الجحيم بالنسبة اليه أن يكون المكان عقيما، لايولد الالهام ولا يمد بالخيال.

- ولكن ألا يعظّم الحنين والغياب من ذلك. ان تكتب لأهلك وانت في براغ تذكر لهم انها لاتساوي شيئا من الناصرية، كذلك طعم خبزة ام هاشم ورز العنبر الذي يتسرب اليك من اعلى فتحة في الجدار كلما مر بائع الفجل وصاح بصوته؛ الفجل جاووش العِشا؟
- انا اعيش على الذاكرة وما اكتبه هو ما انهله من ماضيي. الحاضر هنا والمكان لا يلهم بشيء حقيقة. المكان امر حاسم بالنسبة لدي. ذلك وراء عدم انسجامي مع المجتمع هنا وعدم إتقاني اللغة الدنماركية. كل ما افعله له علاقة بالعراق اولا واخيرا.

- يذكر ادونيس ذلك في احدى مقابلاته، يقول انه يعيش مئة بالمئة باللغة العربية التي حالت دون اتقانه للغة اخرى!
- انا اكتشفت شيئا كان مفاجئا بالنسبة لي واوعزه الى ذات السبب. ما أن غادرت العراق حتى الفيت نفسي اجيد كتابة الشعر الشعبي. قبلها كتبت الفصيح وبأحدث شكل للقصيدة. حاجتي لللهجة العامية هي دليل حنيني الى العراق. الشعر الشعبي هو عودة الى العراق. انا مغرم باللهجة العامية، وقد كتبت قصيدة احلام التي نشرت في حينها في الثقافة الجديدة في 20 حلم او صورة. كما كتبت قصيدة صوّت للحزب التي تناولت فيها تاريخ الحزب وشهدائه وناسه وقد نالت استحسان الناس كثيرا.

ونبقى في حديثنا عن الخيارات في الحياة فلا يعتقد ابو نهران ان العراقيين كانوا ليختاروا ان يغادروا ارضهم. بدليل تاريخ الهجرات بالعراق وتاريخ المهاجرين العراقيين - ذلك ان حصل فلاسباب قاهرة. ويعزو ذلك لاستقرار العراق ربما ولغناه، ربما لطبيعته الفلاحية وتمسكه بالارض. هذا التعدد بالقوميات والاديان يؤكد ان الناس تأتي اليه لا العكس. خذي المفردات المستعارة على سبيل المثال.

- ألم يكن احتلالا؟
- الاحتلال من قبل الاتراك والانكليز. لكن اللغة الفارسية الداخلة في لغتنا دليل تمازج. هناك كلمات كردية كثيرة في لغتنا مثل " اشكرا" والتي تعني الوضوح.

وليس غريبا ان يكون داود امين احد الذين نذروا حياتهم لنضالهم من اجل قضية كانوا مؤمنين بها، وبذلك دفعوا ثمنا باهضا، لربما ليس البيت والعائلة فقط، ليست كل معاناة الغربة واللهاث من اجل ايجاد مكان يتيح لهم الاقامة المشروعة، ليس البحث عن مصدر رزق في مدن غريبة مقفلة دونهم، انما ايضا تلك الاحلام والطموحات التي توقفت في بدئها او كانت في اوج تحققها وتطلب تأجيلها. النضال الحزبي اخذ الكثير من وقته ومن توجهه وتخصصه. ويمكنني ان اضيف الى الخسارات امرا مهما هو ان الحزب احتكر بامتياز فنانيه ومبدعيه واقصاهم عن المشهد الثقافي العربي عامة، إلا في حدود بالطبع، ما جعل فرص التعويض تتضاءل ان لم نقل تنعدم بعد ذلك ولسنين. الانتشار سبب مهم في استمرار الفنان، في تطور ابداعه وتطوره شخصيا. مَنْ كان مستقلا او بعثيا حصل على فرص اكبر بكثير. ما يختلف هو انني ألمس ندما لدى البعض على ما ضاع من فرص في الحياة بسبب هذا الخيار، إن لم تكن نقمة في بعض الحالات، وهو الشعور الذي لم ألمسه عند ابو نهران الذي بقي على قناعاته مؤكدا ان ما اجزل في عطائه كان بخياره.

