لحسن ايت الفقيه
(Ait -elfakih Lahcen)
الحوار المتمدن-العدد: 2289 - 2008 / 5 / 22 - 10:07
المحور:
دراسات وابحاث في التاريخ والتراث واللغات
لعب المستعمر الفرنسي دورا غير منكور في إحداث خريطة إدارية مغربية ,في منطقة نفوذه. ورغم بعض التعديلات التي حملتها التقطيعات الإدارية في عهد الاستقلال لا تزال أسس التقطيع الإداري الفرنسي قائمة يصعب تجاوزها. ولئن كان التقطيع الإداري الذي وضعته سلطات الحماية بالمغرب قائم على المنفعة بالدرجة الأولى وعلى الأمن –كلما أضحت الحاجة إليه ماسة- بالدرجة الثانية, فإنه يستحضر التقارب الإثنوغرافي والتجانس الطوبوغرافي والجغرافي في إعداد خريطة القيادات المخزنية والمقاطعات العسكرية.وللأسف الشديد عمق المسؤولون في الإدارة المغربية في بعض المناطق ثقافة الميز والانتقاء لا على أساس المنفعة لكن على أساس اعتبارات سوسيولوجية وتاريخية متجاوزة. ولقد ظهرت نطاقات جغرافية إدارية مهملة ومهمشة فيما كان يسمى بالأمس المغرب غير النافع. وتعد جهة مكناس تافيلالت نموذجا للانتقاء والميز والإقصاء مما يستدعي مضاعفة الجهود و تكثيف المرافعة والضغط لإعادة الاعتبار للنطاق الجغرافي الأسود الذي يمتد من شمال سد الحسن الداخل إلى جبل هبري ومن إملشيل إلى حدود إقليم فيكيك.
1- جهة مكناس تافيلالت جهة أمنية لا تنموية
كانت جهة مكناس تافيلالت تعرف من قبل بالجهة الوسطى الجنوبية لأنها تمتد شمالا إلى وسط المغرب وجنوبا إلى الحدود غير الواضحة , في الخرائط الدولية, بين المغرب والجزائر والتي كانت سببا لاندلاع حرب الرمال سنة 1963.ولقد كانت مدينة مكناس مركزا عسكريا أساسيا لاستعمار الأطلس المتوسط والأطلس الكبير الشرقي والأطلس الصغير وصحراء تافيلالت.ولقد وقع اختيار المستعمر الفرنسي على الأطلس الكبير الشرقي كمجال لإنشاء معتقلات التعذيب فاشتهرت المراكز العسكرية القروية إملشيل وأسول وأغبالو ن كردوس والريش وتالسينت في إيواء المعتقلين والمنفيين.وللتذكير فقط , فقد استقبل معتقلا إملشيل وتالسينت الشهيد المهدي بنبركة, كما استقبل معتقل أغبالو ن كردوس بعض أقطاب الحركة الوطنية .وفي مطلع السبعينات تم إحداث معسكر تازممارت السيء الذكر قرب مركز كراندو مقر القيادة التقليدية الإقطاعية العشائرية التي أحدثت في التقطيع الإداري لسنة 1930 و ظل يرأسها القائد عدي و بيهي إلى غاية استقلال المغرب. وباختصار فالمثلث إملشيل أغبالو ن كردوس ,تالسينت محمية منسية مهمشة إلى الآن لا لشيء سوى أن المستعمر الفرنسي اتخذها مجالا للاعتقال السياسي واستمرت في وظيفتها طيلة سنوات الجمر والرصاص, و لا تزال إلى حدود كتابة هذه السطور نسيا منسيا. ولما كانت جهة مكناس تافيلالت جهة حدودية فقد ظلت منطقة أمنية مادام مشكل الحدود مع الجارة الجزائر قائما بفعل مشكل الصحراء الشرقية و مادامت الجزائر تشكل خطرا جيوبوليتيكيا على الأقاليم الجنوبية المغربية عامة.و إذا كانت الجارة الشقيقة تعتبر ,بكل جرأة, ولاياتها المجاورة للحدود, ولايات السيادة فتضاعف لها الإمكانيات التنموية فإن المسؤولين بجهة مكناس تافيلالت لا يزالون يتعاملون بشكل خجول مع هذه المنطقة إن لم نقل يضاعفون لها إمكانيات التهريج ,الموسيقى والفولكلور والرقص.
