سليم النجار
الحوار المتمدن-العدد: 2291 - 2008 / 5 / 24 - 09:05
المحور:
العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
هل كان يعرف شكسبير بأنه سوريالي ؟ وبماذا يجيب هراقليطس حين يسأله أحد المعاصرين في { لقاء مفترض } عن انضوائه الأيديولوجي في القرن الحادي والعشرين ؟
هناك على الدوام نزوع الحاضر لكي يتأصل ويبحث عن أسلاف منسيين تحت غبار الكتب أو في المتاحف، أو في المقابر ، كشكسبير وهراقليطس لم يكن يعرف بأنه أحد جذور الأسلام السياسي الفلسطيني ، ومواقف هؤلاء لتفسيرهم الحاضر ، فلم نتوقع أن يتم تفاسير هذا الواقع المعاصر ، كما حدث في غزة !
لقد أستطاع الأسلام السياسي الفلسطيني دفعنا للضياع عن فكرة الجغرافيا السياسية الفلسطينية الموحدة في الضفة وقطاع غزة . وجعلنا العيش في جغرافيا كافرة ، لكل الثوابت الوطنية الفلسطينية .
من هنا كان خلق السلالات والعائلات الأسلامية السياسية في غزة بمثابة تسهيل لتداول غياب المعرفة ، هذه المعرفة الجديدة ، قامت على حساب { العارضين } وجعل المعرفة الجديدة ثيمات أساسية للصراع السياسي مع الكافرين { الفلسطينيين والإسرائيليين وكل من يعارض هذه المعرفة الجديدة ، وأصبح أصحاب المعرفة الجديدة مفكرين وفلاسفة ، يكتبون التاريخ ، ويقرأون السياسة ، وفي مرحلة متقدمة ، يعطون صكوك للجنة !
هذا التزين الكبير للمعرفة السياسية الحقيقية ، جعل المشهد الفلسطيني المعاصر ، وفي المستقبل يعيش في
تيه، أنه تيه جديد ، لا يعرف أحد ملامحه ، أو يتنبأ بمصيره ، بعد أن أصبح " المؤمنين الجدد " هم " قادة " المشروع الوطني الفلسطيني .
ولو بحثنا في نقاط التضليل التي يقوم بترويجها ، " المؤمنين الجدد " وعلى سبيل المثال ، نقطة " إختطاف " الجندي " الإسرائيلي " في غزة ، والأدعاء أن حماس لا علاقة لها بهذا الحدث ، لنكتشف فيما بعد أنهم هم أصحاب هذا الحدث . ولكن ماذا حدث منذ إختطافه حتى كتابة هذه السطور ، هو سقوط أكثر من { 2000 } شهيد ، وما زال شعبنا على موعد دائم ، مع الشهادة ، وكأن قدر هذا الشعب كتابة تاريخه بالدم عبر الشهادة !
صحيح أن الشهادة ، هي أعلى قيمة إنسانية ، ليس للشعب الفلسطيني فحسب ، بل لكل شعوب الأرض ، مع الفارق ، أن الشهادة تتم يموافقة وقناعة تصل لدرجة القداسة للشهيد ، على أن يتم اصطياده عبر قصف جويّ جرّاء سياسة " مؤمنة " لا تؤمن ولا تنتشر إلا على جثث الفلسطينيين .
إننا أمام نقاط " مؤمنة " تكتب بالدم الفلسطيني ، فمنذ سقوط غزة بيدهم أي " المؤمنين " تم أغتيال ما بين
{ 30 ـــ 40 } شهيداً ، من مقاتلي كتائب شهداء الأقصى ، التابعة لحركة فتح ، وهؤلاء كلهم مطلوبين منذ سنوات لــِ " إسرائيل " ، ولم تستطيع الأخيرة قتلهم ، ولعل إستشهاد القائد الميداني في كتائب الأقصى " عبد الله قشطة " الذي كان عائداً من الحج ، وتم إعتقاله مباشرة لمجرد دخوله أرض غزة ، وتم إحتجازه من قبل " المؤمنين " وبعد ساعات قليلة من احتجازه قامت الطائرات الإسرائيلية بقصف مكان إحتجاز القائد الشهيد " عبد الله قشطة " ، الذي وجد مكبلاً ومعصوب العينيين ، وترك " المؤمنين " المكان لمجرد سماعهم هدير الطائرات وتركوا البطل ليلقى مصيره .