- انا عرفتك هنا في الدنمارك، كصحفي، كنت قد عملت في كردستان وفي اليمن وفي دمشق، وبصوت اذاعي شبه رسمي كنت تقدم امسيات البيت الثقافي العراقي في كوبنهاجن بديباجات تصرف لبعضها وقتا فيظهر جانبك الادبي ، تفاجأت انك كنت مشروع شاعر كان سيكون له مكانه بين الشعراء الاخرين؟
هنا تحدثنا عن البدايات، عن سنين المراهقة والشعر، حيث كانت حمى القراءة والمتابعة في ذروتها. وكم هو طريف الموضوع الذي يتطرق اليه بنَفَسٍ منتعش صادق وقد علت الضحكات باسترجاعه. طيلة مرحلة المراهقة وهو يكتب اشعارا للمرأة، يرى فيها نفسه الرجل المكابر المغرور الذي تسقط في حبائل تجاهله النساء وتتبعه الى غرفته فينال منهن ما يشاء. او ينعتها بالتجافي والغدر ويلومها وهو لم يتقرب منها اطلاقا ولم يحظ بعلاقة مثل الاخرين. ذلك كله منظوم في ابيات لا تخلو من مخيلة مراهق لا يختلف حينها ظرفه عن سواه في بعده عن المرأة وسريالية عالمها، يفعل عامل الحرمان والكبت الجنسي فعله في مخيلته الملتهبة. حتى انه في حبه الاول ولعله كان وهما هو الاخر، كان يكتفي بالمرور بدكانة والد التي احبها ليشبع الشوق الذي يضطرم في صدره. لا يغيب عن ابو نهران ان الامر مماثل بالنسبة للشابات ولكن التربية لها دورها هنا في جعل الامر مقتصرا علنا على الذكور.
ومازلنا في الشعر وفي تأثره حينها على الاخص بأبي نؤاس وبعده بالكبير بدر شاكر السياب، حيث اخذ من الاول حرية نظرته ومن الثاني توالي الصور الشعرية في القصيدة الواحدة. كتب الشعر العمودي والتفعيلة والمدور. ويذكر ان اول عمل له كان قد نشر في جريدة كل شيء لعبد المنعم الجادر في عام 68 تحت عنوان كبش الفداء واخرى لا يذكر عنوانها .
( مقطع من قصيدة كوستا والشمس) كتبت مطلع السبعينات.
شمسٌ تُخنقُ | يتحشرج في فمها نور| تتقطع أسلاك الضوء | تتهالك أكواماً مذعورة | والحبل يدور .. الحبل يدور| يشتد يلف بلا رحمة | ويضيق العالم بالعتمة | وغيوم سوداء تغزو | والليل جيوش زنجية | تتلاحم تعدو كدخان | كخيول تصهل مرعوبة | والشمس تغور .. الشمس تغور
الليل طويل | وأنا أتطلع في الأنجيل | صفعوني في خدي الأيمن | سأدير لهم خدي الأيسر | طلبوا مني أن أمشي ميل | هاأنذا أزحف ميلين ! | فالله يبارك في فمي الترتيل | ويظل الليل طويل | يظل الليل طويل!

ويبدو ان شكله بمواصفات قامته وبشرته هو الذي حرفه عن الشعر ودفع به الى المسرح لينصرف اليه لسنوات وكاد أن يكون محترفا اسوة باصدقاء وزملاء له مثل بهجت الجبوري وعبد المطلب السنيد وغيرهم، لولا الظرف الذي مر به العراق، كما ذكر.

- لم اكن اعرف انك كنت ممثلا مسرحيا، هل انتميت حقا الى المسرح واحسست بانتمائك الى الخشبة ومواجهة الجمهور؟
- اختارني عزيز عبد الصاحب في العام 67 لدور البطولة في مسرحية ( الغريب ) قمت فيها بدور الضابط الانكليزي الذي يتيه في الديوانية. ويلتقي بالسيد عذافه الذي قام بدوره حينها الفنان حسين نعمة.

