أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناس حدهوم أحمد - البسيط والهيئة العليا - 11 - سيرة














المزيد.....


البسيط والهيئة العليا - 11 - سيرة


ناس حدهوم أحمد

الحوار المتمدن-العدد: 2295 - 2008 / 5 / 28 - 09:27
المحور: الادب والفن
    


ها قد حطتني الباخرة بميناء سبتة بعد أن لفظني الترام بالجزيرة الخضراء . وصلت نقطة الحدود لكي أدخل التراب الوطني .كان أول سؤال بادرني به شرطي سيء
ما هذه الحالة ؟ يقصد لباسي ( الجنز ) وفوق رأسي قبعة أمريكية بشعري المسترسل والذي لم يخضع للحلاق منذ عدة شهور.ربما كنت أبدو له كراعي بقر متجهم . وأضاف
أأنت هبي ؟ قلت ممتعضا ( وهل هذا شأنك ؟ ) لم يرق له جوابي السؤال . فأطلق العنان ليده القذرة وصفعني . حاولت فعل شيء لم أحدده لكنني كتمت غيضي
مبتلعا هذه الإهانة ومع ذلك لم يترك لي وقتا لذلك فدفعني بوحشية وأجلسني على كرسي متهالك كاد أن يتكسر بفعل تثاقل جسدي ثم زاد قائلا( مال دين موك ؟ )
حضرتني شهية لكي أقطع لسانه لكنني للتو سيطرت على فورة غضبي كي لا أزيد المشكلة تعقيدا لأنني الخاسر الأول والأخير . بقيت محتجزا بدون تهمة طوال اليوم
بدون أكل ولم يسمح لي حتى بالتدخين إلى أن حضر الرئيس وكان رجلا طبيعيا أطلق سراحي فور مجيئه .
دخلت تطوان ليلا . كنت في حالة نفسية سيئة للغاية وبدا لي العالم ضيقا لا يسعني رغم شساعته ومساحته وبدا لي البشر كحيوانات شرسة . لكنني لما وضعت رحالي
ببيت والدي أحسست بالأمان والسكينة وبدأت أستعيد شريط حدث نقطة الحدود .واختلط حزني بخيبتي حينما حدست ما ينتظرني من أسئلة شامتة من معارفي وأصدقائي
غدا صباحا . كيف أشرح لعؤلاء حقيقة الظروف بالنسبة لنا كمهاجرين ؟ كيف أوضح لهم عدم تأقلمي مع الغربة المحكومة بالأشغال الشاقة أو ندرة العمل ؟ كيف لي بإقناعهم بخطأ ظنونهم وسداجتها ؟ وبأن أوربا للأوربيين وليست للغرباء مثلنا ؟ كنت أسابق الأحداث فكأني بهم يحدجونني بنظراتهم الشامتة والساخرة فأكاد أنفجر
من الغيض . علمت فتاتي بقدومي فحضرت وكانت هي الوحيدة التي قابلتني بابتسامتها المرحبة وبحديثها المتسامح والفرحة تملأ قلبها الطيب لا تريد مني سوى وجودي وحضوري لم تكن تطلب شيئا مني لكنني ككل خائب فاشل كنت أداري وجودي بأنانية مريضة يشوبها نوع من عدم الإهتمام بها وبصدق عواطفها النبيلة.
أسرتي يئست مني .لقد تأكدت من أنني لست ذلك العضو العائلي الجدير بإحلال محل أبي الراحل لحمايتها من غدر الزمان . لذا كان علي أن أكتشف أن والدتي
إضطرت للخروج للعمل لإنقاذ الأسرة . علمت للتو بأنها تشتغل بالحمام البلدي الخاص بالسيدات وهو على مقربة من بيتنا بأجرة تكاد لا تسمن ولا تغني من جوع .
كان هذا الخبر الغير المتوقع الضربة القاضية لما تبقى من كرامتي أمام ساكنة الحي التي كانت دائما بالمرصاد لكي يذكرونني بفاجعتي كلما أردت النسيان ولو
للحظة. صرت إنسانا منغلقا منطويا على حزني هاربا دائما من التجمعات أو الحفلات التي كنت فيما مضى بطلها ونجمها المفضل . وتكالبت علي الشماتات
والشامتون والمنتقمون من ماضي اللامع والجميل . وحدها فتاتي كانت تقف إلى جانبي ولم تتغير . ومع ذلك فأنا الذي كان عليه أن يتغير نحوها ولم أكن قادرا
لأبادلها جميل سلوكها وعواطفها النبيلة .دفنت نفسي حيا في المقاهي الرخيصة أدخن القنب الهندي وسكنتني الرغبة في الهروب من كل شيء وعدم القدرة على
مواجهة الواقع المر . وتحولت إلى إنسان زاهد لا يرغب في شيء ولا يطلب شيئا بالمرة . ولا يستقبل أحدا ولو من الأقارب ولم أعد أرى أحدا بما في ذلك
إخوتي ووالدتي وهم أعز الناس إلي .
لم تكن والدتي لتفهمني وتفهم هذا الطفل المصدوم بل صارت تعاكسني وتوجه الضربة تلو الأخرى لما تبقى من كبريائي واشتعل الخلاف والتحدي بيننا
وبقدر ما كنت أحبها بقدر ما صرت أكرهها أو هكذا توهمت .
ودارت الأيام والشهور قبل أن أعود من جديد إلى الغربة فقد كانت أهون علي من غربة الوطن وضراوته . أهون علي من عتاب ذوي القربى وظلمهم
وتحولت إلى شاعر حقيقي أشعر أكثر من اللازم وأفكر أكثر مما ينبغي وأتعذب لأتفه الأشياء وادلهمت الدنيا في عيني وهيأت نفسي للرحيل نحو العالم
الواسع والشاسع الذي كان ينتظرني بأحداثه حلوها ومرها .