2- جهة مكناس تافيلالت جهة قائمة على الميز الجغرافي
الناظر في خريطة الجهة يخالها تتكون من قطبين اثنين,القطب الشمالي الذي هو مدينة مكناس العاصمة الإسماعيلية والحاضرة التي كانت استقطبت منذ القرن الثامن عشر الكثير من الأسر القادمة من واحة تافيلالت وواحة الداورة وواحة الساورة ولا تزال قبلة لسكان الجنوب المغربي, والقطب الجنوبي ويتكون من تافيلالت أي الواحة المحيطة بمدينة الريصاني و أرفود.وهي واحة كانت تسمى بالأمازيغية (تالماست) وتعني الوسط. ولما بنى الخوارج بنو مدرار حاضرة في مكان يظل على الواحة, أصبحت الواحة الوسطى (تالماست) تسمى أحواز سجلماسة. وتعني سجلماسة بالأمازيغية المكان المشرف على تالماست والمتحكم فيها, فالمقطع الأمازيغي (سيك) أي انظر من علُ, يحمل دلالة استراتيجية تظهر جلية في الموقع الذي اختاره جمهوريو الإسلام (كما سماهم الدكتور محمود إسماعيل) للحاضرة المتمردة على الشرق الإسلامي. والناظر في الجهة كما هي في الواقع لا في الورق يلمس أن الإمكانيات التنموية المتوفرة في الحال والتي يمكن توفيرها في المآل مخصصة بنسب مرتفعة لواحة تافيلالت, تحت شعار (من أجل إنقاذ الواحة ) و لمدينة الرشيدية ومحيطها بحكم السلطة الإدارية للمدينة. ولا غرو , فالكل ينادي بإنقاذ الواحة لكن واقع الحال يقضي التوزيع المتكافيء للإمكانيات. و من جهة ثانية وتحت شعار (إنقاذ مدينة مكناس) العاصمة الإسماعيلية تجلب بعض الإمكانيات لصيانة صهريج السواني وسيدي بوزكري وباب منصور وهي في مناطق تاريخية في حاجة إلى الإنقاذ حقا, لكن منطق الأمور لا يحتم أن يكون دلك على حساب المناطق الأخرى داخل الجهة. وتستغرب بعض الجمعيات بإقليم خنيفرة من إقصاء ساحة القتال التي وسعها المقاوم موحى وحمو الزياني في العقد الثاني من القرن الماضي من أي برنامج تنموي وتهميش مدينة خنيفرة معلمة النضال بالأطلس المتوسط .
3 –الرشيدية والميز الجغرافي بين الشمال والجنوب
والغريب أن الميز الجغرافي بجهة مكناس تافيلالت بدأ يتخذ طابعا إقليميا ومحليا,ففي إقليم الرشيدية نطاق جغرافي يغطي ثلاث دوائر إدارية,إملشيل,أسول,الريش,أريد له أن يكون نسيا منسيا لأسباب تعود إلى فترة استقلال المغرب وإلى سنوات الجمر والرصاص. و مما تعانيه جبال شمال إقليم الرشيدية مشكل التحديد الجغرافي والإداري. فالمسؤولون بالإقليم يعتقدون أن حدود إقليم الرشيدية تبدأ جنوب سد الحسن الداخل, ذلك السد الذي يفصل بين سكان (تالمست) التي أطلقت عليه قبيلة ايت عطا اسم تافيلالت وهم السكان المستقرون والمتحضرون وبين سكان الجبال الرحل الذين كانوا, من قبل, منقطعين لقطع الطرق في الطريق التجارية الرابطة بين فاس و سجلماسة في بعض الممرات الاستراتيجية,خانق زعبل,فج تيغانيمين,فج تيزي نتلغمت.و إنك لا تسمع شيئا عن الأطلس الكبير الشرقي لأن تافيلالت التهمت كل محيطها من الريصاني إلى فج الزاد شمالا ومن الريصاني بحيرة تيزليت في الشمال الغربي. و مرد ذلك إلى أن المنطقة واضحة المعالم في خريطة الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان, وقبل دلك كانت ميدانا لتمرد عامل إقليم تافيلالت عدي وبيهي نايت رهو, لذلك أريد لها النسيان عقابا على تمردها على أحد الأحزاب الحاكمة وقتذاك لا على الملكية. ولا تذكر منطقة نفوذ القائد عدي وبيهي إلا في مناسبة سياحة البؤس والتخلف التي تصادف موسم إملشيل الذي حرفته السلطات الإقليمية ابتداء من سنة 1965 لضرب القيم الأمازيغية الأصيلة.