- حقا؟ هل كان حسين نعمة ممثلا؟
- نعم، كان يجيد التمثيل ببراعة، كان مبدعا. المسرح بالنسبة لنا كان حياة كاملة ، كان فينا الشاعر والمطرب والممثل، وكنا نبكي في نهاية كل عمل. كنا نحن الذين نعد المكان ونبيع التذاكر، وايضا نتحدث عن الثقافة وما استجد، نلقي الشعر في الاستراحة ونناقش مختلف القضايا وفجأة يصيح عزيز عبد الصاحب؛ مثل ماحَ مثل ماحَ .. مثل ما حرمت نومي عليه ...
وتتوالى الاعمال المسرحية وتحوز الكثير منها على جوائز القطر او المنطقة الجنوبية ونتحدث عن تاريخ المسرح في الناصرية انذاك والاندفاع الذي كان بين المثقفين من اجل عرض اعمال مميزة. يذكر بحماس عمل " ستربتيز" من بينها مع صالح البدري الذي عالج النص الهنغاري المعرّب واخرجه ومثل فيه معه. يذكر انه كان في حينها عملا جديدا طرح فكرة جريئة وحصل على الجائزة الاولى في الاخراج والتمثيل. ولا ينسى ان من صمم ديكوره كان الصديق كاظم ابراهيم.
إذاً الى جانب عمله الوظيفي في الناصرية فقد عمل داود امين في مجالات شتى على سبيل الذكر مراسلا صحفيا وممثلا مسرحيا في الناصرية، ومن ثم كان العمل في صحافة الحزب الشيوعي العراقي في كوردستان، كما عمل صحفيا في مجلة المسار ومجلة نشوان للاطفال في اليمن واللتان كانتا تصدران عن دار الهمداني للطباعة والنشر والتي كان لولبها ومديرها العملي الشاعر سعدي يوسف، كما عمل في مكتب الارض للدراسات الفلسطينية والاذاعة في دمشق. وهو يواصل عمله ودراسته في الدنمارك، حيث يدرس الاعلام في الجامعة العربية المفتوحة في الدنمارك.

- اعلم انك تنوي هذه المرة ان تضع سقفا زمنيا من اجل انهاء مشاريع كنت قد جمعت موادها في الغالب وكل ما تحتاجه هو التفرغ التام والقرار الحاسم لاتمامها، اين وصلت؟
- مشروعي بخصوص فنانينا الثلاثة طالب غالي وكوكب حمزة والمرحوم كمال السيد هو كتاب سيصدر تحت عنوان سيدون ذاكرة المدينة بعيونهم. طفولتهم، شبابهم، الجيل الذي عاشوه وان كانوا اكبر مني سنا قليلا هو ذاته ولدينا فيه الكثير المشترك.

- لم هؤلاء تحديدا؟
- انه دافع التوثيق، عدا عن انهم اصدقائي ثلاثتهم. وهؤلاء هم فنانون حقيقيون مبدعون لم يكن الوقت منصفا معهم والفرص التي توفرت لهم لكي يوصلوا ابداعهم كانت قليلة جدا. كما ذكرنا فقد توفر لمن اختار البقاء في العراق الفرصة لكي يسجل اعماله ويذيعها، مثل طالب القرة غولي وجواد اموري وغيرهم، ذلك لم يتوفر معهم. وانا اشعر ان لي علاقة بتاريخ الغناء وهو جانب مهم اود البحث فيه. وانا من الذين يهزهم الغناء. يشجيني صوت الدنبك مثلا. كنا نسهر نستمع الى القرآن بصوت الملا نامق مثلا مع حسن الشكرجي. لولا وفاة جبار ونيسة كنت شرعت بتوثيق الغناء في الناصرية. لحسن حظي ان الاستاذ حسين الهلالي موجود لاستعين به. اسمع المقام ليوسف عمر ومن ابي المصلاوي اخذت عنه ولعه بالغناء الموصلي ايضا ( يغني مطلع لا تصعدين الدرج رجلك محناية). في يوم دلني عبد الرزاق الصافي على محل في أربيل ابتعت منه اسطوانات داخل حسن كلها وحضيري وغيرهم وان كلفتني. ان داخل حسن ضروري عندي في الكتابة.