#ناس_حدهوم_أحمد (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- البسيط والهيئة العليا -10- سيرة
- مثلا
- البسيط والهيئة العليا - 9 - سيرة
- البسيط والهيئة العليا -8- سيرة
- البسيط والهيئة العليا - 7 - سيرة
- لحظة ضعف
- أبو الهول
- البسيط والهيئة العليا - 6 - سيرة
- سأكتب قصيدة
- البسيط والهيئة العليا - 5 - سيرة
- اللغو
- البسيط والهيئة العليا - 4 - سيرة
- البسيط والهيئة العليا - 3 - سيرة
- أوتار الكمنجة
- البسيط والهيئة العليا - 2 - سيرة -
- تيه ومتاهة
- للاعربية
- نفاق عل سهول المرآة
- وادي الزمن الأخير
- البسيط والهيئة العليا


المزيد.....




- كيف تحافظ العائلات المغتربة على اللغة العربية لأبنائها في بل ...
- -الهوية الوطنية الإماراتية: بين ثوابت الماضي ومعايير الحاضر- ...
- الإبداع القصصي بين كتابة الواقع، وواقع الكتابة، نماذج قصصية ...
- بعد سقوط الأسد.. نقابة الفنانين السوريين تعيد -الزملاء المفص ...
- عــرض مسلسل البراعم الحمراء الحلقة 31 مترجمة قصة عشق
- بالتزامن مع اختيار بغداد عاصمة للسياحة العربية.. العراق يقرر ...
- كيف غيّر التيك توك شكل السينما في العالم؟ ريتا تجيب
- المتحف الوطني بسلطنة عمان يستضيف فعاليات ثقافية لنشر اللغة ا ...
- الكاتب والشاعر عيسى الشيخ حسن.. الرواية لعبة انتقال ولهذا جا ...
- “تعالوا شوفوا سوسو أم المشاكل” استقبل الآن تردد قناة كراميش ...


المزيد.....

- تجربة الميج 21 الأولي لفاطمة ياسين / محمد دوير
- مذكرات -آل پاتشينو- عن -العرّاب- / جلال نعيم
- التجريب والتأسيس في مسرح السيد حافظ / عبد الكريم برشيد
- مداخل أوليّة إلى عوالم السيد حافظ السرديّة / د. أمل درويش
- التلاحم الدلالي والبلاغي في معلقة امريء القيس والأرض اليباب ... / حسين علوان حسين
- التجريب في الرواية والمسرح عند السيد حافظ في عيون كتاب ونقا ... / نواف يونس وآخرون
- دلالة المفارقات الموضوعاتية في أعمال السيد حافظ الروائية - و ... / نادية سعدوني
- المرأة بين التسلط والقهر في مسرح الطفل للسيد حافظ وآخرين / د. راندا حلمى السعيد
- سراب مختلف ألوانه / خالد علي سليفاني
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل في مسرحية سندس للسيد ... / أمال قندوز - فاطنة بوكركب


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - ناس حدهوم أحمد - البسيط والهيئة العليا - 11 - سيرة