أخبار عامة - وكالة أنباء المرأة - اخبار الأدب والفن - وكالة أنباء اليسار - وكالة أنباء العلمانية - وكالة أنباء العمال - وكالة أنباء حقوق الإنسان - اخبار الرياضة - اخبار الاقتصاد - اخبار الطب والعلوم
إذا لديكم مشاكل تقنية في تصفح الحوار المتمدن نرجو النقر هنا لاستخدام الموقع البديل

الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - بدل -بول-















المزيد.....

بدل -بول-


إبراهيم اليوسف

الحوار المتمدن-العدد: 2283 - 2008 / 5 / 16 - 07:43
المحور: الادب والفن
    


ترجمة: ابراهيم اليوسف

ثمّة شيء واحد ، كان يقلقني في تلك اللّيلة ، وأنا أعود من دمشق إلى مدينتي -قامشلي –حيث كان الباص يسير بسرعة البرق ، كحصان هائج ، دون أن أشعر بأننا نقطع المسافات ، مادامت مثانتي تؤلمني على نحو غير مسبوق ، كي تشغلني في هذه اللّحظة فكرة وحيدة ، لا ثاني لها ولا أخت ولا أم ، وهي :
- كيف أتبول؟

أجل ، وحده التبوّل كان يشغل كلّ تفكيري، عن كلّ ما في هذا العالم ، لا تهديد السائق لنا وهو يتلقّى نبأ ارتفاع سعر المازوت، بأنه سيضاعف تسعيرة البطاقة، ولا - الزيادة الجزئية للراتب التي تمت الليلة........!


عبثاً حاولت أن أنام ، بيد إنني لم أتمكن من ذلك ، حيث بدأت أشعر بالتهاب حارق في أسفل البطن ، كان يقشعرّ بسببه كامل بدني ، وأنا أتصبب عرقاً ، و أحاول أن أتماسك ،و أردّ على أسئلة جاري الثرثار :
ماذا نفعل إزاء ما جرى من رفع للدعم عن المازوت ، والغاز المنزلي.....؟
نبول –أقول له لا شعورياً ، فيقهقه وهو يخالني أمازح ....
-أجل لقد أكلنا "......." ولنشرب "........"
وخزات البول تنتشر في جسدي من جديد,تؤلمني ,أكاد أرفع صوتي,وأنادي مرافق الباص:
أرجوك ، قف...!؟
بيد إنني أخجل,ولا سيّما إن هناك نساءً في الحافلة,وهو ما يزيد من إحراجي......

أسئلة جاري تأتيني بدورها كالمطارق على رأسي,وأنا أحسّ بالألم يزداد, بل إن الأمر يتفاقم بأكثر ,لدرجة إنّني أخشى من أن أ فتقد التحكم بأعصابي ، وأبلّل بنطالي
-ما العمل ؟ ، يعيد عليّ جاري في المقعد السؤال نفسه، بصياغة أخرى ....
-يجب أن يقف....
( أرد بلا مبالاة ، كمن لدغته أفعى كي يقاطعني صاحبي )
-جنون الأسعار
-بل الباص....

برأيك هل السبب هو الفريق الاقتصادي ؟، أم رئيس الحكومة ؟، أم هؤلاء السوبر فاسدين ؟

لم يبق أمام الفاسدين إلا أن يبيعونا الهواء، كل شيء سرقوه......

العرق يتصبّب من كامل أنحاء جسمي,أحسّ بخدر شديد ،يبدأ من أصابع قدمي,مروراً بأسفل بطني ,وحتّى قمّة رأسي,وأنا أرتعش,فأحاول أن أنكمش على نفسي ,دون حراك،أتألّم حتّى من أنفاسي، ليس لي أي مزاج لأعلق على ما يقوله جاري الطارىء


فجأة,يعلن قائد البولمان أنّنا قد وصلنا إلى إحدى –الاستراحات-وسيقف الباص هناك ، لمدّة ربع ساعة,أحاول أن أتنفّس الصعداء,ينزل الرّكاب واحداً تلو آخر,أكاد أقول للجميع :

قفوا ودعوني أتبوّل....!.


