يوسف رشيدي
الحوار المتمدن-العدد: 2289 - 2008 / 5 / 22 - 03:45
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
حزب الإستقلال العروبي ,والمسألة الريفية
إن مسألة الدخول إلى مغربهم مسألة غير مطروحة بالنسبة لي حتى وإن بقي فقط جندي واحد فرنسي إسباني أو أمريكي فوق ترابنا ,أقصد أي شبر من شمال إفريقيا . كانت هذه المقولة المشهورة لمولاي موحند ,تعقيبا عن دعوات خونة الأحزاب المغربية لكي يعود مولاي موحند للمغرب .
إن موقف زعيم الثورة الريفية محمد بن عبد الكريم الخطابي من عملية إستقلال المغرب كما تمت في 2 مارس 1956 ,موقفا صلبا لا يتكسر ألا و هو الرفض والإستنكار وعدم قبوله , ولم يقتصر فقط في الرفض بل بإتهام الكلاب المتفاوضين في ضيعة إكس ليبان ,بالخيانة والمكر هم الذين نسوا وتلاعبو بكفاح الشعب المغربي ,من أجل تحقيق الإستقلال الكامل , وبناء المغرب المعاصر . فقد عبر عن ذلك صراحة في العديد من تصريحاته الصحفية و في عدة إجتماعات وندوات حضر فيها وبيانات أصدرها . وأدى هذا الموقف الشجاع إلى خلق توثر حاد بينه وبين كلاب الحركات الحزبية بشمال إفريقيا .
فأغلب المهتمين بهذه الفترة التاريخية يرجحون بأنه هناك أسباب حقيقية لإتخاذه هذا الموقف الذي هدد أبرز الشخصيات التي نابت عن شعوبها لتحقيق الرفاهية . إن مفاوضات فرنسا كانت حقا بعيدة عن ما تمناه
مولاي موحد , وعما ناضل من أجله منذ حلوله بالقاهرة , وكانت المفاوضات هزيمة مذلة لمبادئه و أفكاره التي لم يتقبلها أحد من الذين أكملوا حياتهم في الوزارت والمناصب , لكن أين ذهبت إنسانيتهم التي أذلت في إصفاف الصفوف وتقبيل اليد , والركوع والسجود للحكام , أهذه شخصية من طلق عليهم في مقررات الدراسة والتاريخ الرسمي الوطنيون ,وإنتكاسة كذلك لجهود لجنة تحرير المغرب (الكبير1) بالقاهرة . والتي إنبثقت منها جيش تحرير المغرب الكبير بداية أكتوبر 1955 , حيث كان ذلك لحظة كشف نوايا الوطنيون , الذين لم يوفوا ببنود اللجنة , ولم يشاورا مولاي موحند لأخذ رأيه في موضوع المفاوضات . بينما إتجاههم إنصب حول فرنسا ووصول الملك وعائلته إليها حيث تقرر مصير المغرب مسبقا , ويقال أنه حتى الزعيم الإستقلالي محمد اليزيدي الذي زار القاهرة في أكتوبر 1955 الذي كان في بعثة إكس ليبان لم يرى مولاي محند بقدر ما تشاورى مع علال الفاسي الذي كان يؤمن بتوجهات الزعيم الريفي , وبالفعل فالسي اليزيدي كما ورد في بعض المصادر هو أنه من أقنع سي علال بالعودة إلى المغرب . وبذلك سوف يجد مولاي محند نفسه وحيدا , لكن ظل دائما يؤمن بأن العمل السياسي مع المستعمر لا يجدي أي نفع , وظل حلم العودة للعمل المسلح يراوده خاصة بعد إندلاع الثورة الجزائرية في فاتح نوفمبر 1954 .
إن أول ما إنتبه له مولاي محند منذ أن حطت قدميه أرض مصر , هو العدد الكبير من الذين سماهم التاريخ الرسمي بالوطنيين ونسميهم نحن الخونة , وهم المغرب والجزائر وتونس من قبيل علال الفاسي من حزب الإستقلال ,وعبد الخالق الطريس وآمحمد بن عبود من حزب الإصلاح والحبيب بورقيبة ويوسف الرويسي والحبيب ثامر من الحزب الحر الدستوري والشاذلي المكي من حزب الشعب الجزائري , حيث كانو قد أسسوا مكتب المغرب العربي (2) في الفترة مابين 15 إلى 22 فبراير 1947 .
بعد وصول مولاي محند للقاهرة يوم 31 ماي 1947 إستقبله الملك فاروق وأجرى بعض المقابلات الصحفية , وبدأت وسائل الإعلام تتحدث عن لجوء البطل العالمي للقاهرة , وبعد عودته من الإسكندرية , بدأ في إستكمال مشواره النضالي , وأختير البطل الريفي لترأس اللجنة ,وبدأ في تنفيذ التوصية التي وردت في لجنة التحرير الفقرة ب المادة الثانية في فصل تنسيق الحركات الوطنية , في توحيد الخطط وتنسيق العمل للكفاح المشترك (3) . لكن في دخوله للعمل وتطبيق بنود اللجنة ,إستنتج أنهم (الوطنيون) لا يريدون إلا أن يجعلوا منه أي مولاي محند المظلة التي سوف يتحركون بها , حيت أنه كان لا يريد أن يكون رئيسا بل دورا وعضوا في المعركة والنضال , وبذلك أربك حسابات الوطنيون وخاب ظنهم في الأمير .
