|
هوامش على دفتر النكبة (2)
سعد هجرس
الحوار المتمدن-العدد: 2287 - 2008 / 5 / 20 - 11:06
المحور:
القضية الفلسطينية
قبل أن أمسك بالقلم لأواصل الكتابة عن "النكبة" والبدائل للسياسات التى شلت أيدينا عن التغلب عليها ومسح وصمتها تلقيت دعوة من مركز البحوث والدراسات السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية – جامعة القاهرة. وهو مركز مهم أنشئ عام 1986 كوحدة ذات طابع خاص لها استقلالها الفنى والمالى والإدارى، ويختص بتشجيع وإجراء الأبحاث التى تعبر عن اهتمامات جماعات الباحثين فى مجالات علم السياسة وتلك التى يحتاج إليها صانع السياسة وكذلك الجامعات والهيئات الوطنية. ويدير المركز الدكتور عبدالمنعم المشاط أحد أهم أساتذة العلوم السياسية فى مصر والشرق الأوسط. وكانت دعوة المركز للمشاركة فى ورشة عمل يوم 15 مايو الجارى الموافق لذكرى مرور ستين عاماً على إنشاء الدولة الصهيونية "بهدف إبقاء الذاكرة العربية والمصرية حية" حول هذه القضية المهمة. وشارك فى ورشة العمل بالإضافة إلى الدكتور عبد المنعم المشاط كلا من الدكتور عبدالوهاب المسيرى صاحب الموسوعة الشهيرة عن المصطلحات اليهودية والصهيونية والزميل الدكتور حسن أبوطالب نائب رئيس مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية والدكتور نبيل عبدالغفار المتخصص فى الشئون الإسرائيلية، والناشط الفلسطينى أمجد كمال الباحث بالكلية. وبطبيعة الحال كان الدكتور عبدالوهاب المسيرى أول المتحدثين ففاجأ الجميع بتقديم صورة "مدهشة" عن إسرائيل، خلاصتها أن "المجتمع الإسرائيلى يواجه أزمة عميقة متعددة الأوجه" بعد أن فشل مفهوم "أتون الصهر" والدليل على ذلك – فى رأيه – أن الإسرائيليين لم يستطيعوا التوصل حتى الآن لتعريف من هو اليهودى، كما أن هناك الكثير من الكتابات الإسرائيلية تتحدث عن "نهاية إسرائيل"، بينما الإعلام العربى – فى رأيه – يرى علامات "النصر" التى تحرزها "المقاومة" الفلسطينية واللبنانية على إسرائيل ويتجاهلها ويقوم بتهمشيها، أضف إلى ذلك ان إسرائيل – كما يقول صاحب الموسوعة – هى "عاصمة الإباحية والشذوذ الجنسى والفساد الأخلاقى فى العالم"، ويترافق مع ذلك أزمة الخدمة العسكرية وفرار العديد من الجنود والضباط الإسرائيليين من هذه الخدمة. وباختصار فإن إسرائيل – فى رأى الدكتور المسيرى – "مجتمع آيل للسقوط والإنهيار" وبالمقابل فإن صواريخ "القسام" التى تستخدمها حركة "حماس" ضد إسرائيل "لها أثر غير عادى"، ونقل عن المحلل العسكرى الإسرائيلى "رئيف" قوله "نحن الإسرائيليين غير قادرين على رصد صواريخ القسام بسبب بساطتها وبدائيتها ولذلك أقترح إعطاءهم صواريخ سكود بدلاً منها"!! والنتيجة هى أن "جرثومة النهاية" تنخر فى عظام إسرائيل التى ليست – فى رأى الدكتور عبد الوهاب المسيرى – سوى دولة "مملوكية" بمعنى أنهم مجموعة من المرتزقة المكلفين بالقيام