فجأةً ، أجد نفسي أنزلق من الباب الأمامي ,وأهرول صوب دورات المياه , كي أدخل دون استئذان من أحد ، وأنا أنظر إلى بنطالي خشية أن أكون قد بللته ، وأردّ يدي ، خجلاً من العيون من حولي، وهي تنزل محاولة الإمساك بما بين فخذي ،كي أحافظ على اتّزاني ,فيستوقفني طفل صغير وضع طاولته أمام المدخل ، وعليها صحن فوقه قطع نقدية مبعثرة,وعلب مناديل ورقية :
عمو، التسعيرة صارت الليلة بخمس عشرة ليرة.......!
أنقده- بلا تفكير- قطعة نقدية ذات خمس وعشرين ليرة,وأنا أدخل ,وكأنّني لا أقوى على الردّ عليه,كي يعيد إلي ما تبقّى لي عنده,وأنا أقال في نفسي :

-هل زيادة سعر دخول دورة المياه أيضاً ، له علاقة برفع الدعم من قبل الحكومة عن المازوت.....!؟



فجأةً ، أقف أمام المباول,لأجدها كلّها مشغولة,أختار أحد المتبوّلين, حيث أظنّ أنّه سيفرغ من بوله بأسرع ،وأقف خلفه,وكأنّني أستحثّه أن يفرغ من بوله ,وأنا أفكّ آخر أزرار بنطالي,أعتصر نفسي كي أفرغ كلّ ما في مثانتي من بول,بيد إنني ما إن يصلني الدور ، آخذ وضعية البول رشا، حتى أحسّ بأن سفوداً يخترق مثانتي ويصل ...آه....أتألم.... أتألم، أعض على شفتي السفلى

أحاول أن أسلي نفسي، بتذكر أي شيء، لعلي أريح مثانتي، كي أتذكر رفع الدعم عن المازوت ، بل عن كل شيء قبله ، زيادة الراتب ، أحاول أن أحسب كم يضاف إذاً على راتبي التقاعدي....


أتذكر ما قاله جاري في الباص:

غدا سيبيعوننا الهواء
أحقاً سيبيعوننا الهواء....
لكن ،عبثاً تروح محاولتي,إذ لا تسقط منّي سوى قطرة واحدة,يأتي أحدهم يقف خلفي ، لعلي أفرغ بدوري من بولي ،دون جدوى,كي تمرّ دقائق كثيرة,لينزل بولي قطرة قطرة، وينصرف ذلك الشخص إلى مبولة أخرى تبدو غير مشغولة.

أترك المبولة,كي أنصرف إلى الخارج,لأرى كثيرين من ركاب الحافلة يتوجهون إلى العراء ، يفرغون ما في مثاناتهم، متهربين من دفع أي مبلغ عن تبولهم ، وأنا أفكّر أنّ كلّ شيء فعلاً صار يباع ، الماء بثمن ، والعشب ، ونار الكهرباء بثمن ، والهواء وحده لم تفكر به حكومتنا المصون ، حقاً ، كي تبيعنا إياه ، ولعلنا سنسمع ذات يوم – لا سمح الله-عن بعض مستثمرين يعرضون على الحكومة كيفية بيع المواطن آخر ما بات يستهلكه مجاناً ، وهو هذا الهواء
يصيحني أحدهم باسمي:

تفضّل أستاذ ألا تشرب كأس شاي؟,أعتذر منه, لأن شرب كأس شاي يعني أن تقيم مثانتي ثورة في هذا الباص ، كي نشطح بي المخيلة كيف أن أحد صاغة الذّهب راح منذ أسابيع ، فحسب ، يقطع الطريق العام,ليتهرّب من دفع أجرة البول، ويتبوّل في عراء هذا المكان الصحراوي ، ذاته ، فدهسته سيارة,كي يعثروا في حقيبته، بعد ذلك ، على عدة كيلوات من الذهب وملايين الليرات......!.

أعود إلى ذلك الطفل,أحاول الدخول ,ليصيحني : عمو ، خمس عشرة ليرة ...؟!

أردّ عليه : نعم ، عمو سأدفع لك.......حالاً......

أطلق ضحكة ، وأنا أقف أمام المبولة قائلاً :

لماذا لا يخصصون في –أذونات سفر- الموظفين حقلاً ، يسمونه "بدل البول",خاصة وإنني أخصّص في كلّ مرة جزءاً,من نفقات سفري إلى العاصمة للبول,كلما ناقشت أمّ العيال في تفاصيل جدول نفقات السفر ,كي أفرغ نقاطاً أخرى من البول,وأنا أطلق قهقهة عائداً إلى الحافلة ,لأجد جميع الرّكاب في انتظاري ، وأنا أفكر في قرارتي:

كيف نصل إلى –استراحة-تالية-كي أبول براحة أكثر،ما دامت مثانتي قد عادت مرًّةً أخرى لتبدأ وخزاتها الحارقة، أتوجّه إلى مقعدي حيث يلوّح لي جاري في المقعد بيده عالياً ، وكأنه يعاتبني أين كنت حتى الآن، كي يسألني:

ما العمل.....؟.......... ....