وبلغة الأرقام فالمنطقة تحتل المرتبة الأولى في إقليم الرشيدية في الأمية مثلا,إملشيل74.7%..أسول59.2%الريش54.7%.ولم تصل نسبة في دوائر جنوب الإقليم ووسطه نسبة 50% (الريصاني47.4%.أرفود44.2% كلميمة41.2% الرشيدية 36.3%) .وللإشارة فارتفاع المؤشر السلبي للأمية بالريصاني راجع إلى كون هذه الدائرة تضم أفقر جماعة في الإقليم تقطنها أقليات من قبيلة ايت عطا.وتحتضن منطقة نفوذ القائد عدي وبيهي أكبر إعدادية على الصعيد الوطني في الاكتظاظ (إعدادية أبي سليم بالريش التي تستقبل حوالي 3000نلميذ !).و لم يخجل المسؤولون بالإقليم من أنفسهم لما خصصوا حصص مياه الوديان التي تنبع من جبال الأطلس الكبير الشرقي للواحات إما بخزنها في سد الحسن الداخل أو بتحويلها بواسطة ما يسمى سدود التحويل لسقي واحة تافيلالت .أما سكان الأعالي فلا حول لهم ولا قوة أمام قوة السيلان التي تجرف حقولهم وأمام الجفاف المفروض عليهم رغم وجود الماء بالوديان . ونسجل أن الخسائر التي تخلفها الأمطار بجبال شمال إقليم الرشيدية تبعت السرور في قلوب المسؤولين بالإقليم لأنها تزيد من كمية الماء بالسد . ولقد بات سكان جبال شمال إقليم الرشيدية يتساءلون عن موقعهم في خريطة الوطن فما هم بسكان الواحات وما هم بسكان الجبال على غرار سكان إقليم أزيلال والحسيمة وتاونات وصفرو . ونضيف أن المسؤولين في التعليم دشنوا الجدع المشترك بإملشيل بطرق لا نقول سوى أنها استفادت من مستوى مرتفع من التحايل , حيث توصل مدير مجموعة مدارس الأمير مولاي عبد الله بإملشيل بمراسلة نيابية رقم 386/655 بتاريخ 18/9/2004 موضوعها القيام ببعض الإصلاحات يقول فيها السيد النائب الإقليمي(...من أجل إنجاح الدخول المدرسي بمركز إملشيل,لاسيما بعد إحداث السلك الثاني الثانوي التأهيلي جدع مشترك, وتنفيذا لمقتضيات الميثاق الوطني للتربية والتكوين , وحيث إن الأشغال مفتوحة بالمؤسسة من طرف الوكالة اليابانية للتنمية(بل للتعاون الدولي) يشرفني أن أطلب منكم القيام ببعض الإصلاحات الضرورية داخل مؤسستكم ......على أن النيابة تلتزم بتنسيق مع الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين بتسوية هذه الوضعية) وبالفعل قام المقاول الذي تكلف بالأشغال المدرجة في أنشطة مشروع تحسين التربية الأساسية الذي كانت تشرف عليه الوكالة اليابانية للتعاون الدولي بمنطقة إملشيل بإصلاح قاعة استقبلت تلاميذ الجدع المشترك وإصلاح مرقد استقبل التلاميذ الداخليين, ولم يتوصل المقاول بأية تسوية لا من النيابة ولا من الأكاديمية ويظهر أن فواتير الإصلاح ضاعت من أرشيف الأكاديمية حسب تصريح المسؤول عن المالية يوم 13 نونبر2006 أو أنها لم تدرج للتسوية سيرا على نهج السلف في التعامل منطقة إملشيل.وإنه مثال فقط من اللامبالاة التي يتعامل بها المسؤولون إقليميا و جهويا مع المنطقة في ميدان التعليم والزراعة و الأمية, ولدينا أمثلة كثيرة لا يتسع هدا الحيز لبسطها.