بمهام معينة، ولذلك فإن جرثومة النهاية ضخمة جداً وعلامات النهاية بادية للعيان، وإسرائيل نفسها تدرك ذلك جيداً قبل غيرها. *** هذه "النهاية السعيدة" الوشيكة للصراع العربى – الإسرائيلى التى بشرنا بها الدكتور المسيرى جاءت على طرفى نقيض مع تحليل كاتب هذه السطور. صحيح ان الكيان الإسرائيلى حافل بالتناقضات، لكنها تناقضات "غير عدائية وليست رئيسية" ولا تهدد الأعمدة الرئيسية لهذا الكيان. والدليل على ذلك أن إسرائيل تمتلك جيشاً يتفوق على الجيوش العربية مجتمعة (رغم هرب عدد يزيد أو يقل عن الجنود والضباط من الخدمة العسكرية)، وتمتلك اقتصاداً قوياً، به قطاع حديث يعتمد على التكنولوجيا الفائقة. ثم إن هذه التناقضات الداخلية الإسرائيلية لم تعرقل – حتى الآن – التداول السلمى للسلطة كما لم تزعزع "الاستقرار" السياسى للدولة اليهودية. وصواريخ القسام لم تلحق خسائر يعتد بها فى الجانب الإسرائيلى، حيث عدد القتلى أقل من أصابع اليدين حتى الآن. والضربة الوحيدة المؤثرة التى تعرضت لها إسرائيل هى تلك التى وجهها إليها "حزب الله" فى الحرب الأخيرة والتى شهدت ضرب العمق الإسرائيلى لأول مرة. ورغم أن التاريخ يعلمنا أن المقاومة الوطنية لابد وأن تغير موازين القوى وتلحق الهزيمة بالمستعمر فى النهاية.. فأن هذا "التفاؤل الاستراتيجى" يمكن أن يتحقق بعد خمسة أعوام أو عشرين عاماً او مائة عام، حسب عدد كبير ومعقد من المتغيرات من بينها "حالتنا" نحن. وحالتنا الراهنة تسر الأعداء بلاشك وتطيل أعمارهم. ويكفى أن نلقى نظرة على نخبة ما بعد الاستقلال فى العالم العربى لنرى كيف تكلست وأصبحت فاقدة للرؤية والدور والاتجاه. فما يحدث حالياً فى عدد من البلاد العربية ليس من قبيل هذه التناقضات "البناءة"، التى هى دليل "حياة"، بقدر ما هى تناقضات "هدامة" تقترب من أعراض "الموت". وهى كلها – أو معظمها – مؤشرات على "انتحار" النخبة العربية التى آلت إليها الأمور فيما بعد الاستقلال بعد أن شارك بعضها فى معارك التحرر الوطنى. أنظر مثلاً إلى أوضاع النخبة اللبنانية (موالاة ومعارضة) أو النخبة الفلسطينية ( حماس وفتح) أو النخبة السودانية (بكل انقساماتها على مدار مجال الطيف السياسى والدينى والعرقى والجهوى)، ناهيك عن النخبة العراقية التى فعلت ببلدها ما فعلت.. هذه الأمثلة تدل على أن ما يحدث فى العراق ولبنان وفلسطين والسودان ليس مجرد صراع سياسى مألوف، وإنما هو أقرب إلى "الانتحار" الجماعى لنخبة فقدت الدور والبوصلة والاتجاه والرؤية ومبرر الوجود. وفى ظل ذلك لم يعد الذى يتعرض لخطر الانهيار هو الدولة اليهودية المصطنعة وإنما نموذج الدولة القطرية الذى نشهد تصدعات كثيرة له فى أنحاء العالم العربى. فهذا العالم العربى لم يفشل فقط فى تحقيق الوحدة "القومية" بل يفشل أيضاً فى الحفاظ على الدولة "القطرية". وهذه هى النكبة الأكبر من نكبة 1948. وللحديث بقية.
