أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - إكرام يوسف - مثلما النسمة من بردى!














المزيد.....

مثلما النسمة من بردى!


إكرام يوسف

الحوار المتمدن-العدد: 2284 - 2008 / 5 / 17 - 10:43
المحور: كتابات ساخرة
    


"مر بي يا واعداً وعداً مثلما النسمة من بردى، تحمل العمر تبدده، آه ما أطيبه بددا". .صوت فيروز ينساب ملائكيا من مذياع بيتنا القديم.. طفلة كنت لم أزل دون العاشرة، صيغت مشاعرها ضمن جيل تربى على أناشيد وأشعار، وشعارات ملخصها "بلاد العرب أوطاني"!.. سوريا بالذات حظيت بمكانة خاصة في القلب.. امتزجت بطعم الحسرة في صوت مدرسين.. على حلم قالوا لنا أن "الأعداء" أجهضوه قبل دخولنا المدرسة!.. عندما تلوح الفرصة بعد أربعة عقود لزيارة دمشق، تصحو عصافير الأحلام وتزقزق فرحة مهللة..توق لا حدود له للتعرف عن قرب على "سوريا الشقيقة" كما تعلمنا، و"القطر الشمالي" كما كان يردد من سبقونا إلى المدرسة بسنوات قليلة. استعيد صوت فيروز" أنا حبي دمعة هجرت إن تعد لي أشعلت بردى".. لم تستطع دروس الجغرافيا أن تطبع في ذهني وروحي صورة نهر "بردى" ملثما فعل صوت فيروز..
في التاكسي الذي أقلنا من المطار، اكتشفت تشابها يصل إلى حد "التوأمة" بين شوارع دمشق والكثير مع شوارع القاهرة.. نمر من شارع إلى شارع فأشير إلى زوجي "هذا شارع قصر النيل، وهذا ميدان روكسي، أما هذا فشارع الجيش".. بالطبع لم تكن هذه أسماء شوارع دمشق لكنني كنت أقصد مدى التماثل بين هذه الشوارع مع شوارع القاهرة مع اختلاف في سعة الشوارع ونسبة الازدحام.. صدق السائق على ملاحظاتي قائلا أنها ليست المرة الأولى التي يسمع فيها هذا الكلام من مصريين يقلهم من مطار دمشق في زيارتهم الأولى.. لم نستطع مقاومة الفضول، فما أن وضعنا حقائبنا في الفندق حتى انطلقنا خارجين.. الإثارة مع جو المدينة الدافيء في بداية الشتاء شكلا معا دافعا قويا لتفضيل التمشية على الأٌقدام.. قيل لنا أن الفندق يطل على النهر.. وما أن لامست أقدامنا رصيف الشارع حتى صفعتنا المفاجأة التي لم تخطر على بال..ليس هناك بردى!.. مياه النهر في دمشق جفت!، ولم يعد باقيا من آثاره سوى سورين متقابلين، كانا يقفان قبل خمس عشرة عاما على ضفتيه!.. اعتصر القلب حزن محبط.. لذت بمشاعر الفرحة التي اختزنتها للقاء الشام لأبعد عن ذهني التفكير فيما شعرت به "فيروز" عندما بلغها نبأ حفاف نهر بردى..
اكتشفت أيضا تماثلا كبيرا بين الدمشقيين والقاهريين، ابتسامة مرحبة ترتسم تلقائيا على وجه من تستوقفه لتسأله عن الطريق، نفس التعاطف الودود مع "الضيوف".. لاحظت أن دمشق ـ الآن ـ تشبه كثيرا القاهرة في متصف السبعينيات، مظاهر انفتاح أولية، تبدت في أسماء أجنبية تلوح على استحياء من هنا وهناك على لافتات بعض المتاجر.. وكافيتريات غربية المظهر يجلس فيها شباب حرصوا ـ لتوهم ـ على مجاراة صرعات أجنبية في الملابس وتسريحات الشعر، واستخدام مفردات لغات مختلفة بلا داع في معظم الأحيان.. قيل لنا أن هناك بوادر لتشجيع رأس المال العربي والأجنبي تذكرت الراحل أحمد بهاء الدين وتعبيره اللماح "انفتاح السداح مداح".. أشفق من تأثير سنوات الانفتاح القادم على "دور" الشام القديمة، التي تحولت إلى مطاعم فولكورية، مازالت تحمل عبق ماض تليد، بزخارفها المميزة وطابعها شديد الخصوصية، بل وحتى طريقة تقديم الأطعمة السورية شهية المذاق، وبأسعار معقولة.
أغنية صباح "م الموسكي لسوق الحميدية"، تحث خطانا إلى السوق الأشهر، نفس زحام الموسكي، ونفس المعروضات تقريبا، منتجات يدوية صنعت بأيد وطنية ماهرة توارثت الصنعة عن الأجداد.. والمدهش أن بعض المعروضات جاءت بالفعل من الموسكي لتعرض في سوق الحميدية!.. حتى أسلوب الباعة في "اصطياد" الزبائن لم يختلف.. كان الإرهاق قد بلغ بنا منتهاه حين قررنا العودة للفندق متغلبين على جميع محاولات الباعة جذبنا.. نجح بعضهم في التخمين، فخاطبنا بلهجة مصرية "مش لازم تشتروا.. اتفرجوا بس".. "خدوا فكرة".. يا الله.. نفس طريقة اعتراض الزبائن، ونفس الإلحاح.. أطبق علينا أحدهم بإلحاح لم نستطع معه فكاكا.." تعبت من السير سأعود غدا".. "خدي فكرة بس".. "تعبانة مش قادرة أقف".. ظهر مقعد خشبي صغير في لحظة "استريحي واتفرجي"..في ثوان، كان يعرض علينا مفارش سفرة.. أبديت إعجابي بأحدها قائلة "سأحضر غدا لأراه بالنهار".. بلهجة صياد لمح ضعف الفريسة "هو بثمانية آلاف ليرة خذيه بسبعة ونصف".. "باقول لك تعبانة وحاجي بكرة".. "خلاص خذيه بستلاف".. ظللت أكرر اعتذاري بالتعب، وهو "يفاصل" نفسه ..إلى أن وصل بالثمن إلى ثلاثة آلاف ليرة فقط.. عند هذا الحد قرر زوجي إنهاء الموقف بالشراء.. وعدنا للفندق ونحن نضحك.. فأنا وهو لانجيد بالمرة فن التعامل مع الباعة، ونعرف أننا لو كنا ذهبنا وفي ذهننا الشراء لكنا قبلنا السعر منذ أن قال أنه سيعطينا المفرش بسبعة آلاف ونصف، وكنا سنفرح لأننا حصلنا على خمسمائة ليرة خصما!