قامشلي
3-5-2008

وقعت القصة بين يدي على قصاصات ورقية، فترجمتها، بلا تردد ، دون أن أتأكد من اسم مؤلفها ، ورجاء ممن يعرف صاحبها مراسلتي على بريدي الألكتروني




#إبراهيم_اليوسف (هاشتاغ)      



اشترك في قناة ‫«الحوار المتمدن» على اليوتيوب
حوار مع الكاتبة انتصار الميالي حول تعديل قانون الاحوال الشخصية العراقي والضرر على حياة المراة والطفل، اجرت الحوار: بيان بدل
حوار مع الكاتب البحريني هشام عقيل حول الفكر الماركسي والتحديات التي يواجهها اليوم، اجرت الحوار: سوزان امين


كيف تدعم-ين الحوار المتمدن واليسار والعلمانية على الانترنت؟

تابعونا على: الفيسبوك التويتر اليوتيوب RSS الانستغرام لينكدإن تيلكرام بنترست تمبلر بلوكر فليبورد الموبايل



رأيكم مهم للجميع - شارك في الحوار والتعليق على الموضوع
للاطلاع وإضافة التعليقات من خلال الموقع نرجو النقر على - تعليقات الحوار المتمدن -
تعليقات الفيسبوك () تعليقات الحوار المتمدن (0)


| نسخة  قابلة  للطباعة | ارسل هذا الموضوع الى صديق | حفظ - ورد
| حفظ | بحث | إضافة إلى المفضلة | للاتصال بالكاتب-ة
    عدد الموضوعات  المقروءة في الموقع  الى الان : 4,294,967,295
- بيان شخصي ضد ّالهجرة:-هنا الحسكة- في ....دمشق...!
- مهرجان قامشلي الشعري دون شعراء قامشلي
- المازوت أوّلاً.....!
- بيان شخصي ضد ّالهجرة:-هنا الحسكة- في .... دمشق...!
- المازوت أولاً
- مرثاة الدم الأخضر
- إطمئنوا ....وطمئنونا عنكم*......!
- طلب انتساب إلى إعلان دمشق...!
- هذا القائد هذا الموقف
- هذا الاجتياح الهمجيّ هذا الإجماع الكردي...!
- سامية السلوم في كتابها الجديد - صراع الآلهة -
- على هامش كتابها الثالث-صراع الآلهة- سامية السلوم: لا آلهة عل ...
- رسالة عاجلة إلى د. عبد الله الدردري نائب رئيس مجلس الوزراء ل ...
- -أكمة- سنجار....؟!
- من قتل صديقي الصحفي عبد الرزاق سليم ؟
- إبراهيم اليوسف
- في الوداع الأخير للشاعر كلش
- حين يرثي النّثر
- رسالة مفتوحة إلى د. نجاح العطارنائب رئيس الجمهورية للشؤون ال ...
- دواعي الاستقواء كردياً:-تهديدات الاجتياح التركيّ لحرمة كردست ...


المزيد.....




- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- مصر.. عرض قطع أثرية تعود لـ700 ألف سنة بالمتحف الكبير (صور) ...
- إعلان الفائزين بجائزة كتارا للرواية العربية في دورتها العاشر ...
- روسيا.. العثور على آثار كنائس كاثوليكية في القرم تعود إلى ال ...
- زيمبابوي.. قصة روائيي الواتساب وقرائهم الكثر
- -الأخ-.. يدخل الممثل المغربي يونس بواب عالم الإخراج السينمائ ...
- عودة كاميرون دياز إلى السينما بعد 11 عاما من الاعتزال -لاستع ...
- تهديد الفنانة هالة صدقي بفيديوهات غير لائقة.. والنيابة تصدر ...
- المغني الروسي شامان بصدد تسجيل العلامة التجارية -أنا روسي-
- عن تنابز السّاحات واستنزاف الذّات.. معاركنا التي يحبها العدو ...


المزيد.....

- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / د. أحمد محمود أحمد سعيد
- اللغة الشعرية فى مسرح الطفل عند السيد حافظ / صبرينة نصري نجود نصري
- ببليوغرافيا الكاتب السيد الحافظ وأهم أعماله في المسرح والرو ... / السيد حافظ
- السيد حافظ أيقونة دراما الطفل / أحمد محمود أحمد سعيد
- إيقاعات متفردة على هامش روايات الكاتب السيد حافظ / منى عارف
- الخلاص - يا زمن الكلمة... الخوف الكلمة... الموت يا زمن ال ... / السيد حافظ
- والله زمان يامصر من المسرح السياسي تأليف السيد حافظ / السيد حافظ
- جماليات الكتابة المسرحية الموجهة للطفل مسرحية "سندريلا و ال ... / مفيدةبودهوس - ريما بلفريطس
- المهاجـــر إلــى الــغــد السيد حافظ خمسون عاما من التجر ... / أحمد محمد الشريف
- مختارات أنخيل غونزاليس مونييز الشعرية / أكد الجبوري


المزيد.....
الصفحة الرئيسية - الادب والفن - إبراهيم اليوسف - بدل -بول-