يعد تيار الاشتراكيين الثوريين أكثر القوي اليسارية راديكالية علي الساحة المصرية وذلك فيما يتعلق برؤيته لمجمل قضايا الشئون الداخلية والخارجية. وترجع نشأة هذا التيار الي بداية عقد التسعينات حيث شهد اليسار المصري أزمة عنيفة وساد الاحباط أوساط مختلف قواه المتعددة في أعقاب انهيار الاتحاد السوفيتي. وتبلور التيار من خلال مجموعة من الحلقات النقاشية التي عقدت بين أعضاء من حزب العمال الموحد ـ والذي كان قد تفكك نهائياً ومجموعة من التروتسكيين المصريين.
والتي استهدفت بناء يسار جديد وعبر هذه الحلقات تشكل تيار الاشتراكيين كتيار متماسك يمتلك رؤية ماركسية جديدة وبرزت مواقفه ورؤيته من خلال مجموعة من الانشطة الدعائية والفكرية التي شملت ترجمة أدبيات ماركسية واصدار مجموعة من المجلات وخاض مجموعة من المعارك الجماهيرية الهامة كان أبرزها دوره في اضراب عمال كفر الدوار عام 1994 وانتخابات النقابات العمالية عام 1995 وتشكيل اللجان الشعبية لدعم الشعبين الفلسطيني والعراقي ولجان المقاطعة عام 2001.
ويذكر ان خمسة مواطنين من بينهم أربعة هاربين يحاكمون الآن أمام محكمة أمن الدولة العليا طوارئ بتهمة الانضمام الي تنظيم الاشتراكيين الثوريين ومحاولة قلب نظام الحكم وتعطيل أحكام الدستور والقوانين.
وتري الادبيات الصادرة عن تيار الاشتراكيين الثوريين ان النموذج الاشتراكي لم يسقط بسقوط وانهيار تجربة الاتحاد السوفيتي باعتباره كان يطبق شكلاً من أشكال رأسمالية الدولة وتقوم رؤية التيار علي تطوير بعض مواقف »ليون تروتسكي« تجاه الماركسية والذي خاض نضالاً طويلاً ضد التجربة الستالينية. وترفض الادبيات مقولة نهاية التاريخ التي طرحها »فوكوياما« حيث تري ان الرأسمالية لم تتجاوز أزماتها وانها ما تزال محملة بالعديد من التناقضات خاصة بين مفهوم الدولة القومية والرأسمالية كمنظومة عالمية بالاضافة الي استمرار العديد من الحروب والتي باتت سمة أساسية للنظام الرأسمالي سواء في الخليج أو آسيا الصغري أو دول البلقان.
وتؤكد الادبيات علي أن المستقبل يحمل امكانيات واسعة لنمو حركات اليسار من جديد خاصة في ظل فشل تجربة الليبرالية الجديدة والتي تقوم علي تنفيذ مشروعات تنمية قائمة علي جذب الاستثمارات الاجنبية وزيادة حجم الصادرات اعتماداً علي القطاع الخاص والقبول بروشتة الاصلاح الاقتصادي التي تقدمها المؤسسات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لدول العالم الثالث مشيرة الي أن هذه التجارب خلقت جماعات في أفريقيا وأدت لتشريد ملايين العمال وزيادة معدلات البطالة في مختلف دول العالم.
وترصد الادبيات مجموعة من هذه التجارب التي فشلت باعتبارها نماذج للتنمية في دول العالم الثالث ومنها المكسيك في 1994 وفي أندونيسيا وماليزيا وتايلاند عام 97 وروسيا والبرازيل عام 1998.
وتراهن الادبيات الخاصة بتيار الاشتراكيين الثوريين علي تزايد حالة الرفض الشعب العالمي لدور الشركات الرأسمالية الكبري والمناهض لحركة العولمة الرأسمالية والحروب في مختلف أنحاء العالم والمتضامن مع انتفاضة الشعب الفلسطيني والشعب العراقي في مواجهة الاحتلال الامريكي. وكذا الاتفاقيات الجماهيرية التي شهدتها العديد من دول العالم ويأتي في مقدمتها الانتفاضات الجماهيرية في بوليفيا والارجنتين خلال هذا العام. وتركز الادبيات علي أن السنوات القادمة ستؤكد فشل محاولات السلام التي تفرضها أمريكا وعودة الاستعمار الامريكي المباشر في مناطق عديدة من العالم وفشل الليبرالية الجديدة وسياساتها علي المستوي العالمي وتفاقم الازمات الدورية للرأسمالية العالمية.