إن ما حصل يجعل هذه النقاط لافتة ، عندما قام مفكرو " المؤمنين " وعبر تنظيمهم بنشر ، أقاويل مفادها أننا نقيم إمارة إسلامية في غزة ، والبعض منهم يجاهر ، بأهمية هذه الأمارة ، التي وصل بالأمر أن يهدّد مصر ، إذا بقيت تستقبل معارضيهم !
لدرجة جعلت " أبو الغيط " وزير الخارجية المصري ، الرد على هذا التوتر والجنون المتصاعد نحو العدم ، الأمر الذي دفع بــِ " المؤمنين " أن يتريثوا قليلاً . لكن يمكن نقض هذه النقطة خاصة أن " المؤمنين " وفروا كل الظروف الموضوعية لقراءتهم تاريخياُ ، عندما اعتبروا أنفسهم قديسين ، وهم الأكثر حفظاً وأمانة للتاريخ الإسلامي ، ودليلهم على هذا الأدعاء أنهم أقاموا إمارتهم العتيدة ! وإذا ما عُدنا للتاريخ الذي يستشهدون به ، وذكرنا ما هو موجود في كتب التاريخ " كالطبري " أن صراعاً كبيراً نشأ ، بين المهاجرين والأنصار في المدينة ، عندما توهم المهاجرين أنهم هم أصحاب الحق المقدس ، في إقامة الدولة الأسلامية في المدينة ، وأن الأنصار ما عليهم إلا الولاء والطاعة . وماذا حصل ؟ ! البداية كانت عندما فتحت مكة ، عندما إشتكى أبو سفيان للرسول صلى الله عليه وسلم ، على سعد بن عبادة ، عندما قال الأخير " يوم الملحمة " ، وتحقق لإبي سفيان ما أراد وعزل سعد بن عبادة القائد الأنصاري ، وأطلق الرسول العربي مقولته الشهيرة " أنه يوم المرحمة " . اللافت في هذا السياق التاريخي أن أبي سفيان اعترض على مقولة ولكنه لم يعترض على قتل ما بين { 13 ـــ 23 } من المقاتلين الذين كان يرأسهم خالد بن الوليد ! وإذا ما استمرينا بسرد التاريخ ، كما هو موجود في كتب البخاري ، وذلك عندما توفي الرسول العربي الكريم ، وذهب الأنصار لساقفة بن سعد ، وولوا سعد خليفة للرسول الكريم ، ولكن ما أن تم نشر الخبر ، ذهب عمر بن الخطاب وأبي بكر الصديق و عبيدة بن الجراح إلى الساقفة حيث دار نقاشاً طويلاً بين الأنصار وقادة المهاجرين ، حتى وصل الأمر إلى التشابك بالأيادي فيما بينهم ، وبقي ذلك حتى إستقر الأمر بينه بأن يكون الخليفة هو أبو بكر الصديق وأن يكون الوزير هو أحد الأنصار ! لكن ما حدث يمكن متابعته من خلال كتابات البخاري والطبري ، وذلك مما حصل في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان ، حيث تم تنحية الأنصار من مناصبهم ، وتولية بني أمية بتلك المناصب ، وبقاء زعماء المهاجرين مترأسين جميع مقاليد الحكم في الأمبراطورية الإسلامية الأخذة في الإتساع !