- ولكن الموسيقى الشرقية مشاغبة. الكتابة تحتاج الى موسيقى محايدة، بعض الموسيقى الكلاسيكية لها دور مناسب هنا برأيي.
- لا، لا تعني هذه لي شيئا. داخل يعيد لي الاجواء هناك ويجعلني انفعل واشتاق.

- هل احببت اعمال هؤلاء الموسيقيين الذين اخترتهم لكتابك، انهم مختلفون عن بعضهم؟
- تماما. لا انوي ان اكون موضوعيا في الكتابة هنا. كوكب وايقاعه الحسيني يعيد لي طفولتي وانغماري في هذا العالم بطقوسه في شهر عاشوراء، مثل اللطم ونحن اطفال يتقدمنا الرادود جبار ونيسة. اما كمال فقد شهدت فترة اشتغاله على مشيت وياه للمكير واعرف ظروف كتابة هذا النص الذي كتبه زامل سعيد الفتاح. بالنسبة لطالب فيحز بنفسي ان يجهل العراقيون ان عملا مهما كغريب على الخليج من تلحينه، كما اتفاجأ في كل مرة اسمع لحنا لاغنية حزبية احفظها واكتشف انه هو من قام بتلحينه مثل ياحزبي يا غالي.

- اعلم ان لديك كتاب قصص للاطفال جاهزا للطبع وقد بذلت جهدا ومالا من اجل اتمامه وانك تبحث عن دار نشر حاليا. هل سبق وان كتبت قصصا للاطفال؟
- اصدرت ثلاثة كتب في اليمن عن دار الهمداني، احتفظ باثنين فقط، زهرة وقمر وشيخوخة زورق وقد فقدت الثالث مع الاسف. الرسوم كانت للفنانة عفيفة لعيبي والفنان عبدالاله لعيبي. الكتاب الجديد يتضمن ست قصص تحت عنوان اغتراب نخلة وقصص اخرى والرسوم للفنان عبد الكريم سعدون، وقد تم ترجمته الى اللغة الكردية وسيصدر عن وزارة الثقافة في كوردستان. تعلمين ان الكثير قد اضعته خلال فترات تنقلي ابتداءا من حياتي مع الانصار وحتى سنوات قبل استخدامي لجهاز الكمبيوتر. كتبت العديد من المواد طيلة سنوات صدور جريدة المجرشة وهي ليست بحوزتي، ربما اتصلت بفيصل بشأنها.

- كنت من الانصار، ماذا عن مرحلة الانصار، انت تعرف ان الكثير الكثير من العراقيين يجهلون معنى ذلك، يجهلون معنى ان تعدوها انتم مرحلة نضالية؟
- انها كذلك وسأتفرغ للكتابة عن كل جوانبها، لانها فترة من حياتنا امتدت لسنوات طويلة. وهي مرحلة مهمة لم يتم البحث فيها كما تقتضي. ذلك اضافة الى مشروعي الثالث في الكتابة عن الناصرية، المدينة بكل جوانبها. على الاخص في الخمسينات والستينات.

- على غرار البصرة جنة البستان لمهدي محمد علي؟
- اجل. ساتناول القيظ، مرحلة شقاوة الطفولة، سفرات الشريف وباصات دك النجف، شخوص المغيسل وحفلات الطهور والكاوليات والفروخ، غناء العوائل في بستان زامل، سأتناول شنيشل المشاغب الذي رفع لافتة في 7 نيسان يذكر فيها شنيشل يحيي القيادتين القومية والقطرية في ذكرى السابع من نيسان. واستلمه رجال الامن اثرها.