الأزمة الاقتصادية
وترصد أدبيات الاشتراكيين الثوريين مظاهر الازمة الاقتصادية في مصر في مجموعة من المظاهر أهمها تغيير قوانين العمل والعلاقة بين المالك والمستأجر في الريف والغاء الدعم علي السلع الاساسية وتطبيق سياسة الخصخصة وتزايد معدلات الركود وانتشار الفقر من ناحية وظهور طبقة من الاغنياء علي حساب ثروات الشعب والبلد خلال العشرين عاماً الماضية. وتشريد عشرات الآلاف من العمال في ظل سياسة الخصخصة وارتفاع معدلات البطالة الي أرقام غير مسبوقة منذ الحرب العالمية الثانية. بالاضافة الي سعي الدولة الي خصخصة مختلف الخدمات الاساسية ووسائل النقل والمواصلات والمواني والمطارات والتأمينات والمعاشات.
وتربط أدبيات الاشتراكيين الثوريين بين الازمة الاقتصادية وطبيعة الازمة السياسية مشيرة الي أن السياسات الاقتصادية للدولة لم تكن لتمر إلا في ظل اعتماد الدولة علي قانون الطوارئ والقوانين المقيدة للحريات وتزايد حدة القمع ضد قوي المعارضة ومنع قيام المنظمات والتشكيلات الجماهيرية الديمقراطية. وتؤكد الادبيات علي أن الاصلاح السياسي يجب انتزاعه من خلال نضال جماهيري واسع للحصول علي الحقوق الديمقراطية مع عدم الفصل بين المعركة من أجل الديمقراطية والمعركة ضد الليبرالية الجديدة وسياساتها. وتشدد الادبيات علي أهمية حق كافة فئات المجتمع في تكوين منظمات جماهيرية ونقابات مستقلة مثل اتحادات للفلاحين واتحادات للعاطلين ونقابات عمالية واطلاق الحق في الاضراب والتظاهر والاعتصام. مع الوضع في الاعتبار انه لا يمكن تحقيق اصلاح ديمقراطي من أعلي في الوقت الذي يشرد فيه المواطنون من أراضيهم وبيوتهم وأعمالهم.
وحول رؤية الاشتراكيين الثوريين للاصلاح الاقتصادي والسياسي والموقف من قضايا الشئون الخارجية تركز الادبيات فيما يتعلق بالاصلاح الاقتصادي علي ضرورة عودة الدعم علي كافة السلع الاساسية وربط الاجور بالاسعار واعادة تأميم المصانع والشركات الخاسرة ووقف كل سياسات وتطبيقات الدولة بشأن الخصخصة والغاء القوانين الجديدة الخاصة بالعمل والعلاقة الايجارية بين المالك والمستأجر الخاصة بالاراضي الزراعية وتؤكد الادبيات علي أن تيار الاشتراكيين قد حدد موقفه بأنه سيخوض كل معركة في مواجهة سياسة التحرير الاقتصادي التي تنتهجها الدولة.
الغاء الطوارئ
وفيما يتعلق بمطالب الاصلاح السياسي، تشير الادبيات الي المطالبة بالغاء قانون الطوارئ وكافة القوانين المقيد للحريات واطلاق حق تكوين النقابات العمالية والمهنية المستقلة وحق تكوين المنظمات الجماهيرية واطلاق حقوق الاضراب والاعتصام واجراء انتخابات ديمقراطية حرة ونزيهة. وتدعو الادبيات فيما يختص بالسياسة الخارجية الي العمل علي تشكيل محور لمناهضة الصهيونية والامبريالية وإحياء حركة تضامن واسعة مع الشعبين الفلسطيني والعراقي وإحياء حركة المقاطعة وقطع كافة العلاقات وأشكال التطبيع والتعامل مع الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية.