4-خنيفرة و اللاتكافوء بين الشرق والغرب
لئن كان إقليم خنيفرة مقصيا من الجهة ذات القطبين التاريخيين مكناس و تافيلالت فإن المسؤولين في هذا الإقليم لم يستوعبوا الدرس جيدا فهم يجهلون جهلا تاما شرق الإقليم أي أعالي ملوية ومدينة ميدلت. و للتذكير فقد تراجع وضع المدينة عما كان عليه في عهد الحماية.حيث توقف الاستغلال المنجمي بمناجم ميبلاتن و أحولي وتراجعت الخدمات الاجتماعية بالمدينة وعمت البطالة وانتشرت الدعارة انتشارا واسعا. وحسب تصريح بعض الفاعلين الجمعويين فإن ميدلت آخر مدينة تذكر في الندوات المخصصة للمشاريع السياحية الجهوية لأن المسؤولين بجهة مكناس تافيلالت انقطعوا لخدمة القطبين مكناس و تافيلالت أو مكناس والرشيدية في أحسن الأحوال.وكما هو حال جبال شمال إقليم الرشيدية فإن المسؤولين بإقليم خنيفرة يجهلون جبال الأطلس الكبير الشرقي المتواجدة في تراب الإقليم, منطقة تونفيت وأنفكو.ولقد خاطب شاعر أمازيغي عامل إقليم خنيفرة في أواخر الثمانينات من القرن الماضي حين زار قبيلة ايت عمرو ب(أنفكو) ,جماعة أنمزي القروي, قائلا:
أعرينخ تانايت إد إغف ن أولغم
أك ن تعيش
تقيمن توكا ك مكناس
يلين جيكو ك فاس
تفسيره:
إننا سعداء حين عاينت- أيها العامل-
بأننا نعيش في رأس الجمل
أما السنام (سنام الجمل) فيوجد بمكناس
والرجل بفاس.
وقد شبه الشاعر الأمازيغي جبال الأطلس الكبير الشرقي برأس الجمل لأنها مجردة من الموارد الطبيعية وكلنا يعلم أن رأس الجمل خال من اللحم.وشبه جهة بجمل يوجه رأسه نحو الجبال وعنقه بأعالي ملوية والأطلس المتوسط وسنامه بمنطقة مكناس ورجليه السمينتين بمنطقة فاس . ولقد أريد من المنطقة الجبلية أن تكون مجردة من الإمكانيات التنموية لا لشيء سوى أن جهة مكناس تافيلالت اختارت نهج الميز الجغرافي واحترمت قواعده . وللتذكير فقد كان سكان قبيلة ايت عمرو نظموا قبل ثلاث سنوات مسيرة احتجاجية في اتجاه إملشيل من أجل مراجعة التقطيع الإداري الذي أدمجهم في إقليم خنيفرة علما أن أهلهم بمنطقة إملشيل. أما سكان ميدلت فلا يفتأون يطالبون بإحداث إقليم يضم الأطلس الكبير الشرقي وأعالي ملوية لرفع التهميش عن المنطقة.ومرد تهميش منطقة ميدلت إلى كونها ساهمت في العصيان الذي قاده القائد عدي وبيهي سنة 1957 ولقد حوكم قائد منطقة ايت عياش موحى وهرا إلى جانب القائد عدي وبيهي.
ولقد حان الوقت لمراجعة أسلوب التمييز الجغرافي بجهة مكناس تافيلالت .وقبل ذلك يجب مراجعة التقطيع الإداري الذي جعل من الجهة منطقة غير متجانسة جغرافيا و إثنوغرافيا فالجزء الصحراوي مختلف عن الجزء الشمالي الذي يشمل سهل تافيلالت والأطلس المتوسط .فالترابط التاريخي بين مكناس و تافيلالت لم يعد سببا موضوعيا لإحداث جهة لا متكافئة في مواردها الطبيعية. وبالمقابل فعصيان القائد عدي وبيهي لم يعد أساسا لتهميش منطقة نفوذه وأما معتقل تازممارت السيء الذكر فينبغي محو تأثيره .و قبل ذلك لا يجب أن تحرم جبال الأطلس الكبير من التنمية لأنها كانت بالأمس موقعا للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان. فما ذنب منطقة الريش إن كانت تحتضن آثار معتقل تازممارت السيء الذكر؟ فالمنطقة ليست في حاجة إلى مواسم التهريج التي تسيء للثقافة المحلية إنها في حاجة إلى مشاريع تنموية أو إلى حصتها مما هو متوفر من الإمكانيات في الحال وفي المآل.
#لحسن_ايت_الفقيه (هاشتاغ)
Ait_-elfakih_Lahcen#
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