#سعد_هجرس (هاشتاغ)
كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية
على الانترنت؟
رأيكم مهم للجميع
- شارك في الحوار
والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة
التعليقات من خلال
الموقع نرجو النقر
على - تعليقات الحوار
المتمدن -
|
|
|
نسخة قابلة للطباعة
|
ارسل هذا الموضوع الى صديق
|
حفظ - ورد
|
حفظ
|
بحث
|
إضافة إلى المفضلة
|
للاتصال بالكاتب-ة
عدد الموضوعات المقروءة في الموقع الى الان : 4,294,967,295
|
-
دمياط تتحدى دافوس !
-
هوامش على دفتر النكبة
-
الفوضى -الهدامة-
-
علاوة الأسعار (2)
-
علاوة الاسعار !
-
من جزارين إلي رشيد نقطة نظام
-
هذا السونامى القادم .. يا حفيظ (2)
-
ديموقراطية جديدة لمجتمع المعلومات (1)
-
هذا السونامى القادم ... يا حفيظ!
-
سيناء: ثنائية التحرير والتعمير
-
محافظ دمياط... تعظيم سلام!
-
لماذا يطالب الناس بالتغيير .. ثم يتحسرون على الماضى؟!
-
-طالبان- مصريون فى 4 شارع عبدالخالق ثروت!
-
مسئولية المجتمع (1)
-
نقابات عثمانلية!
-
إذا كانت أغلبية الصحفيين مع التمييز الدينى لا أريد عضوية هذه
...
-
إضراب.. وحريق.. وبينهما خيط رفيع
-
والله العظيم ...تحسين الأحوال المعيشية للناس..ممكن
-
هل نرفع الراية البيضاء أمام مافيا أراضى الدولة؟ (1)
-
حيرة الحكومة بين -التعطيش- و-التسقيع-
المزيد.....
-
رجل وزوجته يهاجمان شرطية داخل مدرسة ويطرحانها أرضًا أمام ابن
...
-
وزير الخارجية المصري يؤكد لنظيره الإيراني أهمية دعم اللبناني
...
-
الكويت.. سحب الجنسية من أكثر من 1600 شخص
-
وزير خارجية هنغاريا: راضون عن إمدادات الطاقة الروسية ولن نتخ
...
-
-بينها قاعدة تبعد 150 كلم وتستهدف للمرة الأولى-..-حزب الله-
...
-
كتاب طبول الحرب: -المغرب جار مزعج والجزائر تهدد إسبانيا والغ
...
-
فيروز: -جارة القمر- تحتفل بذكرى ميلادها التسعين
-
نظرة خلف الجدران ـ أدوات منزلية لا يتخلى عنها الألمان
-
طائرة مساعدات روسية رابعة إلى بيروت
-
أطفال غزة.. موت وتشرد وحرمان من الحقوق
المزيد.....
-
الحوار الوطني الفلسطيني 2020-2024
/ فهد سليمانفهد سليمان
-
تلخيص مكثف لمخطط -“إسرائيل” في عام 2020-
/ غازي الصوراني
-
(إعادة) تسمية المشهد المكاني: تشكيل الخارطة العبرية لإسرائيل
...
/ محمود الصباغ
-
عن الحرب في الشرق الأوسط
/ الحزب الشيوعي اليوناني
-
حول استراتيجية وتكتيكات النضال التحريري الفلسطيني
/ أحزاب اليسار و الشيوعية في اوروبا
-
الشرق الأوسط الإسرائيلي: وجهة نظر صهيونية
/ محمود الصباغ
-
إستراتيجيات التحرير: جدالاتٌ قديمة وحديثة في اليسار الفلسطين
...
/ رمسيس كيلاني
-
اعمار قطاع غزة خطة وطنية وليست شرعنة للاحتلال
/ غازي الصوراني
-
القضية الفلسطينية بين المسألة اليهودية والحركة الصهيونية ال
...
/ موقع 30 عشت
-
معركة الذاكرة الفلسطينية: تحولات المكان وتأصيل الهويات بمحو
...
/ محمود الصباغ
المزيد.....
|