الإرتباط الذي وضعه مولاي محند حول العمل المسلح لإستراد شمال إفريقيا من المحتل , ونظرة الوطنيون للعمل السياسي , خاصة من يرون أن شمال إفريقيا تغير بالمقارنة مع ثورة مولاي محند بجبال الريف , وأن الكفاح السياسي هو الأساس في تلك الفترة . لذلك عمل على إبعاد نفسه من اللجنة , وكان لا يحضر إلا للضرورة القصوى .وبعد أخذ ورد قرر مولاي محند تأسيس لجنة أخرى وترأسها بنفسه وأسس لجنة تحرير المغرب العربي في 5 يناير 1948 وجعل شقيقه آمحمد خليفة له. ووزع بيانات وبلاغات للتعريف باللجنة الجديدة , وما أن أتت اللجنة حتى أرسل الأمير دفعة طلابية مغاربية للدراسة في الكلية الحربية ببغداد سنة 27 أكتوبر 1948 .(4 ) وضمت طلاب من المغرب وتونس والجزائر . ويتضح الإختلاف الكبير بين الوطنين والأمير لتصريح أدلى به الحبيب بورقيبة الذي شغل منصب أمين عام اللجنة عند تأسيسها حيث قال :لقد إختلفنا مع محمد بن عبد الكريم لأنه كانت هناك مواجهة بين مرحلتين ,مرحلة العمل المباشر أي مرحلة الصداع العسكري ومرحلة الحوار ,والذين إختلفوا معه كانوا وطنيين , أسسوا أحزاب غير شرعية إستبعد ت العمل المباشر ولكن كانت لديهم إستراتيجيات مختلفة وهكذا إختلفنا لأن الإستراتيجيات كانت مختلفة .
إن الوضع السياسي لمصر في ذلك الوقت لم يسمح لمولاي محند , بممارسة عمله السياسي مع حكم الملك فاروق , لكن مع قيام ثورة يوليو 1952 و تولي جمال عبد الناصر السلطة , سيستفيد مولاي محند من جميع الحريات , وسيحظى بعناية كبيرة من لدن عبد الناصر . لكن رغبة مولاي محند في تتمة الكفاح المسلح بشمال إفريقيا , قابله إنصراف الوطنيون لإقتسام السلطة وتوزيع الحقائب الوزارية , بالإضافة لقمع وسجن وقتل ما تبقى من المجاهدين مثل ماوقع مع حزب الإستقلال وقمعه لجيش التحرير . ويظهر ذلك في نقض الوطنيون لمواثيق اللجنة التي تتضمن مجموعة من البنود ومنها :
.الإستقلال الكامل لشمال إفريقيا ويعني الإستقلال التام لكافة أقطاره الثلاث
. لا غاية يسعى إليها قبل الإستقلال
. لا مفاوضة في المستعمر في الجزئيات ضمن النظام الخاص
. لا مفاوضة إلا بعد إعلان الإستقلال
. للأحزاب الأعضاء في لجنة المغرب العربي أن تدخل في مخابرات مع ممثلي الحكومة الفرنسية والإسبانية على شرط أن تطلع اللجنة على سير مراحل هذه المخابرات
. حصول قطر من هذه الأخطار الثلاثة على إستقلاله التام لا يسقط عن اللجنة واجبها في مواصلة الكفاح لتحرير البقية (5 )
لكن الكارثة التي أذهلت مولاي محند هي التي أتت من الجزائيريين حينما , أوقفوا الكفاح المسلح ودخلوا في مفاوضات مع الفرنسسيين للحصول على الإستقلال وذلك ما حصل سنة 1961
المراجع :
1 : سمي المغرب العربي في ذلك الوقت , لأنه لم تكن هناك الوعي الهوياتي ولم يظهر إلا حديثا , تلك الفترة كان الهم الوحيد هو إخراج المستعمر , وبناء الدولة الحديثة
2 :علال الفاسي نداء القاهرة الرباط المطبعة الإقتصادية 1959 ص 91
3 :مكتب المغرب العربي : مؤتمر المغرب العربي المنعقد بالقاهرة من 15 إلى 22 فبراير 1947 (القاهرة ,مطبعة المكتب الثقافي الدولي , 1947 ) ص 36
4 :رسالة الكولونيل الهاشمي الطود في كتاب : أحمد معنينو : ذكريات ومذكرات , الجزء الخامس 1952 1956 (طنجة مطبعة سبارطيل ,1991 ) ص 47 ,وأيضا شهادة يوسف الرويسي السابق ذكرها ص 516 .
#يوسف_رشيدي (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