وفيما يتعلق بالرؤية الاستراتيجية لتيار الاشتراكيين الثوريين يرفض التيار رؤية اليسار المصري القائمة علي استراتيجية المراحل الثورية والتي تقسم عملية التغيير الجذري لمرحلتين منفصلتين زمنياً يتم خلال المرحلة الاولي تنفيذ مهام الثورة الوطنية الديمقراطية وهي التحرر الوطني والاستقلال واقامة نظام جمهوري برلماني وتنمية وطنية مستقلة ثم تأتي المرحلة الثانية وهي الانتقال لمرحلة الثورة الاشتراكية وسلطة الطبقة العاملة ويؤكد تيار الاشتراكيين الثوريين علي ضرورة تحقيق تغيير جذري شامل في مرحلة واحدة وفي معركة شاملة ضد الاستبداد والامبريالية من خلال تحويل الحركة الي حركة جماهيرية وفي القلب منها الطبقة العاملة.
رفض الإلحاد
وحول العلاقة بين الدين والدولة تشير الادبيات الخاصة بتيار الاشتراكيين الثوريين الي الاحترام الكامل للعقيدة والي وجود تراث من سوء الفهم حول موقف الماركسية من الدين استهدف ربط الماركسية بالإلحاد أو العداء للدين وهو ربط تراه الادبيات غير صحيح، مشيرة الي أن الماركسية منهج علمي يعتمد علي التحليل المادي التاريخي وانه لا توجد معركة فكرية بين الماركسية والدين باعتبار ان المنظور الماركسي منظور طبقي وليس منظوراً أيديولوجيا. وتؤكد في ذات الوقت علي أن تاريخ الحركة الشيوعية في مصر والخارج حفل بالعديد من رجال الدين الذين ساندوا الماركسية وأيدوها كمنظور طبقي لا يتعارض مع الدين. ويدعو تيار الاشتراكيين الي ضرورة تفكيك الدولة الاسرائيلية باعتبارها دولة استيطانية واقامة دولة فلسطينية علمانية تجمع بين كافة الديانات والطوائف علي أسس ديمقراطية.
ويؤكد تيار الاشتراكيين علي أن الطريق الي القدس يمر عبر القاهرة والعواصم العربية من خلال تغيير الانظمة العربية واقامة حلف واسع ضد الاستعمار الامريكي وحليفته اسرائيل لعدم قدرة الشعب الفلسطيني وحده علي إلحاق الهزيمة بالآلة العسكرية الاسرائيلية والأمريكية.
ولا يؤمن تيار الاشتراكيين الثوريين بالدعوة الي القطيعة الكاملة مع الغرب بمفهومه الجغرافي. كما يقف تيار الاشتراكيين الثوريين موقف عادياً في ذات الوقت ضد العلمانية المفروضة بالقوة حتي ولو كانت في مواجهة قوي دينية طالما كانت القوي الدينية تدافع عن الديمقراطية في مواجهة أنظمة علمانية تستخدم الدبابات.
دولة فلسطينية
ويرفض تيار الاشتراكيين الثوريين التنازلات المقدمة من جانب السلطة الفلسطينية والعرب لصالح اسرائيل مشيراً الي أن اسرائيل دولة استيطانية تم زرعها لخدمة المصالح الامريكية وحماية احتياجاتها من البترول في المنطقة الامر الذي يحول دون الوصول لحل عادل للقضية الفلسطينية في ظل وجود هذه المصالح للامبريالية العالمية في المنطقة. مؤكداً انه يقف ضد الغرب كحكومات استعمارية وشركات رأسمالية عالمية داعياً الي الفصل بين هذه الحكومات والمؤسسات الرأسمالية والحركات والمنظمات الشعبية في أوروبا وأمريكا والتي تضم قوي عديدة مناهضة للامبريالية وللعولمة الرأسمالية ولحرب المصالح وهو ما أكدته المظاهرات العارمة التي اندلعت في أمريكا وأوروبا ضد العولمة وتضامناً مع الشعبين الفلسطيني والعراقي ويؤكد التيار علي أهمية خلق حركة عالمية لكل المناضلين ضد الحرب والاستعمار والصهيونية.