- هاي قوية!
- مثلها الكثير

- وهل كتبت شعرا للناصرية؟
- لي قصيدة وهي الاخرى قد ضاعت كما قلت مثل العديد من القصائد والبحوث والتحقيقات. ولكن ها هو ما احفظ من القصيدة:
الفرات العريق المكابر| ينحني إذ يمر أمامك | مسكونة بالنخيل | مسورة من مئات السنين بغاباته | تمتد ... تمتد | حتى تُشرق الروح بالخضرة الداكنة .
وفي الليل تصدح فيك الاغاني الحزينة | اذ يتعالى نواح الدرابك ينقر في القلب | والمحبون يبكون للفجر|
والنسوة الشبقات | يتلصصن من سطوح المنازل | من ثقوب الشبابيك | ترحل النظرات المليئة بالشهوة الجامحة .
وعند المساء تجيء العباءات للنهر| كانت تجيء العباءات للنهر| سوداء كالحة كالسخام | فيزهو الفرات بضوء الشموع | زرافات تنساب | والامنيات تغادر | كانت تغادر تلك العباءات | ترحل مكتومة في الشموع .

لأن بابه مشرّعا على الذكريات وليس مواربا ولان الحنين هو من يفتحه على مصراعيه ولان قلبه طافح بالحب، نأتي على ذكر المرأة مرارا، الزوجة والابنة والصديقة. ولا اجده رجلا يفرض شروطا املتها عليه التربية والتقاليد، سواء تواجد في مجتمع عربي ام غربي.

- هل انت قلق بشأن ابنتك هنا؟
- لا، لست قلقا. ان نمنحها الثقة لكي تعود الينا متى كانت بحاجة. الحرية مع المسؤولية والموازنة مهمة بالنسبة لدي. احب ان تعيش طفولتها وان اوفر لها كل ماحرمت منه في طفولتي. الصحة مهمة بالنسبة لي، ان يكون لديها وعيا صحيا. هي تقرر ما تريد كما قررت اخواتها الثلاث من قبلها.
وليس بعيدا عن الموضوع حين نتناول في حديثنا امر المرأة في مجتمعاتنا على العموم. انتقاصها للتجربة في اول حياتها بسبب محدودية فرص الاختلاط. ونتفق انها لم تعتد على تلقي الاطراء والغزل البريء مثلا فيكون ذلك سببا في ان تكون خيالية وما يترتب على ذلك ليس بقليل.

- هل تعني الزواج؟
- نعم، او العيش طيلة حياتها بوهم ذلك الحب الخيالي الذي لم تنله.

- هل كان قرار ارتباطك الاول من هذا النوع حينذاك؟
- ربما!

- ولكنك ذرفتَ دمعا وكتبت قصائد حب مطولة؟
- لا تنسي ان للالتزام دور مهم في ذلك.

وابو نهران الذي اجده جنديا مجهولا وإن لم يكن، فقَدَ اختين كانتا له ايضا صديقتين ورفيقتين، وفقَدَ عائلة استطاع ان يعوضها بعائلة، وخسائر روحية عديدة غيرها، نجده صبورا، واسع البال، يلقي النكتة، يطرب لاغنية، يحّول همومه الخاصة الصغيرة الى طاولات الاصدقاء المستديرة ولا يترك إلا ظلالا للضحكة والمرح وهو يغادر المكان. أسأله اخيرا؛

- ابو نهران، كان رجعا جميلا، كيف تقيم مواقفك من الحياة الان، هل تعد نفسك متفائلا؟
- انا شخص متفائل، انظر الى الكأس نصف المملوءة لا نصفها الفارغ
- وماذا عن العراق؟
- بالنسبة للوطن أنا متفائل أيضاً، ولكن الأمر يحتاج لوقت، ربما لن يدركه جيلي الذي حرث وزرع كثيراً ولكنه لن يشهد نضج ما زرعه.
مقطع من قصيدة دقات خفيفة على ابواب حزيران عاشر:

يشدني الشوق الى عينيك يا حبيبتي
يشدني الحنين
اسافر الان اليك حالما
تجذبني السنين
فاعبر الجبال والبحار والسهول
اغادر الايام والفصول
لكي احط فوق ثغرك الحزين قبلتي
وانتشي من عطرك المميز الاثير يا حبيبتي
عشر من السنين يا فاتنتي مرت ولاازال
اعيش طعم القبلة الاولى
وتاريخا من الخيال
واستعيد لعبة الشطرنج
والجنود يسقطون في القتال
ويسقط الجدار بيننا
فتمتد يدي اليك
اغوص في عينيك
تلتحم الشفاه بالشفاه
ويرحل العالم لا نراه