وإذا كان هذا هو الشأن بالتعامل مع الأنصار في الفترة الراشدية ، ولكن ما هو أكثر للدهشة ، هو ما يعرف في كتب التاريخ بــِ " يوم الحرة " وذلك في فترة حكم يزيد الأموي . عندما أباح دماء وأعراض الأنصار لمدة ثلاثة أيام ، وذكرت الكتب أنه قتل من الأنصار ما يعادل { عشرة آلاف شهيد } . ولم تتوقف الكتب عن ذكر أخبار قتل الأنصار ، فقد ذكرت أن الحجاج جلس في المدينة وعبث بها لمدة ثلاثة أشهر ! .
نحن قد نعثر على أوليات كثيرة في كتب التاريخ ، عن الممارسات التي قام بها " القديسين " الذين أعطوا أنفسهم صفة القداسة وقيامهم بما قاموا به .
إن القفز عن كل القرائن المصاحبة للعنف والقتل ، من أجل الإستيلاء على السلطة ، والتي لا علاقة للدين بها ولا بهؤلاء الذين قاموا بالقتل والعنف من أجل مقاعد الحكم ، ومن أجل ذلك يجب علينا أن نحاورهم كبشر ، وليس كقديسين لا يخطؤون أبداً ! .
هذا هو التاريخ الذي يستشهد به " المؤمنين " المعاصرين ، كمهاجرين الجدد ، قدموا من ثقافة الموت التاريخي ، المسكوت عنه أصلاً ، وأن الأنصار المعاصرين الذين لفظوا ثقافة الموت وانحازوا للغة العصر ، أدركوا أن الصراع الحالي ، هو صراع سياسي بإمتياز ، وأن المقاومة المطلوبة الآن ، مقاومة إنتاج عقل نقدي فلسطيني سياسي ، وإنتاج إنسان فلسطيني يؤمن ، بالعمل السياسي المؤسس على العلم والمعرفة .
وفي هذا السياق ، يمكن تذكير " المؤمنين " أن الصراع السياسي ، يؤثر تأثيراً كبيراً في الرأي العام للمحتل وهنا نذكر عدة أمثلة على شكل تساؤلات هي :
هل أنتصرت الثورة الفيتنامية بمعزل عن الرأي العام الأمريكي الذي فرج بالملايين ضد الحرب في فيتنام ؟ !
هل إنتصرت الثورة الجزائرية بعيداً عن الرأي العام الفرنسي ، الذي قاده كبار كتابهم ومفكريهم كـسارتر على سبيل المثال ، وذلك ضد الحرب والأستيطان في الجزائر ؟
وفي نفس التصور الذي ينطبق على جنوب أفريقيا ، هل تم ذلك بعيداً عن الرأي العام الأبيض ؟ !
إن البحث عن الشبه في التاريخ ، وتلبيسه للحاضر في ضوء هذا البحث ، هو أسهل بكثير من البحث عن بناء منظومات فكرية قائمة على العقل النقي .
وما يمارس الأن هو أنه كلما لاح في الأفق الدولي بحل معقول للقضية الفلسطينية ، قام الأسلام السياسي
" القديسين " بتهيئة القبور لهذا الأفق عبر جثث الفلسطينيين في إمارة غزة !
والفارق بين هؤلاء والإنسان البدائي الذي رسم الأحصنة على جدران الإسطبل ، وجلس عند العتبات ينتظر صهيلها .. ! هو أنهم رسموا بالألوان ، أنما القديسيين المعاصرين فقد رسموا بالدم وهذا الفارق يجعلنا نقول
" أن لاشيء قبل الوطن ، ولا شيء بعد الوطن " .
#سليم_النجار (هاشتاغ)
الحوار المتمدن مشروع
تطوعي مستقل يسعى لنشر قيم الحرية، العدالة الاجتماعية، والمساواة في العالم
العربي. ولضمان استمراره واستقلاليته، يعتمد بشكل كامل على دعمكم.
ساهم/ي معنا! بدعمكم بمبلغ 10 دولارات سنويًا أو أكثر حسب إمكانياتكم، تساهمون في
استمرار هذا المنبر الحر والمستقل، ليبقى صوتًا قويًا للفكر اليساري والتقدمي،
انقر هنا للاطلاع على معلومات التحويل والمشاركة
في دعم هذا المشروع.
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