#إكرام_يوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- رحلة لأسوان
- شريفة!
- توأمي الضاحك
- فعلتها طهران!
- الوطن ليس أغنية !
- الوطن ليس أغنية!
- عبارات سيئة السمعة
- لم نكن مخطئين.. والتاريخ يشهد
- الديون.. وكوابيس التاريخ
- المصريون.. وأيديهم الناعمة
- عندما تفضل واشنطن الاقتصاد الموجه
- ثروتنا البشرية.. إلى أين؟
- إسكان الشباب وبيع العقارات للأجانب.. والأمن القومي
- موسم الهجوم على أوبك
- التحرير الاقتصادي الحقيقي الذي ننشده
- دروس الغزو الصيني للاقتصاد المصري
- العروبة بين الأغنيات والمصالح المادية
- خطر يهدد البشرية ونحن نيام
- الفتنة لم تعد نائمة..
- البديل البوليفاري ..والوصفة السحرية


المزيد.....




- -البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو- في دور السينما مطلع 2025
- مهرجان مراكش يكرم المخرج الكندي ديفيد كروننبرغ
- أفلام تتناول المثلية الجنسية تطغى على النقاش في مهرجان مراكش ...
- الروائي إبراهيم فرغلي: الذكاء الاصطناعي وسيلة محدودي الموهبة ...
- المخرج الصربي أمير كوستوريتسا: أشعر أنني روسي
- بوتين يعلق على فيلم -شعب المسيح في عصرنا-
- من المسرح إلى -أم كلثوم-.. رحلة منى زكي بين المغامرة والتجدي ...
- مهرجان العراق الدولي للأطفال.. رسالة أمل واستثمار في المستقب ...
- بوراك أوزجيفيت في موسكو لتصوير مسلسل روسي
- تبادل معارض للفن في فترة حكم السلالات الإمبراطورية بين روسيا ...


المزيد.....

- فوقوا بقى .. الخرافات بالهبل والعبيط / سامى لبيب
- وَيُسَمُّوْنَهَا «كورُونا»، وَيُسَمُّوْنَهُ «كورُونا» (3-4) ... / غياث المرزوق
- التقنية والحداثة من منظور مدرسة فرانكفو رت / محمد فشفاشي
- سَلَامُ ليَـــــالِيك / مزوار محمد سعيد
- سور الأزبكية : مقامة أدبية / ماجد هاشم كيلاني
- مقامات الكيلاني / ماجد هاشم كيلاني
- االمجد للأرانب : إشارات الإغراء بالثقافة العربية والإرهاب / سامي عبدالعال
- تخاريف / أيمن زهري
- البنطلون لأ / خالد ابوعليو
- مشاركة المرأة العراقية في سوق العمل / نبيل جعفر عبد الرضا و مروة عبد الرحيم


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - كتابات ساخرة - إكرام يوسف - مثلما النسمة من بردى!