(1) العنوان تنويع على قصيدة كتبها داود امين تحت عنوان دقات خفيفة على ابواب حزيران عاشر

كوبنهاجن في الثامن من ايار 2008



#داؤد_أمين (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- عزيز عبد الصاحب.. فنان صادق بإمتياز !
- اللومانتيه ... مُجدداً اللومانتيه !
- مؤتمر ومهرجان الآنصار الشيوعيين حدثان لا ينسيان !
- قصائد
- إلهام سفياني !!
- في الطريق نحو المؤتمر الوطني الثامن للحزب
- مثقفو الخارج جزء من الثقافة العراقية الواحدة *
- مهرجان ( المدى ) الرابع - المثقفون العراقيون ينتصرون على الط ...
- الكونفرنس الثاني لشبكة العراق الجديد ينهي أعماله في السويد
- إلى من لا يهمه ألآمر !!!
- بمناسبة رسالة برزان- وجهان لعملتين مختلفتين !!!
- لكي لا ننسى ما يفترض أننا إتفقنا عليه !!
- مهرجان (اللومانتيه ) عرس باريس السنوي !
- مادة صحفية تُثلج القلوب !!
- اخوانيات
- لأجلِكُمْ !
- الشهيد الدكتور ( ابو ظفر ) حياة مثمرة .. واستشهاد نبيل
- وحدة لليسار أم رجم بالحجار !! ؟ مناقشة اراء الدكتور كاظم حبي ...
- حول وحدة اليسار العراقي - رؤية غير موفقة في الهدف التوقيت , ...
- حظ عاثر لجماعة الكادر !!


المزيد.....




- بدولار واحد فقط.. قرية إيطالية تُغري الأمريكيين المستائين من ...
- عوامل مغرية شجعت هؤلاء الأمريكيين على الانتقال إلى أوروبا بش ...
- فُقد بالإمارات.. إسرائيل تعلن العثور على جثة المواطن الإسرائ ...
- واتسآب يطلق خاصية تحويل الرسائل الصوتية إلى نصوص
- بعد العثور على جثته.. إسرائيل تندد بمقتل إسرائيلي في الإمارا ...
- إسرائيل تعلن العثور على جثة الحاخام المختفي في الإمارات
- هكذا يحوّل الاحتلال القدس إلى بيئة طاردة للفلسطينيين
- هآرتس: كاهانا مسيحهم ونتنياهو حماره
- -مخدرات-.. تفاصيل جديدة بشأن مهاجم السفارة الإسرائيلية في ال ...
- كيف تحوّلت تايوان إلى وجهة تستقطب عشاق تجارب المغامرات؟


المزيد.....

- قراءة في كتاب (ملاحظات حول المقاومة) لچومسكي / محمد الأزرقي
- حوار مع (بينيلوبي روزمونت)ريبيكا زوراش. / عبدالرؤوف بطيخ
- رزكار عقراوي في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: أبرز الأ ... / رزكار عقراوي
- ملف لهفة مداد تورق بين جنباته شعرًا مع الشاعر مكي النزال - ث ... / فاطمة الفلاحي
- كيف نفهم الصّراع في العالم العربيّ؟.. الباحث مجدي عبد الهادي ... / مجدى عبد الهادى
- حوار مع ميشال سير / الحسن علاج
- حسقيل قوجمان في حوار مفتوح مع القارئات والقراء حول: يهود الع ... / حسقيل قوجمان
- المقدس متولي : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- «صفقة القرن» حل أميركي وإقليمي لتصفية القضية والحقوق الوطنية ... / نايف حواتمة
- الجماهير العربية تبحث عن بطل ديمقراطي / جلبير الأشقر


المزيد.....

الصفحة الرئيسية - مقابلات و حوارات - داؤد أمين - دقات خفيفة على ابواب الستين - حوار مع الاعلامي داود امين